العمل لثماني ساعات يومياً يضعف إنتاجيتك!
08-11-2016, 08:43 PM
«8 ساعات عمل، 8 ساعات تسلية، 8 ساعات نوم»

رفع هذا الشعار في عام 1856 من قبل روبرت أوين، إبان الثورة الصناعية في بريطانيا التي أدّت إلى تغيير حياة الملايين من الأشخاص في أوروبا وجعلتهم يعملون لحوالي 10 إلى 16 ساعة يومياً. فتم طرح هذا الشعار في تلك الفترة كمحاولة لجعل العمل أكثر إنسانية، لكنّ، وعلى ما يبدو، فإن هذا الأسلوب بالعمل الذي تم اعتماده طيلة فترة القرنين الماضيين لم يعد ذو جدوى أو إنتاجية عالية. فإذا ما أردت أن تكون منتجاً بحق، يجب عليك الابتعاد عن هذا النمط وإيجاد نمط آخر.

الارهاق والنوم أثناء العمل - نظام العمل 8 ساعات يوميا

فكما اعتاد أجدادنا على العمل لساعاتٍ طويلة مع استراحاتٍ قصيرةٍ أو معدومة، فيتوقع منا أن نسير على خطاهم. لكن العقل البشري وبطبيعته المحبة للاستطلاع والتحقيق بكل معلومة ترد إليه لم يتوقف عند هذه الطريقة “التاريخية” في تنظيم يوم العمل، فبحسب دراسة نُشرت من قبل مجموعة دروجيم فإنّ هذا الأسلوب في العمل لا يساعدنا البتة بل إنّه، وفي الحقيقة، يعرقلنا!

حرية الاستراحة

لكن وقبل الخوض في تفاصيل تلك الدراسة، نجد أن العديد من الباحثين يرى أنّ فرض نمط معين من العمل على الموظفين دون السماح لهم باختيار أوقات استراحاتهم وغدائهم له تأثيرٌ سلبيٌ على انتاجيتهم، فالأهم من إعطاء وقت للاستراحة هو إعطاء الخيار للموظف. ففي دراسة من جامعة تورنتو سباربورغ لاحظ الباحثون أنّ إعطاء حرية الاختيار للموظفين فيما يتعلق بتناول طعام الغداء في الشركة والاستراحة من العمل في تلك الفترة أدى إلى زيادة إنتاجيتهم حيث أحسوا بتعبٍ أقل من أولئك الذين فرض عليهم وقت تناول الطعام والاستراحة.

نمط الثماني ساعات

قام الباحثون في الدراسة الأولى من مجموعة دروجيم، ومن خلال برنامج ديسك تايم المتخصص بتتبع عادات العمل والإنتاجية الذي يقوم بشكلٍ خاص بقياس الوقت الذي يقضيه الناس لإنجاز معظم المهام ثم يقارنه بمستوى الإنتاجية الخاص بهم.

فاستطاعوا من خلال دراسة عادات العمل لدى أكثر الأشخاص فاعلية وإنتاجية أن يصلوا إلى الآلية التي يستطيعون فيها إنجاز العمل المطلوب منهم بأقل وقت. وتوصلوا إلى حقيقة مذهلة: إنّ طول فترة يوم العمل لا يهم كثيراً، ما يهم حقاً هو الكيفية التي يقوم الناس بتنظيم يومهم. فالناس الذين كانوا حريصين على أخذ استراحاتٍ قصيرة أثناء العمل كانوا أكثر إنتاجية بكثير من أولئك الذين كانوا يعملون لساعاتٍ أطول.

52 /17

والحيلة في ذلك الأمر هو ما أوضحته تلك الدراسة، حيث اتضح أنّ الأشخاص الأكثر إنتاجيةً والذين يشكلون نسبة 10% من مستخدمي ذلك التطبيق يمتلكون شيئاً مشتركاً بينهم، قدرتهم على أخذ استراحات قصيرة فعّالة.

لذلك فإنّ نسبة العمل إلى الراحة المثالية التي توصّلوا إليها هي 52 دقيقة عمل متبوعة بـ 17 دقيقة من الراحة. فالأشخاص الذين حافظوا على هذا البرنامج امتلكوا مستوىً عالٍ من التركيز أثناء عملهم. فقد كانت نسبة التركيز لديهم 100% خلال فترة ساعة تقريباً (كما قلنا 52 دقيقة)، فكرّسوا كامل قوتهم الفكرية لأداء المهام التي يرغبون بإنجازها.

ساعة منبه - نظام العمل 8 ساعات يوميا

فالموظفون صاحبو أعلى نسبة إنتاجية، في الواقع، لا يعملون لثماني ساعات في اليوم. فكما اتضح، فإن السر في الحفاظ على مستويات عالية من الإنتاجية على مدار يوم العمل ليس العمل لفتراتٍ أطول وإنما العمل بذكاءٍ أكثر مع أخذ استراحاتٍ بشكلٍ متواتر.

الدماغ غير مصمم للعمل بشكلٍ مستمر

إنّ الدماغ البشري غير مصمم ليعمل بتركيزٍ كاملٍ لفتراتٍ طويلةٍ من الوقت كتلك التي تطلبها هذه الأيام. لذلك فإنّ التركيز في العمل لفترة طويلة ليس شيئاً يمكنك أن تصبح مخضرماً به، بدلاً من ذلك يمكنك أن تصبح أكثر إنتاجيةً وأوعى بالطريقة التي يعمل بها الدماغ عندما تتابع معنا هذه المقالة.

ورأت صحيفة هارفارد بزنس ريفيوز أنّ الاستراحات تجعلنا نأخذ وقتاً لنفكر فيما قمنا به، لتقييمه فيما إذا كنا قد قمنا به بالطريقة الصحيحة وبالوقت الصحيح. فبحسب الموقع الإلكتروني للصحيفة:

عندما تعمل على مهمة ما بشكلٍ مستمر، فإنّه من السهل جداً أن تخسر تركيزك وتضيع في أعماق “الغابات”. لكن على النقيض من ذلك، فإنّ اتباعك لنمطٍ تحصل فيه على استراحاتٍ بشكلٍ متقطع، سيجبرك على أخذ بضعة ثوانٍ لتفكر ملياً بما دأبت لتحقيقه وإنجازه. فهو سلوكٌ يشجعنا على البقاء يقظين بأهدافنا ومهامنا.

فبحسب النظرية السائدة حالياً، يمتلك الدماغ نمطين من العمل، النمط الأول يدعى “نمط التركيز” والذي يقوم فيه الدماغ بالعمل أثناء أدائك لمختلف المهام (الدراسة، الكتابة، العمل… إلخ)، أما النمط الثاني فهو “النمط المنتشر” والذي يعتبر النمط الذي ينتقل إليه الدماغ في حالات الراحة، أي عندما لا نقوم بالتفكير بشكلٍ كبير. ولربما تعتقد لوهلة أنّ النمط الأول هو المثالي للعمل وزيادة الإنتاجية لكن وبحسب ما تبين فإنّ النمط الثاني مهم جداً.

“عندما تقوم بالتأمل وإراحة دماغك (أحلام اليقظة) فإنّك لن تقوم بالوصول إلى أهدافك المباشرة، مثل قراءة كتاب أو انجاز مهامك في العمل، لكن دماغك سيستفيد من هذا الوقت لطرح أسئلة أكثر أهمية في حياتك، أسئلة تهمك في تطوير مهنتك وعملك أو على صعيد علاقاتك الشخصية حتى!”

كريستوف كالينا- صاحب دراسة “أدمغتنا تعمل أكثر عندما نتأمل “

قم باتباع هذه النصائح لتحرص على أخذك لاستراحاتٍ كافية خلال اليوم:

وقت الاستراحة من العمل - نظام العمل 8 ساعات يوميا

# قم بتخطيط الاستراحات خلال يوم عملك، والمثالي كما قلنا هو كل 52 دقيقة.

# قم بوضع منبّه لتذكيرك بأخذ استراحة وكذلك لتنبيهك للعودة للعمل.

# قم بإنشاء قائمة مهام معقولة قابلة للتطبيق.

# قم بترتيب أولوياتك، المهام الأولى فالأولى: ثلاث مهام كبرى في اليوم وقم بإضافة قائمة أخرى لوضع المهام التي تستجد معك خلال يومك في العمل.

# كن مرناً، قم بتعديل قائمة أولويتك الثلاث خلال يوم عملك إذا اضطرك الأمر لذلك.

فكما وجدنا، فإنّ أفضل طريقة للتغلب على التشويش الناجم عن التعب والإحباط هي السماح للدماغ بالراحة خلال وقت العمل بفواصل لا تزيد عن الساعة (الأمثل 52 دقيقة)، فعندما تتدنى إنتاجيتك وتبدأ بالتعب فذلك هو وقت الاستراحة.

فعادةً ما نقوم بجعل الإحباط والتعب يسيطر علينا عن طريق استمرارنا بالعمل على الرغم من التشتت والملل، فبذلك نخسر في معركتنا أمامهم، لذلك عليك أخذ استراحات “حقيقية” أي لا تقم بفتح بريدك الإلكتروني، ولا تقم بمشاهدة فيديوهات اليوتيوب التي أردت مشاهدتها مسبقاً، بل قم بأخذ استراحة من كل ذلك المكان وقم بجولة قصيرة مشياً على الأقدام مثلاً!


سحر الحرف والكلام


شكرا للأخ صقر الأوراس على التوقيع