الجيل الجديد، تغيرات أجيال أم تغيرات فطرية وقيمية؟
28-05-2013, 09:50 PM
ربما كلنا نحفظ مقولة علي بن أبي طالب كرم الله وجه وسلم عليه "لا تكرهوا أولادكم على عاداتكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم"، وكنا دائماً مانرفع تلك المقولة حين يختط لنا أجدانا وآبائنا طُرقاً لم تعد صالحة لزماننا، وبما أننا في هذا العصر وأمام جيل مختلف بسرعة الضوء عنا نحن الجيل الذي نسبقه مباشرة، فإن ثمة تساؤلات تطرح حول سلوكيات وتفكير الجيل الجديد.

نعم الجيل الجديد له أسلوب وطريقة حياة، ولكن السؤال البديهي هل هذا هو جيلهم، وبالتالي فإن علينا التعامل معهم من خلال آلياته!؟ أما أن بعض السلوكيات والمواقف والأحكام التي تصدر منهم هي لا علاقة لها بالاختلاف الجيل إنما بالانحراف الفطري والقيمي إن جاز التعبير.

في الواقع يجب أن أوضح نقطة مهمة جداً للقارئ وهي أن كاتب هذه الأسطر لا يعتبر نفسه رجل مهوس بالتراث أو بالأشادة بالأزمان السالفة ولاينشد الرجوع للخلف ويتمسك بآثار أجداده وآبائه وبعض المظاهر أو السلوكيات التي يظنها كثير من أهل مجتمعه أنه يجب الحفاظ عليها، بل أنني مع الثورة على كل مالا يصلح أو ماليس له قيمة حقيقية أو أن لا عدل فيه، لكن في الوقت نفسه مناصر للطبيعة البشرية التي لا يمكن أن تختلف أبداً مع مرور الزمن، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

على سبيل المثال، لايمكن أن يتحول الزواج من أهدافه السامية التي أقراها الأسلام ويمارسها المسلم وغير المسلم إلى نوع من العلاقة المبنية على المصلحة الشخصية وقضاء الحاجات الغريزية بعيداً عن مفاهيم الأسرة والسكن والأبناء والأهداف التربوية الكثيرة وغير ذلكَ من الأهداف والغايات، وبما أننا نتناول الجيل الجديد، فإن ثمة سلوكيات طارئة حصلت مع جيلنا الحالي في مجتمعنا.

في نظري أن ثمة عاملين كان مؤثرين في تشكيل شخصية الفرد من الجيل الجديد، أولهما الأنفتاح التقني " ولا أقول الثقافي"، ثانيهما العجز التربوي المتمثل بصعوبة التواصل والتأثير من قبل الأبوين على أبنائهما، والعجز التربوي عند الولادين سببهما ضعف التأهيل والتأثير لدى الأبوين على أبنائهما وعدم شعورهما بأهمية التربية باعتبارها مبشروع كبير يجب أن يصرف عليه الجهد والوقت، إنما تأتي التربية نتيجة تلقائية مبنية على الفعل والرد الفعل بعيداً عن التخطيط والبناء.

ولأن الأبوين ضعيفي التأثير للأسباب الآنفة، أصبح الطفل والمراهق يربي نفسه ويتلقى مصادر تربوية خارجية تشكلها محيطه من الأصدقاء إذ يسير على نهج وفكر ومواقف أولئكَ الأصدقاء، هنا ينشأ المراهق تحت قاعدة واهية لا أثر فيها للتربية والإحساس بالمسؤولية والواجب والقدرة على التعامل مع الأخرين وبالذات الزوج.

حين يدخل هذا الجيل لعالم الزواج، لايدخله مؤهلاً ومدركاً لفهم كينونة هذا العالم، وماذا يعني أن تكون زوجاً أو زوجة، يدخل هذا العالم وقد حمل معه فوق عاتقه كل تلك الأفكار والممارسات والتوجهات وطبيعة العلاقات ليجعلها ليمارس فيها الحياة الزوجية، إنه لايستطيع الأنفكاك عنها أبداً، وهو أو هي مساكين وضحايا جيلهم وغياب الوعي والتربية، وبالتالي يحدث الزلزال المدمر في البيت إذ أن الخط الذي ينبغي أن يسيرا عليه يختلف اختلافاً تاماً عما هم عليه.

هذه المشكلة تحدث "وحسب متابعتي" فقط في مجتمعنا، وهي أخطر وأكبر المشاكل لأن أتدادتها عنيفة للغاية خصوصاً في المستقبل القريب والمتوسط، وفقدان الوعي وعدم الأحساس بالمشكلة من قبل الوالدين والمجتمع يضاعف ذلك، والحقيقة لا أشاهد مايشجع ومايبعث الأمل من خلال العوائل التي أعرفها وكيفية تعاملهم مع ابنائهم واعدادهم للمستقبل والحياة الزوجية لأنه غالبا وباختصار فاقد الشيء لا يعطيه، لأن هذه مشكلة اجتماعية خاصة بنا فإن من يرفع حاجبيه نحو الشرق أو الغرب فإنه سيجد أن بنية العائلة أصلب! بالرغم من أن يكون الأمر على العكس باعتبار أن ديننا كثيراً مايؤكد ويحث على تماسك واستقرار الأسرة عكس الثقافة الغربية على سبيل المثال، ولكن المشاهد والواقع يجد أن الأسر الغربية رغم معاناتها في جوانب مختلفة إلا أنها أكثر تمساكاً وقوة وأثر ليس من الجيل الحالي وحسب بل حتى جينا نحن وجيل آبائنا، إذ أن قيمة الأسرة والعائلة والحافظ عليها والولاء لها وخطط التربية واتباع المنهجية وانفاق الوقت لصالح الزوجين والأبناء يفوق الكثير مما يحدث لدينا.

المشكلة خطيرة جداً ويجب أن نشعر بها ونتحدث عنها، ونحاول على الأقل كأفراد أن نقوم بواجبنا تجاه منهم تحت أيدينا، والله الهادي