داعش محلها من الإعراب في الجزائر
09-03-2015, 08:57 PM
داعش: محلها من الإعراب في الجزائر
بقلم مدار القمر
للإجابة عن هذا التساؤل الكبير ,لابد من الرد عن العديد من الأسئلة التي نعتقد أنها تمكننا من رسم صورة واضحة المعالم, يمكن معها تجلي فرص ظهور مثل هذا التنظيم في بلادنا , وهي عشر أسئلة في مجملها .
السؤال الاول :
1. هل يوجد في الجزائر فكر تكفيري داخل التيار الإسلامي ؟
بدأنا بهذا السؤال لأهميته في السياق لكون مدلول الجماعة يعني فكر آمن به أشخاص و رأوا في العمل به تحقيقا لحاجات مادية أو روحية في إطار تنظيم محكم يربطهم (وقد يتبنى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة).
بالرجوع قليلا إلى التاريخ القريب فان ملامح تبلور هدا التيار كجماعة تبدأ مع جمعية العلماء المسلمين في النصف الأول من القرن الماضي كتيار إصلاحي للحفاظ على الشخصية الوطنية التي كانت تتعرض للطمس الممنهج من قبل الاستعمار من جهة و من اخرى الى تغييب وسردبة في الزوايا والكتاتيب بتشجيع ايضا من المستعمر.
مع اندلاع الثورة التحريرية ، انخرطت الجمعية تحت لواء جبهة التحرير الوطني الى جانب قوى المجتمع الاخرى بغية انتزاع الحرية للشعب الجزائري ، فلما انعم الله علينا بنصره ارادت الجمعية العودة الى النشاط كجمعية مستقلة بذاتها فلم يسمح لها بذلك بحجة وحدة الصف الجزائري ، الامر الذي رأى فيه التيار الاسلامي ظلما واجحافا في حقه وحق المجتمع الذي كان في تعطش الى ازالة الاثار و المظاهر التي خلفها الاستعمار جراء التجهيل الذي لحق بالدين واللغة خاصة ، فكان هذا المنع اولى محطات الصدام بين التيار الاسلامي والسلطة.
اما المحطة الثانية فكانت حل جمعية القيم الاسلامية في عام 1966 و التي كانت قد تأسست سنة 1964 برئاسة الهاشمي التيجاني وكان من بين أعضائها عباسي مدني ، وذلك لسببين هامين في نظر السلطة هما ؛
1- اصدار الجمعية لبيانها الشهير سنة 1964 الذى تضمن مطالب واضحة في وجه السلطة لإقامة نظام اسلامي . في الوقت الذي كانت تتجه فيه هذه الأخيرة نحو الخيار الأشتراكي مما اغضب النظام.
2- مراسلتها لجمال عبد الناصر بشأن قضية الحكم بالإعدام على سيد قطب ومجموعته في 1966 ، فكان الرد المصري تقديم احتجاج لدى السلطة الجزائرية التي رأت في ذلك انحرافا و تجاوزا لأهداف الجمعية و مساسا بالأعراف الدولية وتدخلا في شؤون الغير ، و هنا يحق لنا ان نتساءل عن الدافع الذي جعل الجمعية تقع في مثل هذا التصرف ، اهو من قبيل التضامن ام كان ذلك تعبيرا عن تبني لفكر سيد قطب من تيار الأخوان المسلمين؟
لم تنقض سنة 1966حتى جاء بيان الشيخ البشير الإبراهيمي الشهير في ذكرى وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس ، والذي وضع على إثره تحت الإقامة الجبرية إلى أن توفي . ذلك البيان الذي لم يترك مجالا للشك بان التيار أصبح لايمر بين السلطة و الإسلاميين ، فالبيان يتهم ضمنا النظام بابتعاده عن الأصول الحضارية للمجتمع الجزائري ، حيث جاء فيه ان الجزائر اذا لم تعد الى اصولها التاريخية فإنها لا محالة تسير نحو الهاوية . ومن هنا اصبح الإسلاميون يوصفون بالرجعية من قبل التيار الاشتراكي ويوصف هذا الأخير بالتيار التغريبي المنطوي على معاني العلمانية والكفر.
وقد عمقت السلطة ذلك التضييق بالضربة القاضية التي وجهتها لساحة كانت ميدانا خصبا لإنتشار الفكر الإسلامي من خلال القيام بغلق معاهد التعليم الأصلي - بحجة توحيد التعليم في البلاد - و التي كانت تدرس العلوم الشرعية و تتبع وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف وكان جل أساتذتها من مصر ومن الأزهر خاصة ، ولا شك انهم لعبوا دورا كبيرا في نشر الفكر الإخواني بإعتبارهم قادمين من مهده .
مما سبق ، ايقن التيار الأول بأن الدولة تريد من الدين الا يتعدى دوره عتبة المساجد وان يقتصر فقط على الشعائر بدليل أنها كانت تغمض أعينها عن جماعة الدعوة والتبليغ التي كانت تحاول ان تجد لها مكانا في الجزائر غير انها لم تستطع استقطاب الإسلاميين لكونها جماعة مهادنة للسلطة و لا تهتم بالسياسة مثلها مثل الطرقية .
وبالنظر الى ما كان يجري في الساحة العربية - وعلى الأخص في مصر التي كانت تمثل مركز اشعاع للتيار الإسلامي – من صراع عنيف بين القوى الإسلامية ممثلة بالاخوان المسلمين وهي الفترة التي شهدت فكرا اعطى ابعادا جديدة لمفهوم الدين والدولة والمجتمع ، وتجلى ذلك من خلال كتب سيد قطب بالأخص منها: –في ظلال القرآن –معالم في الطريق – الفريضة الغائبة . وبما ان الغالبية من الإخوان المسلمين تبنى أفكار سيد قطب حيث رأى فيها جرأة وفعالية لمقارعة الأنظمة التي اصبحت بحكم تلك الأفكار بعيدة عن تطبيق شرع الله ، وبالتالي اصبح من الواجب محاربتها تحت راية – الاسلام هو الحل و –ان الحكم الا لله- ومع ذلك ظل بعض الإخوان يرون في أنفسهم دعاة لا قضاة رافضين منهج العنف كوسيلة للتغيير.
إن تشابه الظرف السياسي بين الجزائر ومصر آنذاك جعل الفكر القطبي ينتشر في اوساط الإسلاميين وكنا شهود عيان خاصة في الوسط الجامعي على تداول تلك الكتب بسرية بينهم وهو الأمر الذي بدأ معه تشكيل بعض الخلايا لجماعات هذا التيار، خاصة في جامعتي الجزئر وقسنطينة وهو ما ولد صراعا اتسم بالحدة والعنف بين الطلبة حول اللغة والدين والأيديولوجيا ، وقد كان ذلك ظاهرا مع بداية السبعينات .
ومن هذه الخلايا من قام قبل نهاية ذلك العقد بأعمال اعتبرت عنفا في حق السلطة فزج باصحابها في السجن وكان على رأسهم الشيخان محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني.
وفي العام الأخير من تلك العشرية شهد العالم (1979) نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية التي تركت صدى واسعا في العالم الإسلامي مما جعل منها نموذجا ممكن تبنيه لاحداث التغيير و الوصول الى السلطة.
ومع وفاة الرئيس بومدين ومجيء الرئيس الشاذلي بن جديد بدأ النظام في تغيير جلده وبدأ العد العكسي لأنحصار التيار الاشتراكي ، فكان على السلطة ان تفسح المجال امام الإسلاميين لتستعين بهم كظهير للتيار الوطني في مواجهة المقاومة المحتملة من الاشتراكيين. وقد ساعدها في ذلك ظهور بوادر فشل التجربة الاشتراكية المتبعة ، فكان في إقدام الرئيس بن جديد على إتخاذ قرار العفو - بعد فترة وجيزة من توليه الحكم - 1980 - عن مجموعة الشيخ نحناح ، رسالة واضحة للإسلاميين بان المجال اصبح مفتوحا امامهم بشرط ألا يتعدى نشاطهم المجال الدعوي ، وكان هذا الانفتاح جليا بالسماح لدعاة مصريين كبار محسوبين على تيار الاخوان المسلمين – الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي – بممارسة ذلك النشاط بكل حرية عبر الوطن بل فتحت لهما الوسائط الإعلامية
و على رأسها التلفزيون الجزائري ، و لقد كان لهما دورا كبيرا في تلبية تعطش الجزائريين لدينهم جراء تهميشه في العهد الاشتراكي، وبالتوازي مع ذلك كانت المساجد ساحة لنشاط حثيث لمختلف التيارات التي تشكلت في السبعينات (جماعات في الوسط والشرق على الأخص ).
كان ذلك في العلن اما في السر فكانت أشرطة الشيخ الكشك يتداولها ابناء التيار الاسلامي
و تسمع فرادى وفي حلقات ضيقة في منتهى الحيطة ، باعتبارها دعوات تحريضية وتكفيرية . في خضم ذلك أيضا ، بدأنا نسمع بتواجد تيار ديني جديد في الجزائر، وهو اشد تطرفا وتكفيرا ، يسمى جماعة التكفير والهجرة ، ينتمي الى جماعة اسسها المدعو مصطفى شكري في مصر سنة 1971وهو من المحسوبين على تلتيار سيد قطب.
ان الأحادية الحزبية التي ظلت مسيطرة على الحياة السياسية في البلاد والأزمة الإقتصادية الناتجة عن انهيار أسعار النفط مع البيرقراطية المتعفنة ، كل ذلك أدى الى أحداث أكتوبر 1988 التي ارغمت النظام على إقرار التعددية السياسية بمقتضى دستور1989 ، الذي فتح الباب امام ظهور احزاب مرجعياتها الدين الأسلامي، وكان ابرزها – الجبهة الإسلامية للإنقاذ بزعامة عباسي مدني والشيخ بلحاج – حركة المجتمع الأسلامي ( حماس) بقيادة الشيخ محفوظ نحناح- حركة النهضة بقيادة الشيخ جاب الله.
بالنظر للأنشطة والسلوك اللذان سادا وطبعا الحراك السياسي منذ البداية ، نجد ان كل المؤشرات كانت تدل على ان الإنفجار قادم ، فالسلطة لم تستطع ترويض التيار الإسلامي وإدخاله بيت الطاعة كما كانت تراهن على ذلك، وهو لم يكن مستعدا للمشاركة في السلطة ولا لإقتسامها بل يريدها كاملة .
وانتظرنا حتى جاءت الانتخابات التشريعية في دورها الأول سنة 1991 اين اكتسح الإسلاميون تقريبا كل المقاعد في المجلس الوطني الشعبي آنذك ، في الوقت الذي لم تكن فيه السلطة مستعدة للقبول بذلك وعندها توقف المسار الإنتخابي . فدخلت البلاد في دوامة عنف وإقتتال شرس لسنوات طوال بين من يرفع شعار مكافحة الإرهاب ومن يحمل شعار جهاد الكفار و الطاغوت .
ان سنوات التطاحن اظهرت بما لا مجال للشك فيه بأنها كانت مرتعا لفتاوى التكفير من الداخل والخارج على حد سواء مما انقاد معه الكثير كتغطية شرعية للعنف المسلح كوسيلة لتحقيق الدولة الإسلامية بعد ان سد في وجههم طريق النهج الديمقراطي وهو فكر لا يزال موجودا بالنظر الى بعض الخطابات والأحكام الصادرة عن رجال بارزين في التيار الإسلامي .
نكتفي بهذا الاستنتاج عن التساؤل الأول لنعود الى بعض وقائعه عند تناول الإجابة عن مخلفات المأساة الوطنية التي مرت بها الجزائر في التسعينات من القرن الماضي ، ومدى وقوفها كحاجز امام عدم عودة العنف المسلح المنتمي الى الإسلام السياسي.
السؤال الثاني.
2 - هل توجد هشاشة في الفهم للدين في أوساط عريضة من المجتمع ؟
للإجابة عن ذلك ,لابد من طرح بعض الملاحظات لنستشف منها الجواب ,وهي:
1- إن الدولة الجزائرية بالرغم من تكريسها للدين الإسلامي دستوريا كدين لها ,إلا أنها لم تعمل الكثير من أجل تكريس ذلك , بسبب صراع الرؤى والمفاهيم حول الدين و الدولة , خاصة في ظل تبني النظام الاشتراكي الذي يعتبر الدين عفيون الشعوب.
2- إن الإيقاع السريع الذي عرفته حركة بناء المساجد بالمجهود الشعبي, جعلت الدولة تقف عاجزة أو متعاجزة عن تأطير العدد الهائل من تلك المساجد , الأمر الذي نجم عنه فراغ رهيب, سمح بالانتشار العشوائي لأفكار وتيارات دينية من كل حدب وصوب, بعيدا عن المرجعية الدينية للمجتمع الجزائري.
3-عدم وجود مؤسسة دينية كبرى (كالأزهر أو الزيتونة) , يتخرج منها علماء ودعاة , ويكون دورهم تحصين المجتمع من الصراعات المذهبية والفكرية, داخل جماعات الإسلام نفسه.
4-لم يكن للمدرسة الجزائرية دورا كافيا في مجال التربية الإسلامية , بسبب ضعف المقرر الديني وسطحيته في أطواره الثلاث من جهة , وتأخر غير مبرر أو غير بريء في انجاز جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية , والتي كان يعول عليها في نشر العلوم الشرعية .
5- عدم تبني الدولة لأحكام الشريعة الإسلامية, خاصة فيما يسمى بالحدود الشرعية , إ (الزنا-السرقة –القذف –الحرابة –القتل ) , أضف إلى ذلك ، الاستمرار في إنتاج الخمور و تسويقها - العمل بقروض الفائدة - إنشاء شركات للقمار ( الرهان الرياضي ,ورهان سباق الخيل ), كل ذلك جعلها تصنف مباشرة في خانة الدول الكافرة, دون النظر في الاعتبارات الفقهية المتعلقة بتلك المسائل .
إن تلك الملاحظات مجملة , أفرزت على مدى جيلين كاملين شرخا في الهوية ,فذهب كل إلى ركن يأويه وخطاب يرضيه, وقد ظهر اثر ذلك جليا بالنسبة للوسط الإسلامي الذي تغلب فيه أصحاب الفكر الجهادي , لينخرطوا بعدها في العمل به, بمناسبة الحرب الأفغانية, والاستفادة من ذلك, عندما تحين ساعة المواجهة في الوطن و التي كانت تلوح في الأفق ,وكان ذلك بتغطية شرعية بفتاوى من رموز دينية خارجية ,والتي أفتت فيما بعد أيضا للشباب الجزائري المشارك في تلك الحرب بجواز الجهاد ضد نظام الحكم في بلادنا في التسعينات ,بدعوى استرجاع الشرعية المسلوبة من الحكام الطغاة .
بالمقابل كانت الدولة تقف موقف المتفرج ,عن معالجة ذلك الانزلاق فكريا وتوعويا , بما يضمن تغليب الخطاب الديني السمح على خطاب العنف , لتجد نفسها وجها لوجه امام الإسلام المسلح , وليس امامها سوى الأدوات الأمنية لفترة طويلة , قبل ان تلجأ الى مرافقة ذلك بخليط من الحل( سياسي- اجتماعي) بمقتضى إجراءات قوانين(الرحمة-الوئام –ثم المصالحة الوطنية).وكان نتيجة ذلك ثمنا باهظا دفعه الشعب الجزائري.
ومع أن تلك الإجراءات قد أتت ثمارها بعودة العديد من المسلحين للعيش عيشة عادية في المجتمع , فلا يجب ان ننسى الدور الذي لعبته فتاوى علماء كبار كالشيخ الألباني وبن عثيمين و اثرها في توضيح الحكم الشرعي بعدم جواز الخروج على الحكام الا بشروط محددة ومعلومة شرعا في السلفية الحقة. والملاحظة التي يجب ان نسجلها هنا هي ; صحيح ان العديد من أتباع ذلك الفكر عاد بلباس التوبة, وعسى ان تكون توبة نصوحا, ولكن ذلك لم يكن مصحوبا بمراجعات فكرية وعلى الأخص من قبل الرموز التي تزعمت ذلك الفكر, وهو ما يبقى التساؤل عن اسباب ذلك مطروحا.
السؤال الثالث.
3- هل يوجد في الساحة الثقافية و الإعلامية ,ما يعتبر تعارضا مع الدين في نظر التيار الإسلامي؟
ان المتفحص للساحة الثقافية و الإعلامية على مدى العقود الماضية, يجد ان الكثير من السلوكيات والأنشطة كانت تصب في خانة تدفع بالتيار الإسلامي المتشدد إلى المزيد من التطرف الفكري, باعتبارها سلوكيات تبدو مناهضة للدين و للأخلاق الإسلامية من جهة وتبذير لأموال الشعب التي ينبغي ان تصرف على أوجه اجتماعية ,هي أولى و تتفق مع الشرع ,ومن أمثلة تلك الأنشطة ,( سنة الجزائر في فرنسا- المهرجان الثاني للفلكلور الإفريقي الذي لقي إنتقادا شديدا –سنة الثقافة العربية بتلمسان -) اضف الى ذلك عديد المهرجانات الوطنية للراي و المالوف والشعبي ,وإستقدام فنانين أجانب وإغداقهم بأموال طائلة من اموال الشعب , كل ذلك كان يصاحبه في جل الأحيان مشاهد للعري والرقص والإختلاط , وكلنا يدرك الموقف من ذلك .
أما بالنسبة للساحة الإعلامية, فإننا نقتصر على القنوات التلفزيونية ,التي كانت هي أيضا لا تعير اهتماما معتبرا للبرامج الدينية, ولا بتغطية كافية للأنشطة التى تتعلق بهذا الموضوع
إلّا من خلال نشرات الأخبار و وفي مناسبات معروفة ,و ربما لا نكون مخطئين إذا قلنا , بأن نسبة العرض لما هو ديني ,لا تتعدى2 %مع انها قنوات موجهة لمجتمع مسلم ,
و تدار بأموال من جيوبه.
أما اذا نظرنا الى ما يعرض من أفلام و مسلسلات غربية وحتى عربية , فإن ذلك لم يكن خاليا مما يتعارض ويخدش حياء الأسرة الجزائرية و قيمها , ومن ذلك مشاهد العري والاختلاط على شواطئ البحر و المسابح , الرقص الماجن في الكباريهات , خروج المرأة في حرية تامة مع خليلها او صديقها ...الخ ان ذلك أدى بالأسرة وبالشباب خاصة , الى البحث عن البديل في الفضاء الذي أصبح مفتوحا أمامهم, بإحتوائه على العديد من القنوات الدينية , ذات الأثر الكبير المستمد من نوعية برامجها و المستوى العالي لدعاتها , لذلك لاحظنا تنامي ظاهرة التدين باضطراد بما تحمله من صراعات عقدية ومذهبية , واصبح لكل نجمه أو شيخه الروحي الذي يدين له بالولاء والطاعة.
و يبدو أن الدولة استفاقت من نومها حينما أنشأت قناة دينية أخيرا ,ولكن امام هذه الأخيرة منافسة شديدة ومعقدة عليها ان تبذل الكثير والكثير إذا كانت تريد حقا استرجاع المشاهد إلى الخطاب الديني الذي يعكس شخصية المجتمع الجزائري المتسامحة تسامح الشريعة الإسلامية.
بقلم مدار القمر
للإجابة عن هذا التساؤل الكبير ,لابد من الرد عن العديد من الأسئلة التي نعتقد أنها تمكننا من رسم صورة واضحة المعالم, يمكن معها تجلي فرص ظهور مثل هذا التنظيم في بلادنا , وهي عشر أسئلة في مجملها .
السؤال الاول :
1. هل يوجد في الجزائر فكر تكفيري داخل التيار الإسلامي ؟
بدأنا بهذا السؤال لأهميته في السياق لكون مدلول الجماعة يعني فكر آمن به أشخاص و رأوا في العمل به تحقيقا لحاجات مادية أو روحية في إطار تنظيم محكم يربطهم (وقد يتبنى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة).
بالرجوع قليلا إلى التاريخ القريب فان ملامح تبلور هدا التيار كجماعة تبدأ مع جمعية العلماء المسلمين في النصف الأول من القرن الماضي كتيار إصلاحي للحفاظ على الشخصية الوطنية التي كانت تتعرض للطمس الممنهج من قبل الاستعمار من جهة و من اخرى الى تغييب وسردبة في الزوايا والكتاتيب بتشجيع ايضا من المستعمر.
مع اندلاع الثورة التحريرية ، انخرطت الجمعية تحت لواء جبهة التحرير الوطني الى جانب قوى المجتمع الاخرى بغية انتزاع الحرية للشعب الجزائري ، فلما انعم الله علينا بنصره ارادت الجمعية العودة الى النشاط كجمعية مستقلة بذاتها فلم يسمح لها بذلك بحجة وحدة الصف الجزائري ، الامر الذي رأى فيه التيار الاسلامي ظلما واجحافا في حقه وحق المجتمع الذي كان في تعطش الى ازالة الاثار و المظاهر التي خلفها الاستعمار جراء التجهيل الذي لحق بالدين واللغة خاصة ، فكان هذا المنع اولى محطات الصدام بين التيار الاسلامي والسلطة.
اما المحطة الثانية فكانت حل جمعية القيم الاسلامية في عام 1966 و التي كانت قد تأسست سنة 1964 برئاسة الهاشمي التيجاني وكان من بين أعضائها عباسي مدني ، وذلك لسببين هامين في نظر السلطة هما ؛
1- اصدار الجمعية لبيانها الشهير سنة 1964 الذى تضمن مطالب واضحة في وجه السلطة لإقامة نظام اسلامي . في الوقت الذي كانت تتجه فيه هذه الأخيرة نحو الخيار الأشتراكي مما اغضب النظام.
2- مراسلتها لجمال عبد الناصر بشأن قضية الحكم بالإعدام على سيد قطب ومجموعته في 1966 ، فكان الرد المصري تقديم احتجاج لدى السلطة الجزائرية التي رأت في ذلك انحرافا و تجاوزا لأهداف الجمعية و مساسا بالأعراف الدولية وتدخلا في شؤون الغير ، و هنا يحق لنا ان نتساءل عن الدافع الذي جعل الجمعية تقع في مثل هذا التصرف ، اهو من قبيل التضامن ام كان ذلك تعبيرا عن تبني لفكر سيد قطب من تيار الأخوان المسلمين؟
لم تنقض سنة 1966حتى جاء بيان الشيخ البشير الإبراهيمي الشهير في ذكرى وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس ، والذي وضع على إثره تحت الإقامة الجبرية إلى أن توفي . ذلك البيان الذي لم يترك مجالا للشك بان التيار أصبح لايمر بين السلطة و الإسلاميين ، فالبيان يتهم ضمنا النظام بابتعاده عن الأصول الحضارية للمجتمع الجزائري ، حيث جاء فيه ان الجزائر اذا لم تعد الى اصولها التاريخية فإنها لا محالة تسير نحو الهاوية . ومن هنا اصبح الإسلاميون يوصفون بالرجعية من قبل التيار الاشتراكي ويوصف هذا الأخير بالتيار التغريبي المنطوي على معاني العلمانية والكفر.
وقد عمقت السلطة ذلك التضييق بالضربة القاضية التي وجهتها لساحة كانت ميدانا خصبا لإنتشار الفكر الإسلامي من خلال القيام بغلق معاهد التعليم الأصلي - بحجة توحيد التعليم في البلاد - و التي كانت تدرس العلوم الشرعية و تتبع وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف وكان جل أساتذتها من مصر ومن الأزهر خاصة ، ولا شك انهم لعبوا دورا كبيرا في نشر الفكر الإخواني بإعتبارهم قادمين من مهده .
مما سبق ، ايقن التيار الأول بأن الدولة تريد من الدين الا يتعدى دوره عتبة المساجد وان يقتصر فقط على الشعائر بدليل أنها كانت تغمض أعينها عن جماعة الدعوة والتبليغ التي كانت تحاول ان تجد لها مكانا في الجزائر غير انها لم تستطع استقطاب الإسلاميين لكونها جماعة مهادنة للسلطة و لا تهتم بالسياسة مثلها مثل الطرقية .
