اجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهاض
14-07-2020, 12:02 PM
اجهــــــــــــــــاض
اكتشف أنه ارتكب خطأ استراتيجيا كما يقول أهل السياسة.
سعاد حبلى منذ شهرين و هو لا يدري. لقد أخبرته أمس فقط..
- كارثة عظمى – فكر و هو يهرش رأسه بأظافره . لقد بدا له الأفق حالكا و ضبابيا و ينذر بعاصفة هوجاء.
فكر و فكر – سعاد حامل مفاجأة غير سارة –
شعر أن جبلا من الأوجاع يستقر فوق عاتقه. لم يسبق له أن عاش هذه التجربة من قبل.
كان خياله هائما و نظراته تسبح في المجهول و نهش الندم صدره بضراوة..
حدق في المرآة مليا. أبغض تلك الهالة الزرقاء تحت عينيه.
تلك الهالة تتسلل نحو جفنيه كلما صادف هما جديدا من هموم الدنيا.
لقد نسي أن يحلق ذقنه. و أحس أنه يشيخ و يشيخ..
شعر بمذاق الهزيمة و الانكسار و فكر في شحوب :
– سعاد غرزت خنجرا مسموما في خاصرتي –
أمسك الهاتف و هتف بنبرة جريحة :
- سعاد سوف نلتقي في نادي الفروسية عند العاشرة صباحا –
- أنا في انتظارك فلا تتأخر – أجابت سعاد باقتضاب.
تعارفا منذ فترة غير قصيرة في نادي الفروسية. كانت سعاد معروفة بلقب – الفارسة الأنيقة -.
تركت الريف و تركت أمها الكسيحة هناك من أجل الجري و راء الوظيفة و ربما الشهرة.
يعود الفضل لحصانها الأصهب. بفضله ظفرت بميدالية ذهبية لثلاث مرات متتابعة.
أما هو فكان يمتلك فرسا انجليزية سوداء اللون.و لم يكن يجيد ركوب الخيل في بداياته. في أحد الأيام ركلته الفرس بين فخذيه و كاد أن يغمى عليه من وطأة الألم..
لكن سعاد بعد التدريبات القاسية صنعت منه فارسا تخضع له كل الخيول. و توطدت العلاقة بين الفتى و الفتاة و نما بينهما شيء من الحب سرعان ما تحول إلى عشق طاغي تحدث عنه القاصي و الداني..
جلسا أمام طاولة الشاي. كان متجهم القسمات كأنه مقاول أفلس للتو..أو مقامر خسر في جولة من جولات القمار.
لكن سعاد كانت فاتنة هذا الصباح و يوشك الياسمين و الورد و الأقحوان أن يتدفق من خذيها الأسيلين.
أجال بصره في جسد الفتاة و استقر نظره فوق خصرها أخيرا و فكر طويلا – هناك كائن بشري يرقد و يتغذى و ينتفخ رويدا رويدا مثل البالون إلى أن تنفجر الفضيحة معه يوما ما –
تمنى لو يسحق ذلك الجنين بين أصابعه و يقذف به بين صفحات الماضي...
قطعت سعاد خيوط الصمت و قالت و هي ترمقه بعينين نجلاوين:
- أنا أعلم أنك عاتب علي يا فؤاد لكن صدقني إن الأمر كان فوق طاقتي و أفلت زمام الأمر من يدي –
كبت كل انفعالاته الساخطة بين أضلاعه و تصنع الهدوء و هتف في استسلام :
- أعرف عجوزا تقطن في شارع التحرير و سوف تسهل لك التخلص من الجنين –
امتقع وجه الفارسة الأنيقة فجأة أمام هذا القرار ( أو الأمر) و ردت بعد صمت قاتل :
- أخشى من الآلام فقد ترسلني تلك العجوز إلى المقبرة –
قاطعها في ثقة و قد استعاد بعض توازنه :
- العديد من النساء زرن تلك العجوز و كان الأمر أسهل مما تتصورين –
ثم أردف و هو يقترب أكثر من سعاد :
- لقد مررت عليها هذا الصباح و طلبت مني ثمانية آلاف دينار قبل أن تبدأ المهمة –
كانت سعاد تمشي الهوينى فوق الرصيف. قلبها ينبض من هول الجزع و التردد و الإشفاق. وصلت مع فؤاد إلى شارع التحرير..
دخلا إلى عمارة مسرفة في الارتفاع. التهما بسرعة تلك الأدراج المتناثرة و وصلا إلى مسكن العجوز أم السعد.
أطلت عجوز شمطاء خلف الباب . السنوات المتعاقبة ابتلعت كل أسنانها تقريبا. همست العجوز في خوف ظاهر :
- ما الذي حملكما على التأخر؟ هيا تفضلا بسرعة فأنا لا أريد متاعب جديدة مع رجال الشرطة –
تمددت سعاد فوق منضدة تنبعث منها روائح مقرفة..
تأملت مصباحا مثبتا بالسقف. بقايا الذباب كانت ترصع ذلك المصباح من كل الجوانب.
انحدرت دمعتان فوق خذيها الجميلين و أسلمت خيالها إلى شريط طويل من المشاهد...
حصانها الأصهب الجامح ..ملامح فؤاد المتجهمة..الميداليات الذهبية..والدتها الكسيحة هناك في الريف..و و و...
- آآآآآآآآآآآآآآآآآه . فؤاد أنقذني من هذا العذاب – صاحت سعاد رغما عنها. فهناك شيء معدني قاسي يعبث بين فخذيها...و تفاقمت حدة الألم أكثر فأكثر.
غمامة حالكة السواد أطبقت على بصر سعاد و سمعت صوت العجوز أم السعد منبعثا من أقاصي الأرض خافتا و بغيضا :
- سوف ينتهي كل شيء قريبا يا بنيتي –
صرخت سعاد صرخة مدوية. ربما كانت صرختها الأخيرة.
و اندفعت دماء حارة من أحشاءها و خيم هدوء حزين على المكان...حقا لقد انتهى كل شيء.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو المجد مصطفى ; 19-07-2020 الساعة 05:27 PM