الحكم الراشد
23-11-2008, 02:02 PM
الشيخ أبو جرة سلطاني وعلى يساره د.توفيق الواعي في حفل الافتتاحتحت شعار "الحكم الراشد.. مسئولية السلطة والمجتمع"، وعلى مدى ثمانية أيام، خلال الفترة من 28 يوليو وحتى 4 أغسطس 2004م، عقدت حركة مجتمع السلم الجزائرية (حمس) جامعتها الصيفية الخامسة لعام 2004م، بجامعة بومرداس، حاضر فيها ستة عشر (16) أستاذا ومحاضرا وعالما، نصفهم ضيوف من قادة الفكر والثقافة من خارج الجزائر، وشارك في الدورات التدريبية وورش العمل التي عقدت حول العمل المؤسسي والتدريب والتطوير أكثر من 1800 شاب وفتاة من جميع ولايات الجزائر، بينهم عدد من أبناء وبنات الجاليات العربية والإسلامية بالخارج. حضر الافتتاح كوكبة من المفكرين والدعاة ورجال السلك الدبلوماسي والوزراء وإطارات الحركة الوطنية والمحلية من أعضاء مجلس الشورى الوطني والمؤسسين والجهاز الشوري والتنفيذي على مستوى الولايات الجزائرية.
كما حضره الشيخ محمد أحمد الراشد فقيه الدعاة المعاصرين، والشيخ الدكتور توفيق الواعي الذي ألقى كلمة الضيوف، أثنى خلالها على الشباب الحضور قائلا: أنتم نور هذه الأمة وأملها فيجب أن تكونوا في مستوى هذا الطموح والتطلع بأخلاقكم ومنهجكم ومساركم السياسي والتربوي والدعوي والاجتماعي. كما شارك في حفل الافتتاح كل من الدكتور عبد الحميد الغزالي أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة القاهرة، والدكتور أكرم العدلوني المدير العام لمؤسسة القدس.
ستة محاور
ودارت الفعاليات حول ستة محاور كبرى، وهي:
1- الحكم الراشد مسئولية السلطة والمجتمع.
2- العولمة والتحديات المستقبلية بعد 11 سبتمبر 2001.
3- خريطة "الشرق الأوسط الكبير" ومستقبل المنطقة.
4- الصراع في المنطقة العربية (نموذج فلسطين/العراق).
5- قضايا الاقتصاد والتنمية والاستثمار.
6- حركة مجتمع السلم والإصلاحات الكبرى.
كما وضعت إدارة الجامعة للمشاركين سبعة عشر عنوانا للنقاش على هامش الأنشطة، في شكل فضاءات مفتوحة تناولت عددا كبيرا من الموضوعات من بينها: (مشاركة المرأة، العلاقات مع المجتمع المدني، التحالف واقعه وآفاقه، قانون الأسرة، المنظومة التربوية، الرشادة والحكم، البلديات النموذجية، الجامعة والتحولات الإقليمية والعالمية، الفساد الأخلاقي والإداري (الأسباب والعلاج) وسواها من موضوعات لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالحكم الراشد ومسئولية السلطة والمجتمع).
وعلى مدار الأيام الثمانية المخصصة للبرنامج نوقشت كل المحاور والقضايا بصورة تفصيلية، وقد أبدى السادة العلماء والحضور من خارج الجزائر، إعجابهم الواضح بالتجربة الجزائرية الرائدة في العالم العربي، بفتح باب الديمقراطيات والحريات وإتاحة الفرصة أمام جميع الأحزاب والكفاءات الوطنية للمشاركة في بناء الدولة الجزائرية وإنضاج تجربة الديمقراطية الناشئة في بلد كابد ويلات الاستعمار والقهر، وقدم ثمنا باهظا من أجل حريته واستقلاله وسيادته الوطنية، وكان قبلة للكفاح العسكري المسلح ضد كل أشكال الاستعمار، وهو اليوم يخوض تجربة جديدة في عالم الديمقراطية والحريات والتداول السلمي على السلطة.
كما أظهر الضيوف ارتياحهم للأجواء الأمنية العامة التي تسود الوطن كله بعد موجة العنف التي عرفتها البلاد خلال العشرية الماضية جراء الانزلاقات الحادثة في موازين التدافع، وإقرارهم لمنهج الوسطية والاعتدال المعتمد من جميع الأطراف المشاركة في تسيير الشئون السياسية في البلد بعد تجربة الأساليب العنيفة التي أدرك الجميع نتائجها الوخيمة على جميع الصعد.
وبارك الحضور إستراتيجية المشاركة التي اعتمدتها حركة مجتمع السلم خلال مسارها السياسي الطويل القائم على العلم والعمل والعدل بالمرحلية والتدرج، والهادف إلى المحافظة على الدولة الجزائرية -التي هي دولة الجميع- والدفع المتوازن تضامنا وتعاونا باتجاه استكمال بناء المؤسسات وتقوية روابط تماسك المجتمع، والمحافظة على الثوابت والمبادئ، وتوسيع الحريات، والدفاع عن القضايا الأساسية المشتركة تمهيدا لتحقيق آليات تجسيد دولة الحق والقانون والحكم الراشد التي كانت حلما تاريخيا وهدفا ساميا من أهداف الوطنيين المخلصين الذين فجروا ثورة الأول من نوفمبر عام 1954م و دوّنوا ذلك في بيانهم التاريخي.
فشل العلمانية والثيوقراطية

سلطاني يلقي كلمة الافتتاح وكان الشيخ أبو جرة سلطاني رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) قد ألقى كلمة في افتتاح أعمال الجامعة، جاءت على شكــل خطاب محدد النقاط وبرنامج عمل، قال فيها: "على مدى عشر سنوات خلت كنا في حركة مجتمع السلم نخوض معركة ضارية على جبهة كانت مشتعلة، سميت في لسان الإعلام: المأسـاة الوطنية، كـان فيها الرباط واجبا عـلى ثغر المحافظة على الدولة من السقوط والتفكك والانهيار، وكان لحركة مجتمع السلم دور محوري في هذه المعركة الشريفة، وقد كللت جهودكم المخلصة بالنجاح، واستقرت الدولة، فقد تضافرت الجهود، وتم إعادة بناء مؤسسات الدولة في أجواء كانت صعبة، تداخلت فيها الإرادات المتناقضة من إرادة الهدم، إلى إرادة البناء، وانتصرت، في النهاية إرادة الحياة والبقاء على إرادة الموت والفـناء، وبدأنا معكم طورا جديدا في معركة جديدة على جبهة أخرى هي جبهة إعادة بناء الدولة".
وأضاف أبو جرة "الأمر احتاج إلى طرح إشكالية السلطة والمجتمع ومناقشة مسئولية كل طرف تجاه إعادة بناء الثقة، وإقامة دولة الحق والقانون، أو ما يعرف في لسان الفقه السياسي الحديث بالحكم الراشد، وهذا هو موضوع جامعتنا لهذا العام: الحكم الراشد.. مسئولية السلطة والمجتمع". واستطرد قائلا: "إن الأقدار تشاء أن تنعقد أشغال جامعتنا الصيفية هذه في الذكرى الأولى لمؤتمرنا الثالث، فقد كنا قبل عام مضى نبحث شأنا كبيرا في أدبيات الحركات الإسلامية المتأثرة بالتحولات، شأنا اشرأبت له أعناق الطبقة السياسية والمجتمع المدني بين المهادن والمداهن، وبين المبادئ والمراهن، وفي خضم الاصطراع والتدافع أرست سفينة الحركة على شاطئ الأمان التنظيمي في أجواء لم تكن سهلة".
