بأي ذنب سيُعدم ( ولد امخيطير ) ؟ .
30-12-2014, 12:28 PM
بأي ذنب سيُعدم ( ولد امخيطير ) .

عشت هذه الأيام حدثين وحديثين ، حدث نشر رواية ( ميرسو ، تحقيق مضاد ) لصاحبها كمال داود الجزائري ، وحدث صدور مقال جريء بعنوان :
الدين والتدين والمعلمين، للكاتب الموريطاني ولد امخيطير ، وحديثا إ ختلاف زاوية النظر لعمل الرجلين بين حق الرأي وتهمة إزدراء الأديان .

***الكاتبان برر فعلتهما بأن ما قالاه فُسر وأول خطأ ، وأن ما ذكراه ماهو سوى نقلٌ لحالات اجتماعية يعيشانها في وطنيهما ، والمبدع غالبا مهمته ليس في مسايرة الركب و الرتابة كقطيع أو كجمل يجر من أنفه لمستقر له ، وإنما في خلق دينامية فكرية و عقلية ولو على حساب الدوس على الثوابت التي كثيرا ما تحرق الملامسين لها .

***فموطُننا الجزائري (كمال داود) شُنت عليه وعلى كتاباته المفرنسة حربا شعواء أكلت الأخضر واليابس ، فقد دُونت مقالات ضده من قبل فصيلين، باسم( الإسلام ) تارة و باسم (العروبة ) تارة أخرى ، وصلت حد التكفير ومطالبة الدولة بإقامة حد الردة عليه ، غير إن انشغال النظام الجزائري العلماني بأزمة البترول أنساه أزمة الإرتداد ، فمرت الزوبعة التكفيرية دون أن تحدث اختلالات في تطبيق القانون .

***أما الموريطاني (ولد ا مخيطر) فقد نجح في نقل معاناة مجتمعه من الإضطهاد والسخرة والطبقية الضاربة أطنابها في هذا القرن المغاربي المحافظ ، فقد ضُبط وسُجن وحكمت عليه محكمة نواذيبوا بالإعدام حدادة بتهمة الإساءة للنبي محمد صلوات الله عليه وسلم ، استئناف الحكم قد يُفرز أحكاما مخففة أو يثبت الحكم السابق .

فقضية ( ولد المخيطير) قد تصل به إلى الهلاك لا قدر الله تحت تهليل المكبرين ، و فرحة المارين والمتابعين تحت وقع أبواق السيارات الهادر الذي رافق نطق القاضي بحكم الإعدام …. ؟إ ، إن لم ترتفع أصوات منددة بقوانين بالية جارية ظنية تحتاج إلى تعديل وتقويم فإن كتم الرأي والفكر سينتصر ، وستنطفأ شعلة النور والفكر في موريتانيا ، كما انطفأت ماضيا عند قمع الفكر المعتزلي إثر الإنقلاب المتوكلي العباسي .

*** قرأت مقال الموريطاني من ألفه إلى يائه ، وبمصادره ، فلم أجد فيه جديدا يذكر ابتدعه، فقد أورد شواهده من كتب السنة ، وكتاب السيرة لابن هشام ، ومن كتب تراثنا المثقل بالكذب وداء الفنطازيا ، لا أدري أنحاكم الكتب أم نحاكم الناقل عنها ، فقضية فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة ، وقضية مقتل الصحابي ( حمزة ) عم الرسول شاهدناه بالصورة والصوت في فيلم الرسالة لمصطفى العقاد ،وأحداث حصار المسلمين لحصون بني قريظة نعرفها ونعرف أبعادها ، فالخطأ الوحيد الذي رصدته هو أن ( ولد المخيطر) عد الأفعال دينا ربانيا ، وإن هي إلا تفسيرات واجتهادات بشرية ، وأن أحداث بني ( قريظة ) رسمت معالمها في العهد العباسي لتبرير التجاوزات التي اقترفها قادة العرب في فتح البلدان تحت يافطة جهاد الطلب ، فتراثنا لم تتحدد معالمه إلا بعد أزيد من قرنين من وفاة نبينا الرسول الكريم صلوات الله عليه ، فقد لعب الهوى السياسي دوره في كثير من المرويات .

*** بلاد شنقيط قديما وحديثا وحاليا تعيش أزمة التفاوت الطبقي ، هذا التفاوت أحدث قلقا لدى العوام وتسبب في اضطرابات اجتماعية ، وصاحب المقال ينتمي إلى طبقة معرضة للهلاك والتصفية والقهر ، إنها طبقة الصناع الحرفيين الذين أكثرهم مشتغلين بحرفة الحدادة ، وباعتباره مثقفا بحث عن تأصيل هذه الطبقية الجاثمة على الرؤوس التي تجعل من البيضان أصحاب الحضوة والمكانة على حساب المعلمين ، ففتش في كتب التراث واكتشف بأن هذه العبودية متأصلة بنصوص في كتبنا التراثية ، وكشفها حقائقها وخلص أن الدين هو سبب العبودية ، والحقيقة هي أن التدين وليس الدين هو من وراء انتشار ظاهرة استعباد بشر لبشر آخرين أضعف منهم .

*** انتقادات الكاتب وملاحظاته يُفترض أن ينظر فيها علماؤنا ، ويردوا عليها فكريا لتوضيح جوانب الخلل فيما قال ، أو أن ماقال به علل منهجية ، أو هي حقائق مكذوبة ، مناقشته بالدليل والحجة في إطار النقاش الحضاري الذي هو أمرٌ من ربنا سبحانه وتعالى في سورة النحل 125 إذ قال :*-
[ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين]

*** النبي محمد صلوات الله عليه وسلم بشرٌ مثلنا يعيش حالتين ، حالة العصمة وحالة البشرية ، ففي حالته البشرية العادية ليس معصوما من العوز بدليل حديثه عن [ تأبير النخل] الذي خلص به الى القول لأصحابه أننم أدرى بشؤون دنياكم ، أو لوم الله له في عديد المواقف ، مثل ما ورد في الآية الأولى من سورة المجادلة : [ قد سمع الله قول التي تجادلك ] ، أو [ عبس وتولى أن جاءه الأعمى ] في حق صاحبه الكفيف ابن أم مكتوم ، أو [ ما كان لنبي أن يكون له أسرى ….] في سورةالأنفال أو قوله : [لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ][آل عمران:128]. ….. تذكروا تساؤل النبي ابراهيم عليه السلام وحيرته :وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) الخ .

ولا شك في أن الله يعاتب أنبياءه عتابا سلسا رحيما لغايات التنبيه والتحذير أو التقصير ، فما دام ذلك موجود في نصوص القرآن الحكيم ، فإن النظر لنبينا يجب أن تكون في إطارها البشري وليس في حالات العصمة والنزول ، كما أن النبي الكريم كثيرا ما تعرض لهجومات كاسحة من أعدائه رد عنها بحلم وتسامح .

*** حتى الذات الإلهية قد نالت حظها من النقد ، وعلى لسان الله سبحانه وتعالى وهو الغفور الرحيم الذي أخبرنا في كتابه وهو الجبار المتكبر القوي العنيد الذي بمقدوره أن يدك الأرض دكا وينسف من نقده نسفا ويقبض روحه حينا ، لكنه لم يفعل ، فاليهود وصفوه بالبخل ، [ وقالت اليهود يد الله مغلولة ] وقال المشركون عنه بأن له بنات ( الملائكة ) [جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ]الزخرف 19 ،فهل عاقبهم حينا أم أجل وأرجأ عقابهم إلى يوم القيامة والحساب .

*** العاطفة الجياشة ماردة قاتلة إذا لم يروضها العقل ويكبح جماحها ، فالسرعة في التكفير و الجنوح نحو أيسر الحلول في إزهاق النفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق ونيابة عن الله الواحد القهار عمل مسيء لله الذي لم يمنح لأحد العقاب باسمه ، ما هذا المنطق المقلوب ، ضعيف يدافع عن قوي؟ ، جبار ينتدب نوابا يدافعون عنه ؟ ، مخلوق يدافع عن خالقه ؟ ، فكهنتنا نصبوا أنفسهم للدفاع عن الله ، الدفاع عن دين الله ، و عن نبي الله ، الله غني عن العالمين يا سادة يا كرام ، فهو قادر على القصاص دون الحاجة لسيوفكم و هو القائل :[وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] آل عمران 78.

مفصل القول هو أن الفكر يعالج بفكر مضاد ، ونقد الكتاب لا يكون إلا بكتاب مثله يدحضه ، ومن حق المسلمين المؤمنين دخول مواقع الظل المسكوت عنها في تراثنا لإعادة قراءته بأدواتنا الحالية الأكثر رواجا ، فكثير من القاناعات والمقدسات لا أصل لها في ديننا الحنيف ، فلا بد من شحن العقل وتركيز قدراته للفهم والإستنباط ، فهو الطريق الأمثل لمعرفة الخالق وتأكيد صحة نبوة محمد صلوات الله عليه ، فالتكامل بين العقل والنقل بتناغم وتوازن دقيقين لا يمكن أن يتعارض ، فقد قال ابن رشد / لا يمكن أن يعطينا الله عقولا ويحرمنا من توظيفها في معرفة الحق .