كن آسرًا بأخلاقك
16-04-2016, 09:36 AM
كن آسرًا بأخلاقك
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعد:


الأسير هو: من سلَّم قياد نفسه لغيره، والآسِر هو: المتحكم في زمام غيره، ومن المؤكد أن "الآسِر" و"الأسير" كلمتان اشتهرتا في مجال الحرب، إلَّا أن هذا المعنى قد يتحقق في علاقات الناس بعضهم ببعض، وهما بالطبع مصطلحان مستعاران من أجل الوصول إلى معنى يراد.
تستطيع أن تحقق ما تريد وتأخذ ما تصبو إليه بوسائل عدة، منها:" القوة والقهر والشدة"، ومنها:" المصلحة المتبادلة؛ لي عندك ولك عندي"، إلَّا أن هناك طريقًا سهلًا ميسورًا لا يحتاج إلى كثير عناء، ولا يحتاج إلى عنف أو شدة، ودون النظر إلى النفع المادي المتبادَل، أو المعاملة بالمثل، إنه:" طريق الخُلُق الحسَن": الذي هو أشد تأثيرًا من الحديد في الصخر الصوان، وفي نفس الوقت ألين من الحرير في ملمسه.
إن الأخلاق الحسنة هي: عنوان رسالة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد وصفه ربه في أخلاقه بأعظم وصف: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ، وخص الخُلُق بهذا الوصف؛ لأن الخُلق الحسَن يجمع في داخله كل صفة طيبة، فهو يحمل:( الحلم والصبر والكرم واللين والأناة والعفو، كما يحمل صفات الشجاعة في موضعها، والقوة في موضعها، والثبات والتحمُّل، وغير ذلك من صفات لا تخرج عن حد الاعتدال) بعيدًا عن التنطُّع والغلو والانحراف، وقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن رسالته، فأوجز قائلًا: ((إنما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق))؛ وفي رواية: ((إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)).
إن المتدبر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: يجد أن أخلاقه العظيمة كانت سببًا رئيسًا لدخول الناس أرسالًا وأفواجًا في دين الإسلام، والمواقف كثيرة؛ فعن عبد الله بن سلَام رضي الله عنه، قال: إن الله لمَّا أراد هُدى زيد بن سَعْنَة (وهو من أحبار اليهود) قال زيد: لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أَخْبُرْهما منه: يَسبق حِلمُه جهلَه، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، قال: فكنتُ أتلطف له لأن أخالطه، فأعرف حلمه وجهله، فذكر قصة إسلافه للنبي صلى الله عليه وسلم مالًا في ثمرة، قال: فلما حل الأجل، أتيتُه فأخذتُ بمجامع قميصه وردائه، وهو في جنازة مع أصحابه، ونظرتُ إليه بوجه غليظ، وقلتُ: يا محمد، ألا تقضيني حقي؟، فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لَمَطْلٌ، قال: فنظر إليَّ عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم قال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتفعل ما أرى؟، فوالذي بعثه بالحق: لوما أحاذر لومه، لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم، ثم قال: ((أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر؛ أن تأمرني بحُسْن الأداء، وتأمره بحُسْن الطلب، اذهب به يا عمر فاقْضِه حقه، وزده عشرين صاعًا من تمر: جزاء ما روَّعته))؛ فأسلم زيد بن سعنة رضي الله عنه لما رأى من حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، وشهد بقية المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأسلم معظم أهل مكة يوم الفتح بسبب عفو النبي عليه الصلاة والسلام عن أهلها حين خاطبهم قائلا:" اذهبوا، فأنتم الطلقاء".
وبهذه الأخلاق دخل في الإسلام:( بلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي)، بل دخلت بلدان بكاملها في الإسلام بحسن تعامل المسلمين مع أهلها بيعًا وشراءً، ودول جنوب شرق آسيا: تشهد على ما نقول.
إن المسلم الصادق لديه أقوى سلاح يستطيع به أن يأسر مَن شاء من الناس، إنه:( حُسن الخلق، وخفض الجناح، والعفو واللين)، بكل ذلك وبغيره من الأخلاق الحسنة - تصل إلى قلوب الناس، ليس بالفظاظة، ولا بالخشونة والعنف، ولا بالتجهُّم والعبوس، ولكن بالكلمة الحانية، والبسمة الهادئة، تستطيع أسْر من تريد أسْرَه، فتجعله يقبل نصحك، ويهتدي بهديك، ويتخلق بأخلاقك، التي لا شك هي: أخلاق المسلم الصادق، التي دل عليها إسلامنا العظيم، ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
منقول بتصرف يسير، جزى الله خيرا راقمه.