وفي حديثه عن أطرف الصراع قال أبو جرة: "(العلمانيون والثيوقراطيون) تياران متهافتان، فلا اللائكية (العلمانية) أثمرت شجرتها في الجزائر؛ لأنها نبتة منبتَّة ما لها في أرض الشهداء من قرار، ولا الثيوقراطية استقرت أرومتها في أرض الإسلام؛ لأن الله ختم الرسالة بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، ولم يأذن لمخلوق أن يوقع باسمه (جل جلاله) صكوك الغفران: "من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبـيد"، والمسئولية التاريخية الشاهدة على فشل المشروعين معا هي التي علمتنا أن نتوسط بين نافذ ورافض في منهج الوسطية والاعتدال بالعلم، والعمل، والعدل" .
وعن الظروف الدولية التي تنعقد في أجوائها الجامعة الصيفية، أشار أبو جرة إلى أنها "جد مميزة بجنوح البشرية إلى التكتل، بالحوار أو بالدمار، إذ لم يبق في قاموس القرن الواحد والعشرين مكان لمسمى "الحياد الإيجابي" فكل من ليس مع هو ضد بالضرورة، فلا مكان للمتفرجين، ولا للحياديين، ولا للمتعاطفين بغير رصيد، فالمصلحة المشتركة تفرض تعاونا مشتركا وتتقاسم غنائم مشتركة، والمفسدة المشتركة، وفي الحالتين هناك دائما اشتراط قسط مشاركة بعد فهم دقيق لمفاصل المرحلة، وحساب أدق لتوازنات القوى العاملة لها ودور اللوبيات المؤثرة فـي توجهاتها الكبـرى، وهذا ما حاولنا بلورته، في طورنا الجديد، خلال عام مضى، وكنا فيه ننافح عن المبادئ والثوابت، ونحاول اليوم فتح ملف جديد، هو ملف الحكم الراشد، والمؤسسات المتكاملة والمتعارضة، والمسئوليات المشتركة بين السلطة والمجتمع".
لماذا شعار "الحكم الراشد"؟
وعن سبب اختيار شعار الحكم الراشد قال أبو جرة سلطاني رئيس حركة مجتمع السلم: إن هناك سببين لذلك هما:
السبب الأول: أن التوجهات العالمية، ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 صارت تعمل على تكريس هذا المفهوم، وتحاول تفسيره لصالح القوى النافذة بكيفيات لا تراعي إطلاقا خصوصياتنا.
والسبب الثاني: أن حركة مجتمع السلم كانت سباقة إلى ترسيخ معاني "الأخلقة" في كل مظاهر الحياة، وإشاعة الأخلاق السياسية تنظيرا وممارسات.
وعن مستقبل التحالف، قال رئيس الحركة إنه لن يكون تحالفا جديرا ببسط النفوذ السياسي المستحق بجدارة على الساحة الوطنية لعشرية على الأقل، ما لم توفر له الأطراف المتحالفة، وفضاءاتها وأذرعها، شروطا أربعة، تمثل قواسم مشتركة لمنطوق ومفهوم الحكم الراشد، وهي: البرنامج السياسي الواضح، والأهداف السامية المشتركة، والوسائـل المجندة المتاحة التي لا بد أن تسخر لتجسيد هذه النّقلة النوعية، والابتعاد عن الاتكالية وتمجيد الماضي، وتضخيم روح الانتقام، وتصفية الحسابات.
وعن دعامات الحكم الراشد، أشار سلطاني إلى أنّ الحكم الراشد في مفهومنا، يقوم على دعامتين هما: شرعية الانتخابات ونزاهتها لتحصيل رضا الشعب، ومباركة المحيط الجواري والرأي العام، ومصداقية المنظومة القانونية، وتطبيقها على جميع المواطنين دون استثناء واحد.
