معلّم يضرب ضيوفه..
17-12-2014, 03:53 PM
معلّم يضرب ضيوفه
حدّثنا جدّ أشعب قال: كنت رجلا أكولا ، لا فظّا ولا خجولا
إذا وُضع الطعام أمسكت عن الكلام ، وبادرت إلى الأخذ بالزّمام
فلا يقتفي أثري إلاّ من شحذ أضراسه وقطع أنفاسه ، وأحكم ركبتيه
وثبّت رأسه . فلم أذكر أنّي شبعت من طعام أو سبقت إلى قيّام قطّ
إلاّ الحريرة فإنّها كانت أبغض الطعام إلىّ وأقبحه بين يديّ .
وإذا وجدت فيها ريح الثّوم فزعت منها فزع الغراب من البوم ، فمررت
بأيّام عصيبة قلّ فيها المضغ حتّى صدئ الصّدغ ، وضمرت البطون
حزنا على فقد الصحون ، وبينما أنا أترصّد القوت فرارا من الموت فإذا
بالبشير ينادي في كلّ أنحاء البلاد ، أنّ معلّم القرآنِ فلانا الفلاني
يُطعم لحم العجل ويضرب الضّيف الممتنع عن الأكل .
فسال لُعابي حتّى بلّل أثوابي ، وقلت في نفسي إنّ هذا المعلم رجل
فاضل لا ينكر فضله إلاّ جاهل . فوالذي نفسي بيده إنّ الضيف الخجول
لخليق أن يُهتك ستره ويُجلد ظهره ، وعزمت أن أزوره كي أحقّق مبتغاه
وأحظى برضاه . فصلّيت خلفه صلاة هزيل متظاهراً أنّي عابر سبيل .
فلمّا قُضيت الصّلاة طلب منّي أن أصحبه إلى بيته لأشركه في
قوته ، فقلت له جزاك الله خيرا يا إمام وأبقاك ذخراً للفقراء والأيتام .
وسرنا حتّى دخلنا داره فاختلى بأهله ساعة ثمّ عاد إلي ّبعسّ حريرة
يغيب فيه الراس قطّعت حبّات الثوم فيه بحجم الأضراس ، وطفت
فوق سطح الحريرة كأنّها مجموعة بطّ في بركة صغيرة ، ثمّ وضع
دِرّته إلى جانبه وقال : أطفئ نار جوعك أو أُعمل الدرّة في ضلوعك .
فما إن رفعت الملعقة إلى مستوى ذقني حتّى قفز بطني وشعرت
بدوّار في راسي واضطراب في أنفاسي ، ولشدّة الفرقِ تظاهرت
بالشّرقِ وصحت في وجهه أدركني يا إمام بالماء قبل أن تعرج روحي
الى السماء ، وانتهزت فرصة غيابه كي أتخلّص من عقابه ، فبحثت
عن مكان أدفن فيه الحريرة وأنهي بذلك مغامرتي المثيرة .
فما وجدت مكانا تُخبّأ فيه الشعرة أو تغوص فيه الإبرة ، فأخذت
العسّ وأفرغت ثلثيه في حذائي ، ثمّ عدت إلى جلستي معدّلا ردائي.
فلمّا عاد الرجل وجم من العجب وانتشى من الطرب ، وقال : من
أكل طعامه قد أوجب احترامه ، قم يا ضيفي العزيز أشيّعك . فأدخلت
رجليّ برفق في الحذاء وقلت سر أمامي يا سيّد العلماء ، فتبعته إلى
باب الدّار والحريرة خلفي جداول وأنهار ، ثمّ أسلمت ساقي ّللريح
تاركا معلمنا الفاضل يصيح ، فعلتها يا حمار بن حمار..
حدّثنا جدّ أشعب قال: كنت رجلا أكولا ، لا فظّا ولا خجولا
إذا وُضع الطعام أمسكت عن الكلام ، وبادرت إلى الأخذ بالزّمام
فلا يقتفي أثري إلاّ من شحذ أضراسه وقطع أنفاسه ، وأحكم ركبتيه
وثبّت رأسه . فلم أذكر أنّي شبعت من طعام أو سبقت إلى قيّام قطّ
إلاّ الحريرة فإنّها كانت أبغض الطعام إلىّ وأقبحه بين يديّ .
وإذا وجدت فيها ريح الثّوم فزعت منها فزع الغراب من البوم ، فمررت
بأيّام عصيبة قلّ فيها المضغ حتّى صدئ الصّدغ ، وضمرت البطون
حزنا على فقد الصحون ، وبينما أنا أترصّد القوت فرارا من الموت فإذا
بالبشير ينادي في كلّ أنحاء البلاد ، أنّ معلّم القرآنِ فلانا الفلاني
يُطعم لحم العجل ويضرب الضّيف الممتنع عن الأكل .
فسال لُعابي حتّى بلّل أثوابي ، وقلت في نفسي إنّ هذا المعلم رجل
فاضل لا ينكر فضله إلاّ جاهل . فوالذي نفسي بيده إنّ الضيف الخجول
لخليق أن يُهتك ستره ويُجلد ظهره ، وعزمت أن أزوره كي أحقّق مبتغاه
وأحظى برضاه . فصلّيت خلفه صلاة هزيل متظاهراً أنّي عابر سبيل .
فلمّا قُضيت الصّلاة طلب منّي أن أصحبه إلى بيته لأشركه في
قوته ، فقلت له جزاك الله خيرا يا إمام وأبقاك ذخراً للفقراء والأيتام .
وسرنا حتّى دخلنا داره فاختلى بأهله ساعة ثمّ عاد إلي ّبعسّ حريرة
يغيب فيه الراس قطّعت حبّات الثوم فيه بحجم الأضراس ، وطفت
فوق سطح الحريرة كأنّها مجموعة بطّ في بركة صغيرة ، ثمّ وضع
دِرّته إلى جانبه وقال : أطفئ نار جوعك أو أُعمل الدرّة في ضلوعك .
فما إن رفعت الملعقة إلى مستوى ذقني حتّى قفز بطني وشعرت
بدوّار في راسي واضطراب في أنفاسي ، ولشدّة الفرقِ تظاهرت
بالشّرقِ وصحت في وجهه أدركني يا إمام بالماء قبل أن تعرج روحي
الى السماء ، وانتهزت فرصة غيابه كي أتخلّص من عقابه ، فبحثت
عن مكان أدفن فيه الحريرة وأنهي بذلك مغامرتي المثيرة .
فما وجدت مكانا تُخبّأ فيه الشعرة أو تغوص فيه الإبرة ، فأخذت
العسّ وأفرغت ثلثيه في حذائي ، ثمّ عدت إلى جلستي معدّلا ردائي.
فلمّا عاد الرجل وجم من العجب وانتشى من الطرب ، وقال : من
أكل طعامه قد أوجب احترامه ، قم يا ضيفي العزيز أشيّعك . فأدخلت
رجليّ برفق في الحذاء وقلت سر أمامي يا سيّد العلماء ، فتبعته إلى
باب الدّار والحريرة خلفي جداول وأنهار ، ثمّ أسلمت ساقي ّللريح
تاركا معلمنا الفاضل يصيح ، فعلتها يا حمار بن حمار..