حديث الصباح.. ثقافة السّلام أم دعوة للإستسلام؟
20-09-2019, 11:16 AM


التسامح معناه تجاوز الماضي و كل الخلافات و إعادة العلاقات إلى طبيعتها ، أي فتح صفحة جديدة مع الآخر دون محاسبة أو تقديم اعتذار للطرف المظلوم، و التسامح كما يراه المنظرون و إن كان قيمة إنسانية فهو يشعر الآخر بالهيمنة و أنه استطاع أن يسيطر على الوضع، فقد يجعله يتمادى في ظلمه إن مرت الأمور بشكل عشوائي، أي دون أن نوقف الظالم عند حده و نجعله يُقِرُّ بذنبه و يعترف بخطئه، فكم من الخلافات التي ادت إلى القطيعة بين الأفراد سواء داخل الأسرة أو المجتمع أو حتى بين الشعوب أي بين دولة و أخرى، و وقعت بينهما حروب ، لأن الطرف الأول تجاوز حدوده مع الطرف الثاني، و استغل طيبته، أو استولى على حق من حقوقه و لم يعترف بها، بسبب التعصب، كثير من يستغل طيبة الآخر فيتجاوز حدوده معه إلى حد أن يسلبه حريته و شخصيته بحجة أنه طيب و متسامح و نقول عن ذلك الشخص أنه ( ناس ملاح) ، لكننا في الوقت نفسه نشعر بالنشوة لأننا انتصرنا عليه و جعلناه يسامح، و نقول في أنفسنا: " مسكين، لقد تمكنا من الضحك عليه و استغلال طيبته".
يحدث هذا في مجتمعنا الجزائري و ربما في مجتمعات أخرى، و لا يتعلق الأمر بين أشخاص بلا تربطهما علاقة قرابة أو جيرة، بل حتى مع الأقرباء، و لو صادفهم أن ذلك الإنسان ( الطيب) حاول أن يذكرهم بأخطائهم و أنهم لم يفكروا مجرد التفكير أن يقدم اعتذارا، لقالوا أنه ضد التسامح و ضد ثقافة السّلام، و قد يصفونه بالتعصب و العنجهية، و مثل هذه السلوكات لا تأتي طبعا إلا من شخص يريد أن يصطاد في الماء العكر، لقد دعا كثير من المنظرين في قضايا السلام و التسامح، و تجاوز أخطاء الآخر إلى التفريق بين التسامح و الإحترام ، و التفريق بين السلام و الإستسلام، مثلما ذهب في ذلك الفيلسوف الفرنسي جان جوراس، طبعا لا أتسامح مع من لا يحترمني و يصر على عدم احترامي، أو يقفز على الخطوط الحمراء، لا أتسامح مع من يصر على الإساءة إليّ، أو استفزازي بشكل من الأشكال، أتجاوز عن أخطائك عندما تعتذر، و تبدأ حريّتي عندما تنتهي حريتك.
ليس عيب أن نعترف بأخطائنا، ليس عيب أن نقر بذنوبنا ، و ليس عيب أن نعتذر لمن أخطأنا في حقهم، و أن نطلب السماح منهم، و لكن العيب كل العيب أن نتمادى في أخطائنا و نعتقد الآخر أنه ساذج و لا يفهم، فالحديث عن التسامح يجب أن يقابله كلام عن الحق المشروع و الإعتراف به، فماذا يعني أني أسامحك و أنا بداخلي مازلت أشعر بالظلم؟ بداخلي جرح لم يندمل؟ لا ينحصر هذا الكلام في الصراعات بين الشعوب كما نراه في فلسطين مثلا، و إنما بين أفراد المجتمع الواحد وبين الأفراد داخل الأسرة الواحدة، و إمّا فنحن أمام واقع مفروض علينا، هو أن نكون جبناء، أذلاء ( رْخَاسْ)، و نردد ما قاله محمود درويش: ( ما فات فات.. و من مات مات.. سأقضي على الذكريات.. سألغي احتفالات يوم الشهيد لننسى الضغينة.. سأحرث مقبرة الشهداء الحزينة و أرفع منها العظام لتدفن في غير هذا المكان، فرادى فرادى..الخ).
علجية عيش
عندما تنتهي حريتكَ.. تبدأ حريتي أنا..