جناية التنوير على المسلمين!!؟
09-08-2018, 01:30 PM
جناية التنوير على المسلمين!!؟
محمد بن سعيد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإِنَّ عُقُولَنا فِي مَجَالِ الأَعدَادِ الكَبِيرةِ تَكِلُّ عَنْ تَصَوُّرِ حَقَائقَ وَاضِحَةٍ؛ لَا تَحْتَاجُ إِلَّا لِتَأَمُّلٍ قَلِيلٍ وَحِسَابٍ يَسِيرٍ مِنْ نَوْعِ الْجَمْعِ, وَيَكُونُ كَلالُهَا غَريبًا جِدًّا حَتَّى تُمَارِيَ فِي النَّتِيجَة؛ وَلَوْ أَخبَرَهَا بِهَا أَصدَقُ النَّاسِ وَأَعلَمُهم, وَتَبْقَى عَاجِزةً عَنْ تَصَوُّرِ النَّتِيجَةِ؛ وَلَوْ تَوَصَّلَتْ إِلَيْهِا بِنَفسِهَا.
لَوْ أُعْطِيتَ وَرَقةً رَقِيقَةً بَالِغَةَ الرِّقَّةِ، سُمْكُها جُزءٌ مِنْ مِئَةِ جُزءٍ مِنَ الْمِلِّيمِتْر، وَطُلِبَ مِنكَ أَنْ تَقْطَعَهَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ تَقْطَعَ النِّصفَينِ ثَانِيَةً لِيُصْبِحَا أَربَعَةً، ثُمَّ تَقْطَعَ الأَربَعَةَ لِتُصْبِحَ ثَمَانِيَةً، وَهَكَذا إِلَى أَنْ تُكَرِّرَ القَطْعَ وَالتَّضعِيفَ ثَمَانِيَ وَأَرْبَعِينَ مَرَّةً, ثُمَّ سُئِلْتَ قَبْلَ أَنْ تَبدَأَ فِي القَطعِ، وَقَبْلَ أَنْ تَحْسُبَهُ:" كَمْ تَتَوَقَّعُ أَنْ تُصْبِحَ سَمَاكَةُ هَذِهِ الأَورَاقِ الرَّقِيقَةِ بَعدَ قَطْعِهَا ثَمِانِي وَأَربَعِينَ مَرَّةً!!؟".
لَمْ تَقُلْ -مَهْمَا بَالَغْتَ فِي التَّقدِيرِ- إِنَّ سُمْكَهَا يَزِيدُ عَلَى مِتْرٍ وَاحِدٍ أَوْ مِتْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ!!؟
فَإِذَا قِيلَ لَكَ: إِنَّ سُمْكَهَا سَوفَ يَزِيدُ عَلَى عَشْرَةِ كِيلُو مِترَاتٍ؛ لَمْ تُصَدِّقْ!!؟.
وَأَمَّا إِذَا قِيلَ لَكَ: إِنَّكَ إِذَا كَرَّرْتَ القَطعَ إِلَى الْمَرَّةِ الثَّامِنَةِ وَالأَربَعِين، ثُمَّ جَعَلْتَ الأَورَاقَ الْمُقَطَّعَةَ رُكَامًا مَرْصُوصًا صَاعِدًا فِي السَّمَاءِ؛ فَإِنَّهُ يَلْمَسُ أَوْ يَكَادُ يَلْمَسُ القَمَرَ الَّذِي يَبْعُدُ عَنِ الْأَرْضِ أَربَعَةً وَثَمَانِينَ وَثَلَاثَةَ أَلَافِ كِيلُومِتر!!؟؛ إِذَا قِيلَ لَكَ ذَلِكَ: نَفَرْتَ، وَحَسِبْتَ القَائلَ يَسْخَرُ مِنك!!؟، وَبَعدَ أَنْ تَتَحَقَّقَ أَنتَ بنَفسِكَ مِنْ ذَلِكَ بِحِسَابٍ يَسِيرٍ؛ لَوْ أَرَدْتَ تَصَوُّرَه؛ تَجِدْ عَقْلَكَ كَلِيلًا عَاجِزًا عَنْ تَصَوُّرِهِ.
