مفهوم الحوار عند روجي غارودي
21-09-2012, 07:08 PM
الجزء الأول
روجيه غارودي أو رجاء غارودي - بعد إسلامه - قيمة فكرية كبرى ومنبر لقضايا المسلمين العادلة ، يجيد التعامل مع العقل الغربي، وبذات منطق الغربيين ومن هذه القضايا التي يحسن محاورته فيها مفهومه للحوار.
لقد رفع الرجل شعارا لا يختلف حوله أحد من العقلاء: " الحوار.. بدلا من الدمار" مؤكدا على أن الحوار هو البديل عن التدمير المتبادل بين ألوان الأصوليات المعاصرة الغربية منها والإسلامية.
فالرجل لا يتصور حوارا إلا إذا قرر المتحاورون " إعادة النظر في معتقداتهم ". و إلا فمن ذا الذي يطمع في أن يعيد أهل عقيدة التوحيد النظر في التوحيد وكذلك الحال مع أهل عقيدة التثليث وأيضا اليهودية والبوذية إلى آخر العقائد التي كونت أمما تتعبد بهذه المعتقدات.
إن تعليق الحوار على إعادة فرقائه النظر في معتقداتهم هو وضع للشروط المستحيلة التحقيق أمام هذا الحوار.
وهذا الشرط الغريب الذي وضعه جارودي وثيق الصلة بتصوراته للمقاصد المجرودة من وراء هذا الحوار فصورة العالم الذي يحلم به جارودي وهو عالم الدين الواحد والأمة الواحدة والعقيدة الواحدة، هي صورة لحلم مستحيل التحقيق لا بسبب إغراقه في الطوباوية فحسب وإنما لأنه التصور النقيض لسنن الله سبحانه وتعالى في الاجتماع الديني والفكري والبشري، فسنن الله في هذه الاجتماعيات هي التعددية والتمايز والاختصاص وليست الواحدية والأحادية والاندماج والذوبان فالواحدية والأحدية للذات الإلهية وحدها وماعدا الذات الإلهية في كل العوالم – جمادا وحيوانا وإنسانا وفكرا - قائم على التعددية والازدواج والتدافع والاتفاق.
لكن جارودي لا يتصور أو لا يرد حوارا بين فراق وديانات ومذاهب وإنما يريد حوارا بين الذين أعادوا النظر في عقائدهم وأصبحوا أبناء دين واحد حتى ليطلب من المتحاورين أن يفهم كل منهم الأخر ليس باعتباره آخر وإنما كجزء من الذات ولم يقل لنا : ما الداعي للحوار إذا لم يكن هناك آخر يدور معه الحوار؟
وهل يسمى الحديث إلى النفس والى جزء من الذات حوارا بالمستوى الذي يكون فيه هو البديل عن الدمار ؟.

يبدو أن حلم الرجل هو أن يصب العالم والبشرية - بديانتها ومذاهبها وفلسفاتها – في تصوره عن الإبراهيمية التي قام لها في غرناطة ناديا فهو يريد حوارا ننتصر به على الخصوصيات وليس لتعايش الخصوصيات حوار يحل به التوافق محل اعتقاد التفوق مع أن عقيدة التفوق إذا ضبطت حرارتها عند درجة التدافع ولم تنطلق غرائزها إلى ساحات الصراع هي حافز التقدم ودافع الاستباق بين الأمم والشعوب والحضارات والديانات على طريق الخير والصلاح والإصلاح.
بتصرف : مقال للدكتور محمد عماره
عن مجلة العربي الكويتية