الحياة بعينَي طفل
09-08-2020, 02:59 PM
العام الماضي فقدت قريبتي جنينها، كان الحزن باديًا على مُحيَّاها، وجميع من حولها حاول أن يظهر الدعم لها ويواسيَها، لكن ملامحها كانت تنطق بالألم، تحاول جاهدة أن تحبس دموعها؛ فقد كانت تنتظره بلهفة، في تلك الأثناء كان أحد الأطفال ينظر إليها بتركيز شديد، ثم اقترح لها رأيًا - ظنَّ حسب فكره وعمره أنه رأيٌ سديد - قال بثقة وكأنه وجد حلًّا سيخرجها من ضيقها: "احضري إناء، واملئيه بالماء، وضعي الطفل فيه، صدقيني سيعود للحياة"، انطلقت الضحكات في أرجاء الغرفة، وابتسمت قريبتي، لقد أخرجها دون أن يشعر من لحظات حزن جمة.
عندما نحكي مشكلتنا لأشخاص كبار، فإنهم سيشعرون بألمنا وما يترتب على هذه المشكلة من عواقب وتعقيدات، بينما لو جالسنا أطفالًا سيشعرونك بأن المشكلة صغيرة وتافهة، فعالمهم يضِجُّ بالبراءة والاستمتاع بالحياة.
حتى مشاعر الحزن لديهم سريعة الزوال، فحين يبكي أحد الأطفال سيبتسم فور رؤيته لهدية متواضعة أو لقطعة من حلوى، هم دائمًا يبحثون عن البسمة والمرح؛ لذلك جرب أن تجالس طفلًا عندما تكون متضايقًا، تحدث معه ستجده بتفكيره الخيالي العجيب أزاح عن قلبك بعض آلامه، وأزال عن ظهرك شيئًا من أثقاله.
حين تخوض أحد تلك المواقف الصعبة جرِّب أن تستصغرها ولا تعطِها بالًا، ستصْغُر بإذن الله، لكن إذا تعاملت معها على أنها شيء جَلَلٌ، فإنها ستصعب عليك، وحسب المثل الشائع: "هونها وتهون"؛ وقد ذكر ستيفن كوفي في قاعدته الشهيرة (10/ 90) أن 10% من المواقف اليومية تكون خارجة تمامًا عن إرادتك، و90% من أحداث حياتك تعتمد على ردود أفعالك، بعبارة أخرى: فإن تعطُّلَ محرك السيارة أمرٌ ليس بإرادتك، لكن ردة فعلك تجاهه هي بإرادتك الكاملة؛ إن غضبتَ فإنك سترهق نفسك، وتؤذي من حولك، وتشعر بأنك في كارثة، وإن تعاملت معها بهدوء وأنه قدر من الله تعالى، ستطمئن وتتمكن من التعامل معها بمنطقية؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من رضيَ فله الرضا، ومن سخط فله السخط)).
حاول واجتهد ألَّا تضخِّمَ أي مشكلة تواجهك، لا تهوِّلها، ستراها تضمر بإذن الله، إن انحلت زالت، وإن لم تُحلَّ بقت لا هول لها؛ وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما يصيب المسلم من نَصَب، ولا وَصَب، ولا همٍّ، ولا حزن، ولا أذًى، ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها - إلا كفَّر الله بها من خطاياه))، فلله الحمد دائمًا وأبدًا.
منقول: