مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
11-01-2024, 08:50 PM
مع رواية (الشوك والقرنفل)
لـــــ يحيى السِّنوار
بقلم عبد الله لالي
الحلقة الثانية (02)
الفضاء المكاني والزماني للرواية:
أحداث الرواية وتفاعلاتها تجري في مخيّم الشاطئ بغزة، هذا المكان الذي كان عبارة عن مخيم للّاجئين المهجرّين بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، من مختلف مدن الدّاخل الفلسطيني، فأقاموا بهذا المكان في انتظار العودة إلى بيوتهم وأراضيهم ومدنهم القديمة، ولكنّ المخيّم صار مدينة جديدة مهدّدٌ أهلها بالنزوح والهجرة من جديد.
وينتقل بنا الراوي أحيانا إلى فلسطين الدّاخل، من خلال اضطرار كثير من العمّال الفلسطينين، للانتقال إلى هناك طلبا للعمل وتحصيل لقمة العيش،وانتقال الطلبة في فترة لاحقة للدراسة، مثل مدينة الخليل ورام الله وبيرزيت والقدس أو يذكر الكاتب مصر أو الأردن اللّتين ينتقل إليهما بعض الطلبة للدراسة أيضا، أو الحديث عمن هاجر إلى الأردن نازحا.
وربما المكان الذي حظي بنصيب كبير من الحديث هو الحيّ الذي كانت تسكنه أسرة البطل (الراوي) بمخيّم الشاطئ، وذكر كثيرا من تفاصيله إلى درجة أنّه يحبّبها للقارئ رغم ما غلب على الحيّ من مظاهر البؤس والشقاء.بالإضافة إلى الجامعة الإسلامية التي أنشئت حديثا في غزة وبدأت تعرف تطورا كبيرا، ومن خلالها بدأ يشتدّ ساعد الحركة الإسلامية وتتسارع الأحداث بشكل عاصف.
الفضاء الزمني:
الفضاء الزمني للرواية انطلق من مرحلة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، حيث كان عمر الراوي البطل (خمس سنوات)، وامتدت إلى أواخر التسعينيات ومطلع الألفيّة الثالثة، وبداية الجهاد المسلّح، ومع ذلك فالسارد يعود من حين إلى آخر إلى زمن أقدم من ذلك، لاسيما بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين (1948)، وبداية النزوح الأوّل. ويعتمد الكاتب في ذلك الاستذكار أو الاسترجاع وهو زمن نفسي يعيشه البطل عندما تضطره بعض الأحداث إلى العودة إلى الماضي لربطه بالحاضر أو مقارنته به..!
وأحيانا يكون الزمن بطيئا ثقيلا لا يكاد يمضي إلى الأمام إلا بمثل حركة السلحفاة، ويظهر ذلك مثلا في الفترة التي عاشها البطل أحمد في طفولته الأولى عندما كانت الأسرة تعاني من التشرّد والفقر والفاقة، أو فترة الاجتياح الصّهيوني لغزة ووضع أهلها في سجن كبير، ومن جهة أخرى يمضي الزمن بسرعة لما أصبح أفراد أسرة الراوي شبابا يافعين، وأفرجت لهم الدنيا عن بعض زينتها والتحقوا بمعاهد الدراسة في الثانوي ثم الجامعة بعد ذلك، وانضمّوا إلى المنظمات الطلابية والتنظيمات الوطنية وانغمسوا في العمل النضالي، فكانت الأحداث تتسارع وعملية السّرد تسجل قفزات كبيرة من أجل الوصول إلى الأحداث الكبرى، وهذا عمل من لا يريد أن تستهلكه الأحداث اليومية الروتينية التي لا تختلف من بيئة إلى بيئة أخرى أو من زمن إلى زمن آخر..!
الشخصيّات:
شخصيّات الرّواية كثيرة ومتنوّعة يصعب على القارئ حفظ أسمائها كلّها، فبعض هذه الأسماء ثانويّة داعمة للشخصيّات الرّئيسيّة، فهي شخصيّات عابرة، أمّا الشخصيّات الرّئيسيّة الأساسيّة فأغلبها تمركز في أسرة الرّاوي (السّارد) وعددهم يزيد على سبعة أشخاص؛ الأم وأبنائها الخمسة وأختها التي تزوّجت فيما بعد وتركت الأسرة، وكذلك الجدّ الطاعن في السّن، بالإضافة إلى ابني أخي الأب الذي فٌقِدَ مع أخيه في العمليّات الفدائية الأولى قبل احتلال الصّهاينة لقطاع غزة.
أهمّ هؤلاء الأبطال (الشخوص) هو الراوي:
أحمد وهو أصغر أفراد الأسرة والذي بدأت الأحداث أو عملية سرد الأحداث وعمره خمس سنوات، نكاد نجزم بكلّ يقين أنّه السنوار نفسه، رغم ما نفاه في تقديمه للرواية أنّها ليست أحداث حياته الشخصيّة، وهذا الكلام ليس بعيدا عن الصّحة لأنّ حياته هي نموذج مركز لحياة كلّ فلسطيني في تلك الفترة، بغزة على ضفاف مخيّم الشاطئ الذي أنجب جيل الانتفاضة فيما بعد.
والميزة الأهم في شخصيّة الطفل الراوي، أنّه شخص بعيون متطلّعة إلى الحياة، يلتقط كلّ تفاصيلها وأحداثها ببراعة المراقب المتلهّف لكل اكتشاف، ومعرفة أسرار الناس والمحيط الذي يعيش فيه، فلا يكاد يفوته شيء، وهو بعد ذلك يصبح عضوا فعّالا فيها بكل ما يملك من طاقة ومواهب..!
الشخصيّة الثانية هي الأخ الأكبر:
محمود: وقد كبر وسافر إلى مصر لمواصلة تلعيمه الجامعي ثمّ تخرّج مهندسا، وكان سببا في تغيير حالة العائلة وتحسين وضعها الماديّ، وانتسب إلى منظمة فتح بعد ذلك على عكس أخيه (محمّد) الذي انتسب إلى الحركة الإسلاميّة.
ومن هنا يخوض الكاتب في تفكيك أسرار النسيج السياسي والنضالي للمجتمع الفلسطيني من خلال الحديث عن هذه الشخصيّات، ويضفي عليها نوعا من النمو والتطوّر، ولا يبقيها شخصيّات نمطية جامدة أو يضعها في قالب جاهز.
أما الأمّ؛ فهي نموذج للمرأة الفلسطينية الأرملة المكافحة، التي تواجه الصّعاب بعد فقدان زوجها، وتتحمّل المسؤوليّة بكل صبر وشموخ، إلى أن درس أبناؤها في الجامعات وتخرّجوا بشهادات عالية، ووصلوا إلى برّ الأمان، ومعهم أيضا ابنا أخي زوجها، فكان أحدهما صالحا وهو إبراهيم سار على نهج أبناء عمّه وتخرّج في الجامعة، بينما شرد أخوه حسن، وتمرّد على الأسرة، وخرج منها مغاضبا ليذهب إلى الضّفة الأخرى المعادية (جهة الصّهاينة)؛ طلبا للحياة الدنيا ومتاعها الزائل.
ومن هنا أفلح الكاتب في تصوير الواقع كما هو، بحسناته وسيئاته، فليس كلّ أفراد الأسرة مثاليين، وليسوا جميعا على مشرب واحد، رغم نشأتهم في أسرة واحدة، وهذه طبيعة الحياة، فحسن هو الصورة الشاذة التي تخرج عن الإطار العام، وتنغمس في البيئة الموبوءة..!
ومن خلال الحديث عن شخصيّات الرّواية؛ التي هي شخصيّات واقعية، يعرض الكاتب إلى تطورات الوضع الفلسطيني وما مرّ به من مراحل مختلفة، مع التركيز على مرحلة الجيل الجديد، الذي نشأ في مخيّمات الشتات، ومع ذلك فإنّه واجه التحدّيات الكبرى من خلال تبوء المراتب العلمية المرموقة بالدّراسة في الجامعة، ثم من خلال الانغماس في العمل النّضالي من أجل الدّفاع عن الوطن بنشر الوعي أوّلا ثم إعلان رفض الواقع البئيس الذي كان يريد العدوّ الصّهيوني فرضه على المجتمع الفلسطيني، والاستعداد لمرحلة المواجهة بعد ذلك.
مواضيع العضو مشاركات العضو
من مواضيعي 0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار