المثقف والسلطة الدينية
07-07-2009, 09:26 AM
المثقف والسلطة الدينية
بقلم بن اسماعين زليخة خربوش
في اطار المثقف والسلطات المتظافرة ضد عقل المثقف نتحدث اليوم عن المثقف والسلطة الدينية، وعندما نتحدث عن السلطة الدينية نقصد الدين الشعبى واثره على الثقافة والفكر طيلة الاربعة عشر قرنا ، وما جرفه التاريخ معه من الفترة التى سبقت ظهور الاسلام فى مكة ، والتي تصارعت فيها الاديان المختلفة والثقافات المتنوعة ، التى تنتمى الى الماضى السحيق …
اما الدين السموي كما اراده الله لعباده فهو الذي خلقه وهو يحفظه في نصوصه... ولا يتغير وانما تتغير طريقة فهمنا له والارتباط به حسب كل عصر... لان الزمن نسبي، " ان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون " صدق الله العظيم ـ وهذا من اختصاص فقهاء النهوض القادرين على فهم النص واستنباط الموقف الاسلامي العام منه حسب ظروف العصر، فلا يعتبرون الا المصحة العامة سواء تعلق الامر بما في النص اوبما ليس في النص كما يري ذلك سيد العقلاء { ابن رشد} الذي كان له الاثر الاكبر في توجيه العقل الاوروبي في القرون الوسطى، سواء في مجال الدراسة العلمية والفكرية او في مجال الدين وفلسفة الراشديين اللاتينيين وعلى رأسهم { لاكويني }
وابن رشد يرى ان الفقيه يجب ان يكون موسوعيا عالمابكل العلوم الدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.... لان النظرة النهضوية تتطلب قيادة فكرية وهذه لا تخرج من العوام .
ونحن هنا نتحدث عن السلطة الدينية كما قولبها بعض المتفقهين المنكصين في اللاوعينا ومخيالناواصبحنا ننتج ثقافة تكررنفسها... وظاهرة التفقه بالدين اصبحت تؤلف خطرا علي عقولنا واصبح يتشدق بها كل من جره الوادى ، يحلل ويحرم يمنع ويمنح حسب نزواته... وبان اثر هذه الظاهرة واضحا على الصعيد الفردي والجماعي .
وهذه الظاهرة كانت ثابتة ولا زالت مستمرة…اما القضايا الهامة التى اثارها { الاشعري }مثلا لم يواصل السنيون دراستها ، كما ان القضية التي اثارها { ابو جعفر الطوسي} لم يدرسها الشيعيون، ولا حتى الفكر الاصلاحي اقتحم ابعادها ، لان التحجر يجعل المثقف واقفا في نصف الطريق غير قادر على تحمل المسؤولية في مثل تلك القضايا، ولان بعض الحكام والمتفقهين يريدون للعوام ان يعتقدوا ان الدين يعني الانغلاق على النفس والتصورات الخرافية في كل ما يمس العقيدة والقانون والسياسة والاجتماع والاقتصاد ، او يوهمون الناس ان الصحوة تعني صحوة السواعد والالسنة لاغراق العقول في الضباب وفي بين البين : يدمجون الدين في المظاهر التاريخية والخاصة بحادثة او بفترة ،ويحتمون بالفتاوى المموهة وفي مثل هذا يقول { سيد قطب }:ما احوج المسلمون الى من يرد لهم ايمانهم بهذا الدين الذي يحملون اسمه ويجهلون كنهه وياخذونه بالوراثة اكثر مما ياخذونه بالمعرفة … "
يري العلاماء ان الدين السموي بدأ ثورة وانتقل الى مجتمع اسلامي وأقام ،صلعم، دولة سياسية دينية كونها بالمسلمين الاولين الصادقين والمسلمين المنافيقين واليهود وغيرهم ...وكانت دولة ذات إرادة وسياسات وعدل ودواوين... وكان الدين والدولة متلازمين... اما ديناصورات الدين الشعبي اخذوه لخدمة اغراضهم سواء في رفض فصل الدين عن السياسة او في تطبيقه... انحرفوا بالدين الي مرحلة تأسيس السياسة ، من خلال ميثولولجة الامامة والسلطنة بلا حدود، ثم توطدت نظرية الامامة المعصومة والنيابة عن الله وصارت السلطة في يد رجال السياسة والقيادة الفقهية ، وذلكلانهم اغلقوا ابواب الاجتهاد على العلماء النهضويين، ولم يكن هناك قانون ينظم مسالة الحكم ، كانت مسالة الحكم مسالة اجتهادية تختلف باختلاف المصالح – انحرفوا عن طريقة ابن حزم والشاطبي وابن تيمية الذي يرى ان تاخرنا كامن في غياب العدل ) - واقرا كيف ان ابا بكر طبق المركزية مثل النبي الكريم في تلك الاوطان الشاسعة لان الوضع كان يتطلب ذلك اما عمر العادل طبق الشريعة باجتهاده وانتهج اللامركزية حسب الوضع القائم... لانهم كانوا حرصين على الحياة القائمة على العدل وعدم التنازع والتفرقة ) ولكن المغرضون تودروا بين الدين والدولة ، الشيء الذي كان يدعو الى الغاء الحريات التي تحقق كرامة الانسان... كما منع العلماء من وضع اسس لتطور فكر النهوض ونضال الاخراج من الظلمات.
اولي مطالب المثقف هي الحرية ، والدين السموي مبني على هذا الاساس المتين ، اما في الدين الشعبي يتحكم العقل السائد وينعدم هذا العنصر الاصيل في التربية الصحيحة ، بل يبقي يسيطر منطق الرجعة والجمود الذي قد يحطم بعض القيود ولكن لا يؤدي الي تغيير الاوضاع، لان هذا الاسلوب ، يرفض التمنطق مع العصر ، وعوضا عن ان يكون عينا علي السلطة نجده عينا لها على جزر الشعب .
عمل الاسلام اثناء بزوغه على قهر الاستبداد بالرأى والحكم واحتكار التشريع ،:ترك لنا نبينا اربعة معالم اساسية :
امركم شورى بينكم....
شاورهم في الامر....
كلكم راع وكل راع مسؤول ..
انتم ادرى بشؤون دنياكم....
ولكن التقوقع وقف في طريق تطور هذه المعالم... ولا زال يقف في طريق المثقف والمفكر، الذي يريد ان يصدع بالحق في ابطال المفاهيم الخاطئة، وما يرتبط بها من استبداد سياسي وديني.
المثقف يريد ان يفضح السياسي فيما هو ديني ويعري مرتكزات الاستبداد في معاقله، لكن القصور والمكابرة تهدف الي خنق الحريات فتكثف المغاليق وتودر المفاتيح حتى يتحول اتجاه المثقف الى التراجع عن الحق، وتسكته عن الاشياء، فيغمض عينيه عن الصراعات الحادة بين الواقع والمعاصرة من جهة، وبين النظرة الدينية المثالية...ويتخلي عن الفهم المبدعللحقيقة والهوية والسلطة. وتلك الصراعات التي نحياها هي سبب تفرقتنا وتشتت كلمتنا ، كانت ولا زالت تعمل على احياء الصراعات وتشابك الاراء والافكار... كما كانت تغذي صراع الدين مع القبيلة... وتحدث ازمات الانتماء الديني، وتتركنا نعاني خلافات العلاقات الخاصة بين الدين والتطور الاجتماعي ، وكل حركات التطور الفكري عندنا عجزت عن التخلص من ربقة الدين الشعبي كما يفهمه الغاشي المتباين في اهدافه ورغباته. وهذا التباين هو الذي جعل الدين عائقا اساسيا امام أي نهضة او تطور فكري، لاننا نقود نهضة بعقول غير ناهضة، عقول تدور في مكانها ، تكرس نفس الكلام وتنشر الفراغ الفكري والاستلاب...
بعض الفئات وجدت الدين الشعبي مشجبا تعلق عليه نزواتها الفردية ،وبما انها تخاف الشعب ، تعمل علي تخويفه. ومن خلال الدين تقتحم المجتمعات لتمنع كل تغيير اجتماعي او فكري ـ مع ان الدين السموي في بدايته كان ثورة رافضة ، حول المجتمع القبلي الي امة ذات عقيدة جديدة غيرت وجه التاريخ الانساني -
لم تكن معارضة قريش للنبي حفاظا علي الاصنام ، وانما تحطيم الاصنام كان يعني تحطيم الحركة الاقتصادية والمركزية والسطوة التي احتلتها الجزيرة آن ذاك... لكن بعد وفاته عليه الصلات والسلام وظف الدين في المحافظة علي الاوضاع .. تلك الاوضاع التي عودتنا علي ان نلعب دائما دور الضحية كما عودتنا علي فتح ابواب الشكاية ضد الجلاد الذي صورناه في اذهاننا وتركنا له ادارة شؤوننا وتقرير مصائرنا. .. هكذا يتاح لنا ان نتغطي ببرنوس التبرير ونمسح سكين اخطائنا في غيرنا او نرمى اللوم على بعضنا اوحكامنا... اذا ضربنا (بوش او نتان ياهو).
مع انه اذا كان حاكمنا اعوج فلاننا كلنا نتصف بالعوج ، والحديث الشريف يقول : " المرء حيث يضع نفسه " والآية الكريمة تقول : " ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم "
دور المثقف هو تغيير النفوس والعقول لتساير سنة الله في خلقه ، وتمشي مع المجتمع في حركة تغييره وصنعه وتشكيله... والمثقف هو الذي يرتب ويعيد ترتيب علاقتنا بالمفاهيم. الفنان بحكم انه حساس ، هو الذي ينبغي ان يخطط للسياسة والسياسة هي التى يجب ان تسير وراءه... ولا يهم ان تاخذ او ترمي افكاره... ولكن حركتنا مقلوبة، اغلب المفكرين يلهثون وراء السياسة؟ ومن ثم تملي عليه رغباتها مخططاتها.
علينا ان نرتوي احباطا ونعترف ان الفئة القليلة هزمت الجماهير العربية العريضة لعلنا نفطن يجب ان نعترف انها حكمت عقلها ونحن حكمنا عواطفنا. .. اعتدنا ان نسمي العلم والمعرفة غزوا فكريا، نخافه ونهرب منه ونضرب المفكرين بألقاب السوء و الواقع ما نسميه غزوا هو الذي علمنا نفكر في اللامفكر فيه ونتحدث في المسكوت عنه، اننا نهرب لعجزنا عن المشاركة في الريادة والحضارة المعاصرة. .. آن الاوان لنشمر علي سواعد عقولنا ، يكفينا كذبا على نفوسنا. دقت الساعة لنعرف ان الجلاد الحقيقي هنا...؟ ثابت في طريقتنا في التفكير. حقيقة قد يكون الانفتاح غزوا فكريا اذا بلعناه دون مضغ، قد يسمم عقولنا لكن اذا هضمناه وحولنا الى كياننا، فهو كنز لنا يفيدنا ويسد ثغرة الجهل فينا... كما استفادت اروبا من تراثنا في القرون الوسطى، وكما استفاد اجدادنا من الحضارات السابقة التى نقحوها وصححوها وهضموها وحولوها الى كيانهم وشاركوا في حضارة عصرهم بالجديد.
انصار الدين الشعبي يريدوننا متخلفين سواء كنا اغنياء او فقراء ، لان التخلف يخدم تسلطهم واستبدادهم...
علمنا التاريخ ان السلطة الدينية كانت ولا زالت تغطي الاوضاع القائمة بالشرعية وتقدمها للطبقة المستبدة بالحكم والتي تستعمل الدين لمصلحتها وتقنع به سياستها الطاغية الفاشلة، وتجعله من مصادر شرعيتها وقمعها للناس... يقر احد اعمدة الفقه الاكبران اغلب الفرق الدينية والشيع والطوائف بدأت احزابا سياسية وصراعات علي السلطة ولا زال الدين الشعبي يستغل التشريع لوجود السياسة او لتبرير بطشها وقهرها للمفكرين ، حتى الاستدمار استعمل الدين الشعبي كحصان طروادة في اعطاء الشرعية لوجوده وظلمه وقد استعمل بعض الفرق الصوفية في اقناع الشعب بالاستعمار وبتعاونهم اضطهدوا علماء الاصلاح كالشيوخ ابن باديس والعربي التبسي والابراهيمي الذي زعوع الكيان الاستعماري بفلسفته، لان هؤلاء اهتموا بتنقية العقل من الخرافات ولاقوا في سبيل ذلك حرب الاقر بين قبل حرب الا بعدين .
وعلى اساس نظام الله ـ وحاشا ـ الذي اخترعوه ، تضافرت الطوائف ولا زالت تقام الحكومات على شرعية الانتساب الى الشرفاء ، ولا زال الاستبداد يؤسس على تحريف الآيات مثل: اطيعوا اولياء الامر منكم " وكان طاعة الحاكم فرض وواجب سادس من واجبات العقيدة... او كبتر الاية الكريمة { خلق الله الغني والفقير... ويسكتون عن: وبشر الذين يكنزون الذهب والفضة....} وعلى هذا الاساس تطرد السلطة الدينية المثقف وتزيحه عن طريقها باية طريقة كانت... فلا تعتبره حتى مفكرا اخطا او اصاب كما يقول الحديث الشريف : " اذا اجتهد المجتهد له اجر واحد واذا اصاب له اجران " السلطة تطرد المثقف لانه قادر علي تغيير الواقع وخلق سياسة فكرية جديدة تكسر العوائق الايديولوجة وتفضح الاوهام والآليات الفاشلة التي تسوق الي الازمات الخانقة.