ودعا أبو جرة في كلمته إلى: ربط المنظومة التربوية بالثوابت والمبادئ، لاستكمال مساعي تشكيل المواطن الجزائري الصالح، وربطه أكثر بوطنه، ودينه، ولغته ومكوناته الوطنية، وتراثه التاريخي المجيد، وتشجيع وترقية المؤسسات الخيرية، والحركة الجمعوية، والمجتمع المدني، لإحياء فضائل التضامن الاجتماعي الشعبي، والغيرة على كرامة الوطن والمواطن والدين واللغة والانتماء، ومحاربة الآفات الاجتماعية الدخيلة على فكرنا، وفقهنا وثقافتنا، ومعالجتها بالتربية والتعليم، والإعلام والقانون العادل والمؤسسات الخيرية، والنماذج المثالية العالية في التسيير، والاهتمام بالشرائح الهشة والمهمشة في المجتمع ورعاية ذوي الدخل المحدود، وغرس ثقافة التسامح بين المواطنين، ورد الثقة إلى النفوس.
وفي معرض حديثه عن الظروف الدولية، أشار رئيس الحركة أن التحولات التي يشهدها العالم بعد حرب الخليج الأولى والثانية، قد وضعت العالم الثالث عامة، والوطن العربي والإسلامي خاصة على شفير الهاوية، فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 تفاقمت فاتورة المشاكل الإضافية وتحملت دول العالم الثالث عموما والعالم العربي الإسلامي خصوصا أثقل تبعاتها خاصة في الخليج العربي وفي المشرق العربي.
وفيما يتعلق بالقضــية المركزية فيه تحديدا فقد تم التلاعب بالقضية الفلسطينية وآل أمرها إلى الحوار الثــــنائي والضغط على المقاومة والانتفاضة بشكل غير متوازن مع التجاوزات التي يمارسهـا الكيان الصهيوني تحت مظلة ما يسمى بمكافحة الارهاب وعزلت فلسطين عن عمقها وامتدادها الطبيعي، وصار واضحا أن سياسة التطفيف -بعد قرار هدم جدار العار- صارت ثابتا من ثوابت الإدارة الصهيونية.
واجب الوقت
وأوضح أبو جرة أن من واجب الوقت إعادة النظر في بعض الأطروحات القديمة بقصد ضبطها مع المتغيرات كي نتقدم خطوة أخرى على طريق الحكم الراشد، ومن ذلك:
1- التطور الملحوظ في تفعيل الاتصالات وآليات التقارب مع حلف شمال الأطلسي.
2- تراجع حدة الصراع الأيديولوجي والعسكري بين القوى الكبرى، وحلول المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية والمصالح المشتركة محل الخلفيات الأيديولوجية.
3- تحول ملامح خطوط المواجهة العالمية من اتجاهاتها العمودية الفاصلة بين الشرق والغرب إلى الاتجاه الأفقي الذي يفصل بين الشمال والجنوب وبين العالم الإسلامي ومصالح الصهيونية العالمية ودعاة اليمين المتطرف بعد بسط النفوذ على نفط المنطقة وهجرة أدمغتها وتمزيق كياناتها الكبرى (فلسطين، العراق).
4- انتشار ميكانيزمات النظام الليبرالي وهيمنة آليات اقتصاد الســوق على الفكر والممارسة الاقتصادية في العالم العربي كله على محوري المصالح الإقلــيمية والأمن القومي.
5- انتشار الديموقراطية الغربية المشوهة، أو محاولة فرضها كنموذج عالمي للنظام السياسي المعولم، الذي صار يوهم المجموعة البشرية بعد وضع خطة الشرق الأوسط الكبير- بأنه الكفيل بتحقيق الحريات الأساسية دون مراعاة لخصوصيات الشعوب وثوابت الأمم.
6- اتساع نطاق الثورة التكنولوجية الثالثة وانعكاساتها المتمثلة أساسا في الاختراق المتنامي لمبدأ ومفهوم سيادة الدولة والحكومات الوطنية
الاتجاه نحو التكتلات الاقتصادية والســـياسية الكبـرى (الاتحاد الأوروبي)، (أمريكا - المكسيك - كندا)،(التكتل الآسيوي) في مقابل زعزعة استقرار أنظمتها الهشة.
