أقربُ الناس إلى ابنتي..!!؟
05-05-2016, 10:58 AM
أقربُ الناس إلى ابنتي..!


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



أشواقٌ متجددة، ومتعة لا حدود لها عند اللقاء، وأحاديثٌ لا تنتهي في كل شيء، وعن كل شيء.
تلك هي – غالباً - علاقة الفتاة ببنات عمها أو بنات خالها، وإن كان التوافق كبيراً، والانسجام تاماً، والقيم واحدة؛ فعندئذ تكون أقرب الناس إلى قلب ابنتي هي: قريبتها تلك.
فما هي قصة هذه العلاقة الفريدة ؟، وكيف يمكن للوالدين توظيفها لصالح كلا البنتين؟.

أعزائي المربين ..
اسمحوا لي من خلال هذه السطور: أن أقتحم هذه المنطقة الحميمة في حياة كل فتاة..(ابنة عمها أو عمتها، وابنة خالها أو خالتها)، فهن أترابها ومثيلاتها اللاتي تقاس عليهن، وتعرف بهن، ويعرفن بها، فإلى هناك..

أهمية هذه العلاقة في حياة الفتاة:
رغم عمق الفردية في كيان الإنسان، وحبِّ الذات، إلا أنه - مع ذلك – يظل في حاجة ملحَّة إلى الجماعة، فمع كونه يحمل النزعة الفردية للحفاظ على شخصيته، فكذلك وبنفس العمق: يحمل الحاجة للجماعة وتفاعلاتها، فهو مطبوع على الافتقار إلى جنسه، فلا يُتصور قيام الإنسان بذاته دون الآخرين، فإن الاعتزال في غاية المشقة، وأقل ما يحققه الاجتماع: شعور الفرد بالانتماء الذي يزيد من تأكيده لذاته، واستقرار نفسه.
وهذا الإحساس لا يتحقق للفتاة بالقدر الكافي في الوسط الأسري وحده، إلا أن يكْمُل من خلال الوسط الاجتماعي وجماعة الصديقات؛ فالفتاة لا تعتمد على الأسرة وحدها: لإشباع حاجتها النفسية للتقبل الاجتماعي، بل تحتاج إلى القرينات في الوسط الاجتماعي العام: لإشباع هذه الناحية عندها، فحاجتها إلى الوسط الاجتماعي للراحة النفسية قد تفوق حاجة الذكور، ففي الوقت الذي يتأكد الدافع الشخصي عند الذكور، يتأكد مقابل ذلك الدافع الاجتماعي عند الإناث؛ فقد كشفت إحدى الدراسات العربية عن فروق جوهرية في السلوك الاستهلاكي بين الجنسين في هذين الدافعيْن: الشخصي والاجتماعي، ففي الوقت الذي يهتم فيه الذكور بالدوافع الشخصية للاستهلاك، يهتم الإناث ويراعين الدوافع الاجتماعية بالدرجة الأولى، وما هذا السلوك إلا تأكيداً لحاجتهن الملحة للوسط الاجتماعي، فالجماعة تحقق للفتاة: إشباع حاجتها النفسية للحياة الجماعية.
وفي تعامل الفتاة مع الأقرباء أيضاً: تنمية وإثراء لصلاتها الاجتماعية، وممارسة عملية للمشاركة الأسرية؛ حيث تشاهد عن كثب مختلف الأدوار الاجتماعية، والعلاقات الأسرية التي يتعاملون بها، وتعاين الأسس والمعايير الاجتماعية المشتركة، وتفاعلاتها بين الأقارب في علاقاتهم المختلفة، وهذا لا يُتاح عادة للفتاة التي لا صلة لها بالأقارب؛ حيث تقتصر صلاتها على الوالدين والإخوة والأخوات، فتضعف بذلك خبرتها الاجتماعية، وتقل أنواع صلاتها الحميمة والضرورية لبنائها النفسي، مما قد يؤثر عليها من الناحية النفسية؛ فإن قدرتها على تكوين صلات اجتماعية ناجحة: يُعدُّ دليلاً على حسن خلقها، وتوافقها النفسي والاجتماعي.

أعزائي المربين..
عندما تصبح ابنة العم أو الخال هي: الصديقة المقربة للابنة، فستكون هناك عدة مميزات يضعها الوالدان في اعتبارهما:

- التدريب العملي على صلة الرحم:
سيكون لدى الفتاة فرصة جيدة للتربية على الممارسة العملية لصلة الأرحام، وهنا يحسن أن نذكر الفتاة دائما بمنزلة صلة الأرحام من بين العبادات: كي تستحضر النية في ذلك عند زيارتها لأقاربها.
عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حتى إذا فَرَغَ منهم: قَامَتْ الرَّحِمُ، فقالت: هذا مَقَامُ الْعَائِذِ من الْقَطِيعَةِ. قال: نعم، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ من وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ من قَطَعَكِ. قالت: بَلَى. قال: فَذَاكِ لَكِ، ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شِئْتُمْ:[ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ الله، فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] " – رواه مسلم -.
فحين يقوم الوالدان – وخاصة الأم لشدة قربها من الفتاة – بتوجيه الفتاة إلى استحضار نية صلة الأرحام في هذه العلاقة، ليس مع الطرف المقابل فقط، ولكن مع كل الأسرة، والتي غالبا ما تكون أسرة الأعمام والعمات أو الأخوال والخالات.)

