المسلمون بين المولد.. والميلاد
07-01-2015, 07:38 AM

الكاتب:
عبد الرزاق قسوم


تعانـقت الأجساد على غير هدى، والتفت الأذرع والسيقان على غير تقى، فسالت "نهارا- أنواع الخمور، وسادت "جهارا- ألوان الفجور، فهتكت الأعراض، وكشف الظاهر والمستور؛ وكل ذلك احتفاء بالنبي المأمور، سيدنا عيسى، السيد الحصور؛ من طرف أدعياء أتباعه من النصارى، آكلة الخنازير ومدمني الخمور.

وسار على نهجهم في الخطيئة، بعض المنسلبين عندنا، من الأتباعيين والتقليديين، والمهزومين نفسيا، وثقافيا، أولئك المذبذبين.

تذكَّر النصارى "إذن- ومعهم تبعهم من بني جلدتنا، والمحسوبين على عقيدتنا، أن لهم نبيا اسمه عيسى، عليهم أن يعظموه، وأن يحيو ذكرى ميلاده فيقدسوه، ولكن بأي ثمن يفدوه، وعلى حساب أي قيم يخلدوه؟.

حجزت طاولات المراقص والمطاعم، ومقاعد الطائرات والفنادق، فشد بعض الشذاذ الرحال، إلى مختلف البلدان، إيذانا بإحياء ليلة الغفران، فساد الصخب وعزفت ألحان موسيقى "الراي"، ووصل صداه إلى أطفال المدارس، الذين رقصوا رقصة "الواي واي" بمباركة من وزيرة التربية والتعليم والرأي.

تبا للعقل السخيف عندما يحيد عن مبتغاه، والويل للمجتمع الذي يفقد بوصلته، بضياع معتقده وهداه. إنه يستأصل من ملته، ولا يندمج فيما سواه.

حدث كل هذا بمناسبة أعياد الميلاد، بدء ببلاد "الكوفبوي"، ووصولا إلى شذاذ موسيقى "الراي".

وحدث أيضا، أن تزامن هذا الحدث العولمي بحدث عالمي آخر، هو ذكرى مولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وما بين الحدثين "ضاع النقل، وضاع العقل" كما يقول إمامنا الإبراهيمي.

فقد ساد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عبث آخر، هو عبث الأطفال بالمولد وعبث الكبار بالتشدد. فأطفالنا بدل أن يتغنوا بشمائل محمد، وعوض أن يقتدوا بأخلاقه وأسوته الحسنة، راحوا يفسدون على الناس هدوءهم وأمنهم، ويزعجون بكل أنواع المفرقعات، سلامهم ويُمنهم، ولاح العبث الآخر بالذكرى، من دعاة المنع بالاحتفاء بالمولد، وتبديعه، وتفسيق المحتفين به. وهكذا، وجد المسلم نفسه محتارا، بين نوعين من التطرف والغلو، تطرف وغلو الذي يلوث بالمحاريق والمدافع طهر الجو، وطهارة السمو، وبين من يحرم على الناس ذكر الله وترديد النشيد، وتهديدهم بالويل والوعيد.

فيا قومنا! يا أيها المغزوون المنسلبون بثقافة الغرب النصراني! يا أيها الماجنون المقلدون للفكر الفاسد؟، الجوّاني منه والبراني، لقد أضعتم الفكر الصحيح الحقاني، ووقعتم في الهوان، عندما أصبحتم تنتجون لنا، الفيلم المشوه لحضارتنا، كفيلم الوهراني.

ويا إخوتنا في الدعوة إلى العقيدة، ما هذا التشدد الذي تبدونه للناس في هذه الفتاوى الغريبة الفريدة، هل انتهت مشاكل الأمة الإسلامية كلها، ولم يبق منها إلا مشكل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟

كنا نحسب، أن علماءنا الأولين منذ علماء دولة بني زيان، بتلمسان، خلال القرن السابع الهجري، إلى علماء جمعية العلماء بقيادة ابن باديس، والإبراهيمي، وحوارييهم، كانوا يضعون للمولد النبوي الشريف منهجية ثقافية، ودينية، واجتماعية، مستلهمة من روح الإسلام ومقاصده.

فقد كان علماؤنا على اختلاف عصورهم يتخذون من ذكرى مولد سيد البشر، مناسبة للتثقيف والتوعية، يذكرون الناس فيها بكنوز السيرة المحمدية، ويعمقون فيهم معاني الانتماء للهوية الإسلامية، وينشئون الناس على حب محمد ودين محمد وأمة محمد

فأين البدعية في أن يتغنى أطفالنا بنشيد محمد العيد، شاعر الإصلاح؟

بمحمد أتعلـــق وبخلقه أتخلـق

وعلى البنين جميعهم في حبه أتفوق

إنّ في هذا لتحصينا للذات المسلمة من داء فقد المناعة العقدية والإيديولوجية، وعصمة لها من ثقافة الراي، ورقصة "الواي واي"، "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ"[سورة القلم، الآية 35-36].

يجب أن يدرك إخواننا الدعاة، أن الأمة الإسلامية، تواجه اليوم مخاطر وتحديات، أكبر وأبعد من الاحتفال أم عدم الاحتفال بالمولد النبوي. إنها مخاطر إثبات الوجود، ومحاولة استئصال الهوية، وزرع الانسلابية والاتباعية في عقول أبناء وبنات الأمة الإسلامية، فاعملوا رحمكم الله، على ضم الصفوف، وتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم كي نوحد فتوانا، ونفوت الفرصة على كل من عادانا، وأن ننزل منهجية الدعوة المؤصلة، المستوحاة من مقاصد الشريعة على كل ما فيه صلاحنا، ونحقق منانا ومبتغانا.

إنّ مجرد تأمل ما هو واقع هذه الأيام من تعامل مشين، مع ذكرى الميلاد وذكرى المولد، ليرسل بخطاب فصيح وصريح إلى كل من يحمل أقل مسؤولية، في الدعوة إلى الله أن يهب، لتقليل الخسائر، ويعمل على إصلاح، وإنقاذ الوعي الإسلامي في الجزائر.

فلو فعلنا ذلك، لما وجدنا من شدّ الرحال إلى دول بعيدة أو قريبة، ليحتفل "بالنويل"، وينقل إلينا بعد ذلك ثقافة الفساد والويل.



إنّ منهجية الدعوة الإسلامية اليوم، هي أشد حاجة، إلى توحيد الصف، وتحديد الهدف، لنقضي جميعا على آفات الهف، وضرب الدف، ونحن نمد أيدينا الصادقة إلى الجميع، فعسى أن نلقى الإقبال السريع، بدل التفسيق والتبديع. اللهم إنّي قد بلغت! فاللهم فاشهد!