ألبرت أينشتين: "الأثير" ونظرية النسبية/ترجمة: أ. فارس بوحجيلة
07-10-2009, 04:23 PM
نموذج نقل نص علمي من الفرنسية إلى العربية:


ألبرت أينشتين:


"الأثير" ونظرية النسبية



"L’ éther et la théorie



de la relativité(*)"



ترجمة: أ. فارس بوحجيلة


يبدؤ انشتين(1) محاضرته بالتساؤل حول كيفية وصول الفيزيائيين إلى القبول بفكرة وجود نوع اخر من المادة إلى جانب المادة الثقالية (2)، التي اختبروا وجودها بواسطة التجريد، هذا النوع الثاني من المادةالذي أطلقوا عليه اسم الأثير (3)،ومرد ذلك حسبه يعود إلى الظواهر التي أعطوا فيها مكانا للقوى المؤثرة عن بعد (البعدية)(4)، وإلى خواص الضوء التي قادت إلى ظهور النظرية الموجية ،إستنادا إلى هذين الموضوعين أراد الإجابة على التساؤل المطروح في البداية.



الجزء الأول:



إن الفكر غير التجريبي في البحث الفيزيائي لايعرف شيئا عن القوى البعدية، فإذا أردنا مثلا، وضع سلسلة سببية بين التجارب المجراة على الأجسام، يتأتى لنا أنه لا توجد أفعال أخرى متبادلة بغير الإتصال المباشر(التلامس)، ومثال ذلك: انتقال الحركة أثناء التصادم، الضغط أو الشد، التسخين أو الإحتراق بفعل اللهب ...إلخ . بالتأكيد، هناك في الحياة اليومية الثقل، أي قوة بعدية، تلعب دورا مهما، لكن يتراءى لنا الثقل كشيء ثابت وليس كنقظة مرتبطة بسبب متغير مع الفضاء و الزمن، إذ لا نتخيل البتة في حياتنا اليومية سببا للثقل، كما لا نشعر بقدرته على التاثير عن بعد من خلال نتائجه، لذلك لا نستطيع إيجاد سبب للثقل إلا من خلال نظرية التجاذب لنيوتن(5)، حيث يعتبر الثقل قوة بعدية، مما جعل نظريته تشكل خطوة معتبرة لم يتمكن الفكر البشري من القيام بها قبل ذلك خلال محاولته لوضع سلسلة سببية بين الظواهر الطبيعية. وقد ولدت هذه النظرية قلقا كبيرا لدى معاصري نيوتن، لأنها تناقض المبدأ الذي تحققوا منه تجريبيا، وهو استحالة الأفعال المتبادلة دون التلامس (الاتصال المباشر) أو وسط ناقل للتأثير.
لكن نزعة الإنسان إلى المعرفة لا تقبل أي مثنية إلا بتحفظ شديد، فكيف يمكن إنقاذ التصور الوحدوي لقوى الطبيعة إذا ؟، أو بعبارة أخرى: هل يمكن التصور بأن القوى التي تظهر على أنها قوى تلامسية، هي في حقيقة الأمر قوى بعدية، تؤثر على بعد صغير جدا – هذا هو الطريق الذي اتبعه أنصار نيوتن و الذي يوافق كذلك مذهبه – ؟، أو القبول بأن قوة نيوتن البعدية ما هي إلا مظهر، وأنها في الحقيقة تنتقل عن طريق وسط يملأ كل الفضاء، إما عن طريق حركات أو تشوهات مرنة لهذا الوسط ؟، فعلى الرغم من أن الجهود المبذولة لإرساء الوحدة في تصور الطبيعة قد قادت إلى فرضية الأثير، إلا أنها لم تأت بأي تقدم فيما يخص نظرية التجاذب والفيزياء بصفة عامة، بطريقة جعلتنا نعتاد اعتبار قانون القوى لنيوتن مسلمة غير قابلة للشك، لكن فرضية الأثير كانت تلعب دورا في تفكير الفيزيائيين، و إن كان هذا الدور كامنا ومتخفيا في غالب الأحيان.
عندما نلحظ في النصف الأول من القرن التاسع عشر، التماثل الكبير الموجود بين خواص الضوء و الأمواج المرونية داخل الأجسام الثقالية، تكون فرضية الأثير قد ربحت سندا جديدا، بحيث يمكن اعتبار الضوء كناتج اهتزازي لوسط مرن ساكن، يملأ كل فضاء الكون و يظهر أيضا نتيجة لاستقطابية الضوء بأن هذا الوسط، يجب أن يتمتع بخصائص الجسم الصلب، كونها لا تتوفر إلا في جسم شبيه به، ولا يمكن أن تتوفر في مائع بسبب انتشار الأمواج العرضية، هكذا نكون قد بلغنا نظرية الأثير الضوئي شبه الصلب(6)، التي لا تستطيع أجزاؤه إحداث حركات أخرى عدى الحركات الصغيرة للتشوه المتعلقة بالأمواج الضوئية. هذه النظرية تدعى أيضا بنظرية الأثير الضوئي الساكن(7)، التي وجدت سندا قويا في التجربة الأساسية لفيزو(8)، ذات الأهمية الكبيرة حتى بالنسبة لنظرية النسبية الخاصة(9)، والتي تجبرنا على قبول أن الأثير الضوئي لا يشترك مع الأجسام في حركتها، كما أن ظاهرة الزيغ الضوئي(10) تتماشى أيضا مع نظرية الأثير الضوئي شبه الصلب.
لكن ظهور نظرية الكهرباء في الاتجاه الذي وضعه كل من مكسويل و لورنتز(11)، جلب تغييرا فريدا وغير منتظرا في اكتشافنا للتصورات المتعلقة بالأثير. بالنسبة لمكسويل نفسه، الأثير كان أيضا شيئا ذو خواص ميكانيكية صرفة، وإن كانت خواصه من نوع أكثر تعقيدا من خواص الأجسام الصلبة المحسوسة (الملموسة)(12). لكن لا مكسويل ولا مؤيدوه توصلوا إلى تصور نموذج ميكانيكي لهذا الأثير، قادر على إعطاء تفسير ميكانيكي مقبول لقوانين حقل مكسويل الكهرطيسي. القوانين كانت واضحة وبسيطة، التفسير الميكانيكي ثقيل ومتناقض، الفيزيائيون النظريون قبلوا دون حساسية هذا الوضع، الذي كان مخيبا لوجهة نظرهم الميكانيكية، خاصة مع تأثير أبحاث هرتز(13) الإلكتروديناميكية، بينما كان المطلوب قديما نظرية نهائية متلائمة مع المفاهيم الأساسية المتعلقة استثناء بالميكانيكا – مثل: كثافة الكتلة، السرعة، التشوهات وقوى الضغط – وقد اعتادوا شيئا فشيئا على قبول، إلى جانب مفاهيم الميكانيكا الأساسية، حقول القوة الكهربائية والمغناطيسية كمفاهيم أساسية، دون طلب تفسير ميكانيكي لها، مما قاد في تلك الأثناء إلى إهمال التصور الميكانيكي البحت، لكن هذا التغيير قاد إلى أثنية (مثنية) في المبادئ، التي أصبحت غير محتملة مع مرور الزمن، ومن أجل الخروج من هذه الأزمة يجب أن نحاول استنتاج مبادئ الميكانيكا انطلاقا من مبادئ الكهرباء (أي العكس)، ومن التجارب التي أعطت ذلك نجد بالأخص تلك التي أجريت على الأشعة β والأشعة المهبطية(14) ذات السرعات الكبيرة حيث نلمس الثقة في الصلاحية الكبيرة لمعادلات نيوتن الميكانيكية.
عند هرتز، هذه المثنية تتأكد دون نقص، فالمادة في نظره ليست خلفية(15) للسرع، الطاقة الحركية، وقوى الضغط الميكانيكية،وإنما للحقول الكهرطيسية أيضا، لكن بالمثل هذه الحقول تظهر أيضا في الفضاء- أي في الأثير الحر- الأثير أيضا يظهر كخلفية للحقول الكهرطيسية، إنه يشبه كلية المادة الثقالية ويحتل نفس المرتبة معها. في المادة: يأخذ جزءا من حركتها و يسود كل أرجاء الفضاء الفارغ بسرعة، بحيث تتوزع هذه السرعة باستمرار في كل الفضاء. مبدئيا أثير هرتز لا يتميز بأي شيء عن المادة الثقالية، التي تتكون جزئيا من الأثير.
إذا نظرية هرتز ليس لها فقط عيب إعطاء لكل من المادة والأثير خواص ميكانيكية، ومن جهة أخرى خواص كهربائية، والتي لا تمتلك فيما بينها أي روابط منطقية، بل إنها متناقضة مع النتائج الهامة لتجربة فيزو على سرعة انتشار الضوء في موائع متحركة، وكذلك نتائج تجريبية أخرى.
لقد صرنا هنا عندما أتى لورنتز بتبسيط رائع للمبادئ النظرية، بحيث توصل إلى وضع توافق رائع بين النظرية والتجربة. وقد تحقق هذا التقدم في نظرية الكهرباء – الأكثر اعتبارا بعد مكسويل- بتجريد الأثير من خواصه الميكانيكية، ليس فقط في الفراغ وإنما في الأجسام المادية أيضا، فالأثير وحده وليس المادة الذرية هو مقر الحقول الكهرطيسية، أما الجسيمات الأولية للمادة، حسب لورنتز هي الوحيدة القادرة على إحداث حركات، وفعلها الكهرطيسي يكمن فقط في حملها للشحن الكهربائية. وقد تمكن لورنتز من استنتاج كل الفعل الكهرطيسي من معادلات الحقول في الفضاء الموضوعة من قبل مكسويل.