وَخُذْ قَلَمَكَ واحْسُبْ:
إِنَّكَ إِنْ فَعَلت؛ تَحَقَّقَ عِندَك بِالحِسَابِ اليَّسِيرِ: أَنَّ الأَورَاقَ المُقَطَّعَةَ إِذَا رُكِمَت, جُعِلَ بَعضُهَا فَوْقَ بَعضٍ؛ تَكَادُ فِعلًا أَنْ تَصِلَ إِلَى القَمَرِ, فَسُمكُهَا يَقْرُبُ مِنْ ثَمَانٍ وَأَربَعِينَ وَثَلَاثَةِ أَلَافِ كِيلُومِتر؛ وَحَقًّا إِنَّهَا لَتَكَادُ تُلَامِسُ القَمَر!!؟.
فَهَلْ تَستَطِيعُ تَصَوُّرَ هَذِهِ النَّتِيجَة بَعْدَ أَنْ صَنَعْتَهَا بِيَدِكَ، وَوَصَلتَ إِلَيهَا بِنَفْسِكَ؟ أَمْ لَا تَزَالُ تَستَشْعِرُ بِكَلَالٍ عَقْليٍّ عَن تَصَوُّرِهَا!!؟.
وَهَل أَدْرَكتَ وَصَدَّقْتَ الآنَ: أَنَّ عُقُولَنَا تَكِلُّ أَحيَانًا عَن تَصَوُّرِ حَقَائقَ كَثِيرَةٍ يَقُومُ البُرهَانُ العَقْلِيُّ عَلَى صِحَّتِهَا!!؟.
ذَلِكَ، لِأَنَّ عُقُولَنَا خُلِقَت عَاجِزَةً عَنْ تَصَوُّرِ كَثِيرٍ مِنَ الأَشيَاءِ, وَلَكِنَّهَا تَستَطِيعُ أَنْ تَحكُمَ بِوُجُودِهَا مِن طَرِيقِ البُرهَانِ العَقلِيِّ القَاطِعِ الوَاضِحِ, فَالتَّصَوُّرُ غَيرُ التَّعَقُّل؛ فَقَد تَستَطِيعُ تَعَقُّلَ شَيءٍ، وَلَا تَستَطِيعُ أَنْ تَتَصَوَّرَهُ؛ لِأَنَّ التَّعَقُّلَ يَعتَمِدُ عَلَى بَدَاهِيَّاتٍ أَوَّلِيَّةٍ يَأخُذُ العَقلُ فِي تَرتَيبِهَا وَتَركِيبِهَا, وَاستِنبَاطِ بَعضِهَا مِنْ بَعضٍ, وَبِنَاءِ بَعضِهَا عَلَى بَعضٍ؛ فَيِصَلُ إِلَى حُكْمٍ عَقْلِيٍّ قَاطِعٍ قَد لَا يَستَطِيعُ العَقلُ نَفسُهُ -الذِي وَصَل إِلَى تِلكَ النَّتِيجَةِ- تَصَوُّرَهُ!!؟.
وَالعِلمُ الحَدِيثُ اليَومَ يُقِرُّ هَذِهِ الحَقِيقَةَ عَنِ الفَرقِ بَينَ إِمكَانِ تَصَوُّرِ الشَّيءِ وَإِمكَانِ تَعَقُّلِه, فَلَا يُبَالِي بِعَجزِ العَقلِ عَنِ التَّصَوُّرِ، وَيَعتَمِد عَلَى التَّعَقُّلِ وَحدَهُ؛ لِأَنَّ الحَقَائقَ العِلمِيَّةَ أَصبَحَت فِي مَجَالَاتِهَا وَكَمِيَّاتِهَا وَأَعدَادِهَا فَوقَ التَّصَوُّر!!؟, وَلَكِنَّهُم يَحسُبُونَهَا وَيَعرِفُونَهَا، وَيَحكُمُونَ عَلَيهَا عَن طَرِيقِ التَّعَقُّل.
