الغلمانية أو "البيدوفيليا"... أخطر ما يهدد أطفال الجزائر
27-12-2017, 05:43 AM






ليلى.ميليا

ترددنا كثيرا قبل أن نخوض في هذا الموضوع الحساس، لكن خطورته وتفشيه في عتمة المجتمع دفعنا للحديث عنه... إنه "الغلمانية" أو ما يعرف علميا بمصطلح "البيدوفيليا" في علم النفس، وتفشيه وسط الأطفال والمراهقين، حيث تعج أروقة المحاكم يوميا بقضايا مثيرة عن الظاهرة والتي عادة لا تتحدث عنها الصحافة إلا إذا اقترنت بجريمة قتل أو اختطاف، لكن الحقيقة أخطر من ذل،ك فآلاف الأطفال والمراهقين يعيشون "الانكسار" نتيجة التحرش والاعتداء والاستغلال الجنسي داخل الآسر، ومن أقرب الناس إليهم، ويتحولون مع الوقت إلى مرضى بيدوفيليين إذا لم يتم التكفل بهم نفسيا على مدار عشر سنوات على الأقل تكفلا طبيا مستمرا.
"بيدوفيليا" مصطلح علمي يوناني الأصل، يتكون من مفردتين "بيدو" ويعني الطفولة، والجزء الثاني "فيليا" ويعني "عشق"، وهي مجموعة من الاضطرابات النفسية المرضية المتمثلة في خيالات أو انجذاب أو تصرف جنسي مغاير للأصل مثل الانجذاب الجنسي للحيوانات والجماد والأطفال.
كما يعرفها العلم بأنها اضطراب وخلل نفسي محوره الإحساس بالانجذاب والرغبة والخيالات والاستثارة الجنسية من قبل البالغين (غالبا من الذكور وقليلا من الإناث) تجاه الأطفال ذكورا وإناثا، ويترجم هذا الاضطراب في أعراض وصور مختلفة تتفاوت من مجرد النظر بشهوة، أو اللمس المشبوه، أو التعرية للضحية، أو التعري أمامها، أو الاتصال الجنسي بشتى صوره.
وتجتاح "البيدوفيليا" أو ما يسمى "عشق الأطفال" أو "الغلمانية" المجتمع الجزائري بشراسة وبعيدا عن وعي العائلة، ودون البحث في حقيقتها ولا في طرق علاجها، والكثير منا يخلط المفاهيم في تعريفها، لأن "البيدوفيليا" حسب علماء النفس ليس انحرافا إجراميا، بل هو مرض نفسي يصيب الطفل في مرحلة المراهقة بعد انكسار في نفسه نتيجة تعرضه لاعتداء جنسي أو صدمة من اقرب الناس إليه، وأسباب أخرى تجعله يكبر على شهوة جنسية تجاه الأطفال ممن يصغرونه بخمس سنوات تقريبا.
وتقول الأخصائية النفسية مكاوي إيناس، باعتبارها أول من يحتك بالأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية بمركز الاستماع لشبكة "ندى"، وهي جمعية تدافع عن حقوق الطفل وحمايته من العنف الجنسي، أن الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال، وفي وسط العائلة، أي من أقرب الناس إليهم في مقدمة أنواع العنف التي تم تسجيلها خلال السنوات الماضية.
تقول "تلقينا حالات حرجة لأطفال تتراوح أعمارهم بين عامين إلى 14 سنة تعرضوا لاعتداءات جنسية بكل إشكالها، بما فيها الاغتصاب، وهو يمثل نسبة قليلة، لأن القانون رهب من جريمة الاغتصاب، أين يواجه المتهمون فيها عقوبات بالسجن، لهذا فأغلب الحالات هي لتحرشات جنسية عن طريق اللمس أو الإثارة بالصور الخليعة أو الفيديوهات وغيرها من الأفعال المشينة، وهناك نوعين من "البيدوفيليا"، هناك من "يعشق" الطفولة الأولى، أي يعتدي على الأطفال دون سن الخامسة، وهناك من يختارون أطفالا بعد سن السادسة حتى المراهقة".
وشرحت لنا الأعراض المرافقة للتحرش والاعتداء الجنسي وآثاره النفسية التي لا تقل خطورة عن الاغتصاب، فالطفل الصغير يعاني من الكوابيس والصراخ وقلة النوم، ولما يبلغ سن الخامسة تبدأ علامات الاعتداء تظهر عليه، من خلال سلوكيات قد نعتبرها عادية، لكنها علامات مبكرة لإدراك التحرش أو الاعتداء، كأن يخلع الطفل سرواله أمام الناس، أو تلعب الفتاة مع دميتها بطريقة غريبة وينتابها خوف من الرجال.
وحذرت من كارثة إدمان الطفل على هذه الأفعال، لأنه إذا تعرض للتحرش أكثر من مرة وتعود عليه يصبح في خطر كبير، وتستدل بأقوالها عن حادثة طفل عمره 6 سنوات يهرب من البيت لممارسة الفعل المخل بالحياء بعد أن تعود عليه، علما أنه مر بمرحلة ألم نفسي قبل أن يتحول فيما بعد إلى "بيدوفيلي".
وتقول المختصة النفسانية أن التحسيس داخل الأسرة غائب تماما، في إشارة منها إلى أغلب الاعتداءات على الأطفال هي من محيطهم العائلي، فمن بين حوالي 1000 اعتداء جنسي، هناك 55 حالة اعتداء جنسي ضد الأطفال من طرف المحارم، وهي الظاهرة التي يجب تسليط الضوء عليها داخل العائلة لحماية الطفل من أقرب الناس إليه.
وتشخص حالات الاعتداء في زنا المحارم بعلامات تظهر على الطفل كالانهيار النفسي، الخجل، عدم الجلوس مع المعتدي، الانطواء، الشرود الذهني، وعند بلوغ المراهقة يتحول إلى طفل عدواني، وتقول "آخر حالة استمعت إليها من مراهق في 14 من العمر تم الاعتداء عليه داخل الآسرة وكان في وضعية نفسية سيئة لم يستطع الحديث إلا بعد خمس أو ست جلسات علاج"، وتؤكد أن التكفل النفسي بهذه الحالات يستغرق على الأقل عشر سنوات من المتابعة النفسية الدقيقة.
وتضيف "من أعقد الحالات التي بقيت راسخة في ذهني طفلة في الخامسة من العمر تعرضت لاعتداء جنسي وهي لا تتعدى السنتين والنصف، أحضرتها والدتها إلى مركز العلاج النفسي لشبكة "ندى" وكانت في أسوأ حال، لم تستطع أيضا البوح بما حدث لها إلا بعد جلسات استماع طويلة، وتبين أنها تعرضت للاعتداء في حقل معزول على مدار سنة كاملة دون أن تتفطن والدتها للأمر، وكان المعتدي عليها من المحارم".