7- ضغط المنظمات الدولية غير الحكومية على النظم والحكومات خاصة ضد مساعي العولمة، وتأثيره على القرارات الوطنية والدولية وعلى التوجهات المحلية والإقليمية؛ وهو ما يجعل التحرك للتموقع الدبلوماسي الجديد واجبا وطنيا ملحا، وذلك بإحداث مصالحات واسعة وعميقة بين الأنظمة وشعوبها على طول الخارطة الجغرافية العربية والإسلامية من طنجة إلى جاكارتا.
8- ظهور معالم الصراع بين الحضارات عوض الحوار بينها.
9- الاستفادة من معالم التوجه الإيجابي الدولي الجديد نحو العولمة في بناء نظام سياسي ديمقراطي قائم على شرعية حقيقية لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان وإشراك الطبقة السياسية والمجتمع المدني في مسمى دولة الحق والقانون، وأنظمة الحكم الراشد.
10- تكريس جهود بناء المغرب العربي شعبيا ورسميا.
11- العمل على بناء نظام إقليمي عربي جديد يستمد شرعيته من الامتداد الشعبي العميق للجماهير العربية التي ما زالت تمثل خط الدفاع الأخير ضد مشاريع المسخ والتطبيع والصهينة
12- تطوير الأداء الدبلوماسي الرسمي للاستفادة من الارتباط بجزء من الفضاء الأوربي بعد أن نجحت تجربة اتحاده وابتلعت، حتى الآن 25 دولة، وعلى فضاءات أخرى لا سيما أمريكا – آسيا، ومد جسور الحوار بين الشركاء الاقتصاديين لجلب الاستثمارات ورءوس الأموال في دائرة توازن المصالح.
13- اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية، وما يجري فيها فضيحة إنسانية وكارثة دولية تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، والعمل بكل وسيلة مشروعة لتجسيد هذا الاعتقاد، فهي قلب العالم العربي والإسلامي جغرافيا ودينيا وإنســــانيا وحضاريا وسياسيا وإستراتيجيا، والعمل على توسيع دائرة هذه القناعــات محليا إقليميا وعالميا وتوريث ذلك للأجيال، فما ضاع حق وراءه طالب.
14- الدعوة إلى تأسيس نظام إسلامي جديد يتولى مهمة توضيح شئوننا الكبرى، كما يتولى مهمة الدفاع عن القضايا المسلمين في العالم والمظلومين والمعذبين في الأرض، وينسق المواقف في الشئون الإسلامية ذات الآثار المتعدية والسعي لإقامة قطب اقتصادي تكنولوجي بين هذه الأقطار.
15- التعاون مع الجوار الدولي ما دام يسالمنا من أجل تحقيق السلام وجلب الرفاه الاجتماعي لشعوبنا المقهورة، لكف الهجرة الجماعية وطي ملفات اللجوء السياسي هروبا من دكتاتوريات محلية لا تصمد كثيرا إذا داهمتها خطوب خارجية أو هبت عليها رياح الديموقراطية.
16- التحرك الحثيث في كتلة الجنوب طلبا للتوازن الدولي بين الشمال والجــنوب وحفظا لحقوق المستضعفين بالعمل على محو ديون بعض الدول الأكثر فقرا، وتقــــديم مساعدات تكنولوجية للبعض الآخر. التعاون مع الجميع من أجل حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والسلام العالمي العادل وحماية البيئة من منطلقات السيادة الوطنية الكاملة للشعوب والأنظمة.
الإسلاميون والسياسة

د.توفيق الواعي وفي إحدى الندوات التي أقيمت ضمن فعاليات الجامعـة الصيفية لحركة مجتمع السلم، استعرض رئيــس الحركة أبو جرة سلطاني مسار الانفتاح السياسي الذي أفرز ثلاثة تيارات: إسلامي، وطني، وديمقراطي تمثل الهوية الوطنية، وقسم أبو جرة تعاطي الإسلاميين مع مفهوم السياسة إلى ثلاث فئات: 1- الرافضين للسياسة باعتبارها كفرا.
