مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
06-01-2024, 07:27 PM
مع رواية (الشوك والقرنفل)
لـــــ يحيى السِّنوار
بقلم عبد الله لالي



الحلقة الأولى (01)
تفاجأت أول مرّة بأنّ (يحيى السّنوار) كتب رواية، وقلت في نفسي: متى وكيف..؟ وهل يعقل..؟ ووقر في صدري أنّه ربما كتب محاولة نثرية يعبّر بها عن همومه ومعاناته في السجن، عندما اعتقله الصّهاينة في أواخر الثمانينيات (1988)، وكان قد تعرّض لعدّة اعتقالات سابقة لبضعة أشهر في كلّ مرّة.. لا تعدو أن تكون محاولة بسيطة لرجل مقاوم كبير لكنّه غير معروف بأنّه أديب أو كاتب بارع..! وعزمت على البحث عن الرواية في الشابكة وتنزيلها إذا أمكن، وما هي إلا ثوانٍ حتى وجدت الرّواية ونزلتها وكانت المفاجأة الأكبر.. !!
براعة الأسلوب لا ينكرها أي ناقد منصف منذ الأسطر الأولى، إننا لسنا أمام مقاتل كبير دوّخ بني القردة والخنازير في (غزّة) هاشم، وبثّ الرّعب في أوصالهم وحسب، ولكنّنا أيضا أمام قلم روائي بارع لو أتاح له القدر أن يتفرّغ للإبداع لجاء بالعجب العجاب..!
كان هذا انطباعي الأولي عن الرواية.. ثم جعلت أغوص في متنها ومتجوّلا في مختلف أحداثها وكأنني أعيش مع أهلها، وأعاني مما يعانون فأفرح لفرحهم وأحزن لحزنهم، وما أقلّ الفرح الذي عاشوه وما أكثر الأحزان التي لبستهم مثل أثواب ثقيلة لا يقوون على خلعها، بعدما انبثق فجر الانتفاضة الكبرى.. !
قراءة في العنوان:
عنوان ساحر بلا شك.. فيه دفق من (الرومانسيّة) مثل أشواك الورد، وقد ذكّرني هذا العنوان بعنوان كتاب للكاتب العربي الكبير مصطفى صادق الرّافعي، وهو كتاب (أوراق الورد)، وهو كتاب نادر في العربيّة لم يأخذ حقّه الكافي من النّقد والاحتفاء بعد..!وقد وقع نوع من الاضطراب في تحديد العنوان، حيث رسم على الغلاف بما أثبتناه في عنوان قراءتنا (الشّوك والقرنفل)، بينما جاء في ترجمة الكاتب في بداية الرواية مرّة بمسمّى (شوك القرنفل)، بتنكير وإفراد الكلمة الأولى، وفي مرّة أخرى بالجمع (أشواك القرنفل). وكأنّ الذي وضع الترجمة لم يهتم كثيرا بتدقيق العنوان..!
وهذه هذه التضاديّة بين الشوك والقرنفل تعكس حقيقة ما يعيشه الشعب الفلسطيني بشكل جلي وبارع، فالشوك حاد ومؤذٍ، والزهر نبات لطيف شذي الرائحة طيب العرف، فإذا اجتمعا كان التناقض الرهيب الذي يحتاج إلى تفكيك شيفرته المستعجمة على الفهم.. فهل نقول أنّ القرنفل هو فلسطين؛ فلسطين الجريحة، التي أحاطتها أشواك المحتلّ الصهيوني الغاصب؟ ذلك ما نميل إليه بشكل كبير.. كأننا نقول (المطر واللّهب..! أو الخير والشّر).
