العقل ودوره في البناء المعرفي
19-04-2016, 09:59 AM
العقل ودوره في البناء المعرفي



الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



لقد اعتنى القرآن الكريم بتكوين العقل وتوجيهه، وذلك من خلال تكوين العقلية العلمية الفريدة والمتميزة، المستنيرة بنور الوحي المبارك، العقلية الرافضة لكل تقليد وتبعية، الشانئة بالغوغائية والخرافية الظلامية، الغير مستسلمة للثقافة المستعارة، ثقافة:[إنّا وجدنا آباءنا على أمة].
وكما هو متقرر:" أنه لا يمكن للعلم أن يزدهر ويتطور، ويبنى على جذورٍ راسخة، وتمتد إلى الأرجاء فروعه، ولا يمكن للأفكار أن تنضج، وللتفكير أن يتلاقح، وللآراء أن تُدرس وتناقش": ما لم تكن وفقاً للعقلية العلمية القرآنية، وهذا ما عمل القرآن على إيجاده بدعوته القوية، وتوجيهاته النيرة والمتكررة لتكوين:"العقلية العلمية المتحررة": التي لا تنهض العلوم إلا على كاهلها، فالقرآن:" يرفض العقلية الخرافية، ويرفض العقلية المقلدة، ويرفض العقلية المتخرصة ، ويرفض العقلية المتبعة للهوى"[1].
إن دور العقل في البناء المعرفي: لا ينبغي أن يكون في مجال حفظ العلوم واستظهارها، فإن بني إسـرائيل كان اختلافهم بعد أن علموا الحق، وعرفوا الحقيقة، بل لا بد أن يكون دور العقل في:" كيفية ترجمة العلوم إلى معارف تفاعلية تنعكس على السلوكيات، ويتضح أثرها في التعامل والاختلاط"، وينبغي ألا يقتصر هذا الدور على زاوية واحدة سواءً أكانت زاوية الفرد أو الكون أو الواقع، بل لا بد أن يشمل دور العقل كل هذه الزوايا مجتمعة حتى يكون هناك من التكاملية والفاعلية في المعرفة بما لا يحدث تصادما بين المعارف والقناعات لدى الفرد.
إن المنهج القرآني منهجٌ يدعو إلى أن يتولى العقل دوره الريادي في المعرفة والبناء العلمي، والحصول على أعلى الرتب العلمية سعياً في محاربة الجهل، ومحو أمية العقل، وجاهلية الموجودات منه، ويدعو إلى المعرفة بالله تعالى إقرارا بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، والمعرفة بما في الكون من مخلوقات وموجودات: مستنيرا في ذلك كله بنصوص الوحيين الشريفين: الكتاب والسنة، ويتضح هذا المفهوم من خلال النقاط الآتية:

1- التعلم وأمر القرآن بالعلم:
لأن:" أمة القرآن هي: أمة اقرأ"، فقد كان أول ما نزل من القرآن قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾، ثم تلتها آية التوكيد على الأهمية والفضل: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾، وإن المتتبع لآيات فضل العلم ودعوة القرآن للعلم والتعلم: يقر في مكنون نفسه: أن دور العقل دور كبير ينبغي أن يضطلع فيه، ومن المعروف: أن العلوم الإسلامية التي ورّثها لنا الأولون: زاخرة بالدرر والكنوز التي تؤكد الدور الملقى على العقل.
ومن هنا، فإن دور العقل المسلم في البناء المعرفي من جانب التعليم وطلب العلم: ينبغي أن يرقى إلى درجة المسؤولية في فهم العلوم الموروثة، والاجتهاد والتجديد فيها بما يواكب ثقافة العصـر، وبما يواجه التحديات الراهنة، ولا يقف دور العقل في البناء المعرفي عند حفظ العلوم واستظهارها فحسب بل يتعدى الأمر إلى فهمها وتحليلها وتنقيتها من الشوائب والدّخن، ذلك أن المنهجية القرآنية قادرة على قيادة العقل نحو التفاعل مع المعطيات والمؤثرات الخارجية، يقول الدكتور طه جابر العلواني[2]: "والمنهجية القرآنية قادرة على التفاعل مع ظواهر بناء وتشكيل العقل المسلم، ومعالجة قضاياه التاريخية والمعاصـرة باعتبارها سبيلاً لذلك، لأن المنهج سبيل للوصول إلى الحقيقة، وطريقة تسلك في فهم الظواهر وتحليلها"[3].

2- الضوابط العلمية لعمل العقل في القرآن:
لقد وضع القرآن الضوابط العلمية التي تحكم مسار العقل في تعاطيه مع العلم، وتتمثل هذه الضوابط في العقلية العلمية التي دعا لها القرآن، هذه العقلية من ضوابطها: أنها ترفض الظن في مواضع اليقين، فالنظرة إلى الخالق والكون والإنسان والحياة من القضايا التي لا يكفي فيها الظن، بل لابدَّ فيها من العلم اليقيني، ومن هنا أنكر القرآن على المشـركين إتباع الظن في مثل هذه القضايا الهامة، حيث قال تعالى: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾:" وما يتبع أكثر هؤلاء المشـركين إلا ظنا، يقول: إلا ما لا علم لهم بحقيقته وصحته، بل هم منه في شكٍّ وريبة، إن الشك لا يغني من اليقين شيئًا، ولا يقوم في شيء مقامَه، ولا ينتفع به حيث يُحتاج إلى اليقين، إن الله ذو علم بما يفعل هؤلاء المشـركون من اتباعهم الظن، وتكذيبهم الحق اليقين، وهو لهم بالمرصاد، حيث لا يُغني عنهم ظنّهم من الله شيئًا"[4].
وقال في موضعٍ آخر: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ أي: لا يجدي شيئا، ولا يقوم أبدا مقام الحق[5]، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث))[6].
ومن تلك الضوابط: رفض التقليد الأعمى للآباء والأسلاف، فالعقل لا بد له من التحرر والانطلاق بين أفياء المعرفة، وبساتين العلم، يستنتج ويستنبط ويحلل ويقيس، لقد شن القرآن حملة عنيفة على الجمود والتقليد في كل صوره، وسائر أشكاله، حيث يقول تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾، وإذا قال المؤمنون ناصحين أهل الضلال: اتبعوا ما أنزل الله من القرآن والهدى: أصـروا على تقليد أسلافهم المشـركين قائلين: لا نتبع دينكم، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا!!؟، أيتبعون آباءهم ولو كانوا لا يعقلون عن الله شيئًا، ولا يدركون رشدًا[7].
ويقول تعالى: ﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ﴾: يُخبر تعالى ذكره أنهم لم يعبدُوا ما عبدوا من الأوثان إلا اتباعًا منهم: منهاج آبائهم، واقتفاءً منهم آثارهم في عبادتهم لها، لا عن أمر الله إياهم بذلك، ولا بحجة تبيَّنوها توجب عليهم عبادتها[8].
والقرآن زاخر بمثل هذه الآيات الرافضة للتبعية والتقليد في الإتباع، لأن ذلك يلغي عمل العقل، ويؤدي إلى جموده وإنكاره للجديد في مجال المعرفة والتكنولوجيا، والتقدم العلمي بكل صوره وألوانه.
ومن تلك الضوابط: رفض التبعية للسادة والكبراء، فإن هذا اللون من التبعية لأصحاب السلطان والثراء: مفسدة للعقل كذلك، من حيث كونه خوفاً وتعطيلاً للعقل وعمله في العطاء، ولقد ذم القرآن هذا النوع من التبعية العمياء، حيث قال في قصة فرعون: ﴿ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾، واتبع ملأ فرعون أمرَ فرعون دون أمر الله، وأطاعوه في تكذيب موسى، وردّ ما جاءهم به من عند الله عليه، يقول تعالى ذكره: ﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾، يعني: أنه لا يُرشد أمر فرعون من قَبِله منه، في تكذيب موسى إلى خير، ولا يهديه إلا صلاح، بل يورده نار جهنم[9].
وقوله تعالى في قصة هود: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾: كفروا بها، وعصوا رسل الله، وذلك أن من كفر بنبي، فقد كفر بجميع الأنبياء، لأنه لا فرق بين أحد منهم في وجوب الإيمان به، فعاد كفروا بهود، فنزل كفرهم (به) منزلة من كفر بجميع الرسل، ﴿ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾: تركوا اتباع رسولهم الرشيد، واتبعوا أمر كل جبار عنيد، فلهذا أتبعوا في هذه الدنيا لعنة من الله ومن عباده المؤمنين: كلما ذكروا وينادى عليهم يوم القيامة على رءوس الأشهاد[10].
ومن الضوابط القرآنية للعقلية العلمية: عدم إتباع الأهواء والعواطف في مجال العلم، فالعقل لا بد أن يؤدي دوره في المعرفة والعلم بإتباع الحقيقة، وإظهارها والصدع بها، وعدم التنازل عن الحقائق، أو تدويرها بسبب العاطفة والهوى، فإن ذلك مما يتصادم مع الحق والهدى، ومع العقل نفسه، والقرآن صـريح في هذا، حيث قال الله لداود عليه السلام: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾: هذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور: أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى، ولا يعدلوا عنه، فيضلوا عن سبيله وقد توعد الله تعالى من ضل عن سبيله، وتناسى يوم الحساب بالوعيد الأكيد، والعذاب الشديد.
وقال سبحانه وتعالى في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾، فإن لم يجبك هؤلاء القائلون للتوراة والإنجيل سحران تظاهرا، الزاعمون أن الحقّ في غيرهما من اليهود يا محمد، إلى أن يأتوك بكتاب من عند الله هو أهدى منهما، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم، وأن الذي ينطقون به ويقولون في الكتابين، قول كذب وباطل، لا حقيقة له[12].
إن دور العقل في البناء المعرفي لا يتعدى أن يكون الدور الباحث عن الحقيقة، والمتبع للدليل، والهدى والنور المبين، وفق الفهم السليم والبعيد عن الغلو والتطرف والتبعية، والانحياز لفكرة خاطئة، أو دليل ضعيف، أو منهج ضال، أو نهج غير سوي، ولا بد للعقل المسلم أن يتعبد الله تعالى بالنظر العقلي[13] الذي دعا إليه القرآن الكريم في مواضع عدة.
ومنها قوله تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾، فلينظر الإنسان المكذّب بالبعث بعد الممات، المُنكر قُدرة الله على إحيائه بعد مماته، ﴿ مِمَّ خُلِقَ ﴾ ، يقول: من أيّ شيءٍ خلقه ربه[14].
ولا بد للعقل أن لا يقبل دعوى بغير برهان، فإن هذا من الضوابط القرآنية للعقلية العلمية في القرآن، وهذه حقيقة أكد عليها القرآن حتى يكون عمل العقل وفق دليل يستند عليه، وهذا مما زخرت به الآيات أيضاً، حيث يقول تعالى: ﴿ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾،أي: من هو الذي يبدأ الخلق وينشئ المخلوقات ويبتدئ خلقها، ثم يعيد الخلق يوم البعث والنشور؟، ومن يرزقكم من السماء والأرض بالمطر والنبات؟، ﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾: يفعل ذلك ويقدر عليه؟، ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾،أي: حجتكم ودليلكم على ما قلتم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، وإلا فبتقدير أنكم تقولون: إن الأصنام لها مشاركة له في شيء من ذلك، فذلك مجرد دعوى صدقوها بالبرهان، وإلا فاعرفوا أنكم مبطلون لا حجة لكم، فارجعوا إلى الأدلة اليقينية، والبراهين القطعية الدالة على أن الله هو: المتفرد بجميع التصـرفات، وأنه المستحق أن تصـرف له جميع أنواع العبادات[15].
وقوله تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾: أتخذ هؤلاء المشـركون من دون الله آلهة تنفع وتضرّ، وتخلق وتحيي وتميت؟، قل يا محمد لهم: هاتوا برهانكم، يعني حجتكم يقول: هاتوا إن كنتم تزعمون أنكم محقون في قيلكم، ذلك حجة ودليلا على صدقكم[16].
ومن هنا: كان الشـرك جهلا، لأنه دعوى بدون برهان، ولقد أتى القرآن يحمل بين جنباته البراهين[17] الرافضة لكل دعوى بدون حجة[18]، وأقام الدليل على القضايا العقائدية الكبرى المتمثلة:( بوجود الله تعالى ووحدانيته، وتنزيهه عن الولد، وإنزال الكتب، وإرسال الرسل، والبعث والجزاء)، وذلك بأدلة واضحة الثبوت قطعية الدلالة: وقع بها التحدي والإعجاز، مما لا يدع للعقل مجالاً للتردد وإتباع غير الحق والدليل، و:" المغزى من ذلك: تعليم العقل منهجية أخذ الدليل والبرهان، ورفض التبعية والتقليد القائمين على الهوى والجهل".
ومن الضوابط القرآنية للعقلية العلمية: احترام السنن والقوانين التي أقام الله عليها نظام الكون، وعليها نظام المجتمع، هذه السنن والقوانين لها صفة الدوام والشمول، وكذلك الثبات، ومن ذلك:" سنن الله في أخذ الظالمين، وسنة الله في النصـر والهزيمة، وفي البقاء والهلاك" حيث يقول تعالى: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾، وهذه الآيات الكريمات، وما بعدها في قصة "أحد" يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم، ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم كثيرة: امتحنوا، وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين، فلم يزالوا في مداولة ومجاولة، حتى جعل الله العاقبة للمتقين، والنصـر لعباده المؤمنين، وآخر الأمر حصلت الدولة على المكذبين، وخذلهم الله بنصـر رسله وأتباعهم.
﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾: بأبدانكم وقلوبكم ﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾، فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية، قد خوت ديارهم، وتبين لكل أحد خسارهم، وذهب عزهم وملكهم، وزال بذخهم وفخرهم، أفليس في هذا أعظم دليل، وأكبر شاهد على صدق ما جاءت به الرسل[32].
وقوله تعالى: ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾، سنة الله التي سنَّها في خلقه من قبل: بنصـر جنده، وهزيمة أعدائه، ولن تجد -أيها النبي- لسنة الله تغييرًا[34] بعد ذكر أحوال المنافقين.
وهكذا ينبغي أن يفهم العقل النصوص من زاوية التصور القرآني للكون والحياة والإنسان.
منقول بتصرف يسير.

هوامش:
[1] العقل والعلم في القرآن الكريم، ص245.
[2] طه جابر العلواني (ولد عام 1935، في العراق) هو رئيس المجلس الفقهي بأمريكا منذ عام 1988، ورئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية (بهرندن)، فيرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية. حصل على الدكتوراة في أصول الفقه من كلية الشـريعة والقانون بجامعة الأزهر في القاهرة، مصـر، عام 1973. كان أستاذاً في أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، المملكة العربية السعودية منذ عام 1975 حتى 1985. في عام 1981 شارك في تأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة، كما كان عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة. هاجر إلى الولايات المتحدة في عام 1983. يرأس طه العلواني الآن جامعة قرطبة الإسلامية في الولايات المتحدة. يسكن مع عائلته في القاهرة. ( الموسوعة الحرة موقع في الانترنت).
[3] كتاب إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم، طه جابر العلواني، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1417هـ - 1996م) (ص20-21).
[4] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ( ج 15 - ص89).
[5] تفسير بن كثير ( ج 7 - ص 459).
[6] صحيح البخاري برقم (5143) وصحيح مسلم برقم (2563) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] التفسير الميسـر ( ج1 - ص 26).
[8] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ( ج 15 - ص 491).
[9] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ( ج 15 - ص 466).
[10] تفسير بن كثير ( ج 4 - 331).
[12] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ( ج 19 - ص 592).
[13] والمراد بالنظر العقلي، هو الذي يستخدم الإنسان فيه فكره في التأمل والاعتبار، بخلاف النظر البصـري الذي يستخدم فيه الإنسان عينه" (انظر: كتاب العقل والعلم في القرآن للدكتور يوسف القرضاوي، مرجع سابق، ص253).
[14] تفسير الطبري ( ج 24 - ص 353).
[15] تفسير السعدي ( ج1 - ص 608).
[16] تفسير الطبري ( ج 18 - ص 426).
[17] تشمل البراهين الحسية مثل قوله تعالى: ﴿ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ [ لكهف:51]، والبراهين السمعية مثل قوله تعالى: ﴿ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِين ﴾[الأنعام:143]، والبراهين التاريخية مثل قوله تعالى: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينل عمران:137].
[18] بالتتبع والاستقراء نجد أن القرآن يسمي الحجة سلطاناً، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون ﴾ [الأعراف:33]، يعني: ما لم يؤيده بحجة.
[19] تفسير السعدي ( ج1 - ص 149 ).
[20] التفسير الميسـر (ج1 - ص 513).