ابن الرومية.. أعظم النباتيين المسلمين
04-06-2020, 07:44 AM


في العصور الوسطى كانت دراسة النباتات والحشائش الطبية تحتل مكانة هامة في البحوث الطبية، وإليها ترتكز معظم الجهود في تركيب الأدوية والعقاقير الطبية، وقد بدأت هذه الدراسات في عصر مبكر، وكان أستاذها الأول ديسقوريدوس اليوناني الذي عاش في القرن الأول للميلاد، واشتهر بكتابته عن الحشائش الطبية ومركبات الأدوية.
وقد عنى العلماء المسلمون عناية خاصة بدراسة الحشائش الطبية وتصنيفها، ودراسة خواصها العلاجية، وظهر منهم في هذا الميدان عدة من أكابر العلماء والباحثين، وأشتهر منهم بالأخص عالمان أندلسيان بلغا في هذا الميدان ذروة التفوق والنبوغ، هما أبو العباس بن الرومية الإشبيلي، وتلميذه ابن البيطار المالقي، ويعتبر أبو العباس بن الرومية أعظم النباتين المسلمين، ويعتبر بعد ديسقوريدوس اليوناني أعظم العشَّابين سواء في الشرق أو الغرب، ومن ثم فقد أشتهر بالنباتي وبالعشَّاب.

نسب ابن الرومية ومولده
هو الشيخ، الإمام، الفقيه، الحافظ، الناقد، الطبيب، النَّباتيّ، العَشَّاب، أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي الخليل مُفَرِّج الإشبيلي الأموي، ويعرف بابن الرومية، وينتمي إلى أسرة قرطبية من موالي بني أمية، نزحت فيما بعد إلى إشبيلية.
ولد أبو العباس في إشبيلية سنة 561هـ= 1165م، وكانت إشبيلية يومئذ قاعدة الدولة الموحدية بالأندلس، وقد غدت في ظل الموحدين مركز العلوم والآداب.

ابن الرومية.. وتكوينه الثقافي والعلمي
درس أبو العباس على جمهرة من أكابر العلماء في عصره، وبرز في علم الحديث حتى غدا فيه إمامًا حافظًا، ولا يبارى في ذكر تواريخ المحدثين وأنسابهم وتجريحهم وتعديلهم، كما شغف في الوقت نفسه بدراسة النبات وخصائص الأعشاب الطبية، وتجوَّل من أجل ذلك في ربوع الأندلس والمغرب وشمال إفريقية ومصر والشام والعراق والحجاز، ووصل في هذا الميدان من تحقيق أصول الأعشاب المختلفة وخواصها وتمييزها إلى مالم يصل إليه أحد من قبل.

رحلات ابن الرومية الدراسية
أخذ ابن الرومية يتنقَّل بين المدن والبلدان من أجل الدراسة، وقد قضى في رحلاته الدراسية في شمال إفريقية وبلاد المشرق زهاء ثلاثين عامًا، منذ أنْ بدأها بعد سنة 580هـ بقليل، وأدَّى فريضة الحج في سنة 613هـ، ولقى خلال تجواله جمهرة كبيرة من العلماء المشارقة بمصر والشام والعراق ومكة، وأخذ وروى عنهم، ثم عاد إلى الأندلس بعد طول التجوال، واستقر ببلده إشبيلية، وافتتح بها متجرًا للنباتات الطبية، فكان مقصد الأطباء والنباتيين، وطلاّب العلاج من سائر الأنحاء.

تأثر ابن الرومية بالمذهب الظاهري
كان ابن الرومية فقيهًا ظاهري المذهب شديد التعصب للعلامة ابن حزم القرطبي، وعلى يديه انتشرت تصانيف ابن حزم بما أبداه من غيرة وعناية فائقة في إظهارها، والإنفاق على استنساخها، وقد أنفق في هذا السبيل أموالًا جمة، وكان على جانب ذلك ورعًا صالحًا زاهدًا، شديد العطف على طلبة العلم، يجود عليهم بالمال والكتب التي يعز وجودها.

علم ابن الرومية وتصانيفه
كان ابن الرومية كثير الشغف بالعلوم، ويواصل سهر الليل في تقييد بحوثه ومصنفاته، ويقضي أوقاتًا كثيرة في فحص المرضى، وإمدادهم بالأدوية النباتية التي مهر في تمييزها وإعدادها، ولابن الرومية تصانيف عديدة في الحديث والنبات، منها في الحديث: رجّالة المعلَم بزوائد البخاري على مسلم، ونظم الدراري فيما تفرد به مسلم عن البخاري، والحافل في تذليل الكامل، وغير ذلك، ومن مصنفاته في النبات: شرح حشائش ديسقوريدس وأدوية جالينوس والتنبيه على أوهام ترجمتها، والرحلة النباتية، وله غير ذلك مصنفات ورسائل عديدة، لكن مع الأسف لم يتم العثور إلا على القليل من هذا التراث الحافل.

وفاة ابن الرومية
توفي ابن الرومية بإشبيلية في شهر ربيع الآخر سنة 637هـ= نوفمبر سنة 1239م، وذلك بعد حياة مليئة وحافلة بالرحالات العلمية والانتقال بين المدن والأقاليم، وقد كُنِّي بأبي العباس، ولُقِّب بجملة ألقاب؛ منها: العشَّاب والنباتي والزهري، كما لُقِّب بالحافظ، والحزمي الظاهري، وعُرِف بابن الرومية[1].

[1] الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مصطفى عبد القادرعطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 14/ 126، ومحمد عبد الله عنان: تراجم إسلامية شرقية وإندلسية، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1390هـ= 1970م، ص338- 341.
قصة الإسلام