وعادة لا يميل النّقاد إلى الحديث عن كاتب الرواية، ولكننّي أفعل، وخصوصا إذا كانت شخصيّة الكاتب شخصيّة غير اعتياديّة، مثل شخصيّة هذه الرواية (الشوك والقرنفل)، فالكاتب هو يحيى السّنوار وما أدراك من يحيى السنوار، المعروف بوصفه قائدا عسكريا، وسياسيا فلسطينيا محنكا يمثل رأس الحربة في المقاومة بغزة، فما علاقته بالكتابة والإبداع والتأليف، ذلك يدفعنا إلى الحديث عن تاريخه الحافل ولو بشكل موجز:
الرواية في 342 صفحة وهذا حجم كبير بالنسبة لكاتب لم يعرف عنه أنه روائي، ولكنّه حاصل على درجة البكالوريوس من جامعة غزة، من قادة المقاومة الأوائل، سجنه المحتل الصهيوني عام 1988 ولم يطلق سراحه إلا عام 2011، تعلّم اللغة العبرية وأصبح يتكلّم بها بطلاقة في سجون الاحتلال، عرف بالذكاء الشديد، وبعد خروجه من السّجن كان القائد الأوّل للمقاومة في غزّة.
في أتون الرواية:
تتحدّث رواية (الشوك والقرنفل) عن تفاصيل مأساة الشعب الفلسطيني في سجن الاحتلال الصهيوني البغيض، الذي ربض بكلكه على الأرض الطيبة الطاهرة وقهر أهلها فقتل بعضا منهم وهجر بعضا آخر، وعاث في الأرض فسادا، ووقف أصحاب (القرنفل) يدفعون عن أرضهم بكلّ ما يستطيعون، ولكن تداعت عليهم الأمم بكلكلها وتناوشتهم من كلّ مكان وخذلهم الأهلون والأقربون، فصاروا منقطعين من كلّ مدد وعون إلا مدد الله وعونه.. !
بطل الرواية الشاب أحمد الذي عاش يتيما في أسرة فقيرة مهجّرة إلى قطاع غزة بحي الشاطئ مكوّنة من سبعة أفراد، في هذا الحي العريق الذي صار له بعد ذلك تاريخ مشهود في المقاومة، ومرّغ وجوه الصهاينة في التراب وأذاقهم العلقم والصّاب، وبعد أن كبر الفتى محمود أكبر الإخوة وذهب إلى الدراسة في مصر ثم عاد متوجا بشهادة الهندسة، ليخرج أهله من حالة الفقر والفاقة تلقفته يد المحتل لتلقي به في سجون الاعتقال بدعوى الانتماء إلى حركة التحرير الفلسطينية، ويستمر الكاتب بالحديث عن تاريخ شعب ذاق الأمرّين بسبب انتمائه إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين؛ المسجد الأقصى السليب.
ويبدأ الكاتب عملية السّرد من عام 1967 العام الذي اصطلح على تسميته بعام النّكبة، تجنّبا للكلمة التي تعبّر عن الواقع المرّ وهي كلمة (الهزيمة)، التي ذاق العرب والفلسطينيون بالخصوص فيها الأمرّين، وكانت بمثابة نكأ الجرح القديم؛ جرح 1948، وهو الذي هجّرت فيه عائلة الراوي من عسقلان إلى مخيّم الشاطئ بغزّة، والذي كان الكاتب يعود إليه من حين إلى آخر في استدعاء للأحداث القديمة وما عقبها من تشريد وتهجير واحتلال للأرض والمقدّسات، ولعلّ السبب في جعل سنة النكبة هي سنة انطلاق أحداث الرّواية؛ هي أنّ الراوي عمره حين ذاك حوالي خمس سنوات، ورغم أنّ السنوار قال أنّ هذه الرواية ليست قصّة حياته إلا أنّ عمر البطل من عمره، فقد ولد السنوار في 1962 بمخيّم خان يونس بغزة وعندما وقعت هزيمة 67 كان عمره خمس سنوات أي في مثل سنّ البطل (الراوي ) تماما، فإن لا تكن تروي أحداث حياته بشكل متطابق، فإنّها تمثل أهمّ مراحلها منذ طفولته إلى غاية بداية الانتفاضة..!
التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله لالي ; 06-01-2024 الساعة 07:34 PM سبب آخر: إضافة صورة