لماذا جمعية العلماء!!؟
25-05-2016, 04:54 PM
لماذا جمعية العلماء!!؟
التهامي مجوري
لو أحصينا ما يكتب عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من همز وغمز ولمز في إطار ما كتب عن الحركة الوطنية من دراسات وتحليلات وتقييمات: لوجدناها صاحبة الحظ الأوفر منه فيما يكال من تهم وادعاءات ومعلومات مزيفة، ولوقفنا على الكثير من الاستنتاجات الخاطئة والادعاءات الكاذبة، وأبرزها: أن جمعية العلماء لا علاقة لها بالنضال التحرري الذي تنعم الجزائر ببركاته.
فبعضهم: يرى أنها من دعاة الاندماج، ولم تكن تدعو إلى الاستقلال!!؟، ومنهم: من يرى أن الجمعية ليس لها دور سياسي أصلا؛ لأنها جمعية دينية أخذت عهدا على نفسها: أنها لا تتدخل في السياسة، وعندما اندلعت الثورة قال بعضهم: إنها لا علاقة لها بها!!؟، إذ لم يلتحق رجالها بالثورة إلا ابتداء من 1956.. ومنهم من اضطر إلى تصنيف رجال الجمعية إلى ثوريين وغير ثوريين: ليثبت التهمة على الجمعية، وينفيها عن بعض رجالها، وبعدما استنفذت الجهود في النيل من الجمعية بهذه الادعاءات التي طال أمدها: شرع القوم في تلمس معلومات من حياة رجال الجمعية الشخصية لتساعدهم على تثبيت تلك الادعاءات التي لن تصمد أمام الحقائق التاريخية التي ستغربل كل ذلك، ويحق الحق، ويبطل الباطل، ولكن بعدما تؤدي هذه الادعاءات مهمتها في تأجيل طعم الاستقلال الحقيقي، واستبعاد كل ما يخدم المجتمع الجزائري إلى حين، والذي لا يزال يتشوف إلى حقيقة الحرية التي دفع لأجل الحصول عليها: أغلى وأنفس ما يملك.
وما يدمي القلب: أن تلك الادعاءات لم تكن لمجرد أشخاص لهم آراؤهم التي يتحملون مسؤوليتهم فيها، وإنما كانت من مقررات مادة التاريخ في المدرسة الجزائرية التي صنفت الجمعية –ردحا من الزمن- في خانة الفئات الاندماجية التي لم تكن تؤمن بالاستقلال والمطالبة به!!؟.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هو لماذا كل هذه المواقف السلبية من الجمعية يا ترى؟، ومن وراءها؟، ومن المستفيد منها؟، ولما هذا الإصرار على إدانة الجمعية على شيء: لم تفعله ولم تقصده، ولم تفكر فيه أصلا..
قرأت مرة لأستاذ جامعي في كلية التاريخ قوله: إن جمعية العلماء ليست من دعاة الاستقلال، وإنما يوجد فيها من يؤمنون بذلك أمثال: محمد البشير الإبراهيمي والعربي التبسي..؛ بل هي جمعية انحرفت عن الإسلام، لأنها تطالب بفصل:"الدين عن الدولة"!!؟.
فإذا كان هذا هو: رأي رجل التاريخ، فلا لو ولا عتاب على غيره ممن تبنوا هذه الأطروحة "البايخة".
وللإجابة عن هذه التساؤلات: يمكنني أن أضع بين أيدي القراء الكرام ثمرة أربعين سنة من الدراسة والمتابعة لهذا الموضوع، كما هو وكما يريده أصحابه، وكما يريد له خصومه أن يكون!!؟، فكان مما توصلت إليه هو:

1.) أن الحركة الوطنية في مجموعها تتعرض للتشويه، بحيث لم يسلم تيار منها من التجريح، ولا رجاله أو بعضهم من التخوين، وكل ما يثار في هذا الإطار من تهم متعلقة بأشخاص، أو تيارات في تاريخنا مؤدية إلى التخوين: لا تخرج عن المخطط العام لضرب الحركة الوطنية برمتها، ابتداء من التهم الموجهة إلى حركات المقاومة المسلحة التي اتهم فيها الأمير عبد القادر بالاستسلام للعدو، وخيانة القضية إلى اتهام مصالي الحاج وعباس فرحات وجمعية العلماء..، والنيل من جمعية العلماء بالأساس يؤدي حتما إلى الطعن في كل ما هو جزائري أصيل، سياسي كان أو عسكري أو ثقافي؛ لأن مشروعها أشمل من كل طرح جزئي، وما يثار بين الحين والآخر من جدل حول قضايانا التاريخية، وتحويله إلى محاكمات لأشخاص واجتهادات وتوجهات متباينة: لا يجاوز في تقديري مهمة القضاء على كل جميل في هذه البلاد، فلا الثورة ثورة، ولا المجاهد مجاهد، ولا الشعب شعب، ولا الدولة دولة...، والرابح في كل ذلك خاسر في النهاية؛ لأنه خسر بعض من يشد به أزره.