- وفرة الدائرة القريبة الآمنة:
ففي الأغلب الأعم، سيكون هناك تشابه في القيم والأخلاق نتيجة التشابه في نشأة والدي كل من الصديقتين، وعندئذ تمثل هذه العلاقة (الدائرة القريبة الآمنة ) التي تتحرك فيها الفتاة بحرية تحت سمع وبصر ورقابة وتوجيه كلا الأسرتين، ويكون ذلك مقبولا ومحبوبا من الفتاة، فربط الفتاة بالرفيقات الصالحات، وإبعادها عن رفيقات السوء من أهم ما يضطلع به الوالدان، ويتلطفان وسعهما لتوجيه الفتاة في هذا الجانب الهام من علاقاتها.

- تثبيت القيم وتأكيدها:
فهذا الارتباط يفيد الفتاة أيضاً، حيث يؤكد في خلدها: ما تتلقاه في أسرتها من قيم الدين والأخلاق، فتكون زيارتها لأقربائها: تدعيماً لها؛ فربما اجتمعن على صلاة جماعة، أو حلقة تلاوة للقرآن الكريم، أو صيام نافلة، أو أعمال خيرية تطوعي،ة أو غير ذلك من المفيد النافع.
عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنّ معلق، فتوضأ منه، فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح".

- فرصة عملية لتتعلم الفتاة الأحكام الشرعية الضابطة لعلاقتها بالأقارب، مثل:
احترامهم وتوقيرهم، لأن الله تعالى أنزلهم منزله الوالدين، فالعم والعمة صنو الأب، والخال والخالة صنو الأم، وبرّهم من أهم ما يتقرب به المسلم إلى الله تعالى، ومن أهم مكفرات الذنوب.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أصبت ذنبا عظيما، فهل لي من توبة؟، قال:"هل لك من أم؟ "، قال: لا، قال: " وهل لك من خالة؟ "، قال: نعم، قال:"فبرها ".- رواه الترمذي- .
فلابد من برّ الخالة، وتتبع رضاها، فهي بمنزلة الأم، وبرها فيه إرضاء للوالدة، وتطييب لخاطرها، كما أنّ قطيعة الخالة وعقوقها من الكبائر كما ذكره الإمام:"الذهبي" في كتابه:(الكبائر).
كذلك تكون هناك فرصة لتدريب الفتاة على التصرف السليم عند الخلاف، فالأقارب وغيرهم يجب أن تكون محبتهم في الله تعالى، وبغضهم في الله تعالى أيضاً، وليس تبعاً لأمور الدنيا، أو الأهواء الشخصية، وعند الخلاف تنظر الفتاة إذا كان ثمة ما يغضب الله تعالى؛ فليكن موقفها ناصحاً مبيناً، وفي الوقت نفسه حازماً صلباً في رفض هذا التصرف، وعدم المشاركة فيه، وإن كان أمراً عادياً، فلتكن أقرب إلى التسامح و التغافر.
وعلى الوالدين: ألا يغفلا أنه لن تكون هناك ميزة في هذه العلاقة إلا إذا كانت قريبة الابنة تمثل رفيقة صالحة، فهي عندئذ: أولى وأقرب من غيرها، وإن لم تكن كذلك، فلا داعي أبداً إلى التوسع في تلك العلاقة، يقول:" ابن جماعة" – رحمه الله تعالى -:
"فإن شرع أو تعرض لصحبة من يضيع عمره معه، ولا يفيده ولا يستفيد منه، ولا يعينه على ما هو بصدده – يعني من طلب العلم – فليتلطف في قطع عشرته من أول الأمر قبل تمكنها، فإن الأمور إذا تمكنت عسرت إزالتها".

وأخيراً أعزائي المربين:
لنكن داعمين لتلك العلاقة الرائعة؛ فتتمتع بناتنا بالصداقة الحميمة مع قريباتها الصالحات، إلى جانب تأصيل وممارسة صلة الأرحام، وبذلك تظل الفتاة تشبع حاجتها للصداقة، وتمارس دورها الاجتماعي مع أقاربها وصديقاتها الحبيبات من بنات العمات والخالات.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
منقول بتصرف يسير.