2- الرافضين لدولة الفقيه حيث يرون أن الدين يربط الناس بالله، ولا علاقة له بالسياسة.
3- الشورقراطيين وهم أصحاب التيار الوسطي المعتدل الذي يعتمد على مبادئ الشورى كما أوضحها الإسلام مستعينا بالأساليب الديمقراطية الحديثة بما يخدم مصالح الأمة، وعلى رأس التيار الثالث حركة مجتمع السلم.
كما بين الدكتور توفيق الواعي أسباب زوال الحكم الراشد الذي كان يسود الدولة الإسلامية قبل مجيء الاستعمار، حيث حصره في ابتعاد المسلمين عن حقيقة السلام وروحه ليطرح تساؤلا: من الذي أحيا فكرة الحكم الإسلامي؟ فيجيب بأنه بعد سقوط الخلافة الإسلامية (الدولة العثمانية) قامت جمعيات دينية وثقافية لا علاقة لها بالسياسة والفكر الصحيح حتى جاءت الحركة الإسلامية التي رسخت أن الإسلام هو مقوم الأمة الأول فإذا ضاع ضاعت هويتها؛ وبالتالي يضيع الحكم. فالدين هو السياسة وهو كل شيء، والإسلام هو المخطط والمبرمج والمفكر. ليبن الدكتور الواعي ضرورة دعوة الناس بالرفق واللين ومخاطبتهم بالأسلوب الذي يجمع ولا يفرق ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم))، مذكرا بضرورة اهتمام الحاكم برعيته كأسمى صفة يتحلى بها صاحب الحكم الراشد، مبينا رحابة الإسلام وعدله ورحمته بالبشرية جمعاء، خاتما مداخلته بأن الحركة الإسلامية تسعى إلى تطبيق الإسلام ولا يهمها من يطبقه.
رؤية نقدية لـ"حمس"

د.محمد أحمد الراشد وتحت عنوان "الحكم الراشد والثقافية السياسية" سجل الشيخ محمد أحمد الراشد عددا من الملاحظات التي يجب مراعاتها عند تقييم مسيرة حركة مجتمع السلم (حمس)، وهي: 1- أنه رغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها حركة مجتمع السلم من خلال اجتهادات نوعية للمشروع الإسلامي فإن هذه كانت تفتقر إلى التدوين والتوثيق والتأريخ، وهي ضرورة حتى تستفيد منها تجارب أخرى.
2- إن الحركة مطالبة في المرحلة القادمة بالاهتمام بمخطط التنمية وإعطاء رؤية إستراتيجية للمشروع الاقتصادي والبترولي والشراكة مع صندوق النقد الدولي والديون الجزائرية..
3- إن على الحركة المطالبة بالاستقواء بالأصول المعرفية والشرعية.
4- نقل تجربة حركة مجتمع السلم في الجزائر إلى العالم العربي والإسلامي وإطلاع الحركات الإسلامية في العالم على الوضع في الجزائر.
5- الاهتمام بالجانب المالي وإعداد رجال أعمال وتكوين ثروة مالية.
6- الاهتمام بالمجتمع المدني من خلال جمعيات كثيرة وكبيرة في شتى المجالات.
7- إيجاد أشبه ما يكون ببرلمان يناقش القرارات والقوانين والآراء ويعطي وصايا ويرشد على مواقف تعين الحركة والدولة.
وقد أشاد جميع الحاضرين بالمشاركات والفضاءات الفكرية والنقاشات التي أتيحت للحضور، واستحسنوا هذه المساعي الديمقراطية النامية، واعتبروها فرصة نموذجية للتجميع والتكوين، كما أكدوا على معاني الأخوة، والإخلاص، والوفاء لمنهج الوسطية والاعتدال، ودعوا جميع الحاضرين إلى تكريس هذه التوجهات وتجسيدها ميدانيا بكل ما هو متاح من فرص ومباح من وسائل.
