رحلة الأرقام العربية إلى أوربا
17-10-2019, 01:19 PM


فضل المسلمين على الحضارة الغربية

قصة دخول الأرقام العربية والحساب إلى أوروبا قصة جديرة بأن تروى، فهى واحدة من الشواهد التي توضح دور المسلمين في بناء الحضارة الإنسانية عندما جاء دورهم التاريخي في العصور الوسطى فحملوا شعلة المعرفة، ومصباح العلم حين كانت البشرية ما تزال تحبو في طفولتها، وحين كانت شعوب أوروبا، خلال الفترة التي تسمى عادة بالعصور الوسطى والممتدة من سقوط الإمبراطورية الرومانية والاجتياحات البربرية حتى القرن العاشر الميلادي، عرضة للصراعات والفوضى والظلام الكامل.



وكان علم الحساب والعد بسيطًا جدًا في هذه المرحلة في أوربا وارتكز عل مواريث مشرقية ويونانية قديمة، وعلى نظام العد الروماني البدائي، والذي كان يرتكز على مبدأ الجمع بين “فرضيات" اتخذت أشكالاً مميزة وتحولت إلى أرقام أبجدية، وهى على الشكل التالي : "1Ⅰ/ 5 Ⅴ/ 10 Ⅹ/ 50 L/ 100 C/ 500 D / 1000 M".



وكانت الحضارة العربية الإسلامية في أوج ازدهارها خلال عصر السيادة الإسلامية. وبلغ علماؤها أوج شهرتهم في الفلك والرياضيات والطبيعيات والطب وغيرها. وكان تقدمهم عظيمًا في مجال الحساب بواسطة الأعداد الهندية الغبارية ثم الكتابية، فأسسوا علم الجبر الحديث.



انتقال علم الحساب إلى أوروبا

وكانت بداية النهوض الأوربي في القرنين الحادي عشر والثاني عشر (5 و6هـ)؛ ومع النمو الديمغرافي والمدني وعودة النشاط الاقتصادي والثقافي الواسع إلى أوربا، بدأت العلوم العربية تتسرب إليها بشكل خجول في البداية، وقد لعب البابا جيربرت Gerbert (سيلفستر، عام 999م) بعد توليه منصبه، وهو الذي كان قد تعلم في إسبانيا العلوم العربية، دورًا مهمًا في نشر الأرقام العربية -الهندية في العالم المسيحي- وإن لم يوفق في مسعاه توفيقًا كاملا؛ لأن الأوربيين وقتذاك لم يكونوا مهيأيين ذهنيًا لتقبل هذا العمل، حتى أنهم اعتبروا محاولة جربرت هذه عملاً من أعمال الشيطان، كما يقول ول ديورانت.



ويرجع أول مخطوط أوربي حفظ دخول الأرقام الهندية - العربية إلى أوربا إلى النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي (4هـ) في الأندلس. ومع ذلك، فإن هذه الأرقام لم تنتشر سريعًا في أوربا قبل قرن أو قرنين إضافيين.



فانتشارها لم يكن يتم كتابة بل تعليمًا؛ لأن الأوربيين كانوا لا يزالون يحافظون على طريقة الرومان في الحساب والتي تعتمد على المعداد abacus. ويوضح موسى الخوري في حديثه عن الأرقام أن هذه الآلة تعتمد عمودًا للوحدات الأساسية بحيث يتم الحساب وفق جمع الخانات إلى بعضها بعضًا.

ومع بداية القرن الحادي عشر استُبدلت الحصيات التي كانت توضع في هذا المعداد بالأرقام الرومانية، بعد أن اعتمدت أيضًا أحرف الأبجدية اليونانية؛ وفي المرحلة الأخيرة تفوقت الأرقام العربية وسادت، إذ وجدت تطبيقًا مباشرًا لها على المعداد الذي كان دارجًا ومنتشرًا. لكن الصفر لم ينتشر خلال هذه المرحلة الأولى في أوروبا.



وبدأت الترجمات من العربية تتضاعف مع بداية القرن الثالث عشر (7هـ)، فتُرجم المبادئ لإقليدس والمجسطي لبطليموس. ولكن هذه الدراسات كانت تتم بالدرجة الأولى بهدف لاهوتي. وكانت المعارف تُحفظ بخاصة في الأديرة.



ومع ذلك، استطاعت الرياضيات تحقيق تقدم منتظم وملموس على الرغم من بقائها مرتبطة بالفلسفة واللاهوت. وشيئًا فشيئًا انتهى استخدام المعداد وبدأ الاعتماد على رسم الأرقام على الغبار مع استخدام الصفر، وأصبح الحساب يسمى بـ الخوارزمي (الجورزم algorism) الذي كان كتابه قد وصل إلى أوربا.



ويمكن القول إن الأشكال الرقمية ثبتت في أوربا اعتمادًا على الأشكال المغربية، ولم يؤد اختراع المطبعة في القرن الخامس عشر (9هـ) إلى تعديلها بشكل جذري، أما الصفر الذي دخل إلى أوربا منذ القرن الثاني عشر (6هـ)، فلم يغير اسمه العربي، بل اشتق منه غالبًا، فعالم الرياضيات الشهير فيبوناتشي (المعروف ليوناردو البيزي 1170 - 1250م) يسميه في كتاب له زفيروم Zephirum، ثم تحول إلى زفيرو Zefiro ثم إلى Zero ومن التسمية العربية "صفر" اشتقت التسمية اللاتينية الجديدة للأرقام Chiffre، وأصبحت تشير في معظم اللغات الأوربية إلى نظام العد العشري.

_________________

المصدر: دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، يوليو 2014م
عمرو عبد العزيز منير