لماذا بعض المنشورات العلمية المفيدة لا تجد تفاعل؟
20-01-2021, 02:07 PM
طرح اليوم شيخنا الدكتور الربعي عمير تساؤلا مهما على صفحات التواصل الاجتماعي الفيسبوك , كان قد شغل بالي منذ مدة طويلة ولم أجد له جوابا شافيا يطفئ لهيب إلحاحي المتواصل وينير أبعاد مداركه المتشعبة التي شغلت تفكيري وتفكير الكثيرين من المثقفين اللذين يحاولون بأفكارهم الإيجابية الهادفة زرع ثقافة الحوار والنقاشات الأدبية لخلق أجواء تعليمية علاجية ترغب الفرد في القراءة إن صح التعبير وتمهد للإبداع الفكري في زمن الرداءة.
سلبية هذا الموضوع ثبطت إقدامي الكبير على الكتابة التي أصبحت متنفسا يوميا مطلوبا يزيح عني أثقال الروتين ومشاغل الحياة التي لا تنتهي, والذي مفاده ( لماذا بعض المنشورات العلمية المفيدة لا تجد تفاعل...بخلاف منشور فيه طرفة أو طرح شبه استفزازي تتجارى حوله التعليقات والردود).
منطقيا أرى أن العزوف عن القراءة مرض العصر الذي تزداد حدته يوما يعد يوم في ضل التقدم التكنولوجي,الذي قضى على أشياء جميلة في حياتنا اليومية كالصحف والجرائد اليومية والأسبوعية والشهرية وأدخلها طوعا في سياسة التقلص والركود وحتى الإفلاس وأدخلنا نحن في متاهة السبات الإنفصامي المغيب للشخصية, فتهنا وسط التدفق الفكري الغربي وإغراءاته التي لا تقاوم, فتركنا المطالعة وضعنا وسط بريق الرتوش والمكياج الذي أعمى أبصارنا وبصيرتنا , كما يعتبر الدكتور والروائي عز الدين جلاوجي، في ظل موضوع القراءة، أن القراءة هي الحياة والوجود، كلما تعمقنا في قراءتنا ارتقينا في مدارج الإنسانبة، وكلما قلت مقروئيتنا ارتكسنا إلى عالم البهيمية، مذكرا بقول أحد رجال المعرفة في حضارتنا “هل يجدر بالشيخ أن يقرأ، فقال إذا كان يجدر به أن يعيش، فإنه يجدر به أن يقرأ فيجب أن يقرأ، مشيرا في السياق ذاته إلى أن أول ما فرض في القرآن هو القراءة “اقرأ بسم ربك الذي خلق”، فلا عجب أن ربطها الله له ليرسم لها مسارها فتكون ذات جدوى وذات منفعة تدفع بالبشرية قدما نحو بناء صرح الحضارة والرفاهية والمحبة والسلام. كما أكد الدكتور جلاوجي، على ضرورة معرفة ما نقرأ خاصة مع الانفجار المعرفي الرهيب الذي تعرفه البشرية اليوم، بحيث لا يمكن للإنسان بطاقته المحددة وعمره القصير أن يقرأ كل شيء.
والمشكلة أننا أصبحنا لا نفرق بين الغث والسمين, وانحرفنا عن جادة الصواب وأهملنا المواضيع العلمية الهادفة النافعة, ودخلنا في سراب التفاهة والبهلوانية والطرفة العابثة الركيكة التي لا تغني ولا تسمن والنقاشات البيزنطية الغوغائية التي تقتل الوقت والحس والشعور بالمسؤولية في ضل التفاقم المعيشي وصعوبته, في زمن البطالة القاتمة القاتلة لأمال الشباب فتاهوا وسط الافتراضية والذوبان الزائف المشجع على الانحراف القاتل للأخلاق.
كما اعتبرت الدكتورة والبروفيسور حياة أم السعد، أن مسألة العزوف عن القراءة هي مسألة حرجة جدا، معتبرة أن واقعنا للأسف لا يشجع الباحث على التناغم مع ميوله القرائية، فما بالنا بالطالب الجامعي الذي يعد الكتاب في يومياته ضرورة معرفية ملحة، وبالرغم من ذلك يقرأ فقط ماهو مهم ومرتبط بتخصصه وبتحصيله العلمي. كما أوضحت الأستاذة أم السعد أن أسباب العزوف عن القراءة نسجتها مجموعة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، من بينها الحديث عن الضغوطات الاجتماعية غير السليمة التي نشأت فيها فئة كبيرة جدا من الجزائريين، كضيق المنزل، غلاء المعيشة، وكل هذا يحول دون أن تنموا لدى الفرد هبتوسات القراءة، بالإضافة إلى غياب الحس التشجيعي على المطالعة في الكثير من المدارس بسبب طول البرنامج، الذي من شأنه أيضا يؤدي إلى العزوف عن القراءة، بالإضافة إلى عدم تمكن الأساتذة من تخصيص مدة محددة للمطاعة يوميا.
كما قالت أن للتطور الاقتصادي وذيوع ثقافة الاستهلاك لدى العامة والخاصة وانتشار الكثير من الوسائل الترفيهية التي يحبذها الكثير من الصغار والكبار، أصبح معها حمل الكتاب لدى الجيل الجديد حملا ثقيلا وعقوبة شديدة. كما قدمت البروفيسور بعض الحلول التي من شأنها أن تخفف من حدة هذه الأزمة التي تهدد كيان الشباب الجزائري، كبناء وعي جماعي يقتنع به الكبير قبل الصغير، كون الكتاب يفتح لنا عوالم تمضي بنا إلى التفكير في كل قضايانا، بالإضافة إلى أن القراءة تزيل الغطاء عن الكثيرمن القضايا المبهمة، وشددت الدكتورة حياة أم السعد على ضرورة موازنة الفرد لمعادلته موازنة صحيحة، انطلاقا من التساؤل القائل، ماذا يمكن للكتاب أن يقدم؟، وماذا يمكن للعبة الإلكترونية أن تقدم، ومن خلال هذه الموازنة يمكن أن تفتح أبواب كبيرة بعقله يتسنى له من خلالها أن ينتج.
كما أبدت الدكتورة هدى ملاحي، استياءها الشديد حول مسألة العزوف عن القراءة لدى الشباب عامة والطلبة خاصة، مشيرة إلى أن العديد من الدراسات أكدت على مزايا القراءة وعلى أهمية غرسها في نفسية الشخص على أنها عنصر مهم في علوم التربية، كما أنها تفتح آفاقا أوسع للإنسان، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى التطور في الحياة، سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الجماعي.
كما اعتبر الدكتور عبد الحميد هيمة، أن هذه الأخيرة مشكلة معقدة جدا، وأي طرح لهذه المشكلة لابد أن يرتبط بالظروف العامة التي عاشتها الجزائر، والتحولات التي مرت بها خاصة خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، وما تمخض عن ذلك من انهيار لكثير من القيم الاجتماعية والخلقية، وتقهقر قيمة المعرفة داخل المجتمع الجزائري، فأصبح لسان حال الأغلبية العظمى من الناس “اللي قرى قرى بكري وللي قراو واش داروا”، ومثل هذا الكلام له تأثيره السلبي، خاصة إذا جاء من الأولياء.
الموضوع شائك جد ومتشعب ولبد له من دراسة معمقة للإلمام به وأترك لكم إثراء الموضوع والتعمق في مساربه.
بلخيري محمد الناصر