ان طرد المثقف يعد اعتداء على انسانية الانسان... لان الانتماء حاجة ضرورية وحق من حقوق هذا الانسان ، وليس من حق احد ان يجرد الاخر من حقوقه... وليس من حق السلطة الدينية ان ترفض المثقف اذا تعارضت افكاره معها او اذا رفض مفاهيمها وتمويهها للامور. نعم المثقف يعارض السلطة الدينية عندما يرى اهل الحل والعقد ـ واختلف الفقهاء في تعريفهم ـ ينتمون الي ديكورالحاكم او عندما ينصت الحاكم لآرائهم ثم يرفض ما يرفض وياخذ ما يتفق واهدافه... له الحق في الاستبداد بالرأى ويسمون ذلك شورى ، والشورى في رأيهم هي الديمقراطية التي تعني سلطة الشعب واشراكه في الحكم؟
عبر التاريخ تواطأ اغلب اهل الحل والعقد مع السلطة الحاكمة لذبح المثقفين والشعب وذلك للوصول الى مصالح مشتركة : تقوية السلطة للحاكم والاستبداد بالدين للفقيه ، واذا حدث وعارض فقيه نزيه السلطة الحاكمة فلا احد يضمن رأسه .
في اغلب الاحيان توظف السلطة الحاكمة المؤسسة الدينية ورجالها لتنفيذ سياستها الاجتماعية والاقتصادية ، ورجال الدين الشعبي عبر التاريخ خضعوا للسياسة الحاكمة ،الا ناذرا ، وانحرفوا في تفسيراتهم للشريعة والشرع ومن اجل ذلك نادى الفقهاء النهضويون القدماء والمعاصرون، بفقه السنة : سنة الله في خلقه، سنة الحياة المتطورة لانهم فهموا ان الدين الشعبي ورقة رابحة في يد السياسي المستبد ، يبتدئ بها ثورة ويقلبها الي مؤسسة في يد الحاكم ـ لذلك يقول المفكرون: (لا ينبع الانبياء من رجال الدين لانهم يدورون في فلك السياسة والحاكم)... ويسيسون الدين... كما يحثون على الذوبان في التقاليد والطقوس ، اما الانبياء خرجوا من بين من احس بمكابدة الناس في عصره وهب ليطالب المساواة امام الله ...
ان الزيف الدينى لابنحصر فيما سبق فقط، بل يتحول الى زيف ايديولوجى ووعي مخلوط مغلوط يبعد الفرد عن مشكلاته الحقيقية وواقعه الموضوعي وهذا الزيف في الامور يجعل الناس يعالجون بؤسهم وجراحهم بالتمويه... ويقبلون الحقارة والحقا رين الذين يفسرون لهم الدين حسب الاوضاع القائمة ويغطون روح الدين السموي ولبه ببرنوس الأيديولوجية ويزوقونه بمفاهيم تخدم مصالح السياسة ويلفونها ببريق ابعاد ملونة افهمها انت كما شئت ...
ان السياسة الدينية المستبدة تريد ان تحدد للمثقف و للمواطن سبل فهم العقيدة وطرق التفسير للاوضاع المؤلمة ، فتنور الدين بانوار مصالحها لتعزيز مركزها... لهذا تجد المستبد الذي يسوس الناس بالتحايل الديني يدعم بناء المؤسسات الدينية... ويشجع الزوايا لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ولتجاوز حالات الاحباط والاغتراب التي تصيب الشعور من جراء اخطاء السياسة .
المستبد يشجع النبش في القبورالمنسية وذلك للبحث عن الادوات التي تفشل كل نهضة يقوم بها المثقف الحر– وهذا دور المستشرقين ايضا- لانهم يدركون ان المثقف قادر علي تفكيك النصوص المجردة البعيدة عن الواقع الموضوعي ، وذلك لتكريس القهر والظلم حتى يحرم على الناس ثقافة تدفع عذاباتهم وتسترجع كرامتهم.. لذا يفرضون ويوجهون الثقافة نحو حلول جاهزة متوارثة استهلكت واعيد استهلاكها واصبحت تقليدا اعمى.
ثقافة الدين الشعبي اتخذها السابقون واللاحقون للتمويه ، يقول الباحثون :ان الصوفية نشأت في بدايتها كحركة رد فعل ضد النصوص المتزمتة وضد نفي العقل والتفكير وضد هيمنة السياسة، فدعت الى تطهير النفس بالتجربة المباشرة كرد فعل ضد سوء الاخلاق ، واكد المتصوفة على حب الله من اجله هو وليس خوفا منه او طمعا . لكن تبدلت الاوضاع واصبح كل من يفكر او يثور ضد الظلم يسمى كافرا رافضا ارادة الله ـ يعني ان الله حكم بان ياخذ القوي حق الضعيف... ويقيم الحروب في دياره من اجل امنه القومي... ويسلبه ارادته وعلي الضعيف ان يسكت لكونه مؤمنا...
