أيا جلساء الفضل ذوي الأصل في النسب، ويا خلاّن وأحبة العلم والأدب.
كُتب عليّ ولأعوامٍ مضت أنني ألفتُ رحلة الاغتراب، واصطليتُ بلظى الترحال.
ومع ذلك فقد ورثتُ على ذلك ـــ بحمد الله ـــ صبراً، مما أكسبني في عيشي جدًّا وحزماً.
وكما يقال:
لا خير في من يعرف بقاعٍ أراضٍ أخرى، وهو يجهل أرض الأجداد.
إذن فذروني أرشم لكم بالكتابة عن ذلك
وكأنني أقطف لكم ثمر الحديث أطيبَه، ومن خبر الشوق إلى تلك البلاد مع الود والصدق أعذبَه، ومن حفظ الحب لربوعها ومضاربها أعجبَه
وإلى مضارب " بني مزغنة " كان بالبحر سفري.
أيها الخلانّ
على رسلكم، وخففوا الوطء إنكم بـ " إيكوسيوم "
ولمّا تراءت لي من عرض البحر.
فأمعنتُ النظر، وأكثرتُ البصر. فعاد إليّ البصر يخبرني أنني أقترب من قلعة من قلاع العروبة والإسلام.
التي تكسرت على أعتابها كل أطماع الأعداء الحاقدين.
إنها " الجزائر "
عاصمة البلاد، وقعلة الجزائريين الشداد.
مدينة رأيتها وقد توّجت بالأبيض ذي النقاء والصفاء، نقاء وصفاء أهلها.
وقد تمهدت سبل العمران، فصارت " بهجة " تسر الناظرين.
وصدق من سماها " البهجة "
إذ برز لي " الأوراسي " وهو يطلّ من الأعالي، فيبتسم له " مقام الشهيد " بمنظره الفتان ليحكي للأجيال ملحمة " مليون ونصف مليون شهيدًا " ، وكيف نقلت صوادح الطير إلى أصوات الرشاش تحييها بالتغريد، وعاصمة " قبلة الثوار " تخلد ذلك بالتمجيد.
فطاب لي بها المقام.
رباع ومضارب " سيدي عبد الرحمن الثعالبي " فما أبهجها! وما أبهاها!
فتبزغ الشمس على " بوزريعة " فكأنّ اللجين يذوب على فروعها، وقبل الغروب وكأنها تغزل خيوطًا من عسجدٍ فترسله على " باب الوادي " ، فيسفر القمر مستنيرًا بزينة على " القصبة " في سكون ليلها الهادي.
وما أصدقه من قائلٍ:
أمسيتُ صبًّا بالجزائر لا ** أعدم شجوًا ذبت من لفحتها
فإن تسأل الأحباب عن نزلي ** فها أنا أنعم في جنتها
والشمس أولتها أشعتها ** والبدر حلاه بتحليتها
وخيّم المجد بساحتها ** وفاض بحر الجود في بردتها.
لا شيء سوى أنها " البهجة " مدينة الجزائر ، ذات الجمال الباهر، وحلول مغانيها وأماكنها النواضر، والتي غص وحقد على بهجتها كل عدوّ كافر.
وكم تربص بها كل حاقد الدوائر .
ومع ذلك بقيت شامخة يحكى أهلها للورى أروع البطولات، وللمرء أن يتأمل الدرس بـ " معركة الجزائر" ففيها الخبر اليقين.
وبعد أيامٍ وأنا أتجول في أزقتها، مبانيها وشوارعها وجادتها.
فيممت إلى " الحامة " وحديقتها.
فلم أجدها حديقة بل شتى حدائق، وعشبها كأنه زرابي ونمارق.
وقد أعارها الله ذلك النظر الجميل، بساتين أزهارٍ بنباتٍ أصيل.
تلحف كل ذلك بالبجهة إشراقا، وألبسها نضرة وإيراقا.
لا شيء سوى أنها في مدينة الجزائر.
تنفرج بها كل غمة، ويفتخر برجالها كل أمة.
وما أصدقه من قال عنها:
بلدٌ أعارته الحمامة طوقها ** وكساه حلّة ريشه الطاووس.
ولي عودة بالكلام عنها.
لأنني زرتها مرارًا، وفي كل مرة وجدتُ ما يسر الناظر، ويبهج الخاطر.