الرقية لا تجلب العرسان والانتهازيون يخدعون العوانس!
30-03-2016, 06:08 AM

نادية شريف

ذاع في الآونة الأخيرة صيت عديد الرقاة الذين يدعون تزويج الفتيات، وفك "ثقاف" العوانس بآيات مباركات، تطرد الجنّ المعطل للزواج وتجلب شريك الحياة، وقد انجرفت خلفهم كل من خانها الحظ في الارتباط، ولم تجد لوضعها حلا جذريا يخفف من حدة الألم ووطأة المعاناة..
الكوارث لا تعد ولا تحصى، والضحايا بالمئات في ظل الانتشار المفرط لبيوت الرقية غير الشرعية ومحلات التدواي بالأعشاب الطبية وجديد الوصفات والخلطات، لذلك فالأخصائيون يحذرون من العواقب الوخيمة على المجتمع وغياب من يردع هؤلاء المتاجرين بكلام الله، الذين أصبحوا يرتكبون تجاوزات تفوق التصورات..
الغايات مختلفة والمسمى واحد.. تيسير الزواج !
حسب تصريحات الأخصائيين في علم النفس والاجتماع ومجال الرقية الشرعية، الذين رصد آراءهم موقع جواهر الشروق بشأن موضوع "المرأة والرقية" فإنه مع ارتفاع أرقام العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج، ظهرت للوجود مشكلة "الظفر بعريس" وما يتربص بها من "وساويس"، خاصة بالنسبة لمن فاتهن قطار الزواج كثيرا وأصبحن على اعتاب الأربعين والخمسين وحتى الستين، وظهرت معها حرفة جديدة تحت غطاء الرقية تسمى "تيسير الزواج"!!
حالات وفاة، اغتصاب، شلل، هستيريا، وغيرها.. هي نتائج تسليم الفتيات زمام أمورهن لأشباه الرقاة الذين ينتهزون ضعفهن وقلة حيلتهن وشوقهن لتكوين عائلة، ويغتنون على ظهورهن دون أن يغيرو من واقعهن الكئيب شيئا، بل بالعكس، يزيدون من حجم مآسيهن ويتركونهن في صراع مرير مع الوسواس القهري يبحثون عن طوق نجاة، الأمر الذي يعود بالسلب على نفسية المعنيات وذويهن، وعلى المجتمع ككل.
عن الحالة النفسية للفتاة العانس تقول الأخصائية النفسانية "أ. فريدة" بأن وضعها الحساس قد يدفعها لفعل أي شيء كي تحظى بالدفء الذي ينقصها، وإن كانت تفتقد للوعي اللازم فالمشكلة تكون أكبر حينها لأنها تروح ضحية لهواجسها النفسية التي تصور لها الخيبة والمرارة والكآبة.
رقاة أم زناة!
وصلنا إليها عن طريق صديقتها الحميمة.. كانت منعزلة عن الواقع في غرفة مغلقة، لا تكلم أحدا ولا أحد يكلمها.. سألناها عن حالها فلم تجب، وعرضنا عليها المساعدة فلم تهتم.. حاولنا بكل الطرق استنطاقها غير أن نظراتها اللامبالية كانت تحمل كل معاني الصدّ وعدم القدرة على البوح..
والدتها كانت تبكي بحرقة وكأن دخولنا عليها فتح جرح عمر لم يندمل بعد، وبلهجة يلفها الحزن ويدفعها الغضب قالت "الحاجة خيرة": " تأخر زواجها كثيرا وبقيت هي من بين كل قريناتها تنتظر عريسا ضلّ الطريق نحوها.. أصابتها الكآبة وصارت تفضل العزلة وفقدت الشهية للطعام فنصحونا برقيتها عند شيخ متمكن في فك "ثقاف" العوانس.."
صمتت "الحاجة خيرة" قليلا ثم أردفت: " أعيش أنا وهي لوحدنا بعد وفاة والدها، وقد قصدنا الراقي الذي دلونا عليه كي نجد الحل لمأساتها.. في اليوم الأول دخلت معها وقصصت عليه حالها وأطلعته بكل تفاصيل حياتنا ولما علم بأننا نعيش لوحدنا قال بأنه سيرقيها عندنا، وفعلا أتى واغتصبها في عقر منزلنا.."
تبكي الوالدة بحسرة وتقول: "سمعتها تصرخ ولم أنجدها لأنه أخبرني بأن جنيا ماردا متلبس بها.. لم أفتح الباب عليه لأنه نبهني بعدم الاقتراب مهما سمعت من سباب آثم وحسبنا الله ونعم الوكيل".
عن مصير هذا الراقي المنحرف تقول صديقة الفتاة المغتصبة بأنه دخل السجن مؤخرا لما فاحت رائحة أفعاله النتنة، فأسر كثيرة تقدمت بالشكوى ضده بعدما تجاوز حدوده في التحرش بالنساء والاعتداء عليهن، منهن من صمتن خشية العار والفضيحة ومنهن من قررن وضع حد له كي لا يتسبب بالأذية لأخريات.
البداية وسواس والنهاية مأساة!
حسب المختصين في مجال الرقية الشرعية، الذين قصدهم موقع جواهر الشروق، فالرقاة الانتهازيون يعمدون إلى زرع بذور الشك في أنفس الفتيات، كأن يقولوا للواحدة منهن مثلا أن بها عينا لامة تمنعها عن الزواج، أو أن الحساد يتربصون بها وعواقب الحسد تدمر حياتها، أو أن جنيا ماردا يسكن جسدها خدمة لسحر وضع تحت التراب كي يقضي على سعادتها ويدفن كل حظوظها في الارتباط، بل من أشباه الرقاة من يسمي للمرأة حاسدها وواضع السحر لها فيغذي الوساوس التي بداخلها ويجعلها تنهش روحها وعظامها..
ومن المآسي التي حصلت، يذكر لنا الراقي أحمد قصة آنسة في السابعة والأربعين من عمرها أصابها الشلل التام على يد راق بإحدى بلديات العاصمة، كانت قد قصدته كي ترقي نفسها علها توفق للزواج بعد سنوات طويلة من الانتظار سدى، لكن ما حصل هو دخولها في غيبوبة ثم استفاقتها فاقدة للقدرة على الحراك، وذلك بعد أن جعلها تشرب كميات كبيرة من الماء الممزوج بسبع زيوت، أوهمها أنها ستفك رباطها وتطرد المارد الذي يمنع عنها الزواج..
قصة أخرى لشابة في الخامسة والثلاثين، تقول أنها أصبحت تعادي كل عائلتها بسبب رغبتها الملحة في الزواج ووقوعها ضحية لراق انتهازي أخذ مالها وأوهمها بأن أقاربها يحسدونها.. منال دخلت في دوامة لا مخرج منها وأصبحت تتقاذفها الوساوس يمنة ويسرة وفي الأخير أصيبت بنوع من الكآبة الحادة وهي تعالج حاليا عند مختص نفساني.
فاطمة الزهراء والي: المجتمع يدفع ثمن الوسواس الذي يعاني منه!
المتاجرة بكلام الله أخذت أبعادا خطيرة، وراح ضحيتها أرواح كثيرة، وما يجنيه المجتمع الجزائري يوميا على يد الرقاة المنحرفين، الانتهازيين، عديمي الإحساس، الذين يستغفلون الناس ويدعون القدرة على فك السحر، والعين، وطرد الوسواس، راجع لغفلة الناس وانخداعهم بمظاهر التدين، وذلك حسب الباحثة الاجتماعية فاطمة الزهراء والي التي قالت في تصريح لجواهر الشروق "أن الفرد الجزائري بات يعاني من الوسواس القهري، وكل الخيبات والانتكاسات يرجعها للعين والسحر والحسد، الأمر الذي جعله لقمة سائغة في فم المحتالين المتاجرين بالرقية"..
وتؤكد السيدة والي على " أن الفراغ الروحي، وتردي الأوضاع الأخلاقية، والاجتماعية، والصدمات النفسية والعاطفية، كلها عوامل ساهمت في ظهور بيوت الرقية وبروز مسترزقين جدد يدعون القدرة على طرد الجان، وشفاء المريض، وتزويج العانس، وما إلى ذلك.."
الشيخ مقران: رقية تيسير الزواج أكبر كذبة!
بخصوص رقية تيسير الزواج التي تتهافت عليها الفتيات، والتي قادت الكثيرات إلى فقدان الشرف، يقول الشيخ مقران، وهو راق شرعي ومداو بالأعشاب الطبية ببلدية باش جراح: " لا توجد رقية تسهل الزواج، بل هي مجرد حيلة عمد إليها بعض الرقاة الشرعيين لجذب الفتيات وإبعادهم عن طريق المشعوذين"..
وعن الذين يمارسونها ويروّجون لها، يقول الشيخ مقران: " هؤلاء انتهازيون يجمعون الثروات الطائلة على ظهور العوانس.. هناك رقية للعين والحسد والسحر، وممكن تكون العين مثلا السبب في تعطيل الزواج أو السحر أو غيره لكن لا توجد رقيه خاصة لجلب العريس وعلى الفتيات الحذر من الرقاة الدجالين الذين يتحرشون بهن ويلمسون أعضاءهن الحساسة باسم الرقية ".