القيم الجمالية في الزخرفة الإسلامية
03-07-2019, 03:06 PM


فن الزخرفة الإسلامي

على الرغم من استفادة المسلمين في فن الزخرفة -في بعض عناصره- من حضارات الإغريق والرومان القديمة، فإنَّ المسلمين طوَّروا بل وَبلْورُوا نمطًا فنيًّا جديدًا، كما يبدو ذلك للعيان في الزخرفة والعمارة. وحقيقةً فقد ذاع صيت الفن الإسلامي أكثر فيما يتعلَّق بالزخرفة وفنونها عن غيره من الفنون الأخرى كالتشكيليَّة مثلًا.

ومع كل ذلك، فإنَّ جميع الزخارف الإبداعية الإسلامية كانت تشمل كل مجالات الحياة وكل المواد والأحجام مع توظيف كل التقنيات المتوفرة آنئذٍ، وكانت هنالك أربعة عناصر رئيسة لهذا الفن هي: الخط العربي، الزخارف النباتية، الأبعاد الهندسية، ثم الأشكال والأنماط الجمالية.

هذه العناصر تشكل في نهاية المطاف زخرفة غزيرة فيَّاضة، التي تجعل المرء يشعر بالخوف أمام فضاء فارغ أو ظاهرة ما يُسمى بـ (الخوف الأجوف).

وعلم الهندسة مهمٌ جدًّا في الفن المعماري الإسلامي؛ إذ إنَّ هذا الفن سُخِّر لإثبات وحدانيَّة الله سبحانه وتعالى، وقد استخدمت الدوائر المتقنة المضبوطة كمعيار نموذجي ممَّا يفسح المجال في إبداع موضوعات فرعية ذات صلة بالموضوع الأصلي.

أمَّا في الرسم فقد طُبِّقت مبادئ الإعادة التناظرية والتكثير أو التقسيم أو كليهما معًا؛ حيث تمَّ التعامل مع الرسم كَفنٍ عقلاني ذهني أكثر ممَّا هو عاطفي انفعالي طبقًا لمبادئ الرياضيات، وقد استُخدمت في هذا الفن إطارات ذات خطوط متشعبة ومتقاطعة فيما بينها ومكونة أشكالًا كالمـُعيَّن أو أشرطة ضفائرية، منعطفات، رسوم تعرجية وشطرنجية وعقد وروابط مكونة فيما بينها نجوم.

ويعتمد هذا الفن على تكرار عناصر بسيطة متشابكة أو معقدة للحصول على معايير تستخدم كنماذج زخرفية، ثم يتم إعادة هذا النموذج بالتناظر حسب الذوق أو الحس الفني، وتتم متابعة هذه النتيجة بصفة ديناميكية ومتناسقة، بحيث لا تطغى التفاصيل على الأصل العام ولا تضارب ولا اضطراب بين الموضوعات وهو ما يسمى بظاهرة التوازن الحسي، فالتكرار اللامتناهي للمواضيع ما هو إلا عبارةً عن استعارة سرمدية أزلية تملأ كل ما حولنا، بل وصيغة تُعبِّر عن قابلية هذا الكون للتغيُّر وعدم الثبات.

وعمومًا فإنَّ الدين الإسلامي الحنيف يُحرِّم تصوير ذوات الأرواح كالإنسان والحيوان، ولا سيَّما في دور العبادة كالمساجد والجوامع، إلَّا أنَّنا نجد في القصور الأندلسية مناظر ضخمة للصيد سواءٌ أكانت من الفسيفساء أو لوحات تصويرية عملاقة: ففي الحمامات نرى مناظر ممتعة لطيفة وأحيانًا غير محتشمة، كما هو الحال في قصر عمرة، أو مُزينة بفسيفساء صيد أو مطاردة ولوحات رمزية.