هذا يعني أنه يمكن حصر الطبيعة الميكانيكية لأثير لورنتز، في أنه ساكن و هي الخاصية الميكانيكية الوحيدة التي لم يجرده منها. مع الإشارة بأن التغييرات التي أجريت على تصور الأثير عن طريق نظرية النسبية الخاصة تكمن هنا، حيث قامت بتجريد الأثير منا لخاصية الميكانيكية الأخيرة كما سيتوضح ذلك لاحقا.
نظرية الحقل الكهرطيسي ل:مكسويل و لورنتز قد قدمت نموذجا لنظرية: الفضاء- الزمان و لحركيات نظرية النسبية الخاصة، لكنها تكتسي مظهرا جديدا إذا تأملناها وفق نظرية النسبية الخاصة. لتكن K جملة إحداثيات، حيث يكون أثير لورنتز ساكنا عندها، معادلات مكسويل- لورنتز تبقى صالحة في K كتحصيل لما سبق، لكن حسب نظرية النسبية الخاصة تبقى نفس المعادلات صالحة في نفس الاتجاه في جميع جمل الإحداثيات الجديدة 'K، التي توجد في حالة حركة انسحابية منتظمة بالنسبة لـ: K. الآن يطرح السؤال الذي يعكر الصفو: لماذا يجب أن أعطي في النظرية للجملة K، وليس للجمل 'K المتكافئة فيزيائيا فيما بينها،ميزة أن يكون الأثير ساكنا فيها؟، إذا هناك نوع من عدم التناسق في البناء النظري لا يقابله أي عدم تناسق في النظام التجريبي، والذي لا يلق أي قبول عند النظريين، يظهر لنا أن عدم التكافؤ الفيزيائي بين الجمل السابقة، إذا كان غير مترابط منطقيا مع الافتراض بأن الأثير ساكن بالنسبة لـ: K ومتحرك بالنسبة لـ: 'K، فإنه لا يلائم النظرية.
وجهة النظر التي نستطيع الاقتراب من قبولها هو أن نتبنى في مواجهة هذا الوضع بأن الأثير لا يوجد إطلاقا. والحقول الكهرطيسية لا تمثل حالات الوسط، ولكنها حقائق مستقلة، والتي لا يمكن إرجاعها إلى أي شيء آخر وغير المرتبطة بأي خلفية، تماما مثل ذرات المادة الثقالية. هذا التصور لم يأت هكذا، فحسب نظرية لورنتز، الإشعاع الكهرطيسي يحمل بنفسه دفعا وطاقة مثله مثل المادة الثقالية، وحسب نظرية النسبية الخاصة المادة والإشعاع ما هما إلا مظهران خاصان للطاقة المتناثرة، الكتلة الثقالية تفقد إذا وضعها ولا تظهر إلا كمظهر خاص للطاقة.
إن تأملا أكثر يقظة يعطي لنا، على الرغم من هذا الرفض للأثير، بأنه ليس من الضروري اقتضاء ذلك عن طريق النسبية الخاصة، فيمكن أن نقبل وجود الأثير لكن يجب أن نعطيه حالة حركة معرفة، بمعنى أن نجرده من الخاصية الميكانيكية الأخيرة التي تركها له لورنتز، وسنرى لاحقا بأن وجهة النظر هذه تجد تبريرا لها في نتائج نظرية النسبية العامة(16).
لو تخيلنا أمواجا على سطح سائل. هذه الظاهرة يمكن تفسح المجال أمام تفسيرين مختلفين تماما. إذ يمكن أن نراقب في البداية كيف يتغير السطح الموجي- الذي يشكل الحد الفاصل بين الماء و الهواء- بدلالة الزمن. كما نستطيع أيضا –بمساعدة جسيم يطفو على سطح الماء مثلا- مراقبة تغير وضعية كل جزيئة من الماء مع مرور الزمن.



يتبع الجزء الثاني ان شاء الله



الهوامش:


*- Albert EINSTEIN , L’ éther et la théorie de la relativité, conférence faite à l’Université de Leyde le 5 mai 1920 .
Taduction française : Traduit de l’alleemand par Maurice SOLOVINE. Troisiéme édition revue . GAUTIER-VILLARS , éduteur . PARIS ,1964.
1-Albert EINSTEIN .
2-Pondérable.
3-L’ETHER.
4-Les forces agissant à distance.
5-Newton.
6-l’éther lumineux casis-rigide.
7-lathéorie de l’éther lumineux immobile.
8-Fizeau.
9-la théorie de la relativité restreinte.
10-l’aberration.
11- J.C. Maxwell & H.A. Lorentz.
12-tangible.
13-Heinrich Hertz.
14-les rayons β et les rayons cathodiques.
15-substratum.
16-la théorie de la relativité génerale.