وحيا الحضور النضال السياسي السلمي الواعي والمسئول الذي تخوضه الحركة، في إطار التحالف الرئاسي، ويدعون القيادة إلى المزيد من التواصل بينها وبين عناصرها في كل المستويات لتحقيق التعاطي المرحلي مع مفاصل السلطة وآلياتها وأطراف التحالف؛ تحقيقا للأهداف المسطرة في وثيقة التحالف لاستكمال بناء الدولة ومؤسساتها بالنضال السلمي الهادئ الهادف، بعيدا عن كل أشكال الضغط والإكراه والارتهان والانبتات.
كما باركوا جهود الحركة وقيادتها في طورها الجديد، التي ما فتئت تعمل على تحسين أداء أبنائها، وترقية وعيهم السياسي والمعرفي بما يتناسب مع التحولات العالمية، ويواكب بشكل إيجابي التطورات الحاصلة على الساحة الوطنية منذ انتخابات الثامن من إبريل 2004م.
"الجزائر حررها الجميع ويبنيها الجميع"
وجدد الحضور تمسكهم بالدفاع السلمي عن المبادئ والثوابت الوطنية حفاظا على مقومات الأمة وتاريخها وحضارتها ومآثر أمجادها، وشددوا على ضرورة المحافظة على الوحدة الوطنية، دينا ولغة وشعبا وأرضا تحت شعار "الجزائر من التـاء إلى التـاء"، ودعوا الجميع إلى التعاون والتضامن لتحقيق المزيد من الاستقرار والتنمية والسير معا نحو الحكم الراشد بالنضال الديمقراطي السلمي، والنظام الجمهوري المنصوص عليه في الدستور وسائر تشريعات وقوانين الجمهورية من منطلقات شعارنا "الجزائر حررها الجميع ويبنيها الجميع".
وأعرب الحضور عن ارتياحهم لكل الخطوات الإيجابية تجاه دمقرطة الحياة السياسية، وتمدين نظام الحكم، وأوصوا ببذل المزيد من الجهد النضالي على كل المستويات لأخلقة المجتمع وتمدين النظام السياسي بالتعاون على مكافحة كل مظاهر الفساد الاجتماعي والاقتصادي والإداري لتسهيل الحياة اليومية على المواطنين خدمة للصالح العام.
كما أدان الحضور بعقل واعٍ ومسئولية مبصرة كل المحاولات الرامية إلى خلع المجتمع الجزائري عن ثوابته بالقفز على الحقائق، أو بمعالجة منظوماتنا التربوية والاجتماعية (قانون الأسرة وإصلاح العدالة) ومنظومتنا الاقتصادية والمالية والمصرفية في فضاءات انتقائية، مفصولة عن سياقاتها، بعيدا عن رقابة الأمة وخياراتها الأساسية، ودعوا إلى ضرورة إخضاع كل مشاريع الإصلاح الأساسية إلى معالجات دستورية مسئولة ومتأنية وغير متسرعة ولا تخضع لضغوط النافذين ولا تدير ظهرها لصيحات الرافضين.
وأوصوا بضرورة إعادة ترتيب بعض الأولويات الوطنية في سلم التكامل بين الجبهة الاجتماعية والجبهة الاقتصادية لإحداث التوازن المطلوب بين إجراءات الانضمام للمنظمة العالمية للتجارة والتأهيل الواجب لمؤسساتنا الاقتصادية ولعنصرنا البشري ولمنظوماتنا التشريعية والقانونية قبل السقوط في هوة الابتلاع الاجتماعي للأسواق العالمية سلعا وخدمات، وضرورة تجسيد شعار "من التأسيس إلى المؤسسة" من خلال تحديد الرؤية ووضع ضوابط التخطيط الواقعي ومراحله وأهدافه، وكذلك آليات المتابعة في ضوء التحولات زمانا ومكانا وحالا وعرفا بما يحقق المقاصد الكلية لدولة الحق والقانون.
