وقفة علميّة مع عبد الهادي راجي المجالي فيما طعن به شيخَ الإسلام ابن تيميّـة
31-03-2018, 09:38 AM
وقفة علميّة مع عبد الهادي راجي المجالي فيما طعن به شيخَ الإسلام ابن تيميّـة!
القَلَمُ الصَّحَفيّ السَّاخِر! والبَحْرُ السَّلَفيّ الزَّاخِر
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
هذا مقال ماتع رائع خطه يراع الشيخ المحدث العلامة:" علي حسن الحلبي" حفظه الله، وفيه رد علمي رصين مفصل مؤصل على صحفي حاول يائسا النيل من شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله، فجاءه الجواب العلمي الذي أسكته بعد أن عرفه قدره، ووضح له ولغيره المكانة العلمية لشيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله، وننشر بتوفيق الله هذا الجواب العلمي المؤصل على حلقات متتابعة، وإلى المقصود بتوفيق الله المعبود:
القسم الأول:
ثناءُ العلماء والكُبَراء والفقهاء -قديماً وحديثاً-على شيخِ الإسلام ابن تيميّـة -رحمه الله-وعلومِه وعقيدتِه وسَدادِ منهجِه: قضيةٌ محسومةٌ؛ يُدركها كلُّ مَن يعرف تهجئةَ الحروف!وتركيبَ الجُمَل!!.
وعباراتُ المدح له -باختلافِ ألفاظِها، وتنوّعِ دلالاتِها- متعسّرةُ الحصرِ -إلى حدٍّ كبير-.
ولكنّي أَقتنصُ منها -ها هنا- كلمةً لأحدِ كبار المؤرّخين (المنصِفين)، وهو: بدرُ الدين الحسن بن عمر الحَلَبيّ -المتوفى (سنةَ 779هـ)-في كتابه:( دُرّة الأسلاك في دولة الأتراك)- حيث قال -واصفاً شيخَ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله بأجمعِ القولِ وأجملِ الكلام-: "...بحرٌ زاخرٌ في النقليّات، وحَبرٌ هائلٌ في حِفظ عقائلِ العقليّات..." -في كلامٍ طويل جميل-.
ومع ذلك -كلِّه-؛ فإنّ شيخَ الإسلام -رحمة الله عليه -عندنا- غيرُ معصومٍ؛ بل نخالفُه ونَحترِمُ اجتهادَه؛ كما هو الشأنُ الواجبُ مع سائر أئمّةِ الإسلام، وعلمائِه الكِبار.
وبالمقابل؛ لا يَضُرُّ الكاتبَ الصحفيَّ -ولا يَضيرُهُ!-: أن نَصِفَه بما يفتخرُ (هو) أن يصفَ به نفسَه!، ذلكم هو (الكاتب الصحفيّ الساخر): السيّد عبد الهادي راجي المجالي -هداه الله سُبُلَ المَعالي-؛ كما عُرف به في زاويته الصحفيّة الساخِرة، تحت عنوان: (اِجبِد!) -وهي (للفائدة): كلمةٌ عامّيّةٌ لا وجودَ لها في معاجم اللغة العربية-.
وأنا -شخصياً- أُتابعُ -بين الحين والأخَرِ- بعضاً مِن سُخرياتِه اللاذعة! ونَقَداته القارِعة -وذلك مِن أيّام وضعِه-بجنب مقالاتِه- صورَتَهُ الشخصيةَ بالقَفا(!) -رافعاً إحدى يديه إلى أعلى-على نِصفِ (!) صِفَة الاستسلام!-!
ولكنّي فوجئتُ -تماماً- ممّا كتبه -أخيراً-وفّقه الله- في صحيفة (الرأي) مِن مقالٍ -غيرِ ساخرٍ!!- على خلافِ ما عُرف عنه!- عنوانُه: (قاضي القضاة)؛ ابتدأه بمقدّمة ساخرة(!) حول شهر رمضان! وما يتعلّق بأسئلة بعضِ الناس بشأنِه، واستفتاءاتِهم الفقهيّة حولَه -بما يُشعِرُ باستهزاءٍ مقصودٍ! أكثرَ مِن مجرّد سُخرِيةِ (بريئة!)-إن وُجِدت!-!
ثم دخل -بعدُ- في الجِدّ -كما يُقال-؛ طارقاً موضوعاً علميّاً دقيقاً، عميقاً -جداً-: أنا على يقينٍ أنه دونه!، فقد تَكعكع فيه المتخصّصون!، وتَلجلج فيه الباحثون -منذ قرونٍ وقرون-!.
وتالياً أهمُّ ما في مقالِه المزبور -على شكل نِقاطٍ للعُبور- ثمّ أُعْقِبُ كلَّ نقطةٍ بالنقضِ عليها -علميّاً-مع تصحيحي للأخطاء اللغويّة والمطبعيّة في مقالِه-ضمنيّاً!-:
قال:
1- (ولأن هناك ثقافة شبه سطحية لدى الإدارات الإعلامية والسياسية -فيما يتعلّق بالدين- يتركون دائماً الأمور لأصحاب الفضيلة كي يقرِّروا في ذلك).
قلتُ:
هذا التهميشُ الهَشُّ -الخفيفُ القاسي!-المُلقى على عواهنِه!- (للإدارات الإعلامية والسياسية!) -عامّةً-؛ هل أنت داخلٌ فيه -سيّد عبد الهادي-، أم خارجٌ عنه؟!.
و..هل كلُّ (الإدارات الإعلامية والسياسية!)كذلك! أم بعضٌ دون بعض -أفراداً وجماعاتٍ-؟!.
* ثم؛ إذا لم يُوكَل (ما يتعلّق بالدين) لأهل الاختصاصِ فيه -مِن أهل الفِقه والعلم الأكابِر؛ فهل تُوكَلُ هذه الأُمور الدقائق لأصحاب المساخِر!؟.
وهل إذا لم تجد طبيباً يُداويك، ويَصِفُ لك العَقّار؛ أتذهب إلى مهندس المِعمار! أو تاجر الخضار!؟.
قال:
2- (منذ (3) سنوات, وأنا أقرأ عن أحمد ابن تيميّة, وعن ابن قيِّم الجوزية: اكتشفت أن هناك العشرات، لا بل المئات من الأئمة والوعاظ: أفتَوْا ببطلان الآراء التي سردها، وأفتَوْا بخَرقه إجماعَ المسلمين, وهو الجذر الذي أنتج جزءً كبيراً من حركات التطرف والإرهاب في المنطقة).
قلتُ:
هذا الذي اكتشفتَه(!) أنت -اليومَ!-وبعد ثلاث سنوات!!-: معروفٌ عندنا منذ عشرات السنين!، فليس هو بالشيء الجديد!، بل معروفةٌ بواعثُه ودواعيه -مع ما قيل مِن أنّ: لكلّ جديد بهجة!-.
* مع التنبيه(!)على أنّ الثلاثَ سنواتٍ(!) في عُمُر العلم الشرعيّ ليست شيئاً؛ فهي -بالكاد-تعرِّف طالبَ العلمِ كيف يميّز بين مفاتيح العلوم!!.
* أمّا الزعمُ أنّ:(المئات من الأئمة والوعاظ: أفتَوْا ببطلان الآراء التي سردها) شيخُ الإسلام: ابن تيميّة رحمه الله؛ فهذا باطلٌ مِن القول وزُور! حتى الهَرَريّ الحَبَشيّ -الذي استدعاه السيّد عبد الهادي!- ما ادّعى ذلك! فمِن أين أتى بهذا الادّعاء المنكَر!!؟.
* وأمّا ادّعاءُ أنّ هؤلاء (المئات من الأئمة والوعاظ)= (أفتوا بخرقه إجماعَ المسلمين, وهو الجذر الذي أنتج جزءً كبيراً من حركات التطرف والإرهاب في المنطقة)؛ فهو أشدّ بطلاناً مِن سابقه!.
وذلك مِن وجهَين:
الأول:أنّ كلَّ ما ادّعاه بعضُ المنتسبين إلى العلم والفقه -وليس المئات-كما زعمه السيد عبد الهادي!- على شيخ الإسلام: ابن تيميّة -رحمه الله- مِن خرق الإجماع المزعوم؛ فهو: باطلٌ محضٌ.
وبخاصّةٍ أنّ أكثرَ ذلك في مسائل فقهيّة -أو فلسفية- لا يُحسن فهمَها أكثرُ الكُتّاب المتأخّرين؛ ناهيك عن الصحفيّين الساخرين!.
علماً أنّ تلكم الدعاوى: إمّا أنّها باطلةٌ في أصل نسبتها لشيخ الإسلام: ابن تيميّة -رحمه الله-!، أو أنها باطلةٌ في فرع ادِّعاء الإجماع عليها -وأحلاهما مُرٌّ، وخيرُهما شَرٌّ-!!.
وقد كشف ذلك -كلَّه-بالأدلّة المفصَّلة- كثيرون مِن أهل العلم والفضل -قبلاً وبعداً-؛ مِن أشهرهم اثنان:
أولهما: العلاّمة الشيخ: نُعمان بن خير الدين الألوسيّ -المتوفى (سنةَ 1317هـ)-رحمه الله-: في كتابِه:( جِلاء العينين..) -الآتي ذِكرُهُ-قريباً-، وثانيهما: الدكتور: عبد الله بن صالح الغصن -حفظه الله- في أطروحته للدكتوراه، المطبوعة بعنوان:(دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيميّة -عرض ونقد-) -والتي بلغ عددُ مراجعِها أكثرَ من خمس مئة مرجع ومصدر- كلها لا تزالُ (!) غيرَ مكتشفة عند السيد عبد الهادي!-.
الوجه الثاني: زعمُه الباطلُ لذاك الخَرقِ(!)المُدّعى على شيخ الإسلام: ابن تيميّة رحمه الله لإجماع المسلمين -وقد بيّنتُ فسادَه، وكشفتُ بطلانَه-: أنّه (هو الجَذر الذي أَنتج جُزءً كبيراً من حركات التطرُّف والإرهاب في المنطقة!!)!!.
وهي: الفِريةُ الكبرى التي يُدَحْرِجُها الأحباشُ لأتباعِهم ورَعاعِهم -جيلاً فجيلاً-بغير تقوى ولا وَجَل-ولا يزالون!-: فها هو مفتيهم السابقُ: نزار الحلبي يصفُ ابنَ تيميةَ بقوله:" إن فِكرَه امتدادٌ لعقيدة الخوارج..." -كما في مجلة «منار الهدى»(7/45) -اللبنانية الحبشيّة-!!!.
فهذه:" شِنشِنةٌ نعرفُها مِن أخزَم "-كما يقولُ العربُ!-، وهي كلامُ مَن لم يشتمَّ لعلومِ شيخِ الإسلامِ رائحةً مِن زَكِيّ عِطر معارِفه، وسلامةِ هَدْيِه الرشيد.
فشيخُ الإسلام: ابن تيميّة -رحمه الله-كما قلنا،وسنظلّ نقولُ- هو أَجَلُّ علماء الإسلام -في الماضي والحاضر- نقضاً لأفكارِ الخوارجِ -بأصنافِهم!وأنواعِهم!!-، وإبطالاً لمزاعِمهم الفاسدة، وآرائِهم الكاسدة.
ويكفي لإقامة الحُجّة على هذه المسلَّمة الأَمينةِ التي يعرفُها أهلُ العدل والإنصاف -وحُرِمَها أهلُ التعصّب والاعتساف!-: ما قاله العلامة المصري الشهير -غيرِ المحسوب على شيخ: الإسلام ابن تيميّة ومنهجِه!- الشيخ: محمد أبو زُهرة -رحمه الله- في كتابِه:( ابن تيميّة؛ حياته وعصره،آراؤه وفقهه: ص28) -والواقع في أكثر من خمس مئة صفحة-:
«كان الشيخ ابنُ تيميّة -كشأنه- مصدرَ الأمن والاطمئنان لأهل دمشقَ».
فهل مَن كان حالُه كذلك -أماناً واطمئناناً-؛ يكونُ -في شخصه وفكره- ممّن (أَنتج جُزءً كبيراً من حركات التطرُّف والإرهاب في المنطقة!) -كما افتراه المفتَرُون-ولا يَفتُرُون!-!؟.
ورحم الله مَن قال -كما في أمثال العرب-:" رمتني بدائها وانسلّت"!.
ولا نَزيدُ؛ فالتاريخُ المعاصرُ لدولة لبنان -الشقيقة- يُنبئنا عن الكثير الكثير ممّن/ ممّا= مارسوا -ولا يزالون يمارسون- أعتى صور التطرّف والإرهاب الفِعليّ -تقتيلاً وتفجيراً واغتيالاً-؛ بَدْءاً من الشيخ: حسن خالد -مفتي الجمهورية-، ومروراً برفيق الحريري -رئيس وزرائه-، مروراً بالشيخ: السلفي (المعتدل) أسامة القصّاص-الذي قطعوا لِسانَه عَقِبَ قتلِه!- وغيرِهم ممّن لا تزالُ ملفّاتُهم على الرفوف! -رحم الله الجميع-!!.
يتبع إن شاء الله.