من هنا سيصطاد "صواعق" الدرك غشاشي "الباك" في لحظات
24-05-2016, 01:11 PM


ربورتاج: نوارة باشوش

صحافية بجريدة الشروق اليومي مختصة بالشؤون الوطنية والأمنية
ADVERTISEMENT


أياما قليلة قبل انطلاق امتحانات شهادة البكالوريا، يسابق المركز الوطني لمكافحة الجرائم المعلوماتية، التابع للدرك الوطني، الزمن ليكون في موعد الحدث وبالمرصاد لكل محاولات الغش، الذي استشرى خلال السنوات الأخيرة، الذي بقيت الإدارة عاجزة عن كبحه حتى الآن رغم التهديد والوعيد، الذي صدر مرارا وتكرارا عن وزراء القطاع غداة كل فضيحة تهز المدرسة الجزائرية.


"الشروق" انتقلت إلى المركز الكائن مقره ببئر مراد رايس بالعاصمة للاطلاع عن كثب على كل مجريات التحضيرات التقنية لهذه المهمة الشاقة، حيث وقفت على تنصيب "خلية أزمة"، تتكون من محققين أكفاء ومختصين تقنيين في مكافحة الجرائم المعلوماتية لتتبع جميع مجريات امتحانات نهاية السنة خاصة شهادة البكالوريا.

"خلية أزمة" للحفاظ على مصداقية البكالوريا
عقارب الساعة كانت تشير إلى التاسعة والنصف صباحا، عندما وصلنا إلى مركز الوقاية من جرائم الإعلام الآلي والجرائم المعلوماتية والحماية منها ومكافحتها، التابع لقيادة الدرك الوطني.
تم استقبالنا من طرف رئيس المركز، العقيد جمال بن رجم، الذي أكد أن كل التحضيرات الخاصة بتأمين الامتحانات، خاصة شهادة البكالوريا، إلكترونيا قد انتهت، وأن المحققين كلهم مستعدون لمراقبة جميع مواقع التواصل الاجتماعي لإحباط أي محاولة غش والحفاظ بكل الطرق على مصداقية البكالوريا الجزائرية.
وأضاف بن رجم أنه، بطلب من وزارة التربية، تم تنصيب "خلية أزمة" على مستوى المركز، تتكون من محققين أكفاء مختصين في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية، مشددا على أنه سيتم هذه السنة التعامل بشكل صارم مع كل من ضبط في حالة غش بواسطة وسائل التكنولوجيا الحديثة أثناء اجتياز امتحانات الباكالوريا وهذا حفاظا على مصداقية هذه الشهادة المصيرية.

"صواعق" الدرك لرصد الغشاشين

وبينما كانت "الشروق" تتابع بالقاعات المخصصة لمجريات امتحانات نهاية السنة، وقفنا على كيفية عمل "صواعق" الدرك المختصين في محاربة الجريمة المعلوماتية، حيث إن الكل في موقعه والتعليمات تقول: "لا مجال للخطإ" من خلال المراقبة الدقيقة لكل المواقع التي يستعملها الغشاشون باستعمال تقنيات الجيل الثالث " G3"، إذ يقومون بنشر الأسئلة خاصة عبر موقع "الفايسبوك" لغرض الحصول على الإجابة. وعلى هذا الأساس، تم تجنيد رجال الدرك لرصد جميع محاولات الغش المحتملة في الشهادة المصيرية المزمع تنظيمها في الـ 29 ماي الجاري. وهذا لتفادي تكرار سيناريو 2015.
وأكد مدير المركز أن ما طبع بكالوريا 2015 هو تورط العديد من المترشحين في الغش، باستخدامهم تقنيات الجيل الثالث، حيث أقدم هؤلاء على تصوير أسئلة الاختبار بعد مرور ربع ساعة على انطلاق الاختبار ونشرها مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقع الفايسبوك لكي يتلقوا فيما بعد الأجوبة من الخارج وعن طريق نفس التقنية.
وبطلب من وزارة التربية الوطنية، فتحنا تحقيقا في القضية، فتمكنا من تحديد هوية المتورطين، كما تم إحالة أزيد من 50 ملفا، يتعلق بالغش، على الجهات القضائية، مؤكدا وجود أولياء تورطوا مع أبنائهم في ممارسة الغش، مشددا على أن أصعب شيء يواجهه المحقق أثناء إجراء التحقيق هو الكيفية التي يصل بها إلى الكشف عن الهوية الإلكترونية للمجرم. وذلك من خلال جمع الأدلة الكافية في الفضاء الافتراضي والقبض عليه. ومن ثم تقديمه إلى العدالة.