المطالبة بمحاكم خاصة بالأطفال
تطالب 150 جمعية ناشطة في شبكة "ندى" للدفاع عن الأطفال ضد العنف بكل أنواعه وفي مقدمته العنف الجنسي، باستحداث محاكم متخصصة لعلاج قضايا الأطفال كالجنوح والاعتداءات الجنسية، بعد أن سمح القانون بتسجيل فيديوهات تتضمن شهادات الأطفال المعتدى عليهم جنسيا خلال التحقيق مع الضبطية القضائية وإظهارها للمرافعة، لأن الطفل لا يستطيع أن يعيد الحادثة أكثر من مرة، وهي خطوة ايجابية في مجال محاربة "الغلمانية" وسط الأطفال والمراهقين.
لكن الأخصائية النفسية ترى أن قضايا التحرش و"البيدوفيليا" ضد الأطفال لا تزال معقدة وليست سهلة لدى القضاء الذي لا يستدل ولا يعترف إلا بالقرائن والأدلة الملموسة، وعادة ما تكون هذه القضايا خاسرة، لهذا يعيش آلاف الأطفال في خوف وفي انكسار نفسي خطير يتحولون بعدها من ضحايا إلى مجرمين.


شاذون يبتزون الأطفال بالمال ومراهقون يجرون رجالا إلى المحاكم
تأسس المحامي إبراهيم بهلولي وهو محام لدى المحكمة العليا بالجزائر في حق رجل متزوج ضبط ليلا وسط سيارته رفقة طفل عمره 15 سنة في ضواحي الطريق السريع من طرف رجال الشرطة، وأثناء التحقيق معهما، اتهمه الطفل بالاعتداء عليه والتحرش به جنسيا، في حين أنكر الرجل التهم وقال انه توقف ليلا بعد أن لوح له الطفل بيده لنقله إلى اقرب مكان في ظل غياب المواصلات، غير أن السيارة تعطلت بهما، وأصر الطفل على أقواله بأن الرجل حاول اغتصابه، وتبين من خلال المرافعة أن هذا المراهق وهو ثمرة طلاق ومنحرف ويتعاطى المخدرات انه معتاد على الفعل المخل بالحياء حسب تقرير الطب الشرعي.
ومن هنا يقول المحامي إن الأطفال ضحايا المجتمع يتحولون إلى "بيدوفيليين" مع الوقت، وهم معروفون من تصرفاتهم وسلوكهم ولباسهم والأماكن التي يرتادونها، عادة ما يمارس ضدهم العنف الجنسي ويتم استدراجهم وابتزازهم بالمال والمخدرات ليتحولوا في الأخير من ضحية إلى منحرفين، وأضاف أن الشواذ من الأشخاص يصطادون ضحاياهم ممن يمرون بظروف اجتماعية صعبة من المعوقين، وغير المتمدرسين وأطفال الشوارع والأطفال ضحايا الطلاق وضحايا نزاعات الحضانة، وأطفال الأمهات العازبات، وضحايا زنا المحارم، والفقراء، وضحايا المخدرات، هؤلاء هم من يمارس عليهم العنف والتحرش والاعتداءات الجنسية، لذا يجب على الأمهات والآباء التفطن وحماية أبنائهم من هذه الأخطار في كل مراحل الطفولة سواء الطفولة الأولى أو المراهقة، وأحيانا حمايتهم من أقرب شخص إليهم.