إنَّ المتفحص للفنون الإسلامية والمتمثِّلة في الزخارف والنقوش، لا يحتاج إلى كثير من التأمل ليلحظ تلكم الوحدة العامة التي تطبع هذه الزخارف والنقوش الإبداعية وهي حقًّا ما يُميِّز الفنون الإسلامية عن غيرها من الفنون الأخرى، وهذا الطابع الذي يصبغ هذه الكنوز النفيسة بصبغة واحدة هو ما جعلها على الدوام شاهدًا على تفوق الحضارة الإسلامية وقدرتها على التميز.

نشأة الزخارف الإسلامية

إن نشأة هذه الزخارف ومردها ومنبعها هو الإسلام والعروبة، ولم يتأثر هذا الفن بالتقاليد والعقائد التي تحكم وتطبع غيره من الفنون الأخرى في الحضارات الأخرى، فلا غرو أن نجد إِذَنْ خلوَّ هذه النقوش والزخارف الإسلامية والأشكال الهندسية عبر القرون من ذوات الأرواح من إنسان أو حيوان أو غيره من الكائنات، كما أنَّ هذه الزخارف وقفت صامدةً عبر الأزمنة المتعاقبة لا تتأثَّر بما حولها من البلدان المجاورة كالأسلوب الإغريقي مثلًا، الذي سبق هذا النموذج الإسلامي في الوجود، وهذا ما جعل الأسلوب الإسلامي يتمتع بالتفرُّد والسيادة على مرِّ العصور محافظًا على خصوصيَّته وتميُّزه، وعدم ذوبانه في الآخر.

مميزات الزخرفة الإسلامية

هناك جملة من المميزات والخصائص التي تميز الزخرفة الإسلامية نذكر منها المميزات التالية:

- العناية بالتجديد والابتكار والاعتماد على التطوير المباشر دون النقل.
- البعد عن التقليد والتصنع في العديد من الأعمال الزخرفية المختلفة في العمارة والمجالات الأخرى.
- الأصالة في أغلبية الأعمال وهي تُعتبر من الأعمال الفطرية لدى الرسام والفنان المسلم.
- المبالغة في استعمال الألوان الفطرية دون الدمج بينهما إلا في بعض الحالات القليلة.
- التأثر الواضح بالعقيدة الإسلامية السمحة؛ حيث نلاحظ -ولله الحمد- عدم وجود الرسوم الزخرفية التي تشمل ذوات الأرواح وعموم الكائنات الحية وخاصَّةً في الرسوم التي بداخل المساجد.
- البعد عن التجسيم؛ حيث لا تستهدف الزخرفة الإسلامية البعد الثالث كما هو الحال في بعض الزخارف في الفنون الأخرى، ولكنها تركز على بعد آخر وهو البعد أو العمق الوجداني، الذي نشاهده بصفة دائمة تقريبًا في زخرفة الأبواب الإسلامية المنتشرة في الكثير من المساجد والقصور القديمة وأيضًا الحديثة.

وتتمثَّل العناصر الزخرفية لعموم الزخرفة الإسلامية في:

- الزخرفة النَّباتيَّة، الزخرفة الهندسيَّة، الزخرفة الخطِّيَّة.

نماذج طرز الزخرفة الإسلامية

تتعدَّد الطُّرُز والطرائق والأنماط التي تُميِّز كل عصر وزمان عن غيره من الأزمنة، وتبعًا لتعدد هذه الطرق كان هذا التنوع، ونذكر منها ما يلي:

الطراز الأموي: ويقف الجامع الأموي نموذجًا من نماذج العمارة الإسلامية الفريدة في هذا العصر.

الطراز العباسي: حيث تُعتبر مدينة سامراء النموذج الواضح لأسلوب الطراز العباسي التي بناها المعتصم 836م=221هـ.

الطراز المغربي: ولعلَّ أوضح مثال له هو قصر الحمراء بغرناطة بالأندلس.

الطراز المصري السوري: حيث بلغ فن الحفر والنقش والزخرفة في الأواني والتحف والأشغال الخشبيَّة ذروته في هذين القطرين.

