رائعة جدا: توفيق الواحد الديان للذبِّ عن جناب القرآن
01-08-2017, 01:51 PM
رائعة جدا:توفيق الواحد الديان للذبِّ عن جناب القرآن

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

هذه مقامة ماتعة رائعة خطها يراع الأستاذ:" هشام بن الزبير": دفاعا عن جناب القرآن الكريم من تلبيسات الملحدين، - جزاه الله خير الجزاء-، فإليكموها:


حدثنا:" أبو النوادر السوسي" قال:


" لبِثْتُ بِمَوطِنِي قُرابةَ العَام, حتى أضْجرنِي المُقام, واشتهيتُ السَّفَر, فخرجتُ في نَفَر, وقد أظلَّنا صَفَر, فلَقِينا شيخاً مُلثّماً يسْعى, رثَّ الهيئةِ لا يملك شِسْعاً (1), يلتحف بُرْنُساً (2) كالَّليل في ظلْمته, يُجلِّلُ هَامَتُهُ بياضُ عِمامَتِه, أديبٌ أرِيب, فصيحٌ نصِيح،فقُلْنا مَنِ الشَّيْخ؟، فأجَاب: نشأتُ جَوَّالاً مُدْمِنَ تَرْحال, و ما زلتُ منذ صبايَ على هذه الحَال, قلنا: فحدِّثنا عن خبرِك, و بعض ما لقيتهُ في سفرِك، فقال:

بينما أنا في "النِّتِّ": أمْخرُ عُبابُه, وأنْشُدُ لُبابَه, يَحْمِلُني ثَبجُه (3), و يلْفَحُني وهَجُه, أُحاذِرُ مَصَائِبه, و أعْتَزِلُ عَصائِبَه (4), ألْتَمِسُ لَبَدُهُ وسَبَدَه (5), وأتَحَاشى رغْوتَه و زَبَدَه, إذ زلَّتْ بِيَ الأنامِل, و هَوَتْ بيَ المحَامل (6), و ذاك دأْبُ النَّاقرين, فانْزلقْتُ في قَبْوِ قومٍ مُلْحِدين, يقُول أمْثَلُهم طريقةً:" إنَّا بِلا دِين", قومٌ إلى القِرَدَةِ انْتِسابُهُم, خَسُّوا فتلكَ أنْسابُهُم, تَأَسَّنُوا إبْلِيسَ تَأَسُّنا (7), فغَدوْا لكفره ألْسُنا، أوْشَاب أوباشٌ (8), أقْزَامٌ طَغَام (9), أخَفُّ من ريشِ الأزْلام (10)،) تألَّبُوا على أهْل الإسْلام, فلا يُسْمع لهم سوى فَحيحٍ و كَشِيش (11), و نَحِيطٍ و زِيَاط (12), قطَّع الله منهم النِّيَاط (13), أراذِلُ الورَى، يؤُمُّهمْ كلُّ زِبَعْرَى (14), في قلُوبهمْ غِمْرٌ و سَخِيمَة (15)، كَعلْقَمِ أَرْضٍ وَخِيمَة (16), أولُو ألْسِنةٍ لَخْنَاء (17), و أقْلامٍ رعْناء, و قلوبٍ فُتِنَت, و جِيَفٍ أنْتَنَت, و أحْلامٍ خاوِيات, كَجِراءٍ عاوِيَات, يفْرَحُون بتُرَّهَات البَسَابِس (18), و يَهِيمُون في الحَنَادِس (19), فلا يعْرِفُون هِرًّا منْ بِرّ (20), و لا خيْراً منْ شَرّ, أهلُ هِيَاط ومِيَاط (21), و تخْبِيط و تخْليط (22), زعيمُهُمْ: أرْذَلُهُم, ورأْسُهم: أنْذَلُهُم, يقالُ لهُ: المُدِير المُشْرِف, و لوْ أنْصفُوا لقالوا: المبير المُسْرِف, عِرْبِيدٌ شِنْظِير (23), مَخْذُول مَرْذُول, إذا سُمِعَتْ مِنْهُ نَحْنَحَة, صَاحَتِ الغَوْغَاءُ: "ما أفْصَحَه!", و ما جَاءَ بزَنْدَقَة إلا نعَقَتْ:"ما أصْدَقَه!", فأظْهَرْتُ مُوافَقَتَه, و طَلَبْتُ لِقَاءه, أبْغي شَقاءهَ, و أزْمعْتُ أن أفْضَحَه،و أعْدَدْتُ أَحْرُفًا كالنِّبَال لأَنْضَحَه (24), فدعَاني للإفْطارِ في شِرْذِمَته, فَخَرَجْتُ مُبكِّرا,ً وأتيتهُ متَنَكِّرا, فوجدتهُ في مقهى، هوَ أشبهُ بالملْهى, تُظلِّلُه سحائبُ الدُّخان, و تئِنُّ أركانهُ من رَجَّةِ الألْحان, فاسْتَدْرَجْتُهُ قَائِلا: "عجِبْتُ لِلِسَانكَ الحدِيد ,وجَلَدِكَ المَدِيد, و ثَقَافَتِكَ السَّابِغَة, أيُّها النَّابِغَة!!؟,لكأني بك تنْطَحُ صخْرا, تَارَةً إثْرَ أُخْرَى, بِحَرْبِك المِلَّة, معَ الذِّلَّةِ و القِلَّة, و تُحاولُ أمْراً إمْرا, قَصُرَتْ عنهُ القَياصِرَة, و انْكَسَرَتْ دونَهُ الأَكَاسِرَة؟، فكيفَ تُفْلِح في هَذا الأوَان, فيما أعْجَزَ صاحِبَ الإيوَان!!؟، فأجَابني:
إنِّي قبِلْتُ التَّحَدِّي وعارضْتُ التَّنْزِيل, و ساقَ كلاماً كالهَذَيَان, فقُلْتُ في نَفْسِي: "أقَاءَ القِرْدُ أمِ اسْتَقَاء!!؟"، فلمَّا ذهبَ عنهُ ما يجِد, قلتُ بنبْرَةِ المُشْفِق: أَمَا وقد أسْمَعْتَنِي منكَ الهَلَاوِس, فهاتِ المُعارَضَةُ يا غُلامَ القَسَاوِس؟، فقال: لَأُعِيدَنَّها عَلَيْكَ مُرَتَّلَة؟، قلتُ: هَجَاجَيْكَ يا لُكَع (25), و صَهْ يا أخا القِحَة, رَمَاكَ رَبِّي بكُلِّ جائِحَة, و هَاكَ سَجْعاً على السَّلِيقَة, يا شَرَّ الخَلِيقَة, يمْحَقُ سَفاسِفَك, و يَذْرو أَبَاطِيلَك, فإنِّي أراكَ على:" مِلَّةِ: يا ضفْدَعُ بنتَ ضِفْدَعَين"، فَرَى اللهُ منْكَ الأَخْدَعَيْن (26), يا بعْرَةً بينَ بعْرَتيْن, يا منْ لا تُساوي فَلْسا, قدِ امْتْلأَ فوكَ قَلْسا (27), إنَّمَا مَثَلُك كمثل من بَصَقَ بصْقَة, فمَرَّ بهِ رَجُلٌ، فأمْسَكَ بتَلَابِيبِهِ قَائِلا: "إيَاك أنْ تغْرَقَ في هذا اليَمِّ القَلَمَّس! (28)", فَلِمَ توَهَّمْتَ النَّباهَة, يا أبَا الفَهاهَة (29), و بَلَغَتْ بِكَ الجَرَاءَةُ غَايَتَها, وجَاوَزَتِ البَلادَةُ مُنْتَهَاهَا, حتَّى رُمْتَ مُجَارَاةَ أَحْسَنِ الحَديث, بِلَغْوِكَ الرَّكِيكِ يا خَبِيث!!؟، و كَذَلك أنتُم: يا آل نسناس, ما نطَقْتُم إلاَّ قُلْنا قرودٌ زَقَحَت (30), و كِلابٌ تواقَحَت, و سَلاحِفُ تبَخْتَرَت, و هَوَامٌ تَكَبَّرَت, و ضَفَادِعُ زَمَخَتْ بأُنُوفِها و شَمَخَتْ (31), أما كفاكُمْ ما أنتُم فيهِ مِن الدَّخْدَخَة!!؟(32) ، فيا ليْتَ شعْرِي فيمَ الفَخْفَخَة!!؟ (33)، أما لَكُمْ في القُرُودِ عُمُومَة, و في الزَّوَاحِفِ أُمُومَة!!؟.
فلأَثْلِبَنَّكُمْ ثَلْبا (34), و لأَبْسُطَنَّ عَيْبَكُمْ بِجَرَامِيزِه, (35) ، و لأسْرُدَنَّ عَارَكُمْ بِحَذَافِيرِه, و لَأُجَمْلِحَنَّ (36)رؤوسَكُمْ فأَذَرَهَا كالزَّلَقَة (37), و كالقِرَابِ المُعَلَّقَة,أَغَرَّكُمْ لُعَابُ الشَّمْس (38)، فخِلْتُم طَحْلبكم طَلْحا مُورِقا, و حَسِبْتُمْ جِفَانَ صَدِيدِكُمْ مَرَقَا!!؟, فبِعِزَّةِ منْزِلِ الكِتاب, ومَن إليهِ المَتَاب, لأُذْهِبَنَّ عنكمُ الوَسَاوِس, و لأُلْقِمَنَّكُمُ الحَجَر, و لأُسِفَّنَّكُم رِمال هَجَر, و لأُطْعِمَنَّكُم عَصِيدَةَ حَنْظَل, و لأَسْقِيَنَّكُمْ شرابَ عَلقَم, و لأُفْحِمَنَّكُمْ أيَّمَا إِفْحَام, و لأُقْحِمَنَّكُمْ (39) الهَوَانَ أيَّمَا إقْحَام, و لأَتَخَيَّرَنَّ لكُمْ منَ الكَلِمِ أَقْذَعَه, و منَ الهِجاءِ أفْظَعَه،فَلَيْسَ يشْفِيكُمْ بعْدَ السِّنَان, إلَّا طَعْنُ الِّلسَان, فهاكُم جوابِي يا رِعَاع:

"يا وَزَغَةُ أتَسْمَعِين, يا منْ في رأْس الخَبِيثِ تَرْتَعِين, لَفِّقِي ما تُلَفِّقِين, مَغَصٌ وَجِيع (40), و قَيْءٌ و رَجِيع, مِرَاءٌ و هُرَاء, و جِيَفٌ بلا فِرَاء, أَعَسَلٌ نَسِيل؟ (41)، بلْ قَيْحٌ يسِيل, ألْسِنةٌ تَلَجْلَج (42), و صُدُورٌ تَرَجْرَج (43)، فَلَأَلْحُوَنَّكُمْ لَحْوَ الْعَصَا (44), و لأَفْرِيَنَّكُمْ فَرْيَ الأَدِيم (45), حَتَّى أَتْرُكَكُمْ كَالسَّدِيم (46), فإِذَا تَنَسَّكَتِ الشَياطِين, و غَدَا العِلْمُ في الخَيَّاطِين, و عَادَ لِلْحَيْزَبُونِ (47) شَبَابُهَا, و اقْتَتَلَ بالبَابِ خُطَّابُهَا, و وَلَجَ البَعِيرُ في سَمِّ الخِيَاط, و تَعَالَى مِنَ السَّمَكِ العِيَاط (48), فَحِينَذَاكَ يَلْتَبِسُ الكَلَامَان, كَلاَمُ الْخَلْقِ، ووَحْيُ الرَّحْمَن!!؟."
فَهَذَا ذَبِّي عَن نُورِ رَبِّي, فَكُفَّ عَنَّا هُوَاعَكَ (49), و لُمَّ عَنَّا أبْعَارَك, خَسِئْتَ و لَزِمْتَ عَارَك!!؟.
فَكَعَّ و حَاص (50), و رَكَضَ لِيَسْتَقِلَّ البَاص, و انْسَلَّ، ولَهُ حُطاط (51), و فَرَّ، ولَهُ أَصِيص (52).
فَدَنَوْتُ منَ الشَّيْخِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ، وأَمَطْتُ عَنْ وَجْهِهِ اللِّثام, فإِذَا هُوَ- و الله-: أَبو حُمَيْدٍ رَحَّال بنُ المَحْجُوب".


شرح الغريب:
(1)
شِسْع: شسع النعل معروف, ويقال: ما يملك شسعا من مال.
(2)
برنس: ثوب من صوف تتصل به قلنسوة.
(3)
ثَبج: الشيء وسطه, وقد ذكر ثبج البحر في حديث أم حرام رضي الله عنها.
(4)
عَصائِب: جمع عصابة.
(5)
سبد ولبد: السبد الشعر، واللبد الصوف, ويقال ما له سبد ولا لبد, أي لا كثير ولا قليل, واستعرته لالتماس فوائد الشبكة.
(6)
محمل: ما يُحمل عليه.
(7)
تَأَسَّنُوا إبْلِيسَ تَأَسُّنا: أشبهوه في خُلقه, نحو تأسن الولد أباه.
(8)
أوْشَاب أوباشٌ: أخلاط من الناس.
(9)
طَغَام: سَفِلة الناس وأراذلهم.
(10)
الأزْلام: قِداح كان يستقسم بها أهل الجاهلية, حُرّمت في سورة المائدة مع الخمر والميسر والأنصاب.
(11)
فَحيحٍ و كَشِيش: الفحيح صوت الحية من فيها, والكشيش: صوت جلدها.
(12)
نَحِيط وزِيَاط: النحيط: صوت مع توجع, والزياط: الصياح.
(13)
النِّيَاط: عرق غليظ متصل بالقلب.
(14)
زِبَعْرَى: سيء الخلق.
(15)
غِمْرٌ و سَخِيمَة: الغِمر: الحقد, والسخيمة: الضغينة.
(16)
وَخِيمَة: وبيئة.
(17)
لخْناء: منتنة.
(18)
تُرَّهَات البَسَابِس: الأمور التافهة.
(19)
الحَنَادِس: الظلمات.
(20)
لا يعْرِفُ هِرًّا منْ بِرّ: لا يعرف من يبرّه ممن يكرهه.
(21)
هم في هياط ومياط: في شر وجلبة.
(22)
خبّط فلان: أخطأ, والتخليط: الهذيان.
(23)
شِنْظِير : فاحش سيء الخلق.
(24)
نَضَح القوم بالنبل: رماهم.
(25)
هَجَاجَيْكَ: بمعنى كُفَّ.
(26)
فرى الشيء: شقه وقطعه, و الأخدعان: عرقان في الرقبة.
(27)
القَلْس: ما يخرج من الحلق ملء الفم, وهو: دون القيء.
(28)
القَلَمَّس: من أسماء البحر. اليم القلمس، أي: الزاخر.
(29)
الفَهاهَة: العي.
(30)
زَقْحَ: صوت القرد.
(31)
زمخ وشمخ بأنفه: رفعه تكبرا.
(32)
الدَّخْدَخَة : أشد الذُّل
(33)
الفَخْفَخَة: الفخر بالباطل.
(34)
ثلبه: إذا ذكر عيوبه ومثالبه.
(35)
بجراميزه و بحذافيره بمعنى.
(36)
جَمْلح: حَلَق.
(37)
الزَّلَقة: الصخرة الملساء.
(38)
لُعَابُ الشَّمْس: السراب.
(39)
أقحمه المكان: أدخله فيه.
(40)
وَجِيع: موجع.
(41)
نَسِيل: عسل صُفّي من الشمع.
(42)
تلَجْلج في كلامه: إذا لم يبينه.
(43)
تَرَجْرَج الشيء: اضطرب.
(44)
لَأَلْحُوَنَّكُمْ لَحْوَ الْعَصَا: من خطبة للحجاج، أي: لأقشرنكم كما تقشر العصا.
(45)
فري الأديم: شقّ الجلد.
(46)
السديم: ضباب رقيق.
(47)
الحيزبون: العجوز سيئة الخلق.
(48)
العياط: الصياح.
(49)
هواع: القيء.
(50)
كَعَّ: جَبُن. حاص: حاد وعدل.
(51)
حُطاط: رائحة خبيثة.
(52)
أَصِيص: التواء من الجهد.