جاهلٌ، ومتجاهل، ومتحامل
22-05-2016, 12:47 PM
جاهلٌ، ومتجاهل، ومتحامل
محمد الهادي الحسني

هذه ثلاثة أدواء، أوّلها: بسيطٌ يمكن علاجُه ولو صاحب صاحبَه مدة طويلة، فيكفي أن يجلس الجاهل فترة قصيرة أمام معلِّمٍ، فيعلِّمه القراءة والكتابة، وهذا ما نراه في برامج:"محو الأمية"، وكم من مناضل جاهل تعلَّم في سجون العدوّ على أيدي أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وخرج من السجون ليكمل تعليمه بعد طرد العدوّ الفرنسي الذي فرض الجهل على الجزائريين.
وأما المرضان الآخران "التجاهل" و"التحامل"، فيستحيل، أو يصعب جدا، علاجُهما، لأنهما ليسا مرضين عضويين، بل هما مرضان نفسيان،: يدلان على عقدة نفسية مسيطرة على المصاب بهما أو بأحدهما، وقديما قال حكيم: "تزول الجبالُ من أماكنها، ولا تزول الطبائع من صاحبها"، وإنَّ مثل المصاب بأحدهما أو بكليهما: كمثل من قال فيهم الله –عز وجل-:[ وَمَا أَنْتَبِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور].
أقول ما قلت: تعقيباً على بعض الكتابات التي تعرّضت لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالسوء، وإن أصحاب تلك الكتابات ليسوا جاهلين، ولكنهم: "متجاهلون" ومتحاملون": مما يذكِّر ببيت أبي الطيب المتنبي، الذي لا يحبه:"أشباه الرجال!!؟"، وهو:
أفاضل الناس أغراض لذا الزمن ÷ يخلو من الهمّ أخلاهم من الفطن

إن تلك الكتابات مما قرأناها ومما سمعناها: لا تهدف إلى البحث النزيه، والمناقشة الموضوعية للوصول إلى الحقيقة التاريخية، ولكنها تهدف إلى تشويه الحقيقة بمغالطة الناس.. وتدلّ على أن أصحابها ينطوون على قناطير مقنطرة من الحقد والحسد، ولكن كلامهم ينطبق عليه قول أبي العلاء: حكيم المعرّة، وهو:"كما نبح الكلب ضوء القمر".. وينطبق عليه المثلُ السائر القائل: "لا تعدم الحسناءُ ذامّا".
إذا كان مجرد الخروج من الجزائر يعتبره الإمام ابن باديس:"فرارا من الزحف"، وهو من أكبر الكبائر –إن كنتم تعلمون معنى الكبائر– ومصير صاحبها: استحقاق اللعنة مع إبليس في سواء الجحيم، فكيف تكون الدعوة إلى الاندماج الذي هو: استبدالُ الذي هو أدنى بالذي هو خير!!؟، وهو التنكر للدين وللوطن!!؟، مالكم لا تعقلون!!؟.
إن الكلام الذي يقوله عُمْيُ الأبصار والبصائر من: أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دعت إلى الاندماج، وأن ابن باديس نفسه دعا إلى الاندماج، يدلّ على:" فكر عقيم، وفهم سقيم، وغباء عظيم!!؟".
فإذا كان الاندماجُ عند بعض السياسيين: مرفوضاً سياسياً، فإنه عند جمعية العلماء: مرفوضٌ دينياً.. ولهذا أنهى بعض السياسيين الرافضين بأفواههم للاندماج حياتَهم في حضن فرنسا، وفي حمايتها بعدما كانوا:"ورقتها الرابحة"، واسمعوا أيها المتجاهلون المتحاملون على الإمام من الإمام قوله وهو يخاطب الذين كانوا يصيحون على لسان أحدهم يُسمى الأحمق:"نحن لاتينيون"، اسمعوا لسيِّدكم يقول:{ إنكم لا تمثِّلوننا، ولا تتكلمون باسمنا، وإنَّكم في وادٍ، والأمَّة في واد}، ثم اسمعوا كلاماً أوضح وأصرح: يفهمه حتى:"طويل الأذنين":{ إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت، بل هي بعيدة عن فرنسا كل البُعد في لغتها، وفي أخلاقها، وفي عنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج، ولها وطنٌ محدود مُعيّن هو: الوطن الجزائري بحدوده الحالية المعروفة}.
لو قبِلت الجمعية فكرة الاندماج ودعت إليه، فلماذا تضطهد فرنسا أعضاءَها؟، ولماذا تزجّ بهم في غياهب السجون؟، ولماذا تغلق مدارسها؟، ولماذا تمنع أعضاءها من الوعظ في المساجد؟، ولماذا توقف جرائدها أيها "الصّمّ، البكم، العُمي!!؟".
إن هؤلاء:"النطيحة والمتردّية والمنخنقة..." عندما لا يتكلمون من أفواههم عن الجمعية ينطبق على كل واحد منهم: قول القائل:
إن الحوادث ما عُلمت كثيرة ÷ وأراك بعض حوادث الأيام

