دراسة: "لماذا يستمر العنف في العراق؟" لـــ: أنتوني كوردسمان، الخبير الإستراتيجي
30-05-2009, 07:44 PM
لماذا يستمر العنف في العراق؟



لــ: أنتوني كوردسمان، الخبير الإستراتيجي في "مركز الدراسات السياسية والدولية" في واشنطن


أسباب جوهرية ومسؤوليات رسمية



عرض: أنتوني زيتوني
لماذا تدهور الوضع الأمني في العراق مؤخراً ؟ والى ماذا يؤشر تجدد التفجيرات والعمليات الإنتحاربة في مناطق متفرقة من العراق وخاصة في بغداد؟ ومن المسئول عن اتساع أعمال العنف بعد انحسارها نسبياً منذ أواخر عام 2007م؟ وما علاقة ذلك بقرب انسحاب القوات الأميركية من بعض المدن والمناطق العراقية في إطار الخطط المرسومة للانسحاب التدريجي قبل نهاية عام 2011م ؟ وأخيراً ما هي مسؤولية الحكومة العراقية عن كل ما يجري؟.
أنتوني كوردسمان، الخبير الإستراتيجي في "مركز الدراسات السياسية والدولية" في واشنطن يتابع رصده العميق للوضع في العراق من خلال أحدث تقاريره (صدر في 5 أيار"مايو" 2009) بعنوان "العراق: اتجاهات العنف والضحايا المدنيين :2005 - 2009م"