وفي ايامنا هذه كم مؤمنا اخذ حقه طاغية او ازهق روحه او اغتصبت ابنته امامه ، وكان عليه ان يقول : هذا عقاب الله على شرورنا .. وانت ترى اليوم كيف يرضى الناس بسلب الاراضي و الحصار والتجويع والهزائم المتكررة ونحن نقول : هذا جزاء امتنا لانها تمردت على صنيع الله وأحكامه...وكان خير لنا ان نقول : هذا عقاب الله على شرور عقولنا المعطلة والمتقاعدة التي وهبناها الله كي تبر وتعمل وتفكر وتعقل وتتحمل المسؤولية التى حملتها والتي رفضتها الارض والسماء والجبال؟ كان من الاحسن ان نقول عوقبنا لان الناس تنتج ونحن نبدد تفكيرنا في تعريب المصطلح. .. – هم اخذوا عنا الجبر فلم يتعبوا نفوسهم في فرنسته بل تركوه على اسمه-
حقا ذاك عقاب الله علي بلاهتنا لان الناس تنتج الالغام ونحن نصرف اموالنا في شرائها ونزرعها في اراضينا الطيبة... وبها نفتك بأخوتنا باسم الجهاد.. ثم نؤجر بثروتنا الخبراء ليخلصونا من شرها باسم السلم... اليس من البلاهة ان نجعل دائما اموالنا حطبا للحروب المجانية؟ هل تساءل دعاة الجهاد الذين انحرفوا بهذا المبدأ الجليل عن ظروفه ومعطياته واهدافه وراحوا يجاهدون في اخوة لهم؟ اذا حدث ومات اهلهم ـ وهم يموتون فعلا... ماديا ومعنويا – على يد الاخ ويد الاجنبي- ولم يستيقظوا ليتنا نسال من يتشدق بكلمة[ جهاد ] النبيلة ويخلط غزوة بدر وجهاد ( صلاح الدين ) بمأساة قمار و ابن طلحة وبريان وحطب المذاهب لسنا في عصر السيوف والخيل والسهام ؟ انك تبذر ثروة المسلمين في شراء الاسلحة المستوردة... انك تحرك معامل العدو الحقيقي وتمسح بطالة اهله ؟ هل تحسن استعمال السلاح يد لم تصنع السلاح ؟ رأينا الاسلحة المتطورة التي ملكها العرب وكان مآلها الدمار الشامل بل عوقبوا لانهم تجرءوا على كسبها ، "مضى الزمان الذي كان فيه المجاهد يصنع سلاحه بيده... واقبل زمان تصنع فيه الاسلحة بالعقول مجتمعة .
ان السلطة الدينية تبعد المثقف الحر وترفض كل الثقافات الوافدة التى تفتح العقل والبصائر... لانها عاجزة عن مواجه الفكر بالفكر والمنطق بالمنطق، فتلجا الى العقيدة في تفسير الاوضاع : فاذا طال حكم حاكم ظالم مدة مثلا: قالوا ذلك اراده الله لسبب ما يعجز العقل عن ادراكه لان العقل قاصر؟ انها الايديولوجية الزائفة تجد لكل سؤال جواب في التمويه والغيبية حتى تنحرف بالناس عن الواقع المشوه بحجة انتظار ( غودو) المخلص .
ان الشي الذي جر اوطاننا الى الهجرة الى الدين الشعبي لم يكن حبا في الدين بل كان تعبيرا سلبيا عن ازمة عويصة بعد ان ادرك الناس عجز السياسة الاجتماعية عن تحقيق الاهداف ، فراح بعضهم يحلل الذبح والاغتصاب ويبحث عن البديل ، ووجد في الدين الشعبي حلا ذاتيا او جماعيا لعله ينقذ هم من ضياعهم وتبعثر افكارهم . حقا ان الدين يطمئن العاطفة ويعطي الامن الذاتي، ولكنه لا يحل المشاكل وقد قالها خير قائل رضي الله عنه : السماء لا تمطر ذهبا "
ان دور المثقف اليوم هو ان يساعد الناس على تعرية الاكاذيب ومكافحة العجز القاتل الذى يدفع الفرد الى ان يهجر الحياة السياسية والاجتماعية ومن ثم يختفي التضامن ويشتعل التنافس .