توصيات الدورة
وفي ختام فعاليات البرنامج الذي استمر ثمانية أيام، أكد الحضور على عدد من التوصيات والنتائج التي يجب التأكيد عليها وتفعيلها ومن بينها:
1- ضرورة تنمية وتثمين التجربة الجزائرية ومسارها الديمقراطي، بعد إطفاء نار الفتنة، بتطهير كل الملفات العالقة والتي كان من أسبابها مزايدات وابتزازات معرقلة للمسار الديمقراطي وغياب الوعي الشرعي والتشريعي والقانوني وضعف إرادة الحسم القضائي والسياسي بالكشف عن كل الحقائق ومعالجة كل الملفات العالقة بالقانون والحس المدني للتخلص نهائيا من آثار الأزمة ومخلفاتها بعيدا عن الخروج الطفراوي من مرحلة الأحادية إلى التجربة التعددية.
2- ضرورة تعميق ثقافة الحكم الراشد تحت شعار "الأغلبية تحكم والأقلية" تحترم "في ظل مصالحة فكرية و سياسية وثقافية تعمل أساسا على توفير الحريات الفردية والجماعية لممارسة ديمقراطية واعية بإنشاء الأحزاب والجمعيات وتكفل التداول السلمي على السلطة، وتهتم بالعنصر الإنساني أساسا تربية وتأهيلا، وتراعي قيمة العائلة وعلى رأسها المرأة، وتفتح الفرص الاقتصادية أمام الجميع، وتحارب البطالة والفقر، وتعمق أبعاد الهوية الوطنية في شخصية الفرد ومحيط الجماعة، وتوفر إمكانيات الإقلاع الحضاري بما يكفل الإبداع والتفوق والتحكم في التكنولوجيا.
3- تجديد الدعوة إلى رفع حالة الطوارئ والإسراع في معالجة ملف المفقودين والمفصولين، بما يحقق مصالحة وطنية شاملة وحقيقية ترتفع عن كل إرادات التسويق قصد إحداث المزيد من التأزيم والتعفين ومحاولات إذكاء نوازع العداوة والضغينة بين الجزائريين.
4- دعوة السلطات الوصية إلى توفير الإمكانيات البشرية والمادية وفرص إنجاح الدخول الاجتماعي القادم، بما يكفل راحة اجتماعية خالية من التوترات تطرد عن مخيلة الجزائريين كل صور الحاجة والفاقة بدعم مشاريع التضامن الوطني وتفعيل المجتمع المدني في هذا الاتجاه.
5- المطالبة بدور أكثر حضورا لدعم المقاومة الفلسطينية المشروعة ورفض جميع الأدوار المزمع توليها -نيابة عن أصحاب القضية- من طرف بعض الدول العربية في قطاع غزة والضفة ودعوة القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية إلى المصالحة والإصلاح والتضامن، وعدم نقل المعركة من مواجهة العدو إلى ساحة الاقتتال الداخلي، وتأكيد الفصل بين ما يسمى إرهابا وعنفا وبين أشكال المقاومة المشروعة للشعوب.
6- دعوة الشعب العراقي وقواه الحية إلى الانتباه لكل ما يحاك ضده من مؤامرات واستدراجات، والحذر من مشاريع خلط الأوراق ومخططات الدفع باتجاه العنف الذي يفوت الفرصة على أبناء الشعب الواحد في بناء العراق الجديد، عراق الأمن والاستقرار والسيادة.
وانتهى الحضور إلى التأكيد على أن مسار الحكم الراشد، أو دولة الحق والقانون مسار طويل ومعقد، ويحتاج إلى تضافر جهود الجميع بالنضالات السلمية الديمقراطية المتنوعة في إطار التكامل والتكافل والتضامن في أجواء تسودها الحريات، وتكافؤ الفرص وتعاون الجميع على البر والتقوى.