العالم ما بعد أمريكا: كل الطرق لم تعد بالضرورة تؤدى إلى واشنطن
16-06-2009, 09:59 PM
العالم ما بعد أمريكا: كل الطرق لم تعد بالضرورة تؤدى إلى واشنطن





العالم ما بعد أمريكا


بقلم فريد زكريا


نورتن 2008


يستهل فريد زكريا كتابه بالقول: "لا يدور هذا الكتاب حول انهيار أمريكا، لكنه بالأساس يتناول صعود نجم "الآخرين"

أعلن "فريد زكريا" رئيس تحرير مجلة لنيوزويك الدولية في كتابه الجديد أن هذا العصر هو عصر ما بعد أمريكا، ففي كتابه المعنون "العالم ما بعد أمريكا" يقول زكريا إن "صعود الباقين" هو الملحمة الكبرى لعصرنا هذا ويستهل كتابه بالقول "هذا ليس كتاباً عن انهيار أمريكا، ولكنه كتاب عن صعود نجم الآخرين".
"إن صعود نجم الآخرين" متمثلاً في النمو الذي تشهده دول مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا والعديد من الدول الأخرى سوف يكون من شأنه إعادة تشكيل هذا العالم، فالمباني الشاهقة والأفلام الأكثر مبيعاً والهواتف المتقدمة ماتزال من نصيب دول أخرى غير الولايات المتحدة وهذا النمو الإقتصادي يتمخض عنه نوع من الثقة السياسية والإعتزاز بالقوميات مما من شأنه أن يغير النظام العالمي. إذا فكيف تحقق الولايات المتحدة إزدهاراً في هذا الجو الدولي سريع التغير وفي عالم لم تعد تملك زمام السيطرة عليه، يحاول زكريا الإجابة عن هذا السؤال من خلال إستبصاراته الخاصة وإعمال الخيال.
يشعر زكريا حقا أن عملية التحول هذه قد بدأت بالفعل ولكنه يقر بأن "صعود الباقين" هو عملية بطيئة ومطردة ولا تزال الولايات المتحدة تحتل موقعاً بارزاً في المجالات العسكرية والتعليمية إلا أن هنالك طرقاً عديدة سلكها الباقون أتاحت لهم الصعود بالفعل.
يلاحظ زكريا أن الصين والهند والبرازيل وتركيا بل والسعودية تنمو إقتصادياً بمعدل أسرع من الولايات المتحدة، حيث تتسارع بإتجاه تكوين النخب والمؤسسات العملاقة كما أن شعوب هذه الدول بدأت تجد طريقها نحو مستوى من التعليم عالي الجودة، وخلال السنوات القادمة سوف تطلب هذه الدول أن يكون لها رأي مسموع في الكيفية التي يدار بها العالم.
ولكي يتحقق لها النجاح في النظام العالمي الجديد سوف يتعين على الولايات المتحدة أن تغير من مسلكها لتصبح _كما يوضح زكريا_ "شريكاً مسئولاً ووسيطاً دولياً" أكثر منها قوة أحادية القطب تلزم طاعتها.
ويكتب زكريا قائلاً: "ويتضمن هذا الدور الجديد تشاوراً وتعاوناً بل وحتى تقديم تنازلات من جانبها فالأمر لن يكون هرماً تتربع الولايات المتحدة على قمته لتصدر أوامرها وقراراتها لعالم يتملكه الشعور بالإمتنان نحوها (أو الصمت تجاهها)"، وثمة سؤال هام يفرض نفسه: "هل يمكن أن تتكيف أمريكا مع الوضع الجديد؟" وفقاً لهذا الكتاب، يزداد تشكك الأمريكيين في أشياء كثيرة لطالما وثقوا بها مثل حرية الأسواق والتجارة والهجرة.
ويعتقد زكريا أن أمريكا لا تزال بمثابة القوى العظمى من الناحية العسكرية والسياسية لكنه يرى أن واشنطن تفقد هيمنتها في جميع الجوانب الأخرى سواء كانت "صناعية أو مالية أو إجتماعية أو ثقافية" فتوزيع القوة أصبح مختلفاً. فمع نهوض الصين والهند وغيرها من الأسواق الناشئة يتجه العالم نحو اللامركزية ويزداد إرتباطاً وتشابكاً، ويؤكد زكريا أننا في طريقنا لعصر ما بعد أمريكا، تتحدد فيه معالم عالمنا من جديد ويتم إدارته من أماكن مختلفة وبأيدي أطراف عديدة".
ولهذا السبب، يزعم زكريا أننا الآن في خضم ثالث تحول تكتوني للقوة يحدث على مدار الخمسمائة عام الماضية: وأول هذه التحولات كان متمثلاً في نهوض الغرب والثاني في صعود نجم أمريكا في القرن العشرين والثالث في "نهوض الآخرين" مع تعاظم الدور الصيني والهندي والروسي والأوروبي.
ويشير زكريا إلى أن المفارقة في "نهوض الآخرين" تتمثل في أنه حدث في الأساس نتيجة للأفكار والأفعال الأمريكية "فعلى مدى 60 عاماً سافر الساسة والدبلوماسيون الأمريكيون إلى جميع أرجاء العالم محفزين الدول على فتح أسواقها وتحرير سياساتها وإحتضان التجارة والتكنولوجيا. فلقد شجعنا الشعوب في أرجاء العالم على قبول التحدي والمنافسة في الإقتصاد العالمي وتحرير عملاتهم وتطوير مجالات جديدة، وأرشدناهم إلى عدم الخوف من التغيير والتعلم من أسرار نجاحنا. وقد نجحوا في ذلك".
والآخرون لهم خلفيات ثقافية مختلفة، وهم يتبنون منطق الحداثة بطرق تناسبهم ويضفون إسهامهم الخاص على مفهوم "الحديث "، كما أن إهتمامهم بأنفسهم في تزايد مستمر ويجعلون شغلهم الشاغل تنمية إقتصادهم. إنهم يدخلون في تحالفات تتناسب معهم ولا يعيرون إنتباهاً إلى القوة العظمى الوحيدة في العالم وهى الولايات المتحدة وهكذا تتحول الكراهية نحو أمريكا والتي غالباً ما تتم المجاهرة بها فتتحول إلى شيء من عدم المبالاة بهذا البلد. فالعالم لم يعد معادياً لأمريكا بل هو أصبح متحللاً من بيعتها على نحو مستمر ولهذا ينبغي على أمريكا أن تركز بصورة أكبر على "الآخرين" حتى وإن كانت لا تزال هي القوة العظمى الرئيسية في العالم.
ويرى زكريا أن المشكلة الحقيقية تكمن في صعود نجم الصين التي أطلق عليها اسم "جناح التحدي"، وقد خصص فصلاً كاملاً من هذا الكتاب يتناول فيه نهضة الصين والتحديات التي تمثلها بالنسبة لأمريكا.
ومن ناحية أخرى يصف زكريا _الذي وُلد في الهند وانتقل للعيش في أمريكا وهو في سن الثامنة عشرة _الهند على أنها الحليف، وقد أفرد أيضاً فصلاً كاملاً لتصوير أهمية العلاقات الأمريكية الهندية ونهضة الهند.
وفي النهاية يقدم زكريا توجيهات من شأنها أن تنفع الأمريكيين الذين هم في حاجة إلى التعرف على القواعد العالمية الجديدة والعودة إلى أمريكا التي كانت موطن جذب وترحاب كما عهدها أول مرة.
التعديل الأخير تم بواسطة أرسطو طاليس ; 16-06-2009 الساعة 10:02 PM