التطبيع النفطي بين الجزائر ومصر!
11-12-2009, 12:41 PM
التطبيع النفطي بين الجزائر ومصر!

11/12/2009


مقال من القدس العربي




سيقول عنّي غوغاء النخبة الانتهازية في كلّ من الجزائر ومصر: 'لا تسمعوا إليه، إنه يمثّل أقلية متطرفة وجزء لا يتجزّأ من المؤامرة الصهيونية علىالشعبين الجزائري والمصري'، كما قد تمرّ الحقائق التي سأسردها في هذا المقام في مهبّ الريح، كما كان عليه حال الرسميين و المثقفين المصريين، الذين سكتوا سكوت البغييوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر، وهو تاريخ الاعتداء الرسمي لنظام حسني مبارك علىالبعثة الجزائرية الرياضية بالحجارة و'الطوب' و إسالة دماء ممثلي الجزائر في مقابلةكرة قدم، كان النظام المصري يعلّق عليها آمال 80 مليون مصري للتصويت على جمال مباركخليفة لأبيه في 'انتخابات التوريث'، كما سنسمع أصوات الذين أحجموا عن قول الحق منبعض العرب ودسّوا رؤوسهم في الرمال حتى تهدأ العاصفة، ليخرجوا علينا بمسرحيةالتهدئة بين البلدين، فيما كانوا كالأسرى في بيوتهم الأعرابية المشبوهة، عندماانتشرت الفضيحة المصرية في العالم، ولم نسمع لهم نهيا عن المنكر المصري ولا أمرابالمعروف بين الشعبين المصري والجزائري، رغم أنهم كانوا يستيقظون وينامون على سفالةالمصريين من أعلى هرم السلطة إلى منابر الفضائيات المصرية، إلى الشارع وهم يسبّونشهداء ثورة التحرير الجزائرية ويطعنون في أصول الشعب الجزائري وغيرها من ألوانقمامات بلاد النّيل.


بهذا التمهيد الضروري، أحب ّ أن أنقل إلى القارئ في الجزائروفي العالم العربي، امتعاض الشعب الجزائري، فور سماعه بخبر يفيد بأن ّ الرئيسالمدير العام لمجموعة سوناطراك محمد مزيان قد أعلن عن تأسيس شركة جزائرية مصريةمختلطة، مهامها التكفل مستقبلا بتنفيذ مشاريع للنفط والغاز في الجزائر ومصر، وهومشروع مناصفة، مع شركة 'إيجاس' المصرية المتعاقدة مع إسرائيل منذ العام 2006، عندماتم الاتفاق بين مصر وإسرائيل في جوان العام 2005، تنفيذا لمبدأ التطبيع مع الكيانالصهيوني منذ اتفاقية كامب ديفيد الموقعة آنذاك بين أنور السادات ورئيس وزراءإسرائيل مناحيم بيغن.

من هنا، كان الخبر أكثر وطأة على الشعور الجزائري الذيآلمه العدوان المصري المنظّم طيلة الشهرين الماضيين، عندما انتهك حرمة المقدساتالشعبية والرسمية للجزائريين من طرف التكالب المصري، الذي أحال العالم إلى عصورالكهوف الأولى، عندما كشّر عن جميع أنياب الشّر والجهالة والخساسة، ليحقّق أخيراصفقة اقتصادية، كان على الجزائر إلغاؤها ورفضها نهائيا في ظل عدم احترام مبادئالتعايش والاحترام المتبادل، قبل أية معنى للتعاون أو الشراكة، مهما كان نوعها، لأنّ ما فعله المصريون هو اعتداء صارخ وفاضح ليس على الجزائر فحسب وإنما على مبادئالإنسانية المخطوطة في مواثيق الأمم المتحدة والأعراف القومية والعالمية.

أماالآن وقد جرى هذا الاتفاق الاقتصادي عن طريق البترول والغاز، بين الجزائر ومصر،أصبح التساؤل منتشرا على أكثر من صعيد، من بينها: هل لإسرائيل دور في إدارة الأزمةالتاريخية بين الشعبين الجزائري والمصري؟ وهل ما حدث من عدوان على ثوابت الجزائريينعن طريق اليد والأداة المصرية كان الهدف من ورائه تركيع الجزائر على بساط التطبيع ؟هل هذا الاتفاق الاقتصادي يقظة جزائرية لتفويت الفرصة على إسرائيل بضرب عناصرالانتماء العربي والتاريخي المشترك بين البلدين 'العربيين'؟ إنها أسئلة كثيرةوكبيرة وتحمل في طياتها عدة خبايا ورموز مشفّرة، لا ترقى طبعا إلى ذلك الجسر الأخويالذي كان طبيعيا، قبل تنفيذ الجريمة المصرية على عناصر ومركبات الهوية الجزائرية،التي يحاول الآن بعض المنتفعين من بقايا الموائد، كأشباه المفكرين والرسميينوالمثقفين الترويج إليها، بعد وأد 'الأمومة' واغتيال 'الأبوة'، في شارع عربي ازدحمتعليه هموم الحياة وطلاسم العلاقات الدولية، وسط أنتلجنسيا إسرائيلية، عرفت كيف تضربأنظمة عربية، غارقة في أزمات متشعبة 'بركلة كرة قدم'، لكن هذه المرّة في شباكالتطبيع، عن طريق انتصار مصري افتراضي ومجاراة جزائرية إستباقية .

ويسألالجزائريون الآن، ما المقصود بصفقة سوناطراك الجزائرية مع إيجاس المصرية، بعد كلالذي حدث؟، هل ما قامت به مصر ضد الجزائر 'مهمة قذرة' أملتها مصالح 'مصر- إئيلية'؟هل أصبحت فعلا كرامة الشعوب وأعراقها في قبضة المخططات الصهيونية، تقوم بتمريرها عنطريق أنظمة أعرابية جاهلة؟
وللأمانة أقول: إن ّ هذه المخططات عالية الجودةالفكرية وذات المناهج العلمية العالية، بحيث لا تفهمها بسرعة نمطية التفكير العربيالمتخلّفة عن روح العصر، إلا ّ بعد فوات الأوان، عندما يقتنع الجميع من الشعوبوالحكّام، أنهم لم يكونوا إلا ّ أداة سهلة، في يد إسرائيل، وهي تمتلك أوسع فكرعالمي فوق الأرض، يؤهلها إلى إدارة ما تريد و متى تشاء وبالطرق التي لا يتعرّفعليها أحد، من عرب فراعنة أو أمازيغ أو كائنا ما كانوا. وحتى إن كانت إسرائيل هيالتي تدير النظام الحاكم في مصر، فإن الخاسر الوحيد في هذه 'الألعوبة' المصرية همالمصريون، مهما حققوا بعض الأهداف الاقتصادية، لأنها تبقى ظرفية بالمقارنة معالأهداف التاريخية والحضارية والإنسانية والأخوية، وستبقى مصر، في ظل ّ هذاالإعتزاز بالخزي والآثام، هي 'باب العار العالي' الذي تنتهك من خلاله كل الثوابتالعربية وتدخل منه كل سموم الخيانة والغدر في ظهر كل عربي مازال يحلم بتحرير القدسالشريف ويمنّي نفسه بإقامة دولة فلسطينية فوق المعمورة.

إبراهيم قرصاص

[email protected]
التعديل الأخير تم بواسطة اث زيري ; 11-12-2009 الساعة 12:43 PM