ان ما نسميه وعيا دينيا في الواقع هو وعي مزيف لانه يفرض سلطة الامر الواقع وليس سلطة الواقع الموضوعي ، وهذا الوعي المزيف يغطي حقيقة الاشياء واذا ما ادرك الانسان حقيقة الدين الحقيقي يتخلص من الوهم ويؤسس عقله علي حقيقة العصر الذي يعيش فيه . ان المؤمن المزيف يسقط ذاته علي غيره – بوش وابابما - ويصبح مشلولا مغلوبا لان سجن التيولوجية التقليدية يثقل عقله بفترات التخلف فيهبط من مكان القدرة الى العجز ومن مرتية الريادة الى مرتبة الهامش ، من ثم لا قدرة له على عمل ثوري ينقذه من هاوية الاحباط.
نعم قامت في التاريخ حركات واعية استمدت قوتها من العقيدة لمكافحة الظلم مثل (ثورة نوفمبر) عندنا التي اخذ فيها الشعب السلطة والتحرر من يد الاستدمار. كما ان بعض الحركات برهنت على ان العقيدة تسير مع الحياة { الدين صالح لكل زمكان } لانها قابلة للتطورمع العصر، وليس بالعودة الى النموذج . والتاريخ اثبت انه لا يمكن العودة الى النموذج:
كان النبي الاعظم محميا بجيش من الملائكة والجن ـ اقرا سورتي الجن والنمل ـ كان (صلعم ) يحمل رسالة روحية ميزته عن البشر... كما كان يحمل برنامجاحضاريا اضف قدرته الذاتية التي رشحته لتقبل الوحي كان يملك الحقيقة الدينية التي كسرت التقاليد ومزقت حبال القبائل... واسس عليه الصلاة والسلام نظاما اجتماعيا دعمه بالقانون والقيم في عهده. .. لكن بذمتك هل ترى انت في ايامنا من يستحق ذاك التشريف ؟ هل الامام المعصوم او الخليفة يستحق ذاك التكريم؟ كلا، كلا... لسبب واحد هو ان محمد كان نبيا ... والرسالة اكتملت والحياة ماشية لم تكتمل ..لكن ترك لنا نبينا تلك المعالم التي ذكرت اعلاه لو اسسنا عليها حياتنا لما انقلبت الآية واصبحنا شر امة تتلقي الهزائم من الصبح للمساء وتامر بالمنكر وتنهى عن المعروف اقول شر امة تعرض قيمها للتشويه والصراعات المخزية والتشتت وتخلط بين الفتنة والغزوات المقدسة ، ماذا نقول لمن ضيق مجال الدرس والتفكير العقلانى ؟ ماذا نقول لمن قوعد حياتنا في بيئتنا المتطورة - سامحهم الله - ؟
لقد ادرك نبينا وهو على فراش الموت ان طبيعة الواقع تختلف من عصر الى عصر فرفض ان يعين خليفة في مكانه رغم ضغط الصحابة عليه واكتفى بقولته: " {انتم ادرى بشؤون دنياكم } لانه كان نبيا لا ينطق عن الهوى ، وكان اعلم الناس بشؤون الناس ، رفض ان تدون احاديثه حتى لا تؤخذ كمصدر للتشريع ويتلاعب بها اللاعبون ، وبقي رفضه اكثر من قرن حتى جاء عصر التدوين فدونت بامر من الخليفة . واستعملت في الصراعات السياسية بين على وعائشة ، وقبل ذلك استعملت بين شيعة على وابى بكى وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، ثم استعملت في الصراع الدموي بين على ومعاوية ثم بين شيعة على ثم بين الشيعة والامويين والخوارج.
اعتقد ان كل الفشل الذي ابتليت به امتنا في تقدمنا وتجمعاتنا واحزابنا يكمن في تجاهل الحقائق والاختلافات بين الواقع الاجتماعي في عهد النبوة وبين الواقع الاجتماعي الذي انتجته الفترات التاريخية المختلفة والتى تعايشت مع المجتمعات الاسلامية عبر التاريخ .
ظهرت فئات متعددة من المثقفين عبر نهضاتنا الحديثة والمعاصرة ، قتل بعضها بالكلام في حياته... وقتل البعض الاخر بالصمت بعد مماته... وعلقوا على جباههم الطاهرة لافتات التقسيم.
ان الهجرة الى الماضى المجيد لا يمكن ان تنقذنا ولم يعد نقيق رجال الدين الشعبيي خلصنا، لكن الذين يثبتون الثبات ويسيطرون على الحالة العقلية نجحوا في خلق الصراع الايديولوجي بين المسلمين وظهر في فكر بعض المثقفين ودفعهم الى تشتيت الفكر وابعاد المفكر عن السياسة وادى ذلك الى اتساع بقعة المسكوت عنه.
