لجنة جمع القرآن في العهد العثماني
22-12-2018, 07:59 PM
لجنة جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه

من كتاب :جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين

للدكتور عبدالقيوم عبدالغفور


(بعد أن استشهد ) أكثر من سبعين من قراء الصحابة في موقعة اليمامة، و اشتد ذلك على الصحابة ، ولا سيما على عمر فاقترح على أبي بكر أن يجمع القرآن ، خشية ضياعه بموت الحفاظ وقتل القراء ، فتردد أبو بكر لأول الأمر ثم شرح الله صدره لما شرح له صدر عمر فكان هو أول من جمع القرآن بين اللوحين ([1]) وكان أحد الذين حفظوا القرآن كله ([2]) .
ويتضح ذلك من الحديث الصحيح الذي روي عن زيد بن ثابت وكان من كتاب الوحي ، وقال فيه : { أَرْسَلَ إِلِيَّ أَبُو بكرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامةِ وعندهُ عُمرُ فقالَ أبو بكرٍ إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحرَّ ([3]) يوم اليمامةِ بالنّاس وإِنِّي أخشَى أن يستَحرَّ القَتْلُ بالقرّاءِ في المواطن فيذْهبَ كثيرٌ من القرآن إلا أن تجمعوه وإني لأرى أن تجمعَ القرآن .
قال أبو بكر قلتُ لعمرَ كيفَ أفعلُ شيئاً لم يفعله رسول الله فقال عمرُ : هو واللهِ خيرٌ فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر . قال زيد بن ثابت وعمر عنده جالسٌ لا يتكلم فقال أبو بكر إنك رجلٌ شابٌ عاقلٌ ولا نتهمك كنتَ تكتبُ الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفني نقل جبلٍ من الجبال ما كانَ أثقلَ عليّ مما أمرني به من جمع القرآن . قلتُ كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي فقال أبو بكر هو والله خيرٌ فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرحَ الله له صدر أبي بكرٍ وعمر فقمتُ فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسُبِ وصدور الرجال حتى وجدتُ من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحدٍ غيره(التوبة : 128 ، 129)إلى آخرهما وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفّاه الله ثم عند عمر حتى توفّاه الله ثم عند حفصة بنت عمر}


وقع خلاف في عدد اللجنة المكلفة بالجمع في العهد العثماني :
فقيل : هم خمسة : زيد ، وابن الزبير ، وابن عباس ، عبد الله بن عمرو بن العاص ، عبد الرحمن بن الحارث ([4]) .
وقيل : هم اثنا عشر رجلًا من قريش وأنصار ، فيهم أبي . . ([5])
وفي بعض الآثار : يملي سعيد ، ويكتب زيد ([6]) .


غير أن ما عليه الجمهور أنهم أربعة : زيد بن ثابت من الأنصار ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (الثلاثة من قريش)([7]) .
هؤلاء الأربعة هم الذين كوّن عثمان لجنة منهم ، وعهد إليهم تنفيذ قرار نسخ المصاحف .
قال الحافظ ابن حجر : وكان ذلك في أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين ، وهو الوقت الذي ذكر أهل التاريخ أن إرمينية فتحت فيه ([8]) .
) وذهب العلامة ابن الجزري وابن الأثير إلى أن الجمع العثماني كان في الثلاثين من الهجرة ([9]) والأول أصح
وفي الترمذي : (قال الزهري فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه فقال القرشيون التابوت ([10]) وقال زيدٌ التابوه فرُفعَ اختلافهم إلى عثمان فقال اكتبوه التابوت فإنه نزل بلسان قريش) ([11]) .
وكان ما ذكر من منهجهم أنهم كانوا لا يكتبون شيئاً في هذه المصاحف إلا بعد ما يتحققون منه أنه قرآن متلوّ ، وغير منسوخ ، وذلك بعرضه على حملته من قراء الصحابة ، أما لو ثبت نسخ شيء من ذلك تركوه ، وهو الذي يسمى اليوم : بـ " القراءات الشاذة " .
فكتبت اللجنة مصاحف متعددة ، بالمنهج الآتي :
جردوا المصاحف كلها من النقط والشكل من أولها إلى آخرها .
وحدوا رسمها فيما يلي :
أ‌- الكلمات التي لا تقرأ إلا بوجه واحد ، نحو ([12]) (الفاتحة : 5) .
ب‌- الكلمات التي تقرأ بأكثر من وجه ، وكتابتها برسم واحد توافق قراءتها بوجوه مختلفة ، موافقة حقيقة وصريحة ، ويساعد على ذلك تجردها من النقط والشكل ،
نحو : (يكذبون) ([13]) بالتخفيف ، وبالتشديد ، و (فتبينوا) ، و (فتثبتوا) ([14]) (وننشرها)
بالزاي المنقوطة أو بالراء المهملة .
ج - الكلمات التي تقرأ بأكثر من وجه ، وكتابتها برسم واحد توافق قراءتها بوجوه مختلفة ، تقديراً واحتمالاً نحو : (ملك) ([15]) بحذف الألف وبإثباتها ، حيث تحذف الألف وبإثباتها ، حيث تحذف الألف من كلمات كثيرة اختصاراً لكثرة ورودها فيها ، وهي لا تقرأ إلا بوجه واحد ، نحو : (الله) ، (الرحمن) ، (العلمين) ([16]) .
في مثل الكلمات والأمثلة المذكورة أعلاه كان رسمها واحداً دون اختلاف .
أما الكلمات التي لا يدل رسمها على أكثر من قراءة فإنهم كانوا يرسمونها في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة ، وفي بعض آخر برسم آخر يدل على قراءة ثانية ، كقراءة (وَصَّى) بالتضعيف و (أوصى) بالهمز ([17]) وكذلك قراءة ([18]) (التوبة : 100) ([19]) بحذف لفظ : (من) قبل (تحتها) ، أو بزيادتها .


* يقول العلامة الزرقاني :
" والذي دعا الصحابة إلى انتهاج هذه الخطة في رسم المصاحف وكتابتها أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله بجميع وجوه قراءاته ، وبكافة حروفه التي نزل عليها ، فكانت هذه الطريقة أدنى إلى الإحاطة بالقرآن على وجوهه كلها ، حتى لا يقال : إنهم أسقطوا شيئاً من قراءاته ، أو منعوا أحداً من القراءة بأي حرف شاء على حين أنها كلها منقولة نقلاً متواتراً عن النبي ورسول الله يقول : { فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا } ([20]) ([21]) .


مصير المصاحف والصحف المخالفة للمصاحف العثمانية :
بعد أن تم نسخ المصاحف العثمانية بالكيفية التي أوضحناها سابقاً ، أمر أمير المؤمنين عثمان بن عفان بإرسالها إلى الأقطار الإسلامية الشهيرة ، وأرسل مع كل مصحف مقرئاً من الذين توافق قراءته في أغلبه قراءة أهل ذلك القطر ، وذلك لأن التلقي أساس في قراءة القرآن ، وأمر أن يحرق كل ما عداها من الصحف أو المصاحف الشخصية الموجودة لدى الصحابة مما تخالفها ، ليستأصل بذلك سبب الخلاف والنزاع بين المسلمين في قراءة كتاب الله ، فاستجاب لذلك الصحابة فجمعت المصاحف والصحف وحرقت أو غسلت بالماء ([22]) .
ففي صحيح البخاري : (حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحفِ ردّ عثمانُ الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق) ([23]) .

واجتمعوا جميعاً على المصاحف العثمانية ، حتى عبد الله بن مسعود الذي نقل عنه أنه أنكر أولاً مصاحف عثمان ، وأنه أبى أن يحرق مصحفه ، رجع وعاد إلى حظيرة الجماعة ،
حين ظهر له مزايا تلك المصاحف العثمانية ، واجتماع الأمة عليها ، وتوحيد الكلمة بها ([24]) .
مزايا المصاحف العثمانية :
الاقتصار على ما ثبت بالتواتر ، دون ما كانت روايته آحاداً .
إهمال ما نسخت تلاوته ولم يستقر في العرضة الأخيرة .
ترتيب السور على الوجه المعروف الآن ، بخلاف صحف أبي بكر t فقد كانت مرتبة الآيات دون السور .
كتابتها بطريقة تجمع وجوه القراءات المختلفة والأحرف التي نزل عليها القرآن بعدم إعجامها وشكلها ، ومن توزيع وجوه القراءات على المصاحف إذا لم يحتملها الرسم الواحد .
تجريدها من كل ما ليس قرآناً كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة شرحاً لمعنى ، أو بياناً لناسخ ومنسوخ ، أو نحو ذلك .

عدد المصاحف العثمانية وإلى أين أرسلت:

اختلف في عدة المصاحف التي أمر عثمان بكتابتها والمشهور أنها خمسة :
أرسل أربعةً منها إلى مكة ، والمدينة والكوفة ، والشام ، وأمسك عنده واحداً منها ، وهو المعروف بالمصحف الإمام ([25]) .
وقال أبو عمرو الداني : أكثر العلماء على أنها كانت أربعة ، أرسل واحداً منها للكوفة ، وآخر للبصرة ، وآخر للشام ، وترك واحداً عنده ([26]) .
وقال ابن أبي داود : سمعت أبا حاتم السجستاني يقول : لما كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن ، كتب سبعة مصاحف ، فبعث واحداً إلى مكة ، وآخر إلى الشام ، وآخر إلى اليمن ، وآخر إلى البحرين ، وآخر إلى البصرة ، وآخر إلى الكوفة ، وحبس بالمدينة واحداً ([27]) .
والراجح أنها ستة ، أُرسلت أربعة منها إلى مكة ، والشام والكوفة ، والبصرة ، وأُبقي واحد منها بالمدينة ، ويسمى : المدني العام ، وأمسك عثمان واحداً منها لنفسه ، ويسمى المدني الخاص ، أو المصحف الإمام


تعذر رفع المراجع لكثرتها .
بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ
التعديل الأخير تم بواسطة بلحاج بن الشريف ; 23-12-2018 الساعة 03:14 PM