جزائريون يدفعون 150 مليون لشراء "مقنين"!
08-08-2016, 02:43 AM


روبورتاج: وهيبة سليماني


ما إن تدخل سوق الجمعة لبيع الطيور بالحراش شرق الجزائر العاصمة، تنفذ من دون استئذان إلى أعماقك وتسحر نفسك تغريدات طائر الحسون المعروف في الأوساط الشعبية بـ"المقنين"، وتتذكر أكيد وبدون شك أغنية الفنان المرحوم محمد الباجي"يا المقنين الزين"، حيث يدور شريطها في صدرك فتتغنى بها في صمت.
عندما قال لنا أحد هواة بيع الطيور إن ثمن "المقنين" قد يصل إلى 150 مليون سنتيم ولا يباع أحيانا، استغربنا واعتبرناه مجرد تضخيم للأمر، أو حديث مراهقين مهووسين بـ"الحسون"، إلا أن جولتنا في سوق الطيور جعلتنا نفهم أشياء كثيرة كنا نجهلها عن هذه التجارة التي لا يخوضها إلا فنان يفقه جيدا لغة الطيور وتغريداتها الساحرة للأذن.
"أنت جاهل غير مطلع بأمور المقنين" عبارة يرددها شباب بمجرد دخولهم في نقاش حاد حول سعر الحسّون مع رواد السّوق، والذين يجهلون في الكثير من الأحيان سبب التفاوت الكبير بين ثمن "مقنين" وآخر، وأحيانا يجد هؤلاء الباعة الهواة أنفسهم أمام واقع مر يفرضه غياب ثقافة الاطلاع على أسرار وفن الطيور وخاصة الحسون لدى غالبية المرتادين لسوق الحراش، مما يضطرهم لبيعها بغير أثمانها التي تستحق أن تباع بها.

تغريدات ساحرة.. ومن يختار أحسنها يدفع أكثر
هؤلاء يبذلون كل جهدهم، فبشيء من الحب الغامر والاحترافية الفائقة، يتفننون في الحديث عن طائر الحسون ولا يملون من إعطاء التفاصيل والمبررات لجعله غالي الثمن، بمجرد أن وطأت قدماي ساحة السوق، كأول امرأة أو المرأة الوحيدة التي تجرأت ودخلت سوقا كان ولا يزال حكرا على الرجال، التف حولي مراهقون بعضهم لا يتعدى سنهم الـ12سنة، منهم هواة بائعون ورواد عاشقون للطيور، راحوا يتكلمون بكل حماسة عن"المقنين" وما استقوه من معلومات لكن الشروق تقربت من أكثرهم اطلاعا أو أقدمهم ممارسة لهواية بيع الطيور.
فراخ الحسون لا يتعدى سعرها 2000 دج وثمنها لا يحسب حسب التغريدة لأنها قابلة فيما بعد لتعلم طبقات صوتية وتغريدات تسمعها من الهاتف المحمول أو الإنترنت أوالتلفاز والراديو، وهذا ما أكده لنا أغلب باعة هذا الطائر، لكن ثم "سلم تنقيط" يتبعه هؤلاء لبيع"المقنين" يصعب علينا في البداية فهمه ولكن أهل الخبرة شرحوا لنا ذلك بدقة.
رياض العنابي الذي تجاوز سنه الـ40سنة، احترف بيع الطيور منذ سنوات ينتقل من عنابة لسوق الحراش كل جمعة، أين يغتنم فرصة العثور على أجود وأحسن "المقنينات" لإعادة بيعها بأثمان غالية للمغتربين والأثرياء خلال الصيف.
قال متحمسا في الحديث عن "المقنين" "لا تستغربي إن قلت لك إن طير الحسون قد يصل ثمنه إلى 150 مليون سنتيم، وقد يرفض صاحبه بيعه.. هناك تغريدات تجعل فراقه صعبا جدا".
وأوضح أن للحسّون أغاني تختلف حسب المكان الذي يربى فيه فمن الغابات إلى الأماكن الجبلية والمناطق الحارة والباردة ولكل هاو ذوق معين، ويضيف أن هناك من يحب غناء الحسون البري ومن يحب تغريدات الذي يربى ويتعود على تغريدات مسجلة.
ويشير المتحدث إلى أن بعض المربين القدامى للحسون، يأتون بفراخ الحسون ويربونها على نوطات وتغريدات جزائرية معروفة في مناطق الوسطى.

السرفاتي والتيواواطي والقادوسي وقزرات.. نغمات غالية ونادرة
تغلغلنا في سوق الحراش المكتظ بالباعة ومرتاديه، وبأقفاص الطيور، وتعمقنا أكثر في معرفة المزيد عن طائر الحسون.. التغريدات من كل جانب، والمفوضات حول أثمان كل حسون تشوش تمتعك بالتغريدات من حين إلى آخر.
"لماذا كل هذا التفاوت في أسعار الحسون؟" قالها واحد من زوار السوق، وهو ما استفسرنا نحن أيضا عنه، أحد باعة الطيور الذي كان يحوز أقفاص طيور الحسون، حيث أوضح قائلا "تريد طائرا جميلا فلك الأجمل وعليك أن تتقبل ثمنه.. إن كنت تريد أن تختار نغمات التغريدات فاعلم أن سعر حسونها يصل إلى 150 مليون ولا تتعجب".
وشرح لـ"الشروق"، سبب ارتفاع سعر الحسون الذي يتغنى ببعض النغمات مثل روت سينيور، التيواواطي، القادوسي، وقزرات، السرفاتي، ومنها نغمات لطيور الجزائر العاصمة، وهي طيور حسون منها انقرضت ومنها من هي في طريق الانقراض، حيث يبلغ طير الحسون لغابة البينام 68 مليون سنتيم ولديه تغريدة "التيواواطي".
هناك تغريدات لديها طبقات صوتية طويلة وجميلة تحمل من الانترنت ويربى عليها الحسون، منها بعبعة العنزة وحوافر الحصان وغيرها من التغريدات التي يتفنن مربو الحسون في تلقينها لطيورهم، تجعلهم يربحون أموالا طائلة من بيع هذه الأخيرة.

حسون منطقة بوزريعة يتجه نحو الانقراض وثمنه باهظ
أكد هواة بيع الطيور بالحراش، أن طيور الجزائر الوسطى انقرضت جراء الصيد العشوائي وهو ما جعلهم يتوجهون إلى المغرب لجلب حسون القنيطرة.

الحسون الفاسد.. اسم جديد فرضته تغريدات مشوهة
سمعنا ونحن نتجول في السوق، الحديث عن الحسون الفاسد، وهو الأرخص سعرا، وربما الذي لا يفقه عالم الحسون قد يشتريه بسعر غال من طرف بعض المحتالين من دون أن يتنبه أن تغريدته مشوهة، يقول أحد الباعة "إن بعض الهواة الشباب ربوا فراخ الحسون على نغمات خربت التغريدة الأصيلة للحسون، وكأنها أحدثت شرخا في النوطات".