وبالنظر الى ما كان يجري في الساحة العربية - وعلى الأخص في مصر التي كانت تمثل مركز اشعاع للتيار الإسلامي – من صراع عنيف بين القوى الإسلامية ممثلة بالاخوان المسلمين وهي الفترة التي شهدت فكرا اعطى ابعادا جديدة لمفهوم الدين والدولة والمجتمع ، وتجلى ذلك من خلال كتب سيد قطب بالأخص منها: –في ظلال القرآن –معالم في الطريق – الفريضة الغائبة . وبما ان الغالبية من الإخوان المسلمين تبنى أفكار سيد قطب حيث رأى فيها جرأة وفعالية لمقارعة الأنظمة التي اصبحت بحكم تلك الأفكار بعيدة عن تطبيق شرع الله ، وبالتالي اصبح من الواجب محاربتها تحت راية – الاسلام هو الحل و –ان الحكم الا لله- ومع ذلك ظل بعض الإخوان يرون في أنفسهم دعاة لا قضاة رافضين منهج العنف كوسيلة للتغيير.
إن تشابه الظرف السياسي بين الجزائر ومصر آنذاك جعل الفكر القطبي ينتشر في اوساط الإسلاميين وكنا شهود عيان خاصة في الوسط الجامعي على تداول تلك الكتب بسرية بينهم وهو الأمر الذي بدأ معه تشكيل بعض الخلايا لجماعات هذا التيار، خاصة في جامعتي الجزئر وقسنطينة وهو ما ولد صراعا اتسم بالحدة والعنف بين الطلبة حول اللغة والدين والأيديولوجيا ، وقد كان ذلك ظاهرا مع بداية السبعينات .
ومن هذه الخلايا من قام قبل نهاية ذلك العقد بأعمال اعتبرت عنفا في حق السلطة فزج باصحابها في السجن وكان على رأسهم الشيخان محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني.
وفي العام الأخير من تلك العشرية شهد العالم (1979) نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية التي تركت صدى واسعا في العالم الإسلامي مما جعل منها نموذجا ممكن تبنيه لاحداث التغيير و الوصول الى السلطة.
ومع وفاة الرئيس بومدين ومجيء الرئيس الشاذلي بن جديد بدأ النظام في تغيير جلده وبدأ العد العكسي لأنحصار التيار الاشتراكي ، فكان على السلطة ان تفسح المجال امام الإسلاميين لتستعين بهم كظهير للتيار الوطني في مواجهة المقاومة المحتملة من الاشتراكيين. وقد ساعدها في ذلك ظهور بوادر فشل التجربة الاشتراكية المتبعة ، فكان في إقدام الرئيس بن جديد على إتخاذ قرار العفو - بعد فترة وجيزة من توليه الحكم - 1980 - عن مجموعة الشيخ نحناح ، رسالة واضحة للإسلاميين بان المجال اصبح مفتوحا امامهم بشرط ألا يتعدى نشاطهم المجال الدعوي ، وكان هذا الانفتاح جليا بالسماح لدعاة مصريين كبار محسوبين على تيار الاخوان المسلمين – الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي – بممارسة ذلك النشاط بكل حرية عبر الوطن بل فتحت لهما الوسائط الإعلامية
و على رأسها التلفزيون الجزائري ، و لقد كان لهما دورا كبيرا في تلبية تعطش الجزائريين لدينهم جراء تهميشه في العهد الاشتراكي، وبالتوازي مع ذلك كانت المساجد ساحة لنشاط حثيث لمختلف التيارات التي تشكلت في السبعينات (جماعات في الوسط والشرق على الأخص ).
كان ذلك في العلن اما في السر فكانت أشرطة الشيخ الكشك يتداولها ابناء التيار الاسلامي
و تسمع فرادى وفي حلقات ضيقة في منتهى الحيطة ، باعتبارها دعوات تحريضية وتكفيرية . في خضم ذلك أيضا ، بدأنا نسمع بتواجد تيار ديني جديد في الجزائر، وهو اشد تطرفا وتكفيرا ، يسمى جماعة التكفير والهجرة ، ينتمي الى جماعة اسسها المدعو مصطفى شكري في مصر سنة 1971وهو من المحسوبين على تلتيار سيد قطب.
ان الأحادية الحزبية التي ظلت مسيطرة على الحياة السياسية في البلاد والأزمة الإقتصادية الناتجة عن انهيار أسعار النفط مع البيرقراطية المتعفنة ، كل ذلك أدى الى أحداث أكتوبر 1988 التي ارغمت النظام على إقرار التعددية السياسية بمقتضى دستور1989 ، الذي فتح الباب امام ظهور احزاب مرجعياتها الدين الأسلامي، وكان ابرزها – الجبهة الإسلامية للإنقاذ بزعامة عباسي مدني والشيخ بلحاج – حركة المجتمع الأسلامي ( حماس) بقيادة الشيخ محفوظ نحناح- حركة النهضة بقيادة الشيخ جاب الله.
بالنظر للأنشطة والسلوك اللذان سادا وطبعا الحراك السياسي منذ البداية ، نجد ان كل المؤشرات كانت تدل على ان الإنفجار قادم ، فالسلطة لم تستطع ترويض التيار الإسلامي وإدخاله بيت الطاعة كما كانت تراهن على ذلك، وهو لم يكن مستعدا للمشاركة في السلطة ولا لإقتسامها بل يريدها كاملة .
وانتظرنا حتى جاءت الانتخابات التشريعية في دورها الأول سنة 1991 اين اكتسح الإسلاميون تقريبا كل المقاعد في المجلس الوطني الشعبي آنذك ، في الوقت الذي لم تكن فيه السلطة مستعدة للقبول بذلك وعندها توقف المسار الإنتخابي . فدخلت البلاد في دوامة عنف وإقتتال شرس لسنوات طوال بين من يرفع شعار مكافحة الإرهاب ومن يحمل شعار جهاد الكفار و الطاغوت .
ان سنوات التطاحن اظهرت بما لا مجال للشك فيه بأنها كانت مرتعا لفتاوى التكفير من الداخل والخارج على حد سواء مما انقاد معه الكثير كتغطية شرعية للعنف المسلح كوسيلة لتحقيق الدولة الإسلامية بعد ان سد في وجههم طريق النهج الديمقراطي وهو فكر لا يزال موجودا بالنظر الى بعض الخطابات والأحكام الصادرة عن رجال بارزين في التيار الإسلامي .
نكتفي بهذا الاستنتاج عن التساؤل الأول لنعود الى بعض وقائعه عند تناول الإجابة عن مخلفات المأساة الوطنية التي مرت بها الجزائر في التسعينات من القرن الماضي ، ومدى وقوفها كحاجز امام عدم عودة العنف المسلح المنتمي الى الإسلام السياسي.
السؤال الثاني.
2 - هل توجد هشاشة في الفهم للدين في أوساط عريضة من المجتمع ؟
للإجابة عن ذلك ,لابد من طرح بعض الملاحظات لنستشف منها الجواب ,وهي:
1- إن الدولة الجزائرية بالرغم من تكريسها للدين الإسلامي دستوريا كدين لها ,إلا أنها لم تعمل الكثير من أجل تكريس ذلك , بسبب صراع الرؤى والمفاهيم حول الدين و الدولة , خاصة في ظل تبني النظام الاشتراكي الذي يعتبر الدين عفيون الشعوب.
2- إن الإيقاع السريع الذي عرفته حركة بناء المساجد بالمجهود الشعبي, جعلت الدولة تقف عاجزة أو متعاجزة عن تأطير العدد الهائل من تلك المساجد , الأمر الذي نجم عنه فراغ رهيب, سمح بالانتشار العشوائي لأفكار وتيارات دينية من كل حدب وصوب, بعيدا عن المرجعية الدينية للمجتمع الجزائري.
3-عدم وجود مؤسسة دينية كبرى (كالأزهر أو الزيتونة) , يتخرج منها علماء ودعاة , ويكون دورهم تحصين المجتمع من الصراعات المذهبية والفكرية, داخل جماعات الإسلام نفسه.
4-لم يكن للمدرسة الجزائرية دورا كافيا في مجال التربية الإسلامية , بسبب ضعف المقرر الديني وسطحيته في أطواره الثلاث من جهة , وتأخر غير مبرر أو غير بريء في انجاز جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية , والتي كان يعول عليها في نشر العلوم الشرعية .
5- عدم تبني الدولة لأحكام الشريعة الإسلامية, خاصة فيما يسمى بالحدود الشرعية , إ (الزنا-السرقة –القذف –الحرابة –القتل ) , أضف إلى ذلك ، الاستمرار في إنتاج الخمور و تسويقها - العمل بقروض الفائدة - إنشاء شركات للقمار ( الرهان الرياضي ,ورهان سباق الخيل ), كل ذلك جعلها تصنف مباشرة في خانة الدول الكافرة, دون النظر في الاعتبارات الفقهية المتعلقة بتلك المسائل .
إن تلك الملاحظات مجملة , أفرزت على مدى جيلين كاملين شرخا في الهوية ,فذهب كل إلى ركن يأويه وخطاب يرضيه, وقد ظهر اثر ذلك جليا بالنسبة للوسط الإسلامي الذي تغلب فيه أصحاب الفكر الجهادي , لينخرطوا بعدها في العمل به, بمناسبة الحرب الأفغانية, والاستفادة من ذلك, عندما تحين ساعة المواجهة في الوطن و التي كانت تلوح في الأفق ,وكان ذلك بتغطية شرعية بفتاوى من رموز دينية خارجية ,والتي أفتت فيما بعد أيضا للشباب الجزائري المشارك في تلك الحرب بجواز الجهاد ضد نظام الحكم في بلادنا في التسعينات ,بدعوى استرجاع الشرعية المسلوبة من الحكام الطغاة .
بالمقابل كانت الدولة تقف موقف المتفرج ,عن معالجة ذلك الانزلاق فكريا وتوعويا , بما يضمن تغليب الخطاب الديني السمح على خطاب العنف , لتجد نفسها وجها لوجه امام الإسلام المسلح , وليس امامها سوى الأدوات الأمنية لفترة طويلة , قبل ان تلجأ الى مرافقة ذلك بخليط من الحل( سياسي- اجتماعي) بمقتضى إجراءات قوانين(الرحمة-الوئام –ثم المصالحة الوطنية).وكان نتيجة ذلك ثمنا باهظا دفعه الشعب الجزائري.
ومع أن تلك الإجراءات قد أتت ثمارها بعودة العديد من المسلحين للعيش عيشة عادية في المجتمع , فلا يجب ان ننسى الدور الذي لعبته فتاوى علماء كبار كالشيخ الألباني وبن عثيمين و اثرها في توضيح الحكم الشرعي بعدم جواز الخروج على الحكام الا بشروط محددة ومعلومة شرعا في السلفية الحقة. والملاحظة التي يجب ان نسجلها هنا هي ; صحيح ان العديد من أتباع ذلك الفكر عاد بلباس التوبة, وعسى ان تكون توبة نصوحا, ولكن ذلك لم يكن مصحوبا بمراجعات فكرية وعلى الأخص من قبل الرموز التي تزعمت ذلك الفكر, وهو ما يبقى التساؤل عن اسباب ذلك مطروحا.
السؤال الثالث.
3- هل يوجد في الساحة الثقافية و الإعلامية ,ما يعتبر تعارضا مع الدين في نظر التيار الإسلامي؟
ان المتفحص للساحة الثقافية و الإعلامية على مدى العقود الماضية, يجد ان الكثير من السلوكيات والأنشطة كانت تصب في خانة تدفع بالتيار الإسلامي المتشدد إلى المزيد من التطرف الفكري, باعتبارها سلوكيات تبدو مناهضة للدين و للأخلاق الإسلامية من جهة وتبذير لأموال الشعب التي ينبغي ان تصرف على أوجه اجتماعية ,هي أولى و تتفق مع الشرع ,ومن أمثلة تلك الأنشطة ,( سنة الجزائر في فرنسا- المهرجان الثاني للفلكلور الإفريقي الذي لقي إنتقادا شديدا –سنة الثقافة العربية بتلمسان -) اضف الى ذلك عديد المهرجانات الوطنية للراي و المالوف والشعبي ,وإستقدام فنانين أجانب وإغداقهم بأموال طائلة من اموال الشعب , كل ذلك كان يصاحبه في جل الأحيان مشاهد للعري والرقص والإختلاط , وكلنا يدرك الموقف من ذلك .
أما بالنسبة للساحة الإعلامية, فإننا نقتصر على القنوات التلفزيونية ,التي كانت هي أيضا لا تعير اهتماما معتبرا للبرامج الدينية, ولا بتغطية كافية للأنشطة التى تتعلق بهذا الموضوع
إلّا من خلال نشرات الأخبار و وفي مناسبات معروفة ,و ربما لا نكون مخطئين إذا قلنا , بأن نسبة العرض لما هو ديني ,لا تتعدى2 %مع انها قنوات موجهة لمجتمع مسلم ,
و تدار بأموال من جيوبه.
أما اذا نظرنا الى ما يعرض من أفلام و مسلسلات غربية وحتى عربية , فإن ذلك لم يكن خاليا مما يتعارض ويخدش حياء الأسرة الجزائرية و قيمها , ومن ذلك مشاهد العري والاختلاط على شواطئ البحر و المسابح , الرقص الماجن في الكباريهات , خروج المرأة في حرية تامة مع خليلها او صديقها ...الخ ان ذلك أدى بالأسرة وبالشباب خاصة , الى البحث عن البديل في الفضاء الذي أصبح مفتوحا أمامهم, بإحتوائه على العديد من القنوات الدينية , ذات الأثر الكبير المستمد من نوعية برامجها و المستوى العالي لدعاتها , لذلك لاحظنا تنامي ظاهرة التدين باضطراد بما تحمله من صراعات عقدية ومذهبية , واصبح لكل نجمه أو شيخه الروحي الذي يدين له بالولاء والطاعة.
و يبدو أن الدولة استفاقت من نومها حينما أنشأت قناة دينية أخيرا ,ولكن امام هذه الأخيرة منافسة شديدة ومعقدة عليها ان تبذل الكثير والكثير إذا كانت تريد حقا استرجاع المشاهد إلى الخطاب الديني الذي يعكس شخصية المجتمع الجزائري المتسامحة تسامح الشريعة الإسلامية.