مواصلة لموضوع مراقبة الإنتخابات الجزء الثالث
26-02-2007, 12:08 PM
التلفزيون الوطني الذي من المفروض أن يقوم بالخدمة العمومية المنوطة به راح يكيل بمكيالين الأول تدعيم الأحزاب الموجودة في السلطة وإظهار نشاطاتها خلال الحملة وتقديم مشاهد تبرز قوتها الجماهيرية في حين يتم تغييب بعض التشكيلات السياسية الأخرى من خلال تقزيم نشاطاتها وإظهارها على أنها في موقع الضعيف كما حصل مع حركة السيد عبد الله جاب الله الذي صرح في تلك الفترة "بأن التلفزيون الجزائري خلق منه رجلا أبكما"على اعتبارأن هذا الأخير كان يظهر خلال الفترات الإخبارية في التجمعات التي ينظمها حزبه لكن بدون صوت.

في منتصف شهر أوت من سنة 2003 بدأت فصول أزمة جديدة بين السلطة والصحافة المستقلة المكتوبة حينما أبلغت ست يوميات هي "الخبر"و"ليبرتي"و"لوسوار دالجيري"و "لوماتان"و"ليكسبريسيون" و "الرأي" بضرورة دفع مستحقاتها قبل يوم 17 أوت 2003 ،"وبالرغم من عدم وصول آجال الدفع المحددة وفق الإتفاقية المبرمة بين الطرفين وبغض النظر عن حيثيات وخلفيات هذا الإشعار ،إلا أنه أدى إلى توقف صدور هذه اليوميات في الشرق والغرب في 18 أوت 2003 ، هذه القضية دفعت الناشرين إلى التنديد بالممارسات التي اعتبرت حسب البعض انتقاما من الصحافة الحرة التي نشرت "الفضائح على أعمدتها وكشفت عن ممارسات خطيرة تورطت فيها شخصيات في السلطة والنظام عامة مثل التعذيب واستخدام النفوذ لأغراض مصلحية،ونهب أملاك البلاد والمال العام "(1).

في البلدان التي تحترم حرية التعبيرعن الرأي والصحافة تتمثل القيمة الرئيسية للصحافة في توسيع مجالات محاسبة المسؤولين وهذا أمر مهم على اعتبار أن آليات المحاسبة للمسؤولين تعتبردائما ضعيفة في البلدان ذات التوجه الديمقراطي،وهذا لمساعدة المواطنين على فهم ما يحصل لحقوقهم من انتهاك،فالصحافة تملك قدرة لا تضاهى على ربط المسؤولين بجرائم معينة لكنها حسب بعض الباحثين الأمريكيين تخلق إحساسا خاطئا لدى الناس بأن هناك دائما تصرفات خاطئة،إنها سيف ذو حدين،فنشر التقارير حول التصرفات الخاطئة يوجه انتباه الناس على جرائم مفترضة،ولكنه يقود أيضا إلى صدور أحكام متسرعة حول مسؤولية المعنيين دون اللجوء إلى مؤسسات أنشئت دستوريا لإجراء التحقيقات وإصدارالأحكام القانونية وهنا تكون المسؤولية الأخلاقية من جديد مهمة للغاية،ويمكن أن يؤدي نشر الصحف لاتهامات غير مدعومة بأدلة دامغة إلى نتائج مدمرة لسمعة أفراد ومؤسسات وفي بعض الحالات التي تعتبر إيجابية فإن الصحافة تُجبر الهيئات التشريعية والقضائية في نهاية الأمر إلى إجراء تحقيقات في هذه الاتهامات.
من جهتها السلطات أشارت في أكثر من مرة إلى أن الصحافة تقف وراء إعطاء صورة قاتمة للوضع السياسي والاقتصادي دون تقديم القرائن والأدلة على صواب التوجهات المتبناة من قبل الحكومة والرئيس،لتشهد سنة 2004 تصعيدا للمواجهة بين السلطة والصحافة بلغ الذروة ، واعتبر الصحافي والمعلق السياسي سعد بوعقبة أن ما حدث عقب الإنتخابات الرئاسية نتيجة حتمية للأساليب التي اعتمدتها الصحافة الخاصة ،حيث لم ترتكز منذ البداية التجربة على علاقة سليمة مع السلطة ،على اعتبار أنها تسترت على الكثير من التجاوزات بحجة مكافحة الإرهاب والأصولية ،فكانت بذلك بداية العلاقة الشاذة بين التجربة الفتية للصحافة الخاصة والسلطة .
"حيث شكلت الحملة الانتخابية للرئاسيات حدود حريتها ،حدود السماح لها بهذه الحرية من قبل السلطة من جهة،وحدود قدراتها الذاتية على افتكاك تلك الحرية والعمل بها من ناحية أخرى "(1).حيث اجتهدت الجرائد المستقلة يوميا في إطلاع قرائها على أخبار مختلف نشاطات المرشحين الستة للرئاسيات، وتعرضت بالتحليل والنقاش لمحتوى برامجهم الانتخابية من باب الخدمة العمومية. لكن هذا لم يمنعها من الوقوع في فخ الإنحياز حيث انقسمت الصحافة المكتوبة إلى "قسمين في الأغلب الأعم قسم يدعم السيد عبد العزيز بوتفليقة،وقسم آخر حمل على عاتقه ممارسة المعارضة السياسية سواء لصالح السيد بن فليس،كما حدث بنسبة كبيرة ،أو لغيره "(2).