2.) أن جمعية العلماء: صاحبة مشروع استقلالي حضاري شامل وعميق، مبناه على شعارات ومضامين مدروسة في إطار صراع حضاري بين قوى الغرب المتغطرسة الممثلة في الاستعمار الفرنسي، وبين الشعوب المستعمرة المغلوبة على أمرها، وشعارها الذي تحول إلى ثوابت وطنية في جزائر ما بعد الاستقلال:"الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا": شاهد على عمق المشروع التحرري، وصدق الشيخ الإبراهيمي رحمه الله حين قال:"محال أن يتحرر بدن: يحمل عقلا عبدا!!؟".
وهذا المشروع غير مبني على شعارات وعواطف تستهوي الجماهير، وإنما هو: مشروع عملَ على صياغة عقلية تؤمن بالاستقلال وآلياته التي يتحقق بها، بفكرة صحيحة ولو مع علم قليل:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

3.) إن جمعية العلماء ليست حزبا سياسيا، وإنما هي: حركة جامعة تفوق الحزب في بعدها السياسي، وأهم من الجمعية في حجم نضالها الثقافي والخيري، وأكبر من النقابة في مستوى مطالبها الاجتماعية، ولذلك تمددت في جميع القوى الوطنية السياسية في البلاد، بما في ذلك الحزب الشيوعي الذي يعد من أبعد التكتلات عن الجمعية، وقد كان عمار اوزقان رحمه الله وهو الأمين العام للحزب الشيوعي، يكتب مقالاته في مجلة الشاب المسلم "Le Jeune musulman ":الناطقة بالفرنسة التي أصدرتها جمعية العلماء، وكأنه لسان حال الجمعية، بما يحمل من روح الانتماء الإسلامي، وروح المفاصلة مع الغرب.
ومن كل من يحاكم الجمعية على أنها حزب أو جمعية خيرية أو نقابة: لا يمكن أن يدرك نهجها أو يفهمه:[أنظر تقديم د. سعد الله لكتاب في قلب المعركة الصادر عن دار الأمة]، ولذلك أخطأ الكثير ممن يقارنها بالأحزاب وغيرها من التجمعات المناضلة؛ بل إن الثورة نفسها عندما دعت الأحزاب إلى حل نفسها، لم تعن الجمعية بذلك؛ لأنها ليست حزبا سياسيا، ولذلك واصلت الجمعية الإشراف على مدارسها، وسخرتها لخدمة الثورة من غير أن تعطلها، والشاهد على ذلك: وجود بيان منشور في جريدة المجاهد لسان حال الثورة موقع من قبل الجمعية في سنة1957.

4.) أن جمعية العلماء حركة إسلامية، أي هي: مثل جماعة الإخوان المسلمين أو الحركة الوهابية أو غيرها من الجماعات التي نشأت في العالم الإسلامي: لتعوض ما فقدت الأمة من قيم حضارية إسلامية، ومن ثم، فإن فكل من له موقف من الحركات الإسلامية: ينعكس تلقائيا على الموقف من جمعية العلماء، فمن له رأي في جماعة الإخوان في صراعها مع عبد الناصر مثلا: يكون له نفس الموقف من جمعية العلماء في صراعها مع خصومها من السياسيين في البلاد.
لا شك أن التاريخ لا يمكن فهمه إلا بالقدر الذي يبتعد فيه المرء عنه زمانيا، فالكلام في موضوع وقع منذ عشر سنوات مثلا أصعب من الكلام عن موضوع عمره خمسين سنة آو قرن أو عشرة قرون، ذلك أن الكلام في الوقائع التاريخية القريبة تسيطر فيه المشاعر والعواطف على العقل، وكلما ابتعد العقل عن هذه الوقائع زمانيا: ازداد تحررا من سلطات المشاعر والعواطف تجاهها.. ولذلك كان تشريع التحفظ على نشر معلومات معينة إلا بعد مدد زمانية معينة: أضحت من التقاليد الدولية، ومن ثم، فإن من يملك مشاعر وعواطف سلبية مبدئية أيديولوجية كانت آو حزبية تجاه جمعية العلماء: لا يمكن أن يرى لها فضيلة مهما قيل عن إيجابياتها!!؟.
وإذا كان المنطق يقضي بالتحاكم إلى معايير الحق والعدل، والانطلاق من حسن الظن، وافتراض الصواب والخطأ، فإن لغة العواطف والمشاعر والاصطفاف الأيديولوجي والحزبي: يقضي بالبغض والتخوين لكل مخالف!!؟.