خُذْ لَكَ مَثلًا:( أَموَاجَ النُّور), أتَحسِبُ أَنَّ العُلمَاءَ الذِينَ حَسَبُوا أَنَّ الأَموَاجَ الَّتِي تَحدُثُ لِأَجْلِ أَنْ تُحدِثَ اللَّونَ البَنَفسِجِي تَكُونُ بِسُرعَةِ سِتِّينَ أَلفِ مَوْجَةٍ فِي البُوصَة؛ يَستَطِيعُونَ مَعَ ذَلِكَ –وَقَد وَصَلُوا إِلَيهِ بِالعَقلِ- أَنْ يَتَصَوَّرُوا هَذِهِ السُّرعَة لَوْ أَغْمَضوا عُيُونَهُم وَأَرْهَقُوا خَيَالهُم!!؟.
إِنَّهُم لَا يَستَطِيعُونَ؛ لِأنَّ هَذَا العَدَدَ الهَائلَ فِي هَذِهِ المِسَاحَةِ الضَّئِيلَةِ يَعجِزُ العَقلُ عَنْ تَصَوُّرِه؛ وَلَكِن لَا يَعجِزُ عَنْ تَعَقُّلِهِ –أَيْ: عَنِ الحُكْمِ بِصِحَّتِهِ عَنْ طَرِيقِ العَقل-.
وَقَد تَصِلُ الأَعدَادُ فِي الأَبحَاثِ الذَّريَّةِ الْحَدِيثَةِ إِلَى مَرتَبَةٍ هَائلَةٍ يَكُونُ عَجزُ العَقلِ عَنْ تَصَوُّرِهَا أَظهَرَ لَك.
خُذْ مَثلًا:
إِنَّ الْعُلَمَاءَ يَحسُبُونَ لَكَ: أَنَّ سُرعَةَ ذَبذَبَاتِ الصُّوتِ قَد تَصَلُ إِلَى نِصفِ مِليُونِ ذَبْذَبَةٍ فِي الثَّانِيَةِ الوَاحِدَة، وَهَذَا ثَابِتٌ عِنْدَهُم ثُبُوتًا عِلمِيًّا قَاطِعًا لَا رَيبَ فِيهِ؛ وَلَكِن أَتَرَاهُم يَستَطِيعُونَ تَصَوُّرَ حُصُولَ هَذَا العَدَدِ الهَائلِ مِنَ الذَّبذَبَاتِ ضِمْنَ ثَانِيَةٍ وَاحِدَةٍ!!؟.
جَرِّب أَنتَ؛ هَلْ تَستَطِيعُ أَنْ تَتَصَوَّرَ -مَهمَا أَجهَدْتَ خَيَالَك- حُصُولَ أَلفِ ذَبْذَبَةٍ فِي الثَّانِية، فَضْلًا عَنْ مِئَةِ أَلف، فَضْلًا عَنْ نِصفِ مِليونِ ذِبذَبَةٍ فِي الثَّانِيَةِ الوَاحِدَةِ!!؟.
وَلَكِنَّ هَذَا الشَّيءَ الَّذِي تَعجِزُ أَنْتَ وَالْعْلَمَاءُ عَنْ تَصَوُّرِهِ؛ هُوَ أَمرٌ وَاقِعٌ لَا رَيْبَ فِيهِ؛ فَبِأَيِّ شَيءٍ عَرَفُوهُ!!؟.
إِنَّهُم عَرَفُوهُ مِنْ طَرِيقِ التَّعَقُّلِ بِالحِسَابِ، فَهَلْ فَهِمتَ الآنَ كَيفَ أَنَّ التَّصَوُّرَ غَيرُ التَّعَقُّل، وَأَنَّ العِبرَةَ لِقُدْرَةِ العَقلِ عَلَى التَّعَقُّلِ، وَلَا عِبْرَةَ لِعَجْزِهِ عَن التَّصَوُّرِ، وَبِهَذَا وَمِثلِهِ نَفهَمُ قَوْلَ عُلَمَائِنَا:
" إِنَّ الدِّينَ يَأْتِي بِمَا تَحَارُ فِيهِ العُقُولُ؛ وَلَكِنْ لَا يَأْتِي بِمَا تُحِيلُهُ العُقُول".
فَهُوَ يَأتِي بِمُحَارَاةِ العِقُولِ، وَلَكِنْ لَا يَأْتِي بِمُحَالَتِهَا؛ وَلِأَجلِ هَذَا يَقُولُ عَلِيٌّ –رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-:" لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرأْيِ؛ لَكَانَ المَسْحُ عَلَى بَاطِنِ الخُفِّ أَوْلَى مِنَ المَسحِ عَلَى ظَاهِرِهِ".
إِذَنْ؛ هِيَ قَاعِدَةُ التَّسلِيمِ لِلوَحْيِ المَعصُومِ, وَمَا دَامَ وَحْيًا؛ فَلَا شَكَّ فِي تَضَمُّنِهِ لِلحِكْمَةِ: عَرَفْنَاهَا أَمْ لَمْ نَعرِفْهَا!!؟.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ –رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- فِي:(الصَّحِيحَينِ):
" أَنَّ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةَ سَأَلَتْهَا: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلاةَ؟.
فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ!!؟، -تَعْنِي: أَخَارِجِيَّةٌ أَنْتِ؟-.
فَقَالَت: قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ.
قَالَتْ عَائِشَةُ –رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا-: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ؛ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ". وَهَذَا لَفْظُ مُسلِمٍ.
مَسأَلَةُ النِّزَاعِ وَمَوْطِنُهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ المُشَكِّكِينَ المُتَآمِرِينَ المُعتَدِينَ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هِيَ فِي قَضِيَّةِ الأُلُوهِيَّة... هَذَا مَوْطِنُ النِّزَاعِ.
فَنَحنُ نُؤمِنُ بِأُلُوهِيَّةِ رَبِّنَا –جَلَّ وَعَلَا-, وَأَنَّهُ هُوَ الإِلَهُ الحَقُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ وَحْدَهُ أَنْ يُعْبَدَ, فَلَهُ الحَقُّ المُطلَقُ فِي أَنْ يَأمُرَ وَأَنْ يَنْهَى, وَأَنْ يُكَلِّفَ بِمَا يَشَاءُ, وَمَا دَامَ ذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ ثُبُوتًا صَحِيحًا عَنِ الوَحْيِ المَعصُوم؛ فَلَيسَ عَلَينَا سِوَى التَّسلِيمِ بِقُلُوبٍ مُطمَئِنَّةٍ، وَنُفُوسٍ رَاضِيَةٍ، وَعُقُولٍ مُسْتَسْلِمَةٍ مُستَرِيحَةٍ؛ لِأَنَّ الذِي يَأمُرُ هَاهُنَا: هُوَ الإِلَهُ, هُوَ الرَّبُّ, هُوَ الذِي لَهُ الأَسمَاءُ الحُسْنَى وَالصِّفَاتُ المُثْلَى.
وَالذِينَ يُنَازِعُونَنَا فِي الأَحكَامِ, وَيَعْتَدُونَ عَلَى الدِّينِ مِنَ الكِتَابِ وَمِنَ السُّنَّةِ، وَمِنْ سَيْرِ السَّالِفِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا الصَّالحِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُم؛ إِنَّمَا يَشُكُّونَ فِي هَذَا الأَصْلِ مِنْ حَيْثُ يَعْلَمُونَ أَوْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ, قَوْلًا وَاحِدًا بِلَا مَثْنَوِيَّةَ, فَهَؤلَاءِ لَمْ يُحَقِّقُوا هَذَا المَعْنَى فِي نُفُوسِهِم, وَلَمْ يُؤمِنُوا هَذَا الإِيمَانَ الحَقِّ.
فَهَذَا مَوْطِنُ النِّزَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم, وَدَعْكَ مِنْ كُلِّ مَا يُقَال؛ لِأَنَّ الذِينَ يَبْدَؤُونَ فِي العِلَاجِ: إِنَّمَا يَبْدَءُونَ مِنْ مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ أَوْ مِنْ آخِرِه, وَالأَصْلُ أَنْ نَبْدَأَ مِنْ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ نَبْدَأَ، وَهُوَ:
هَلْ تُؤمِنُونَ بِإِلَهٍ قَادِرٍ حَكِيمٍ عَلِيمٍ مَوصُوفٍ بِكُلِّ كَمَالٍ وَجَمَالٍ وَجَلَالٍ؟.