أيضا و في خضم الحملة الانتخابية لرئاسيات 2004 وحسب العديد من المراقبين فإن التلفزيون الجزائري حاد عن القيام بالخدمة العمومية التي أنيطت به ، خصوصا حينما واصل في تغطية نشاط الوزراء أعضاء الحكومة آنذاك التي كانت تتمحور حول تدشين بعض المنشآت القاعدية وتوزيع السكنات،الأمرالذي يوحي بأن وزراء الدولة و تحت قيادة مرشح معين للرئاسيات استطاعوا تحقيق العديد من الإنجازات،حيث قيّم السعيد بوشعير منسق اللجنة الوطنية السياسية لمراقبة الانتخابات الرئاسية في إجابة له عن كيفية تفسيره لاستمرارأعضاء الحكومة في تنقلاتهم داخل الوطن التي تغطيها التلفزة الوطنية، حيث رد أنه "من المفروض أن تغطية الحملة الانتخابية تقتصرعلى تغطية المرشح أو ممثله،إذا كان عضو الحكومة يقوم بحملة عادية أو مهرجان باسم مرشح في إطار الحملة فله ذلك،لكن أن تقوم بتغطية نشاطات أعضاء الحكومة في إطار نشاطه العادي فقد اعتبرت اللجنة هذا الأمر مرفوضا،اللجنة المذكورة طلبت من التلفزيون أن يحول حصة "دفاتر الانتخابات"من حصة تشمل كل النشاطات الانتخابية إلى برنامج تقني محض (3).

في هذا السياق كان المرحوم أمحمد يزيد قد طالب بضرورة تحديد مفهوم الخدمة العمومية في الإعلام الثقيل و بالتالي المطالبة بترسيخ هذا المبدأ كأحد الحقوق في الإعلام بدل المطالبة بتحرير أو فتح القطاع لأن القطاع العمومي يجب أن يكون منفصلا عن القطاع الحكومي ، من خلال تأدية الخدمة العمومية لا أن يكون تابعا للسلطة أو الحكومة المركزية (4).

منسق اللجنة السياسية الوطنية لمراقبة الانتخابات الرئاسية رأى أيضا أن بعض الصحف تعمل على حث الأشخاص مباشرة على الاحتجاج معتبرا ذلك بـ" الغير طبيعي و ليس من صلاحيات وسائل الإعلام، و أكد أن بمثل هذه العناوين على الصفحات الأولى لبعض الجرائد، فإن بعض الصحف المكتوبة تحث الأشخاص على اتخاذ مواقف مع مرشح أو آخر مذكرا بأن هذا غير مقبول"(1) .

وتَجنُبا لهذا فإن الصحفي حسب ماجاء في المادة 40 ملزم بأن يضع في اعتباره الأول والأخير احترام الحقوق المكفولة دستوريا للمواطنين واحترام حرياتهم الخاصة مع السعي الدائم في سبيل تقديم خدمة إعلامية صحيحة وصادقة وموضوعية والمقصود بالموضوعية في الصحافة هي أن الصحافي يجب أثناء أداء مهنته ومعالجته للأخبار أن يحاول التجرد من الذاتية وأن يحاول أن يُقدم الخبر كما جرى في الواقع ...يقول تايلور أن" الموضوعية أصبحت المثال الأعلى الذي ينشده كل الصحافيين " .

وللحفاظ على علاقات الثقة بين الصحفي والجمهور فإن الصحفي يجب أن يلتزم بأن يصحح أي معلومة أو خبر تبين أنه غير صحيح سواء نشره أو لم ينشره أي يحول دون نشره وللحفاظ أيضا على مهنة الصحافة وكرامتها فإن من واجب الصحفي الإمتناع عن تحويل قلمه للدعاية المغرضة الداعية للتعصب والتمييز العنصري والكراهية والعنف والإشادة بالأفعال التي تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية ، والإبتعاد عن أساليب المراوغة والإنتحال والإفتراء والكذب والتلفيق،والقذف والوشاية الكاذبة المغرضة ،فعلى الصحفي الإلتزام بالصدق والشرف والأمانة وكذا عدم نشر وقائع مشوهة أو مثيرة ،وعدم تصويرها أو اختلاقها على نحو غير صحيح.

لجنة عالية المستوى لمراقبة الحياد الإعلامي وتقييم أداء وسائل الإعلام في الانتخابات
أخلاقيات المهنة أيضا كانت على المحك خلال الانتخابات الرئاسية في أفريل 2004 حيث برزت أهمية وضع معايير أخلاقية للتغطيات الإعلامية للحملات الإنتخابية ،بسبب التجاوزات التي حصلت أثناءها من قبل الكثير من وسائل الإعلام والتي أثبتت بما لايدع مجالا للشك أنه من الضروري وضع ميثاق شرف للتغطية الإعلامية للانتخابات ،إذ يقترح بعض الأكاديميين وفي كل استحقاق انتخابي تشكيل لجنة عالية المستوى لمراقبة الحياد الإعلامي وتقييم أداء وسائل الإعلام في الانتخابات،وهذا باستخدام معايير منهجية دولية تقوم على مراقبة إعلامية أساسها التحليل الكمي والكيفي للزمن والمساحات المخصصة للمرشحين في الانتخابات مع رصد نوعي وكيفي لأهم التجاوزات والقيود التي قد تعرقل التغطية الإعلامية لنشاط المرشحين.
وكان المقرر الخاص لحرية التعبير في الأمم المتحدة تحدث عن مجموعة من المبادئ، في تقريره السنوي الصادر سنة 1999 تهدف إلى ضمان الشفافية والحرية والتعددية في تغطية الحملة الإنتخابية من قبل وسائل الإعلام جاء أهمها ينص على:
• ضرورة تجنب سيطرة أو احتكار وسائل الإعلام من طرف فئة صغيرة حتى يتم ضمان تنوع في الأفكار والأصوات.
• أن تلتزم الصحافة الحكومية بتغطية جميع مظاهر الحياة السياسية ،وأن تضمن توفيرآراء مختلفة،كما يجب أن لاتتحول الصحافة الحكومية إلى بوق دعاية يخدم مصالح حزب سياسي واحد،أوأن تتحول إلى وسيلة تستعملها الحكومة لإقصاء الأحزاب والمجموعات السياسية الأخرى.
• يجب توزيع حصص البث المباشر للمرشحين بصفة عادلة وغير منحازة، كما يجب توفير مدة كافية من الوقت للأحزاب والمرشحين لعرض برامجهم وتمكين الناخبين من معرفة القضايا المطروحة، ومواقف الأحزاب منها وقدرات المرشحين على حلها...(1).
ولاحرج في أخذ تجارب الدول الرائدة في مجال مراقبة الحياد الإعلامي لوسائل الإعلام خلال التغطيات المختلفة للحملات الإنتخابية مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية أطلق المواطنون وجماعات المصالح والجمعيات الصحفية جهودا مستقلة غير حكومية للقيام بالمراقبة وإعداد التقارير حول نوعية وسائل الإعلام ،لايملك أي من هؤلاء سلطة تنفيذية ذات شأن ،لكنهم يؤثرون في تطبيق مبادئ العدالة والصدق والدقة في إعداد التقارير الإخبارية ،وتم إنشاء وظيفة "محقق في الشكاوي"وهذا موظف شبه مستقل يمكن للقراء توجيه شكواهم إليه بشأن المواضيع المنشورة ونوعية تغطيتها الإخبارية،ومن الممكن لهذا المحقق أن ينشر الشكاوي على صفحات الصحيفة ويبين كيف تمت معالجتها وتسويتها .
كما تم إنشاء مركز أبحاث وسائل الإعلام منذ 1987 والذي يعمل من أجل تأمين توازن سياسي في وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية ،من خلال التوثيق ومواجهة الإنحياز الليبرالي في النشرات الإخبارية لشبكات التلفزيون وفي الصحف الرئيسية ،وتوجد هناك أيضا منشورات انتقادية للصحافة أو ما يسمى بحراس مراقبة لوسائل الإعلام داخل قطاع الإعلام،يحرر هذه المنشورات بصورة أولية مهنيون في وسائل الإعلام لفائدة مهنيي الإعلام أنفسهم ،وهي تتواجد في الجامعات ولاتدعي بأن لها وجهة نظر خاصة حول الأخبار أو برامج عمل محددة تدعو إلى تعديل الأخبار...
في مصر تم استحداث لجنة عالية المستوى لمراقبة الحياد الإعلامي وتقييم أداء وسائل الإعلام في الإنتخابات والتي لعبت دورا بارزا في الإنتخابات التشريعية التي فاز بها الإخوان بأكبر المقاعد ،الشيء نفسه حصل أثناء الإنتخابات الرئاسية المصرية حيث كانت هذه اللجنة العالية المستوى والمشكلة من أكادميين وصحافيين متقاعدين وأعضاء من المجتمع المدني وغيرهم ،تعقد ندوات صحفية يومية لتتعرض فيها لأهم التجاوزات التي قامت بها وسائل الإعلام لصالح الحزب الحاكم وقد تم تثمين هذه المبادرة على أعلى المستويات وتم لها تسخير كل الإمكانات المادية والبشرية ليكون أداؤها التقييمي في المستوى .
الصح - آفة