إن أصواتكم ما ارتفعت إلا لتنخفض، وما علت إلا لتتسفل، وما تضخمت إلا لتهزل.
هل لجمعية العلماء سلطانٌ على المؤرخ الفرنسي:( شارل أندري جوليان)، ليقول:" إن العلماء هم الذين أيقظوا الرأي العام من سباته؟".
وهل للجمعية سلطانٌ على الكاتب والسياسي الفرنسي:( جان لاكوتير)، ليقول: " إن مجددي فكرة الوطن الجزائري هم بالأحرى: هؤلاء الذين أسّسوا جمعيةالعلماء، أي الشيخ ابن باديس، وأشدّ أتباعه حماسة كالشيخ الإبراهيمي".
أتظنون أن هذا الشعب يُكبِر ابن باديس كل هذا الإكبار، ويبجِّله كل هذا التبجيل: لو شمّ فيه –مجرد الشمّ– رائحة الاندماج والدعوة إليه!!؟.
إن محاسن ومناقب ابن باديس وجمعية العلماء: صارت عند:"أمخاخ البعوض: مثالب..!!؟".
وهل للجمعية سلطانٌ على المؤرخ الإنجليزي:( ألستير هورن) عندما يقول: "إن ما قدّمه العلماء لإثارة إحساس الجزائريين بالوعي الديني والقومي يفوق ما قدّمه غيرهم".
صدق الشاعر مفدي زكرياء الذي تقزز من مثل هذه القذرات فقال:
وتقرف آنافَنا القذراتُ ÷ فلم تُجدِ في صرفها أيّ حيله

إننا نعرف بالأسماء الذين كانوا يسارعون في فرنسا اللعينة: استرضاءً لها، لعلها ترضى عنهم، وهم الآن عند بعض السفهاء:"وطنيون!!؟"، كما نعلم أن فرنسا هي التي سعت – بطريقةٍ مباشرة وغير مباشرة – إلى الجمعية –أو أحد قادتها– لإصدار بيانٍ لمساندة فرنسا عندما لاحت نُذرُ الحرب العالمية الثانية، لأنها –فرنسا– تعرف مكانة الجمعية عند الجزائريين، كما تعرف مكانة "أحبابها" عندهم!!؟، فلما استعصم "الرجال" بالله، وأبوا أن يذلوا وهم الأعلون، ورفضوا –جميعا وأشتاتاً– أن يعطوا الدّنيّة في دينهم ووطنهم ورجولتهم وعمائمهم: مسّتهم فرنسا اللعينة بالجبر والنفي..
إن الزعامة والطريق مهولة ÷ غير الزعامة والطريق أمان

إن من يحاول الإساءة إلى جمعية العلماء، وإلى قادتها العظام: كمن يبصق على الشمس!!؟، فلا يلبث بصاقُه حتى يرتدّ على وجهه "القبيح".. وقد حاول ذلك أحدُ "الأصنام" البشرية فنُسِي في حياته، و"مات قبل أن يموت"، وبقي اسمُ جمعية العلماء، وأسماء قادتها كلآلئ على جبين الجزائر، وعلى رؤوس الجزائريين الشرفاء، الذين لا يبخسون الناس أشياءهم، ولا يتنكرون لجهود الرجال الذين:"لم يأكلوا التين بالدين"، ولم يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا... ولم يتخذوا:" فرنسا وليّة من دون المؤمنين"، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم:
[كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ].