بلخادم: الأفلان ليس للبيع وعفا الله عمّا سلف!
05-12-2018, 06:47 AM





بعد قرابة خمس سنوات من هجْر مقرّ الحزب العتيد بحيدرة، إثر الإطاحة به من على رأس الأمانة العامّة لجبهة التحرير الوطني شتاء 2013، عاد عبد العزيز بلخادم مزهوّا إلى مكتبه الأثير والأحلام الجميلة تراوده في الجلوس عليه مرّة أخرى، لكن كأمين عام معزّز الجانب، وليس بصفته ضيفًا عابرا على منسق القيادة الجماعيّة الشاب معاذ بوشارب الذي وُلد ذات عام من مطلع سبعينات القرن الفائت، وقتها كان بلخادم موظفا ساميًا برئاسة الجمهوريّة ضمن فريق الرئيس هواري بومدين، كما أنّ بوشارب يرأس اليوم المجلس الشعبي الوطني الذي تربّع على عرشه ابن الأغواط قبل 30 عامًا، وتلك هي الأقدار في دورة الزمن والسياسة!
وقد وصل رئيس الحكومة الأسبق مساء الثلاثاء، في حدود الساعة الرابعة والنصف إلى عتبات المقرّ الذي اشتدّ به الشوق إلى أركانه الدافئة، على متن سيارة فارهة من نوع “مرسيدس” سوداء اللون، مرفوقًا بمركبتين من الأمن الرئاسي، ليجد في استقباله المكلّف بالقيادة الجماعيّة للأفلان، وسط أجواء طبعتها الحركة والجلبة في كل الاتجاهات، بعدما سبق الرجل أكثر من 300 ظهير من أنصاره الذين دأبوا على مرافقته حيثما حلّ وارتحل خلال تولّيه الأمانة العامّة طيلة سنوات، فقد وفِدوا بحماس و جمهروا في وقت مبكّر بعين المكان، ليشهدوا عودة زعيمهم المُبعد إلى عرينه الأوّل.
دخول بلخادم وجلوسه إلى طاولة الحوار مع بوشارب صنع الحدث السياسي والإعلامي في الساحة الوطنية، وسيفتح المجال لكثير من التحليلات والاستفهامات حول الخلفيات والأهداف وعلاقة ظهوره بترتيبات المرحلة المقبلة، مثلما رسم البهجة والأمل على محيّا قطاع واسع من الأفلانييّن التوّاقين إلى عهد مضى، يروْنه الأفضل للحزب وللجزائر، وإن كان مثار حنقٍ لدى مناضلين آخرين.
وخلال دقائق معدودة من مواجهة الصحافة، بدا عبد العزيز بلخادم ربّما غير متأكد على وجه التحديد مما يُرتّب له من أدوار أو ما يُقضى به من حوائج السياسة في لعبة الصراع حول السلطة، فاكتفى بتوزيع الابتسامات وتلاوة الحكم الشعبيّة، تفاديًا للسقوط في ورطة التفصيل والبوْح عمّا في الرأس من تخمينات، وما يغمر النفس من أشواق وطموحات، إذ لم تتعدّ إجاباته عن تطلعات الصحفيين الردّ على ثلاثة أسئلة، مُمتنعًا عن إظهار ما في قلبه من جرح غائر حول “الطريقة العنيفة” التي تم ترحيله بها من الرئاسة والحزب صيف 2014، بعدما عاد مستشارًا بقصر المراديّة برتبة وزير دولة، لكنه سرعان ما غادر الموقع صاغرًا، دون الإفصاح عن جريرة الطرد المهين.
ومن البداية، ظهر بلخادم متحفّظا على التفاعل مع فضوليّة الأسرة الإعلاميّة، فخاطبها بالقول: “لا تسألوني أين كنت.. بل اسألوني ماذا قدمت للأفلان”؟، مشدّدا على أنّه “واضح جدا.. فهو مناضل ينزل إلى القاعدة.. ولا بد أن نترك القاعدة هي من تقرر”.
أمّا حين سُئل بلخادم عن خليفته عمار سعداني، فقد آثر بخبرة أعيان الهضاب العليا الغموض الذي يحتمل التأويل، فردّ بعبارة “زينْ الفعلْ التغافلُ”، في إشارة إلى خُلق “عفا الله عمّا سلف”، كما قد يُفهم منها منطق الحكمة العربيّة “السكوت عن السّفيه جوابه”! ثم أضاف عليها “إنه إنسان نعرفه، ولا علم لي بما جرى له”.

ومع إقلاله في الإجابة عن تساؤلات الإعلاميّين، فإنّ عبد العزيز بلخادم لم يفوّت الفرصة لمغازلة الرئيس، حيث ثمّن قراره “برفع الغبن عن جبهة التحرير الوطني، بما يمكّن من إعادة بناء هياكل الحزب من جديد”.
وبالمناسبة، أكّد “ضيف” بوشارب أن أول شيء يجب العمل عليه هو إخلاء الحزب من الدخلاء، مضيفًا أنّ ثانيتها هي مكافحة الفساد من شراء الذمم في بيت الأفلان، لأنّ الأخير ليس شركة أسهم وليس للإيجار ولا للبيع، على حدّ تعبيره.


وللإشارة، فإنّ عبد العزيز بلخادم كان قد زاول نشاطه الحزبي الأسبوع، الماضي بتكليف رسمي على أعلى مستوى، حسب مصادر موثوقة ومطلعة، من خلال النزول إلى بعض الولايات، في حملة دشّنها من مدينة سيدي بلعباس، لدعم مرشحي الأفلان لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة المرتقب نهاية الشهر الجاري، مع أنه لم ينقطع سابقا عن “الظهور الاجتماعي” على وجه الخصوص، عبر مشاركة الولائم ومجالس العزاء في معاقل “لجنة الوفاء” ولدى أصدقائه القدامى.
لكن عودة رجل الثقة سابقا لدى بوتفليقة في هذا التوقيت تطرح العديد من الفرضيّات حول دوره المستقبلي، سواء في الحزب أم ضمن المشهد العامّ، فهل ستكون بداية عهد جديد للرجل؟ أم هي مجرّد إطلالة خفيفة سرعان ما يمحوها تعاقُب الأحداث؟