وَأَنَّهُ هُوَ الذِي خَلَقَكُم وَسَوَّاكُم وَعَدَلَكُم؟.
وَأَنَّهُ هُوَ الذِي يَمْلِكُكُم وَيَمْلِكُ أَمْرَكُم؟.
وَأَنَّهُ هُوَ الذِي يُشَرِّعُ لَكُم؟.
وَأَنَّهُ مَهْمَا وَجَدتُم مِنْ خَلَلٍ فِي أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ وَنَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي -مِنَ الاقتِصَادِ أَوْ مِنَ السِّيَاسَةِ أَوْ مِنَ الاجتِمَاعِ أَوْ مَا أَشْبَه- فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِسَبَبِ تَعْطِيلِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ وَأَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِهِ؟.
تُؤمِنُونَ بِهَذَا أَوْ لَا تُؤمِنُون!!؟.
فَإِنْ قَالُوا: آمَنَّا بِذَلِكَ وَسَلَّمْنَا؛ فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم.
نَقُولُ: إِذَنْ هَذَا أَمْرُهُ، وَهَذَا نَهْيُهُ, وَهَذَا مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ, وَهَذَا مَا دَلَّ عَلَيهِ, وَ هُوَ الحَكِيمُ الذِي اخْتَارَ أَعْدَلَ اخْتِيَارٍ وَأَتْقَنَهُ وَأَكْمَلَهُ وَأَجْمَلَهُ, فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا نَبِيَّهُ وَرَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ, وَأَيَّدَهُ بِالمُعجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ؛ بِحَيْثُ لَا يَدَعُ لِلعَقْلِ وَلَا لِلنَّفْسِ وَلَا لِلرُّوحِ مَجَالًا لِلشَّكِّ فِي صِدْقِ إِرسَالِهِ إِلَيْنَا, وَعَلَيهِ، فَمَهْمَا بَلَّغَنَا بِهِ مِنْ أَمْرٍ؛ فَيَنْبَغِي: أَنْ نُسلِّمَ لَهُ تَسْلِيمًا كَامِلًا مُطْلَقًا.
وَأَمَّا النِّزَاعُ بَعدَ ذَلِكَ فِي مِثلِ هَذَا الأَمرِ الكَبِيرِ؛ فَهُوَ حُيُودٌ عَن هَذَا الأَصْلِ الأَصِيلِ.
إِذَنْ مَوطِنُ النِّزَاعِ لَمْ يُحَرَّر, فَلْيَخْتَلِفِ النَّاس مَا شَاءَ لهُم الاخْتِلَافُ, وَلَنْ يَصِلُوا إِلَى شَيءٍ!!؟.
إِنَّ النِّزَاعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ المُشَكِّكِينَ مِنَ التَّنْوِرِيِّينَ وَالمُتَآمِرِينَ عَلَى هَذَا الدِّينِ العَظِيمِ؛ يَرْجِعُ فِي أَصْلِهِ إِلَى الإِيمَانِ بِالأُلُوهِيَّةِ.
فَأَمَّا الإِيمَانُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، فَقَدْ يَدَّعُونَه, يُؤمِنُونَ بِأَنَّ لِلْكَوْنِ خَالِقًا وَرَبًّا مَالِكًا وَصَانِعًا مُدَبِّرًا, إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يُؤمِنُ بِهِ المُتَقَدِّمُونَ مِنَ القُدَامَى السَّالِفِينَ؛ وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الإِسلَامَ لَمْ يَعُدَّهُم دَاخِلَ دَائرَتِهِ حَتَّى يُؤمِنُوا بِالأُلُوهِيَّةِ للَّهِ –جَلَّ وَعَلَا-, وَحَتَّى يُخلِصُوا العِبَادَةَ لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ.
يتبع إن شاء الله.