بؤس الواقع ام بؤس المفاهيم؟
18-10-2007, 09:35 AM
بسم الله الرحمان الرحيم


تعيش الأمة الإسلامية اليوم واقعا مريراً، فمن احتلال عسكري لبلاد المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان، إلى غزو فكري وثقافي لعقول المسلمين، لانتزاع الإسلام ومفاهيمه من أذهان المسلمين وزرع أفكار الكفر مكانها، وجرّاء هذا الواقع المرير للأمة الإسلامية، ألف بعض المسلمين العيش في هذا الظلام، وقبلوا "بالأمر الواقع"، بينما حاول البعض الاخر تغيير هذا الواقع بجعل هذا الوقع المرير هو مصدر التفكير، فأخفقوا في تغيير الواقع بل أخذوا هم شكل الواقع، وبدل أن يكونوا أداة لرفع الأمة من هذا المستوى الهابط، أصبحوا هم جزءاً من هذا الواقع الذي يحتاج إلى تغيير.

إن نهضة الأمة الإسلامية بالتغيير الجذري لكل المفاهيم الفاسدة التي سيطرت على أذهان أبناء الأمة الإسلامية هو عمل جبّار ، يحتاج من أصحابه إلى الثبات على المبدأ مهما حاول البعض صرفهم عنه، وذلك بجعل الواقع موضع التفكير لتغييره وفق أحكام الإسلام، لا أن يكون الواقع المرير هو مصدر التفكير
فالواقعية وهي جعل الواقع مصدر التفكير من أكثر المفاهيم خطورة على الأمة الإسلامية وعلى مريدي النهضة للأمة الإسلامية، وللأسف الشديد فإننا نرى هذا المفهوم ( الواقعية) منتشر حتى في أوساط المسلمين الذين يدّعون العمل لنهضة الأمة الإسلامية، فبدل أن تحدد المفاهيم شكل المجتمع، أصبح الواقع السيء للأمة هو الذي يحدد المفاهيم لأفراد هذا المجتمع، حتى أصبحت طريقة تغيير المجتمع مأخوذة من الواقع.
إن لنا أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم في تغيير للمجتمع الجاهلي في مكة المكرمة، فهو لم يساوم ولم يداهن، بل كان سافرا متحديا من أول يوم في الدعوة، فحين كان صلى الله عليه وسلم في قمة الأذى والضعف كان يقول : (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أَهلك فيه ما تركته)، وكانت الايات تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذره من الركون للمشركين ، قال تعالى :{وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً }الإسراء74، فجعل صلى الله عليه وسلم واقع المجتمع في مكة موضع التفكير لا مصدرا للتفكير، فنجح في تغييره حين دخل مكة فاتحا
أيها المسلمون :
إن ما نراه اليوم من رضى بالواقع المرير هو ناتج عن المفاهيم البائسة التي يحملها المسلمون في أذهانهم، ورضاهم بأن يكون الواقع هو المتحكم في تفكيرهم، وما الرضى بالحلول الاستسلامية والخيانية إلا نتيجة لجعل الواقع مصدرا للتفكير، حتى أصبح من المستهجن والمستغرب لدى الكثير من المسلمين أن يتم الحديث أمامه عن مشروع نهضة للمسلمين باستئناف الحياة الإسلامية، فتكون أول كلمة في وجه من يعمل لإنهاض الأمة الإسلامية هي " كن واقعيا".
أيها المسلمون : يجب علينا نبذ هذا المفهوم من أذهاننا فالواقع ليس مصدرا للتفكير بل هو موضع للتفكير، فالإحساس بالواقع السيء يجب أن يؤدي إلى الفكر أولا، ومن ثم يؤدي هذا الفكر إلى العمل، وهذا هو الذي يمكّن من الارتفاع عن الواقع، ويمكّن من العمل للانتقال إلى الأوضاع الحسنة انتقالاً انقلابياً. فالذي يحس بالواقع ثم يعمل، لا يعمل لتغيير الواقع بل يعمل لتكييف نفسه حسب الواقع، فيبقى متأخراً منحطاً. والذي يحس بالواقع ثم يفكر في كيفية تغييره، ثم يعمل بناء على هذا التفكير، هذا هو الذي يكيف الواقع حسب مبدئه ويغيره تغييراً كلياً

: في امان الله