البردُ قاتلُنا ، وحولَنا حقول الغاز تفورُ .
12-02-2012, 06:12 AM

غازنا الطبيعي تنعم به شعوب أوروبا ، وأبناؤنا يقتلهم البرد في شتاء ثلجي لم نعهده لسنوات .
في هذه الأيام من شهر فبراير 2012 ،زار شمالنا الجزائري ضيفٌ طالما أنتظرناه - بعد تضرع ودعاء أداه المؤمنون قبيل سقوطه بيوم واحد طلبا له -، ولا ندري إن كان ذلك استجابة لدعاء المؤمنين ، أم أنه من نواتج الإنخفاض الجوي الذي ساد حوض البحر المتوسط ، والذي سمح بتسرب الهواء السبيري والأوروبي باتجاة شمال افريقيا ، وهو ما يوضح أن (الغرب ) يصدرُ إلينا كل شيء بدأ من التكنولوجيا الصناعية مرورا بالمعلبات الغذائية وصولا الى التقنية الرقمية ثم التساقط بنوعيه السائل ( المطر ) والجامد ( الثلج والبرد ) أو كما نسميهما محليا ، ( أحبريرو ، أذفل )ومهما يكن فإن الأمرين من تقدير الخالق العزيز .
زارنا هذا البياضُ على حين غرة مبيضًا لكل المنطقة التلية وحتى الصحراوية منه، مستبشرين بسنة فلاحية عامرة بالخيرات إن أراد الله خيرا لعباده ، غير أن طول مد ة تساقطه(أكثر من أسبوع) وكثافته التي بلغت أربعة أمتار في مناطق جبال ( البابور وجرجرة ) فاقت كل التوقعات وعزلت أمكنة لأيام معدودة بعضها مازال معزولا لحد الآن يواجه ساكنته الموت بعيدا عن الأنظار ، رغم محاولات الجيش نجدتهم وإسعافهم على نطاق محدود كما هو جار في ولاية ميلة .
......الثلج الذي أبان العيوب .
الظواهر الطبيعية وكوارثها الممثلة في السيول، والفياضانات ، والزلازل، والبراكين ، هي التي تحدد عيوب البشر في تعاملها مع الطبيعية ، فالبناءات المنجزة قرب البراكين النشطة ، و بجوار المناطق المنخفضة ، تتعرض غالبا للدمار بفعل انفجار البركان أو حدوث الفيضان ، ناهيك عن سوء احترام (مقاييس البناء ) في المناطق المهددة بالزلازل ، فهي عوارض طبيعية لا تحدث عندنا باستمرار كما هو الشأن في البلدان الواقعة في خط حزام النار ، أو في المناطق المُهددة بالفيضانات كما هو الشأن في بعض دول أوروبا وبلاد جنوب آسيا الواقعة على ضفاف نهري السند والغانج ، غير أننا لسنا بمنأى عنها ،فالجزائر أخذت حصتها من بعض هذه الكوارث العالقة في أذهان جيلنا الحالي ، منها زلزالان كبيران أوله في الشلف عام 1980، وثانيه في بومرداس عام 2003 . وفيضانات برج بوعريريج خريف 1994 ، وفيضان باب الوادي نوفمبر 2001 .
فالثلوج التي أغلقت الطرقات والسبل وتسببت ببردها في زهق الأرواح أظهرت عيوب التخطيط ، ففي الوقت الذي ينعم غيرنا بدفء غازنا الطبيعي المصدر لأوروبا عبر خطي تونس ايطاليا ، و المغرب اسبانيا ، يموت أبناؤنا بردا في كثير من مناطق البلاد ، فالغاز الطبيعي لم يصل المدن الصغيرة فما بالك القرى والمداشر ، فحجم المعانات كبير لا يحسّ به إلا من عاناه ويُعانيه، أو من شاهد جموع الناس تتدافع حول مراكز تفريغ وبيع قارورات الغاز التي تنفذ في حينها أمام عيون المنتظرين الذين يصطفون منذ الساعات الأولى للصباح القارس البرودة، أملا في الحصول على هذه القارورة التعيسة ، بالرغم من تزايد مجهود الدولة في توزيع الغاز إلا أن الجهد لم يكن في مستوى الطموح .
.... الرباعي المقلق .... ضروريات لا كماليات .
وإن بذلت الدولة جهدها في انشاء الطرقات ، وبناء السدود للقضاء على أزمة الماء ،وكهربة الريف ، إلا أن جهدها في توزيع شبكة الغاز الطبيعي لم يرق بعدُ للمستوى المطلوب رغم احتجاجات المواطنين بالشكوى المتكرر كثيرا ، وغلق الطرق أحيانا لإيصال انشغالها للمعنيين ، غير أن لا حياة لمن تنادي ؟؟ فكل المنافذ مغلقة في الوصول إلى أصحاب القرار ، والوعود وإن كثرت فهي وعود زائفة في بلد تآكلت بيروقراطيا ، فالإستجابة بطيئة رغم إمكانية تحقيقها سريعا لوجود الغاز في أرضنا والإمكانات المالية الآتية من ريوعه كثيرة واعدة ، فنحن أسبق بالغاز من غيرنا ، فكيف يمر أنبوبه بجوارنا ونحن له فاقدون محرومون؟
بإمكان الدولة أن تضع مخططا على المدى الوسيط للقضاء على أزمات هذا الرباعي الخانق المقلق للمواطنين ( الماء ، الكهرباء ، الطرق ، والغاز الطبيعي ) ، فالجزائري يعيش ندرة في المياه صيفا والغاز شتاء ، و نقصا في المنشآت القاعدية للطرق بسبب تزايد عدد المركبات التي تجوبها ، وانعدام الغاز الطبيعي هاجس الكثير من الجزائريين ، ناهيك عن الكهرباء فإن توفرت فانقطاعها المتكرر إنزعاج ٌ يسبب اتلاف الأجهزة الكرومنزلية وإعطالها خاصة الإلكترونية منها ، لوصول صعقات كهربائية زائدة عند إرجاع التيار، في وقت أبانت فيه بعض الدول المثيلة لنا بأن إنقطاع الكهرباء لديها حلم لا يتحقق مهما حلم الحالمون بذلك ، هل الإشكال في ضعف التيار الكهربائي عندنا ،أم في الكفاءات المسيرة يكمن الخلل ؟؟ وفي كلتا الحالتين فإن التبرير غير مستساغ في دولة بحجم الجزائر .
.... تطور المجتمع محرض على تطور الدولة .
المجتمعات الديموقراطية هي أكبر محرك لدولها في ترقيع أزماتها ، ووضع مخططات سريعة لمجابهه الحالات الإستثنائية التي تتعرض لها ، فلا يعقل أن يحدث ما حدث هذه الأيام في دولة متخمة بعائدات المحروقات ، فالواجب يدعوها إلى القضاء على مظاهر العوز في حينها وقبل تفاقمها ، حتى لا يصبح التخلف لصيقا بنا ، ليس نقصا في مواردنا وإنما عوزا لكفاءات قادرة على تحويل الطموح إلى واقع ، ولو بخصم عائدات ماليه مما يُخصص لوزارة الدفاع والمهرجانات الإحتفالية و حفالات المجون الصاخبة التي تقلق الكثيرمن المواطنين في فصل الحر ، ناهيك عما يلهف ويحول ويسرق حسب احصاءات مخيفة تقدمها وسائل الإعلام الحرة تجابه بسكوت مطبق للنظام ، أمام عجز مقرف في التحكم في آليات السوق التي افرزت ارتفاعا جنونيا في أسعار المواد الغذائية والخضر ،فذلك الغلاء الفاحش امتص الزيادة في الأجور قبل صبها في حسابات الغلابى ، فتطور المجتمع يعني قلقا جديدا وهاجسا مستمرا للنظام الحاكم ليشعر بأنه في مهمة تكليف وليس في مهمة تشريف .
مفصل القول أن دولتنا مطالبة بالتخطيط للأزمات قبل وقوعها ، فالحوادث السابقة واللاحقة أثبتت بأن رادارات وهوائيات ووسائل الإستشعار لديها ذات إحساس مرهف فيما يخص أمنها وديمومتها حكمها ، غير أن تلك الوسائل الإستشعارية تُصاب بالصمم والبلادة الحسية في كل ما يخص حاجات المواطنين ،التي لولاها ما كنا بحاجة الى دولة تنظم شؤوننا وترعى مصالحنا الحاضرة والمستقبلة .