سبايا العشرية السوداء.. زواج بـ "الشيوخ" أو الموت..!
13-01-2016, 03:16 AM

رانية مختاري

قد تكون تسمية "السّبية" جائرة في حق فتيات زوّجن في عمر الزهور لكهول وشيوخ رغما عنهن، وحتى دون رغبة أوليائهن، أولياء وضعوا أمام خيارات أحلاها مر، لحمايتهن من الإرهابيين ومخلفات الأزمة الأمنية التي عصفت بالوطن خلال عشرية كاملة، لتصنع منهن ضحايا لم يصنفن ضمن خانة ضحايا العشرية السوداء، وتبقى معاناتهن مستمرة في صمت قاتل يجسد تفاصيل آلامهن مع كل يوم جديد.
إنهن فتيات القرى والمداشر التي تضررت خلال العشرية السوداء، تصادفت مرحلة شبابهن ومراهقتهن مع أزمة عصفت بالوطن، ليكن أولى ضحاياها دون ذنب سوى أنهن إناث، يمثلن مصدر خطر وقد يكون عار على عائلاتهن، إذا ما اختطفهن الإرهابيون أو اغتصبوهن أمام أعين أفراد عائلاتهن، لم يكن أمام هذه الأخيرة من حل آخر سوى تزويج الفتيات حتى قبل مرحلة البلوغ للبعض منهن، وكثيرات من تزوجن وفقا لقانون العرض والطلب، إذ لم يكن ارتباطهن قائما على أي أساس أو شروط سوى رغبة العريس في الزواج بها والستر عليها، أشخاص كثيرون كانوا المستفيد الأكبر من هذه الأزمة، إذ لم يتوان شيوخ وكهول في إجبار عائلات على الارتباط بفتيات أصغر بكثير من أن يكن من نصيبهم، لكن الخوف من مصير مأساوي كفتاة عزباء جعلهم يرضخون للأمر الواقع، ويزفون بناتهم على وقع الحسرة بدل الفرح .
"الشروق" التقت ببعض هاته الفتيات اللائي زوّجن في تلك المرحلة، ونقلنا شهادتهن بعد قرابة عقدين من الزمن، حيث أصبحت أغلبهن أمهات في سن مبكرة، ويعشن اليوم حسرة وندما لا يمكن إصلاحه سوى بالاستسلام للقدر .

سمية: "تزوجت برجل أكبر من أبي حوّل حياتي إلى جحيم"
"سمية" أم لأربعة أطفال في ربيعها الـ36، منحدرة من إحدى قرى دلس بولاية بومرداس، وهي المنطقة المعروفة باضطرابها الأمني، لكونها إحدى المعاقل الكبرى للجماعات الإرهابية، تقول:"مع بداية الأزمة وانعدام أجهزة الأمن والتغطية الأمنية بالمنطقة، وجدنا أنفسنا كقطعان غنم وسط حيوانات مفترسة، العائلات التي لديها أقارب في المدن وحتى الولايات المجاورة سارعت للإفلات بجلدها هربا من رائحة الموت التي تحيط بنا يوميا وفي كل وقت، أما العائلات المعوزة والتي لا تملك من غير أراضيها ملاذا ومصدرا للرزق، بقيت تقارع مصيرها، الاضطراب الأمني الذي عشناه، لم يقتصر على اغتيال واستهداف رجال الأمن، وشباب الخدمة الوطنية، أو حتى استنزاف ممتلكات المواطنين وإجبارهم على الطبخ والغسل، بل امتد إلى اختطاف علني للفتيات للاستمتاع بهن في الجبل وحفظ نسل الإرهابيين، إذ كانت تصلنا أخبارهن من الجبل، أنهن يزوجن لإرهابي معين وبعد إنجابهن لطفله، يزوجن لآخر حتى ينجبن منه ويحفظ كل عنصر نسله، وقد يتم التخلص منها بعد مدة معينة...
أخبار لم نعرف صحتها من عدمها، ولكن وضعت أهلنا في قلق وخوف دائمين، ما أعاد إلى قرانا والكثير من قرى المناطق الساخنة، ظاهرة الزواج المبكر، فمنا من تزوجت حتى دون بلوغ، ومن زوج لم يكن أبدا من اختيارنا أو حتى اختيار والدينا، كل ما في الأمر أن الخاطب مستعد للارتباط شرعا بنا، تضيف سمية: "الأكثر حظا منا كانت من تزوج لقريبها أو جارها، لكن الوضع لم يحالف الكثير منا، فقد تحولت قرانا في العشرية السوداء إلى مزار للراغبين في الاستثمار في معاناتنا، كنت أنا من ضمنهن، لم يتجاوز عمري الـ15حين قدم والد أطفالي من إحدى الولايات السهبية ليطلب يد إحدانا للزواج، كنت أصغر شقيقاتي، أكبرنا كانت في الـ19، لكن "العريس" رفضها لكبر سنها – حسبه - رفضت والدتي الرضوخ للأمر، وقالت لوالدي مستعدة لشنقها بدل تزويجها برجل يكبرك سنا، لكن والدي رفض الانصياع لها ووافق على تزويجي، زفيت لمنزل الزوجية في ظروف تشبه أي شئ سوى زواج وفرح، وجدتني حينها الزوجة الخامسة لرجل لا يعير المرأة أي اهتمام أو اعتبار، فقدت الاتصال مع عائلتي ولم أزرهم بعد زواجي إلا بعد 4 سنوات ومعي طفلين، أصبت بالمرض وأنا حامل بطفلي الأخيرين فتركني لدى أهلي، وخضت رحلة علاج لدى أقاربي في المدينة، لمدة تجاوزت السنتين، لم يعد فيها ليطمئن على حالي ولا على أولادي الذين عدت بهم كعبء ثقيل على عائلتي، بعد 3 سنوات عاد زوجي ليصطحبني، لكني رفضت العودة معه وقررت مواجهة مصيري مع أطفالي، واليوم أعيش على عواقب هذا الزواج الذي رحت ضحيته ومعي أطفالي الذين عاشوا بلا أب وكبروا مع أم ممزقة بين حياتها الضائعة ومستقبلها المبهم، فلا نحن ضحايا إرهاب ولا فتيات اخترنا مصيرنا لنتحمل مسؤولية أفعالنا، نحن ضحايا أزمة ألقت بنا لأحضان مجتمع لا يرحم.

كهينة: تزوجت وعمري 17 سنة بسبب الموت والدمار
"كهينة" حالة أخرى من حالات كثيرة أبت إلا أن تفتح قلبها لنا، حيث أكدت أن الحياة كانت أرحم بها إذ زوجت في الـ17في حين زوجت أخريات في الـ13والـ14، لكنها تدفع لحد الساعة ثمن هذا الزواج المبكر والارتباط القسري، تقول: "حاولت أن أتدارك عمري الضائع، بتلقي تكوينات حسب رغبتي والعمل لمساعدة زوجي وإنقاذ نفسي من الضياع الذي عشته، إلا أن الماضي الأليم يرفض مفارقتي وأجدني في كل مرة أعود إلى نقطة الصفر، فلا العمل ولا الشهادات ولا حتى أطفالي استطاعوا أن يضمدوا جراحي، أحاول أن أتجاوز أزمتي بالتعايش مع الواقع وقبوله، إلا أن صورة الموت والدمار الذي هربنا منه لا تزال تأسرني، وأعلم أن الوضع نتقاسمه جميعا نحن بنات تلك المرحلة، نختلف فقط في طريقة تقبله وتجاوزه".