500 جريمة تهديد وابتزاز واختراق للمواقع الرسمية
وبلغة الأرقام، كشف العقيد بن رجم أن مصالحه عالجت أكثر من 500 جريمة رقمية، خلال سنة 2015، منها 300 جريمة تتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، و20 جريمة رقمية تعلقت باختراق مواقع رسمية لمؤسسات خاصة وعامة، استهدف مجرموها أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات.
وأضاف العقيد بن رجم أنه من بين 300 قضية مسجلة، تعرض عدد من البرلمانيين والوزراء وإطارات عليا في الدولة إلى عمليات ابتزاز وتهديد بنشر الصور أغلبها مركبة، إلى جانب التشهير ونشر الأسرار الشخصية لهم، إلا أنه يضيف المسؤول ذاته، تطغى جرائم التهديد بالتشهير عبر "الفايسبوك" على القضايا التي تعالجها مصالحهم، حيث تتلخص هذه القضايا في قيام محترفي الجريمة الإلكترونية باستغلال صور الأشخاص، خاصة المخلة بالحياء وكذا الفيديوهات وحتى الوثائق والرسائل النصية، وجعلها وسيلة ضغط وتهديد للأشخاص والعائلات.
وتأتي فئة النساء، يقول العقيد جمال بن رجم، في مقدمة الفئات المستهدفة من قبل مجرمي مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "الفايسبوك"، حيث يقوم هؤلاء بالتعدي على حرمتها الجسدية من خلال التصوير المخل بالحياء ثم يقومون بمساومتها على دفع مبلغ مالي مقابل عدم نشر الصور، كما تقع الكثيرات منهن ضحايا للتصوير الخفي.
وأضاف نفس المسؤول أن الجريمة المعلوماتية باتت تستهدف المؤسسات والشركات، من خلال الاستيلاء على المعلومات والمعطيات، لذلك ظهرت الحاجة إلى تأمين البرامج وحماية المحتويات، خاصة تلك التابعة للدولة والإدارات العمومية، مشددا على أهمية سن التشريعات اللازمة لمواجهتها وإنشاء الأجهزة والهيئات المتخصصة للوقاية منها ومكافحتها على مختلف الأصعدة منها القضائية والإدارية والأمنية.
أما فيما يخص الجرائم الإلكترونية المتعلقة بالجماعات الإرهابية المتطرفة، فقال المتحدث إن وحدات الدرك الوطني تلعب دور اليقظة والرقابة والتنبيه من جميع الأعمال الإرهابية وكذا الإشادة بها، مشيرا إلى أن مصالحه تعمل بالتنسيق مع أجهزة أمنية دولية لمكافحة جميع أنواع الجرائم الإلكترونية، خاصة التي يتورط فيها أشخاص يقيمون خارج التراب الوطني.
وأردف رئيس المركز، المتخصص في محاربة الجريمة الإلكترونية، أن نسبة نجاح مجمل التحقيقات التي باشرتها وحدات الدرك الوطني فاقت 95 في المائة.
وذلك باستعمال تقنيات حديثة ومتطورة، موضحا أن التحدي الكبير الذي يواجهه المحقق أثناء إجراء التحقيق هو الكيفية التي يصل بها إلى الكشف عن الهوية الإلكترونية للمجرم. وذلك من خلال جمع الأدلة الكافية في الفضاء الافتراضي والقبض عليه، ومن ثم تقديمه إلى العدالة.

4 ملايين جزائري يبحرون في الفضاء الأزرق يوميا

وعن أسباب ارتفاع القضايا المعالجة من طرف المركز، الذي دخل الخدمة سنة 2009، التي بلغ عددها 102 قضية خلال سنة 2014، أي بارتفاع نسبته 20 في المائة خلال سنة، قال العقيد بن رجم إن الإحصائيات الأخيرة كشفت عن أكثر من 8 ملايين جزائري مشترك في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، وإن أكثر من 3 ملايين و600 ألف شخص يبحرون في الفضاء الأزرق يوميا بشكل منتظم.
وقال بن رجم إن مصالح الدرك تقدمت بمبادرة في إطار حماية الأحداث على شبكة الإنترنت وحماية القصر والشباب من الخطر الذي يحدق بهم في الفضاء الافتراضي، بتشكيل مكتب مختص يتكون من أعضاء تلقوا تكوينا دوليا، يعمل هذا المكتب بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية على تحسيس الشباب القصر والأطفال الذين يبحرون في العالم الافتراضي.

صاحب صفحة التحذير من الردارات في قبضة الدرك
وفي إطار مكافحة الجريمة الإلكترونية، علمنا في عين المكان كيف تمكن المحققون من معالجة قضية غريبة نوعا ما، حيث تمكنوا من تحديد هوية شاب فتح حسابات بموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، وحولها إلى فضاء يتوفر على معلومات حول أماكن ومواقيت نصب أفراد الدرك أجهزة الرادارات على مستوى الطرقات السريعة ومحاور فرعية وسط وشرق البلاد، ما مكن السائقين من تجنبها والإفلات من الرقابة، حيث تعقب المحققون نشاط المشرف على إدارة الفضاء الافتراضي، وانتهوا إلى تحديد هويته.
وحسب ما كشف عنه أحد المحققين، فإن القائم على إدارة هذا الفضاء نجح في استقطاب الكثير من السائقين لينخرطوا معه في النشاط، ليتفاعلوا معه ويقدموا له معلومات حول الرادارات في المناطق الموجودين بها، من خلال كتابة تعاليق ومشاركات على جدران تلك المواقع، حتى يستفيد منها الجميع ويهتدوا بها أثناء تنقلاتهم اليومية.
وعلى مستوى الموقع الأزرق، يقول محدثنا، قام المجرم بفتح حسابات بمسميات مختلفة كـ"أنتي رادار ألجيري" و"رادار أين ألجيري"، وهي مجموعات مغلقة يتبادل فيها المشاركون أخبارا عن إجراءات رجال الأمن فيما يخص الطرقات، وكذا عن الحيل التي يمكن توظيفها، على شاكلة "رادار على مستوى الطريق السيار شرق غرب"، أو "على مستوى محول ما"، ليتفاعل معه المشاركون بالتعليق والكتابة عن المناطق الموجودين بها.
ونالت تلك الحسابات إعجاب الكثير من الجزائريين، حيث انخرط فيها أكثر من 30 ألف مشارك، ويتفاعل معها يوميا أكثر من 300 شخص بتقاسم النشريات والتأشير عليها بالإعجاب، قبل أن يطيح جهاز الدرك بالقائم على إدارتها واستجوابه وإحالته على العدالة.