قضايا نقدية
05-10-2012, 09:35 AM
إذا كان بعض النقاد في العصر الجاهلي قد احتكموا في النقد الشعري إلى أذواقهم الصافية و طبائعهم السليمة فإنهم لم يقصوا من طريقتهم المعاني المألوفة في تلك البيئة البدوية البسيطة حيث ظلت أعناقهم مشدودة إلى ما تعارفوا عليه عادات و قيم ( راجع قصة النابغة الذبياني مع حسان بن ثابت و الأعشى و الخنساء ) وفي ظل ذلك كان الشاعر يمدح أو يذم بقدر ما حاد أو التزم بتلك العبارات و الأعراف
حتى إذا اقبل الإسلام ظهر معه فضلا في معيار الذوق و التأثر معيارا جديدا توزن به الأشعار ألا وهو المعيار الديني و الأخلاقي فالشعر في نظر العقيدة الجديدة ( الإسلام ) ( كلام حسنه حسن و قبيحه قبيح ) .
وهي فكرة تأسست اعتقادا أن الشعر لا يصدره إلا عن احد المصدرين الخير أو الشر فمتى انتهكت الحرومات أو أخل أصحابها بمبادئ الشرف لإلحاق الأذى كان شريرا وصاحبه مشمول بمعنى الآية ( سورة الشعراء ) وعلى النقيض من هذا فمتى وظف الشاعر ملكته لإشاعة الخير وذكر المحامد أضحى متقبلا مرضيا ( قصة عنترة بن شداد مع النبي- صلى الله عليه وسلم-)
والتاريخ يحدثنا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ما ذم شعر قط إلا حين يرى مضمونه يصب في معتقدات الجاهلية المندرسة والممنوعة و لأجل ذلك نجد سائر أصحابه كانوا ينتقون محفوظاتهم الشعرية ومروياتهم على قاعدة الدين و الخير فحين انتهى جيش المسلمين إلى مدائن كسرى انشد احد الصحافة بحضرة علي – كرم الله وجهه قول الأسود بن يعفر :
جرت الرياح على مكائد ديارهم *** أو كأنهم ماتوا على ميعاد
وسرعان ما استدرك (علي) على صاحبه وقال له لما لم تقل كما قال الله عز وجل : ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع و مقام كريم و نعمة كانوا فيها فاكهين كذلك و أورثناها قوما آخرين )
ثم قال يا بن أخي إن هؤلاء كثروا النعمة .
وعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – نفسه لما انشد أمامه قول طرفة بن العبد:
لولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لـم احفل متى قـام عـود
فمنهن بسبق العادات شربة شربة كميث متى وغل بالماء أزبد
وكر إذا نال المصاف محلق كسيد الغضى نبهته المولد
و تقصير يوم الرجل و الرجل معجب يهلكه تحت الجناء المعند
فقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه: ( على الفور والله لولا أن اخرج في سبيل الله وأجالس أقواما ينتقون أطايب الحديث كما ينتقون أطايب الثمر واضع جبهتي لله فما علمت أني قدمت ).
وهكذا تبدو أمامنا المفرقات للأحكام و المفاهيم بين النقاد العصريين تجاه الشعر و الشعراء فإذا كانت القاعدة وليدة بيئة تجرد الشاعر من جميع القواعد والضوابط فان بيئة الإسلام ضيقت المجال على الشعر و اعتبرت ( أعذب الشعر أصدقه ).

يراجع: – 1 – شعر المعلقات السبع للزوزني .
-2- تاريخ النقد عند العرب / د . إحسان عباس.
-3- معاني في النقد الأدبي لمصطفى الحاوي .
-4- الشواهد النقدية لعلي بن محمد .