لكم الله يا أبناء الجزائر المخلصين
13-11-2008, 09:26 AM
عندما أُنتخَبُ رئيسا سأعيدها عهدتين
ها قد رفع "نواب الشعب" أيديهم وبأغلبية ساحقة معلنين مصادقتهم على مشروع التعديل الدستوري الجزئي والذي يجيز لرئيس الجمهورية أن يخلد في الحكم إلى أن يتوفاه الموت أو يجعل الله له سبيلا. وبهذه المصادقة يقر النواب على وأد آخر القوانين الدستورية التي كنا نفتخر بها والتي كانت ستجعل منا نموذجا أوحد في الممارسة الديمقراطية والتداول على السلطة، على الأقل على مستوى العالم الثالث وخصوصا العربي. كنا نتوقع أننا سنعطي العالم صورة مشرفة عبر تداولنا السلمي على السلطة بعدما تنقضي العهدتين اللتين أقرهما الدستور، واعتقدنا أننا على خطى أمريكا في الديمقراطية. و لكن بعدما رفع الرافعون أيديهم، هوت آخر قلاع الديمقراطية عندنا. تلك القلعة التي كنا نحتمي بها حين تضيق علينا الجزائر بما رحبت وينال منا اليأس في غد مشرق، ويخفت نور الأمل في المستقبل، قلعة كنا نعزي بها أنفسنا ونحملها على الصبر قائلين: ما هي إلا عهدتين فلربما يأتي الفرج، ربما يبعث الله من أبناء الجزائر من يعيد لنا الإيمان بالجزائر، من ينير لنا الدرب ويأخذ بأيدينا نحو الغد المشرق، من يإن لأنيننا ويحزن لحزننا، من لا مصلحة له في حكم الجزائر إلا خدمة الجزائر. مؤكد أن في الجزائر ألوف من أبناء الجزائر ممن يتوقون بإخلاص إلى التضحية من أجل خدمة الجزائر وهم على درجة عالية من الكفاءة ومن العلم في شؤون الإدارة وتجتمع فيهم كل متطلبات الحكم. فالجزائر أمة ولادة، وأبناؤها البررة لا ينضبون. ولكن مع رفع الأيدي هذا، قيل لهم ولكل أبناء الجزائر من بعدهم: العهدتين قد أصبحتا ثلاثا وأربعا وخمسا وما نشاء، ورئيسنا أصبح ملكا متوجا، فمن هو أكفأ منه أو أقدر منه أو أصلح منه، وسترون أن الشعب - الدي ننوب نحن عنه – سيختاره – رغما عن أنفه-. برفع الأيدي هذا، قال الرافعون: الشعب يحق له أن يختار من يحكمه، وما العهدتين اللتين أقرهما الدستور القديم - الذي صوت عليه الشعب - إلا تضييقا وإجحافا في حق رئيس حكم عشر سنين فلم تكفه تلك المدة ليحقق ما وعد به شعبه، فمن حقه أن يترشح ما شاء ويحكم ما شاء حتى يكمل ما بدأه، ويفي بما وعد به، ولو بعد خمسين عهدة. ممتهنوا رفع الأيدي قالوا لمن رمى بنفسه في البحر خلال العهدة الثانية: هاهي ذي العهدة الثالثة فأرينا ما أنت فاعله، ولتفكر فيما سوف تفعله في العهدة الرابعة والخامسة، ولمن أضرب عن الطعام قالوا: حتى ولو أضربت عن الماء والهواء، ولمن افترش الأرض والتحف السماء خلال عهدتين قالوا: لا تحزن فمثلك ربع الشعب وسنوفر لك مأوى في العهدة السادسة. ولكل من ناشد الديمقراطية وتساوي الفرص من شباب الجزائر و شاباتها قالوا: عذرا، نحن السابقون، الباقون، الماكثون، الجاثمون، وأنتم لكم طموحكم وشهاداتكم وسيأتي دوركم ... حين تموتون.
كان يمكن لرئيس اليوم أن يفي بوعده ويرسي دولة الحق والقانون ويأصل لدولة ديمقراطية أساسها التداول على السلطة الذي أقره الدستور – القديم- ويدعم المكتسبات التي من أجلها سالت دماء ورملت نساء ويتم أبناء. كان بإمكانه أن يفتخر بما حقق حين حقن الدماء وآخا بين الفرقاء وأطفأ نار الفتنة. كان سيمنحه ذلك شرف الدهر، وكان سيذكره التاريخ بجلال قدر وعزة وكرامة وكنا سنحفظه في قلوبنا ونحكي عنه لأبنائنا وأحفادنا ونكتب عنه القصص والروايات وندعوا له بالخير متى ذكرنا اسمه. أما وقد آثر أن يمحوا أسمى مظاهر الديمقراطية في الدستور ويرضى بما أشار به عليه الطبَّالون والهلالون والذين امتهنوا أكل أموال الشعب مقابل التصفيق والتلفيق والتقارير المنمقة المغلوطة، ومعهم أولئك الذين باعوا ضمائرهم ونكسوا عهودهم مع منتخبيهم ورضوا بما تجود به عليهم خزائن السلطان – من فتات- مقابل رفع الأيدي وحفظ اللسان والكف عن الكلام، أو أولئك الذين انقلبوا على قناعاتهم وتنكروا لمبادئهم في سبيل التقرب من سرايا النظام أو أولئك الذين يكذبون على الناس وهم يعلمون ثم تراهم يصدقون ما يكذبون، فقد استحق رئيس اليوم بذلك أن يذكره التاريخ. يذكره على أنه انقلب على الديمقراطية وفرض نفسه في السلطة وغيَّر أعدل مادة في أسمى وثيقة في البلاد بجرة قلم، وحتى أنه لم يكلف نفسه عناء استشارة الشعب ولا عناء مناقشة الموضوع علنا أمام ممتهنوا رفع الأيدي رغم علمه بأنهم لا محالة رافعون. وأن رئيس اليوم، وهو المدني المنتخب، قضى على آخر قلاع الديمقراطية في الجزائر والتي جاءت في زمن رئيس عسكري يشهد التاريخ وتشهد الأجيال المتعاقبه أنه أول رئيس يترفع عن الصراعات ويتنازل عن السلطة حتى قبل انتهاء ولايته، ولكم كان رائعا ومهيبا ذلك المشهد وهو يغادر قصر الرئاسة مودعا خليفته (رئيس اليوم). وقد أعطينا يومها بالفعل صورة مشرفة عن التداول السلمي للسلطة. التاريخ سيذكر أيضا كل الأحزاب والشخصيات التي صفقت ورحبت بالإنقلاب على الديمقراطية من خلال مباركة هذه العملية وسيذَّكرها التاريخ حين تكتوي بنار السلطة وتجد نفسها منبوذة من طرف النظام أنها ضحية مواقفها وأنها لم تكن سوى لعبة رماها بعدما ملَّ منها. تماما كما فعل بسابقاتها. وسيذكر التاريخ، أن شابا مغمورا اتخذ الفيزياء مهنة و لم يتعاطى السياسة يوما، حمله حبه للجزائر وغيرته على حريتها وديمقراطيتها أن يقول كلمته – وإن لم يسمعها أحد- بينما صمت السياسيون والإعلاميون والأكاديميون ومن عودونا على الغوغاء والضوضاء في كل موعد استحقاق، وكأن الأمر لا يعنيهم – رغم خطورته- أو لأنهم لا يأمنون على أنفسهم من غضب النظام. وسيذكر التاريخ، ولو بعد حين، رجالا ونساء قدموا الكثير للجزائر من خلال كتاباتهم أو أعمالهم أو أفكارهم وكانوا أكفاء ومخلصين ولكنهم حرموا من تقلد المسؤولية والإدارة التي هم أهل لها بسبب أشخاص ظنوا أنهم ملكوا هذه الجمعية أو تلك أو هذا التنظيم أو ذاك، أو هذا الحزب أو ذاك، أو هاته الدولة أو تلك.
التداول على السلطة هو أسمى مظاهر الديمقراطية وما تحديد عدد الترشيحات المتتالية بإثنتين في أكبر الديمقراطيات في العالم إلا دلالة على أن ذلك من شأنه أن يخلق ديناميكية دائمة في الممارسة السياسية ويسمح بتفجير الطاقات والعمل نحو تحقيق الإنجازات لإقناع الناخب بجدوى البرامج وبالتالي كسب ثقته للمرة الثانية والتي تنبئ نهايتها بحلول عهد جديد من خلال شخص جديد وبالتالي نفس جديد لمؤسسات الدولة ولمختلف شرائح المجتمع. كما يعطي ذلك الأمل للطاقات الشابة الكفئة ويبرزها ويجعلها تنخرط في العمل السياسي ويرسي ثقافة الحوار والنقاش حول البرامج والأفكار بعيدا عن الدسائس والمكائد والانقلابات "العلمية وغير العلمية". مبدأ تحديد الترشح بعهدتين متتاليتين وعلى جميع الأصعدة سواء تعلق الأمر بالجمعيات أو التنظيمات أو الأحزاب لهو من أبرز مظاهر النضج في العمل الجمعوي الذي يقتضي التفاعل الإيجابي مع الآخر والإعتراف بقدراته وبالتالي تمكينه من القيادة والعمل معه من أجل المزيد من الإنجازات والنجاحات حتى بلوغ الأهداف الأساسية التي من أجلها يناضل الجميع. كان يفترض بنا أن نعمم هذا المبدأ، ونجعل منه قاعدة أساسية يتقيد بها كل تنظيم يقوم باختيار رئيسه عن طريق الإنتخاب.
الآن وقد عدنا عشر سنين إلى الوراء، وتبرأنا من أسمى قيم الديقراطية بسبب هذا التعديل، لم يبقى لنا إلا أن ندعوا الله كي يرسل لنا أو لأبنائنا أو لأحفادنا من يعدل لنا هذا الدستور الذي عدل ويعيد لنا مبدأ تحديد الترشح بعهدتين متتاليتين على كل المستويات ويرسي بالفعل قواعد الديمقراطية ودولة القانون والعدل والمساواة.
رياض كنوز. شاب جزائري [email protected]