الطراز الأيوبي: وهو نسبةً إلى عصر الأيوبيِّين الذين حكموا مصر وسوريا، وانتشر فيه نماذج متعدِّدة من الزخارف.

الطراز المملوكي: وهو كذلك في سوريا ومصر؛ حيث انتشرت الكثير من القصور والمساجد والمدارس التي اشتهرت بالأشكال النجمية التي تتبع للزخارف الهندسية.

الطراز الأموي

نشأ الفن الإسلامي في عصر بني أُميَّة، وكان الطراز الأموي -الذي يُنسب إليهم- أوَّل الطرز أو المدارس في الفن الإسلامي، فلما جاءت الفتوحات العربية، وامتدت الدولة الإسلامية واتسع نطاقها، واختلط العرب بأمم ذات حضارة زاهية أثروا في هذه الأمم كما تأثروا بهم.

اتخذ بنو أمية مدينة دمشق عاصمة للعالم الإسلامي، وكانت السيادة الفنية في عصرهم للبيزنطيين والسوريين وغيرهم من رجال الفن والصناعة الذين أخذ عنهم العرب الفاتحون، وقام على أكتاف الجميع الطراز الأموي في الفن الإسلامي، وبذلك فهو طراز انتقال من الفنون المسيحية في الشرق الأدنى إلى الطراز العباسي، على أن هذا الطراز كان متأثِّرًا إلى حدٍّ ما بالأساليب الفنية الساسانية التي كانت مزدهرة في الشرق الأدنى عند ظهور الإسلام.

وهكذا كانت العناصر الزخرفية لهذا الطراز مزيجًا من جملة عناصر ورثها عن الفنون التي سبقته، فبينما تظهر فيه الدقة في رسم الزخارف النباتية والحيوانية، ومحاولة تمثيل الطبيعة وغير ذلك مما تميزت به الفنون البيزنطية، نجد تأثير الفن الساساني في الأشكال الدائرية الهندسية وبعض الموضوعات الزخرفية الأخرى كرسم الحيوانين المتقابلين أو المتدابرين تفصلها شجرة الحياة المقدسة أو شجرة الخلد.

الطراز العباسي

هو الطراز الثاني من الطرز الإسلامية، ويُنسب إلى الدولة العباسية التي قامت في العراق، فانتقلت السيادة في العالم الإسلامي منذ ذلك الحين إلى العراق، فكان من الطبيعي أن يتخذ الفن الإسلامي اتجاهًا جديدًا، فغلبت الأساليب الفنية الإيرانية والطابع الإيراني على الأدب والحياة الاجتماعية.

والواقع أنَّ هذا الطراز -الذي يعتبر أول مرحلة واضحة في تاريخ الفن الإسلامي- أخذ الكثير من أصوله عن الفن الساساني، كما أنَّ الحفائر التي أُجريت بمدينة سامراء -التي كانت عاصمة للخلافة بين عامي (222-276هـ= 836-889م)- كان لها كلُّ الفضل في الكشف عن منجزات هذا الطراز الذي بلغ أوج عظمته في (القرن الثالث الهجري= التاسع الميلادي) وظهر أثره في الإنتاج الفني في مختلف الأقطار الإسلامية في القرنين (الثالث والرابع بعد الهجرة= التاسع والعاشر بعد الميلاد).

ويمتاز الطراز العباسي كما تمتاز الأساليب الفنية المأخوذة عنه ومنها الطراز الطولوني في مصر، بنوعٍ من الخزف له بريقٌ معدنيٌّ كانت تُصنع منه آنية يتَّخذها الأغنياء عوضًا عن أواني الذهب والفضة التي كان استعمالها مكروهًا في الإسلام؛ لِمَا تدلُّ عليه من البذخ والترف المخالفين لروح الدين الإسلامي، هذا فضلًا عن استخدام الجص بكثرة في تهيئة الزخارف حتى أصبح من المواد ذات الصدارة في هذا الطراز الإسلامي.

والتحف التي تُنسب إلى هذا الطراز متأثرة إلى حد ما بالأساليب الفنية الساسانية، وأكثر ما يظهر هذا في التحف المعدنية وفي المنسوجات التي كانت تصنع في العراق وإيران في القرنين (الثاني والثالث الهجريين= الثامن والتاسع الميلاديين)، كما أنَّ طريقة حفر الزخارف في الخشب أو الجص اتَّخذت طابعًا خاصًّا كان وقفًا على هذا الطراز دون غيره وهي طريقة الحفر المائل أو منحرف الجوانب.

والخلاصة أنَّ الموضوعات الزخرفية التي تتمثَّل في هذا الطراز يظهر فيها التحوير والتنسيق والبعد عن الطبيعة وتنحصر عناصرها في الأشرطة والجدائل والأشكال الحلزونية والخطوط الملتوية وكلها مرسومة بوضوح وحجم كبير.

الطراز الفاطمي

فتح الفاطميون مصر سنة (358هـ=969م) واتَّخذوها مقرًّا لخلافتهم فقام على يدهم الطراز الفاطمي وازدهر في مصر والشام، وقد وُفِّق الفاطميون في دقَّة التصوير والحركة دقَّة لم يُصبها الفنَّانون في مصر من قبلهم، كما كثر رسم الإنسان والحيوان على التحف التي ترجع إلى عصرهم، وازدهر فن التصوير، ولعلَّ خير النماذج على ذلك موجودة في التصوير والنقوش المرسومة على الجص التي وُجدت على جدران الحمام الفاطمي بمصر القديمة.

وللتحف الخزفية الفاطمية لمعان وبريق أخَّاذ، أمَّا تغيُّر ألوانها فمرجعه البريق المعدني الذي تمتاز به، أمَّا الزجاج فلم تكن زخارفه في بداية العصر الفاطمي تختلف كثيرًا عن زخرفته في عصر الطولونيين ولكنها أخذت تتطوَّر بعد ذلك في خطوات سريعة ليكون لها الطابع الفاطمي الخاص، ومن أرقِّ المصنوعات الزجاجية الفاطمية وأكبرها قيمةً فنية الزجاجُ المزيَّنُ بزخارف ذات بريق معدني.

وقد استخدم الفاطميون البللور الصخري في عمل كئوس وأباريق، وعلب وصحون، وفنجانين وأطباق، وقطع شطرنج وأختام وزجاجات متنوِّعة الأشكال، وكانت تُزيَّن بزخارف مقطوعة قوامها حيوانات أو طيور أو فروع نباتية مرسومة بدقة وانسجام فضلًا عن كتابات دعائية.

أمَّا المنسوجات الفاطمية فقد كانت عناية الخلفاء بها عظيمة، كما أصاب النسَّاجون أبعد حدود التوفيق في توزيع ألوانها واختيارها حتى صارت منتجاتهم آيةً في الجمال والإتقان، كما كان ابتكارهم عظيمًا في الرسوم والزخارف النباتية التي صورت بدقة سواءٌ في تفرُّعها أو التواءاتها، وقد كانت هذه المنسوجات تُرسم في أشرطة.

وقد كانت هذه الأشرطة تنحصر أحيانًا بين سطرين في الكتابات الكوفية أحدهما عكس الأخر، ثم أخذت هذه الأشرطة تتسع وتزداد عددًا حتى أصبحت تكسو سطح النسيج كله.

أمَّا الخشب فلدينا من تنوع الزخارف وجمال الصناعة، ما لم يصل إليه الفنانون بعد ذلك، وحسبنا محراب السيدة رقية والأبواب الفاطمية الضخمة المزينة برسوم آدمية وحيوانية وطيور، وقد تحفر الرسوم أيضًا على مستويين مختلفين، وهو أسلوب يدل ولا شك على براعة الفنان ومهارته.

الطراز المملوكي

يُعتبر عصر المماليك (648-923هـ= 1240-1517م) من أزهى العصور في تاريخ الفنون الإسلامية في مصر؛ فقد كان الإقبال عظيمًا على صناعة التحف النفيسة كما طغت الثروة الفنية على منتجات هذا الطراز من مختلف المواد.

وقد كان لصناعة التحف النحاسية المكفتة بالذهب والفضة منزلةٌ خاصة لدى المماليك، وقد وصل إلينا من هذا العصر تحف معدنية عظيمة من أبواب وكراسي وصناديق ومقلمات، وتمتاز بما يبدو عليها من خطوط نسخية تشير إلى اسم السلطان وألقابه أو إلى العبارات الدعائية التي يُسجِّلها الصانع على التحفة المقدَّمة إلى الأمير أو السلطان، هذا إلى جانب بعض الزخارف الهندسية متعدِّدة الأضلاع ومن بينها أطباق نجمية مملوكية.

وأبدع ما وصل إليه صنَّاع الزجاج المسلمون في العصر المملوكي يتجلَّى في المشكاة المموَّهة بالمينا، وأشكال هذه التحف الزجاجية وأحجامها وهيئاتها.

وذاعت في العصر المملوكي زخرفة الحشوات بالتطعيم، وذلك بإضافة خيوط أو أشرطة رفيعة من العاج أو الخشب النفيس كانت تُكسى بها التحف المختلفة، كالأبواب والمنابر، هذا فضلًا عن ازدهار صناعة الشبكيَّات من الخشب المخروط التي كانت تُستعمل في صناعة المشربيَّات والدكك والكراسي.

ومن الصناعات الدقيقة التي حَذِقَها الفنانون في عصر المماليك صناعةُ الفسيفساء الرخامية، وتتكوَّن من مكعبات صغيرة من الرخام مختلفة الألوان وتعشق في الأرضية على هيئة الأشرطة أو المعينات أو المثلثات أو الخطوط المتقاطعة والمتشابكة، وكان أكثر استعمالها في المحاريب والوزارات بالمساجد.

وازدهر في عصر المماليك الخط النسخ واحتل مركزًا ساميًا وصار من أهم العناصر الزخرفية على التحف من معدن وخزف وعاج ونسيج، كما استخدموه في كتابة المصاحف المملوكية التي كانت تُكتب للسلاطين لتُوقَف بأسمائهم في المساجد.

الطراز المغربي

يبدأ الطراز المغربي الصحيح في الأندلس والمغرب على يد دولة الموحدين، ويُلاحظ أنَّ الزعامة الثقافية في العالم الإسلامي المغربي كان مركزها في الأندلس في عصر الدولة الأموية الغربية (الدولة الأموية في الأندلس) وفي عصر ملوك الطوائف، ثم انتقلت هذه الزعامة إلى مراكش في نهاية القرن (11م= 5هـ).

ومن أبدع العمائر التي خلفها لنا هذا الطراز قصر الحمراء بغرناطة الذي يعود إلى القرن (الرابع عشر الميلادي= الثامن الهجري)، ويمتاز بجمال مبانيه ورشاقة أعمدته ذات التيجان المزخرفة بالمقرنصات، والجدران المغطاة بشبكة من الزخارف الجصية والكتابات الجميلة.

ومن المنتجات الفنية التي ازدهرت في الطراز المغربي تجليد الكتب وصناعة التحف الجلدية عامة، أما صناعة الخزف فقد ازدهرت في الطراز المغربي أيضًا، ويُعتبر الطراز المغربي أقرب الطرز إلى الطراز المملوكي.

الطراز التركي

سقط السلاجقة في (القرن 8هـ= 14م)، وآل الحكم في آسيا الصغرى إلى آل عثمان
(العثمانيين) الذين استطاعوا الاستيلاء على القسطنطينية سنة (857هـ=1453م)، ولعلَّ خير ما أنتج الترك من أنواع الفنون تظهر واضحة فيما خلفوه من تحف الخزف والقيشاني والسجاد والأقمشة الحريرية والقطيفة والمخطوطات.

أمَّا الخزف التركي فيمتاز بألوانه الجميلة وما فيه من رسوم الزهور والنباتات، أمَّا السجاجيد التركية فهي تُعدُّ بحقٍّ من أبدع الفنون الشرقية، التي تمتاز بالزخارف الهندسية البحتة، وسجاجيد الصلاة الصغيرة النفيسة ويمتاز معظمها برسم محراب في أرض السجادة.

الطراز الهندي

يُعتبر الطراز الهندي أقرب الطرز إلى الفن الفارسي، وقد تبلورت شخصية الطراز الهندي اعتبارًا من القرن (السادس عشر= العاشر الهجري)، وأصبح له طابعٌ مميَّزٌ وظواهر معمارية خاصَّة، أمَّا التصوير فقد امتاز بهدوء الألوان والقرب من الطبيعة ورسم الصور الشخصية، وتمتاز العمائر الهندية باستخدام العقود الفارسية، والمآذن الأسطوانية، والقباب البصلية، والزخارف الدقيقة.

وهكذا وعلى مرِّ كل تلك العصور نجد أنَّ الفن الإسلامي كان يتميَّز دائمًا بأنَّه فنٌّ يخدم الحياة في كلِّ أساليبه وطرقه، وأنه خُلق لأجل متعة الإنسان المسلم، ولأجل تذوُّقه للقيم الجماليَّة أينما كان، ولهذا ظلت الفنون الإسلامية باقيةً معنا حتى يومنا هذا نستخدمها في حياتنا ونتمتَّع بما بقي من آثارها السابقة من عمائر وتحف وأوانٍ ذات قيم جمالية وفنية عالية.

ويزخر التاريخ بنماذج لتخطيط المدن مثل المدن التالية:

مدينة الفسطاط.
مدينة سامراء.
مدينة بغداد.
مدينة فاس.
مدينة الكوفة.

معالم زخرفية تاريخية

وهناك معالم خالدة في الزخرفة الإسلامية لا تزال تقف شاهدةً على العصر بروعتها وجمالها ومن هذه المعالم:

قصر إشبيلية.
مئذنة الحلوية (تلمسان).
مئذنة المنصورة.
باب المنصور (مكناس).
قصر الحير الشرقي والغربي في سوريا.
جامع الزيتونة.
مدرسة القرويين.
قرطبة / المحراب الجامع الكبير.
الحدباء / المئذنة.
جامع المتوكل.


عوامل تكوين وحدة الفنون الإسلامية الزخرفية

إنَّ وحدة الفنون الإسلامية التي نلمسها في منتجات وعمائر البلاد الإسلامية من أقصى المغرب في مراكش العربي إلى أقصى المشرق في إيران والهند أمر يدعو إلى الدهشة، ويُثير الرغبة في البحث عن الأسباب والدوافع التي أدت إلى هذه الظاهرة الفريدة؛ لأنَّ هذه الأقطار في أصولها التاريخية مختلفة في: اللغة وأصول الجنس البشرى والعادات والعقيدة؛ وبالتالي فهي مختلفةٌ في مظاهرها الحضارية كطرز المباني الدينية والمدنية، وأدوات الحياة اليومية.

وقد أجمع الباحثون والدارسون على أن العقيدة الإسلامية التي انتشرت في هذه المنطقة الشاسعة بسرعة غريبة، كانت ذات أثر قوي في تحقيق هذه الوحدة؛ بحيث تغلبت على فوارق الجنس والتقاليد الوطنية المتوارثة.

ولعلَّ السرَّ الكامن في قوَّة وفاعليَّة العقيدة الإسلامية أنَّها ليست قاصرةً على العبادات؛ وإنَّما هي نظام للحياة؛ نظام يقوم على دعامات قوية ومتينة في المثل والقيم والمبادئ، وأنَّ هذه العقيدة تمتدُّ إلى شئون الفكر والآداب والعادات والمعاملات، وهناك عاملٌ آخر هو أن القرآن الكريم أُنزل باللغة العربية، وأصبحت عاملًا مشتركًا ورباطًا مميزًا في كل أعمال الفن، وبخاصَّةٍ أنَّ كراهية تمثيل الكائنات الحية جعل للغة العربية منزلةً خاصة، وهكذا أصبحت اللغة العربية والكتابة عاملين جوهريين في كلِّ ما أُبدع من أعمالٍ فنيَّةٍ في مشرق العالم الإسلامي ومغربه.

وهناك عوامل أخرى ساعدت على تكوين وحدة الفنون الإسلامية الزخرفية، منها تجميع العمال والفنيِّين من مختلف البلاد الإسلامية للتعاون في إقامة المنشآت العامة: كالمساجد الجامعة أو قصور الخلفاء؛ فعندما استقرَّت الخلافة الأموية في دمشق وضع نظام لاستيراد المواد الخام، واستقدام الأيدي العاملة الممتازة من كافَّة أنحاء الدولة، وكان المعلمون من المصريين والسوريين والفرس والروم يعملون جنبًا إلى جنب يتعاونون في تحقيق حركة البناء النشطة التي كانت تتزايد مع الأيام.

ويُعتبر المسجد رمزًا للفن الإسلامي؛ فهو مكان بسيط على شكل مربع أو مستطيل مستمد من المسجد الأول للرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وقد انعكست بساطة العقيدة، وعدم وجود قرابين أو تأليه لشخصيات دينية على المسجد؛ فكان -ولا يزال- بسيطًا في تخطيطه وتجهيزاته، ويُزين بالآيات القرآنية والزخارف النباتية والهندسية المجردة.

وأصبحت مسئولية المهندس المعماري المسلم تأكيد الهيكل البنائي بإثرائه بالزخارف النباتية المجردة والهندسية، والخط العربي بأنواعه، كما حرص الفنان المسلم على إثراء هذه البساطة المعمارية بالتنويع في الخامات المستعملة؛ فهو عندما يُقسِّم السطوح الموجودة أمامه على جدران المسجد إلى مساحات مختلفة الأشكال يملأ كلَّ مساحةٍ بعناصر زخرفية نباتية مجرَّدة أو هندسية، كما يستعمل الحجر والرخام والجص والفسيفساء وبلاطات القيشاني بحثًا عن القيم الجمالية التي تتميَّز بها كلُّ خامة، ذلك إلى جانب فتحات النوافذ التي تُشكِّل بدورها علاقةً جماليةً مع الجدران، وتُزيَّن في الوقت نفسه بالزجاج الملوَّن الذي يُضفي على المكان روعةً وجمالًا.

هذا الأسلوب لم يكن قاصرًا على المساجد وحدها؛ بل يمتدُّ بزخارفه المتعدِّدة ونوافذه المـُحلَّاة بالزجاج الملوَّن إلى البيوت والقصور وإلى جميع أنماط العمائر الإسلامية؛ فهو أسلوبٌ عامٌّ لكلِّ الإنتاج الفني الإسلامي بما في ذلك المنتجات الفنية الصناعية التي يستعملها الإنسان في حياته اليومية.

________________

المراجع:
- الكاتبة إيلينا سارناغو نوتيبولو: (الزخرفة في الفن الإسلامي).
- الكاتبة إيلينا سارناغو نوتيبولو: (علم الزخرفة الإسلامية).
- الفن العربي artehistoria.com.
- (الإرث الأندلسي) (legadoandalusi.es).
- cyberspain.com.
- قراءات نقدية في الزخرفة الإسلامية، تأليف: عبد الله سعيد مكني الغامدي.
- الطرز الإسلامية الفن في خدمة الحياة، هيام السيد.
- فنون إسلامية العين تسمع .. والأذن ترى ..!!، هيام السيد.
عادل عبد المنعم الدمرداش