لكن هناك رجال لم يسكتوا... بعثوا ثقافة حية ضد ثقافة محنطة ( سكولاتية ) ونبغ مفكرون امثال الافغاني وعبده الطهطاوى وخير الدين التونسي وعلى عبد الرازق وطه حسين... وغيرهم من المجتهدين واجتهدوا في توفيق الشريعة مع الواقع الجديد وفق حاجات العصر ، وعن اخلاصهم لعصرهم وامتهم وآرائهم الصريحة وقعوا في خصام مع رجال الدين الشعبي التقليدي ، لان هؤلاء العقلاء طالبوا باشراك الشعب في الحكم فكان مصيرهم الاضطهاد ، ونتيجة لذلك لوي اغلب المفكرون اعناقهم نحو الماضي ، وكالمعتاد تخلوا عن المستقبل .. فاختفت الحرية والثقافة الحرة وعدنا الي فخ القيل والقال ودائرة الحلال والحرام وما يجوز او لا يجوز والقوامة والانوثة والذكورة وتخلينا عن منهج النبي الكريم الذي تمسك بدراسة القران وسنة الله، واهتم بالحس الامني والتنطيم وبناء المؤسسات واعداد القائد القدير والجندي الباسل والنضاله ضد الظلم. ..
وفي عصرنا هذا نشأت حركات ترفض الاعمال الفكرية وتحتج وتفتش عما يبرر او لا يبرر في قبور الماضي السحيق وتخرج لنا بآراء مثالية تحافظ على القداسة المزيفة وتحرس سياسة الاستبداد والتنكيل بالعباد وتخضع العقل لطريقتها في فهم النصوص ، فتفتعل القصص المثالية للعقل كى تبعده عن النظر الفكري النقدي الموضوعي . وهذه الحركات المعارضة لكل تطور تقدم افكارها الخلافية كبديل للواقع المدنس ثم تفشل وتسكت .
ولا ندري الي متي نبقي نلوي رؤوسنا الي الوراء في حل مشكلاتنا المقبلة دون ان ننجح لا في الوصول الي المجتمع الفاضل المنتظر،ولا في تحقيق نهضة اجتماعية اقتصادية سياسية تسير مع العصر, ولا في كيف نظل هاربين من حضارة العصر.
ان اربعة عشرة قرنا من التاريخ اثبتت انه لا يمكن العودة الي النموذج وكل المحاولات باءت بالفشل ، وسيظل الصراع قائما حول كيفية التوفيق ـ بطريقة معقولة ـ بين الشريعة التي بقيت هناك ممنوعة من الاجتهاد المبدع هناك حيث تعطل الفكر وحصر الفقه في الحيض والنفاس والضرب المباح او في الحدود الاربعة: كحد السرقة وحد الزنا وحد قذف المحصنات وحد الحراب كما يقول العلماء . وهذه الحدود اختلف الفقهاء في طرق تطبيقها وهي صعبة التطبيق .
. وسيظل الصراع قائما ايضا في التوفيق بين الشريعة وبين الشورى والديمقراطية وحقوق الاقلية وتعدد الزوجات واختلاط الذكور والاناث والحجاب والسفور ..والناس يبنون مستقبلهم ويقول ( المهدي المنجرة وهو من علماء المستقبل ) : اذا لم ياخذ المسلمون المبادرة لتحرير المراة فسوف يظل المسلمون في تخلف دائم " له الحق سنبقي مطحونين ونلوي عنق المستقبل نحو الماضي لنكيفه مع الانظمة المستهلكة التي ادت دورها علي احسن وجه في عصرها ولا يمكن ان نكيف مستقبلنا معها بالسيف والخنجر... وسنظل ندور في مكاننا كالبعير الذي يدك الارض التي يحرثها..
ويقول عبد الكريم العقون:{ٌان بلاء بلائنا فيما جره علينا{ اصحاب العصي الغليظة} الذين ليست لهم فلسفة في التوحيد ولا عقيدة واضحة في الدين بل اقتربوا من التدجين والخرافة والدروشة اولئك الذين احاطونا بالجهلٌ } وحصرو رؤوسنا في العلوم النقلية التي تاخذ العقل عن مهمته وهكذا سنبقى نحوم حول معدتنا والامور التي تغذي غرائزنا .
بدأ الاسلام ثورة ثم تحول الى مملكة وبدأت المؤسسات توظف الدين لإضفاء الشرعية على المظالم وتعمل علي تسويغ الفقر والغنى والتمايز وتسكت الناس بالزكاة والتاريخ اثبت ان الزكاة لم تعد تاتي بحل عادل للمصلحة العليا... كانت الزكاة تنفع يوم كان المعروض اكثر من المطلوب ، ثم ان كلنا يعرف كيف توزع الزكاة ويسكت : تعطى للموظف الذي اكل ضميره مع الرشوة ... وتمنح للجمركي الذي بدل شرفه بالمستوردات... وتهدي للناخب الذي باع صوته للمنتخب، وتصدق على الفقير الذي اكل عقله مع الخبز ...
هل تساءل احدنا لماذا فشلت الديمقراطية في بلداننا العربية؟ هل عرف احدنا لماذا يستسلم جل الاحزاب في نصف الطريق؟ لان دمقرا طيتنا مرتبطة اما بالتخلف العقلي او بالتطور المنحرف .. لم تنجح في مهمة تأكيد التعايش وتحقيق الحرية لانها اما احزاب دينية متباطحة ساخطة على البلاد والعباد واما فئات عشائرية طائفية متآكلة متقادحة واما احزاب طبقية واعضاؤها دائمون كشيوخ القبائل يخدمون التمذهب الديني او التعصب القبلي الذي لازال يسيطر علي الشعور والمخيال . واما تاهوا في تقليد تيارات بعيدة عن خصوصياتنا لا تصلح لمجتمعاتنا. ..
ان الدين الشعبي يخفي وراءه مصائبنا الاساسية... فمن رفض تقليد الدين الشعبي هرب الي تقليد الغرب...ودراسة الوضع اصبحت حاجة ملحة شئنا ام ابينا .. ودور المثقف الحر اليوم هو مواجهة السلطات المتضافرة ضد العقل .. يجب ان يكشف الاسس الثابتة في اللاوعينا ، كما فعل. د. عمارة وعلى الصلالي د. طه العلواني د عابد الجابري وجورج طرابيش وغيرهم ويجب ان نملا مكتباتنا بكتبهم كتبهم... يجب تنوير العقل لان العقل اكثر قدرة على حل المشاكل المعاصرة ، والتفكير الحر وحده يساعد على تحقيق الفائض في الانتاج والعدالة في التوزيع ان اتباع الحق والعدل، سنة وشريعة ومنهاج في مفهوم الدين السموي....
والاحاديث الشريفة الصحيحة تؤكد ذلك ، والفقه النزيه يحث على فقه السنة. اذا اردنا حقا ان نكون اوفياء لاجدادنا علينا ان نعيش... اما اذا متنا فسيموت معنا الاجداد . علينا ان نؤكد التعايش مع الاخر كما تعايش اجدادنا معهم وكما تعايشت المذاهب في اوروبا وفي سوقها المشترك وعملتها ووحدتها التي ناهضت الدول الجبارة ، وهذا لايتحقق لنا الا بخلق طبقة فقهية مثقفة ثقافة علمية ناهضة عاقلة متحررة من سيطرة أي مؤسسة ، هي وحدها الجديرة بالقيام بدور المحرك وخلق السياق المتحول ، وبالعقل تسود سلطة العلم التى تدفعنا للمساهمة في بناء الحضارة كما ساهم اجدادنا واحتلوا مقام الريادة في عصرهم .. والعقل وحده يجعلنا ندرك الحقائق المفروضة ونفكر كيف نستثمر مواردنا وثرواتنا فيما يخدم مصلحتنا العليا وامننا القومي...
من هنا نرى ان الحالة تتطلب تحديد علاقتنا بماضينا كما حث على ذلك علماؤنا المخلصون للامة، كما تتطلب اضاءة دهاليز التاريخ الطويل المعقد لفتح الطريق امام العقول وتحريرها .ان الحديث الشريف يقول : اذا اسندت الامور لغير اهلها فانتظروا الساعة ...واعتقد ان الساعة وصلنا اليها من باب اولى القبلتين وثالث الحرمين فلنشمر على عضلات عقولنا وقلوبنا ، ونقول لا... فيما يضرنا ولكن – لا – النبيلة التى قالها نبي الرحمة والتى هبت كالعاصفة بالعدل والحق والنورواخرجت خير امة من الصفر... والله في عون العبد مادام العبد في عون امته.
Zoulikha2
هذا مشروع كتاب لخصته فمعذرة اذا كنت عجزت عن ايصال ....بعض الافكار
ربنا زدنا علما وعملا بما علمتنا
من مواضيعي
0 الهُوية؟
0 أين أمتنا من النحل الياباني!
0 عدت با نوفمبر وعودك محمود!
0 الكفرة الفجرة؟
0 دعه يسقط!
0 الشهيد
0 أين أمتنا من النحل الياباني!
0 عدت با نوفمبر وعودك محمود!
0 الكفرة الفجرة؟
0 دعه يسقط!
0 الشهيد