يبدأ التقرير بالتركيز على أن الأسابيع الأخيرة كانت قاسية ودموية جداً في العراق, وهذا ما يذكرنا بأن الحرب ضد"القاعدة"، وضد متطرفي "جيش المهدي" الشيعي ، وضد كل مسببي العنف في العراق، لم تنته بعد. ويذكرنا أيضا بأن الوضع في العراق لا يزال "هشّاً" كما يصرّح دائما المسئولون الأميركيون لكن تخطي هذه المحنة ممكن والأمل باستقرار العراق لا يزال كبيراً - برأي كوردسمان خاصة بعد أن رفض معظم العراقيين العنف الذي كاد يدّمر البلد. لكن - يلاحظ الكاتب أن هناك عدة قضايا أو "انشقاقات وانقسامات أساسية " في تركيبة العراق الراهنة قد يشكّل كلاً منها سبباً كافياً لتجدد العنف خاصة إذا استغلتها " القاعدة" أو متطرفوا "جيش المهدي" أو بعض "المتطرفين الشيعة" لتفجير العراق من جديد وهذه أبرز الانقسامات الأساسية التي عددها التقرير:
  • الخلاف العربي - الكردي : خاصة حول كركوك ونينوى وغيرها من مناطق التوتر بين الطرفين إن لم تجد الحكومة المركزية العراقية حلاً سلمياً لهذه المعضلة ، فإن هذا الخلاف الجوهري قد ينفجر أعمالاً خطيرة في كلّ مناطق التماس الكردية - العربية.
  • الخلاف السنّي - الشيعي المستمر بصيغ عدة ولأسباب كثيرة. رغم تمسك الفريقان العربيان بنبذ العنف, فإن هذه المعضلة لا تزال تنتظر حلاً جذرياً وحتى اليوم لا تزال المناطق المختلطة غير مستقرة تماماً.
  • التنافس على السلطة وعلى المراكز الحكومية وعلى إدارة موارد الدولة لا يزال حامياً وسط ارتفاع نسبة البطالة خاصةً بين الشباب العراقي ، حيث هناك حالياً أكثر من مليون شاب سنّي عاطل عن العمل إضافة لعدّة ملايين من الشباب الشيعة والأكراد ومن الأقليات أيضاً.
  • تفشي ظاهرة الفساد في البلد.إضافة إلى تفاقم أزمة الموازنة العامة للدولة نتيجة انخفاض أسعار النفط مما أدى لتخفيض كبير في موازنة هذا العام من 78 مليار دولار إلى 58 مليار دولار. لاسيما أن هناك أكثر من مئة ألف شاب سنّي من أعضاء "الصحوات" لم يتم استيعابهم في القوى الأمنية الرسمية, لأسباب مالية - كما تقول الحكومة العراقية التي جمّدت توظيف 60 ألف شاب في القوى الأمنية الحكومية لأسباب مالية أيضا ألغت الحكومة العراقيةً إعتمادات مالية كانت مخصصة للتعليم .كذلك يجب ألا ننسى تأثير هذه الأزمة على القطاع الخاص في العراق كل هذه العوامل لا تساعد على استقرار الوضع الأمني الهش.
  • أداء القوى الأمنية العراقية لا يزال ضعيفاً رغم تقدمه نسبياً الجيش العراقي يعاني من توترات طائفية وإثنية بين أفراده ( شيعية - سنّية ، عربية كردية) الشرطة العراقية لم تبرهن جدارة كافية ميدانياً في عدّة مناطق فيما انزلق بعض أفرادها في نزاعات طائفية وإثنية في مناطق أُخرى الخطط الأميركية لنقل السلطة الأمنية إلى القوى الأمنية العراقية في عدة مدن ومناطق أساسية دونه عقبات كثيرة خاصة في بغداد والموصل والبصرة ومناطق أساسية أخرى.
مما سبق ذكره يتخوف الكاتب من خسارة المكتسبات التي تحققت في العراق إبتداءا من عام 2007 أحداث نيسان الدموية "دقّت جرس الإنذار" حول مدى نجاح العملية السياسية في العراق وقدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد التي لا تزال تعاني من دوامة العنف . التحدي الأكبر اليوم هو : هل تستطيع الحكومة العراقية بناء قوات أمنية نظامية قادرة وفاعلة وكافية لضبط الأمن؟ وثمة تحدٍّ آخر هو حول إمكانية انسحاب القوات الأميركية من العراق قبل ضمان أمنه واستقراره !.
أرقام الضحايا المدنية تتكلم!
كل الإحصاءات التي راجعها الكاتب تؤكد أن العنف في العراق لا يزال العائق الأكبر والعقبة الأساسية أمام استقرار البلد وذلك نتيجة الخسائر البشرية المرتفعة خاصة بين السكان المدنيين كان العراق بين عامي 2004 و2007 م من أكثر مناطق العالم عنفاً من حيث عدد العمليات الإرهابية أو من حيث عدد الضحايا المدنيين كما تؤكد نتائج إحصاءات وزارة الخارجية الأميركية والمركز الوطني (الأميركي) لمكافحة الإرهاب, انخفض معدّل العنف في العراق إبتداءً من النصف الأخير من عام 2007 وخلال عام 2008 لكن لا يزال البلد يعاني من خلل أمني أساسي يتوجب على المعنيين معالجته جذرياً.
شهد العراق 3467 عملية إرهابية عام 2005 , حصدت 20722 إصابة بين المدنيين , منها 8242 قتيلاً (حوالي 40% من المصابين ماتوا), وعدد العمليات الإرهابية سجّل ارتفاعا عام 2006 ليصل إلى 6631 عملية و38878 إصابة مدنية منها 13345 قتيلاً وعدد القتلى عام 2007 كان 13606 شخصاً من بين 44012 إصابة مدنية ناتجة عن 6210 عملية إرهابية.
أما في عام 2008 فسجّل 5016 قتيلاً من المدنيين من أصل 19083 إصابة ناتجة عن 3258 عملية إرهابية، (حوالي 26% فقط من المصابين المدنيين ماتوا عام 2008) شكّل انخفاض عدد العمليات الإرهابية في العراق ابتدءا من أواخر عام 2007 مؤشراً واضحاً على نجاح تجربة " الصحوات " التي أضعفت سيطرة القاعدة على المناطق العراقية ذات الأغلبية السنّية.
مؤشر آخر ورد في التقرير حول انخفاض عدد السيارات المفخخة التي انفجرت في العراق من 274 سيارة عام 2005 إلى 117 سيارة فقط عام 2008 فيما ارتفع عدد الانتحاريين من 71 عام 2005 إلى 100 انتحاري عام 2008 ، في ظاهرة ملفتة بمشاركة نساء إنتحاريات وأناس بلباس القوى الأمنية النظامية جعلت اكتشاف الانتحاريين عملية صعبة ومعقّدة.
العملية السياسية و استقرار العراق
في ختام تقريره يشير كوردسمان إلى أن استمرار انخفاض عدد العمليات الإرهابية في العراق يشكل مؤشراً واضحاً على أن العراق دخل مرحلة جديدة ، ولن يعود إلى الوراء، والى الأيام السود من الاقتتال الطائفي والمناطقي لكن استقرار العراق عملية لم تُنجز بعد والى الآن لم يصل البلد إلى حال من انعدام العنف فالاستقرار يتطلب سنوات عديدة من الجهد المركّز على محاربة فلول " القاعدة" ومتمردي " جيش المهدي", تلك القوى الإرهابية التي لا يزال الجنرال بترايوس ينبه من خطرها المستمر على العراق الجهد العسكري هذا يجب أن تحضنه وتواكبه الحياة السياسية في العراق فثباته من تقدمها، وانهياره من فشلها.
حكم القانون عامل أساسي يجب أن يواكب التقدم المنشود التنمية الاقتصادية باتت اليوم حاجة أمنية - سياسية لا غنى عنها للوصول إلى عراق مستقر فالأمن الاقتصادي ركيزة أساسية للأمن العام متى يستطيع العراق تحقيق كل ذلك؟ يحتاج العراق - برأي الكاتب - إلى ثلاث سنوات على الأقل من التقدم المضطرد في عمليته السياسية لتحقيق الاستقرار المنشود وعلى أميركا أن تتأكد من نجاح كلِّ خطوة قبل انسحابها المقرر من العراق.
انتهى التقرير دون الإشارة إلى أهمية دور الإدارة الأميركية في رعاية العلاقة بين الحكومة العراقية ومجالس الصحوات عامةً ومدى جدّية التزام الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية تجاه مواطنيها من العرب السنّة وبخاصة تجاه أولئك الذين حاربوا "القاعدة" منذ عام 2007 وهم اليوم يواجهون تهم الحكومة لهم بتنفيذ جرائم سابقة ضد مواطنيهم هل للحكومة العراقية جدّية في إتمام عملية المصالحة الوطنية الحقيقية؟ متى سيعترف ساسة العراق بأن لا استقرار أمني من دون استقرار سياسي؟.