مع الناقد العربي ابن رشيق القيرواني
27-09-2012, 06:23 PM
القضية الأولى: قضية الطبع والصنعة والتكلف
الكلام الجيد الطبع مقبول في السمع قريب المثال بعيد المنال أنيق الديباجة رقيق الزجاجة يدنو من فهم سامعه كدنوه من وهم صانعه ، أما الشعر المصنوع فهو مشقق الكعوب معتدل الأنبوب يطرد ماء البديع على خبانه و يروق رونق الحسن في صفحاته كما يحول المسرف الطرف الكحيل و الأمر في السيق الصقيل و محل الصانع شعره على الإكراه في التعمل وتنقيح المباني دون إصلاح المعاني يعفى أثار صنعه و يطفئ أنوار صنيعته و يخرجه إلى سناء التعسف و قبح التكلف وتنفثه و وساوسه من غير اعجال النظر و تدقيق الفكر مخرجه إلى حد المشهر الرث و حيز الغث و أحسن ما اجري إليه و أعول عليه التوسط بين الحالين و المنزلة بين المنزلتين من الطبع و الصنعة .
القضية الثانية: السرقات الأدبية
قال ابن رشيق القيرواني : قال عبد الكريم النهشلي :
قالوا السرق في الشعر ما نقل معناه دون لفظه وأجيد في أخذه على أن من الناس من تعبد ذهنه إلا عن بيت امرئ القيس و طرفه حين لم يختلفا إلا في القافية فقال : أحدهما و تحمل و قال الآخر و تجلد و منهم من يحتاج إلى دليل من اللفظ مع المعنى و يكون الغامض عندهم بمنزلة الظاهر و هم قليل ، و السرق أيضا إنما فهو في البديع المخترع الذي يختص به الشاعر لا في المعاني المشتركة أين هي جارية في عاداتهم و مستعملة في أمثالهم و محاوراتهم مما يتفرع فيه الطيبة عن الذي ورده أن يقال أنه أخذه من غيره .
قال و إيكال الشاعر على السرقة بلادة وعجز و تركه كل معنى سبق إليه جهل و لكن المختار عندي أوسط الحالات .
القضية الثالثة شروط الوحدة العضوية :
هي أن يكون النص نسيجا مترابطا الأجزاء بحيث لا يعكس مطلقا التقديم والتأخير بين أفكاره و إلا فسد جميعا و هذا ما ألح عليه المجددون من أدبائنا و نقادنا في العصر الحديث و تتحقق هذه الوحدة العضوية بتوفر ثلاث شروط ، وحدة الموضوع ، وحدة المشاعر التي يثيرها الموضوع و تركيب الأفكار و الصور في ظل العنصرين السابقين . بحيث تؤدي كل فكرة أو صورة وظيفتها الحيوية في بناء التجربة و بحيث تساعد على نمو العمل الفني و اكتماله فيها وقد وضح العقاد بقوله : يعني أن تكون القصيدة عملا فنيا تاما يكتمل فيها تصوير خاطر أو خواطر متجانسة كما كمل التمثال بأعضائه والصورة بأجزائها و اللحن الموسيقي بأنغامه ، بحيث إذا اختلف الوضع أو تغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة و أفسدها، فالقصيدة الشعرية كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته.
و لو طبقت على ذلك كثير من النصوص و المسرحيات و القصائد الحديثة لوجدت هذه الوحدة العضوية قائمة بشروطها الثلاث المذكورة آنفا و لو قاربتا لبعض و قصائد أدبنا القديم أو موضوعاته النثرية لوجدت الفرق عظيما ، فقد تجد هناك الوحدة الموضوعية فقط لكنك تجد كثيرا من الإضافات و الصور التي لا علاقة لها بالموضوع الأصلي بحيث فسر الشاعر غربته عنه، و قد يكون موضوع القصيدة الأصلي المدح لكن الشاعر يمزجه بالغزل و بذلك تمزق مشاعر القارئ هنا و هناك نتيجة فقدان الوحدة العضوية
القضية الرابعة: الشعر والشعراء:
لقد عرض ابن رشيق القيرواني فضل الشعر و مزاياه وما يتعلق به من قضايا عديدة و متنوعة فالشعراء عنده أربع طبقات جاهلي، قديم ومخضرم إسلامي و محدثون ثم قيل المحدثين طبقات أولى وثانية وثالثة.
يفهم من خلال تصنيفه هذا بان الشعراء الجاهليين مقدمون على غيرهم ثم يأتي بعدهم منزلة المخضرمين ثم الإسلاميين ثم المحدثون، لكن المحدثين أنفسهم طبقات فالطبقة الأولى مقدمة على الثانية و الثانية على الثالثة. و أن المحدث الأول – فضلا عن دونه – دونهم في المنزلة وبذلك يكون ابن رشيق واحدا من السلفيين الذين يقولون بأولية القديم وتفضيل عما سوا ه ويتساءل قائلا . من هذا الشاعر الفحل ؟ فالشاعر مازال مستواه غير معروف حتى يقول شعرا وعندها يتضح أمره و تعرف قيمته و مكانته و درجته، فالشاعر الحقيقي عند ابن رشيق الذي يشعر بما لا يشعر به غيره من الناس فهو إذا يختلف عنهم و يتميز بخصائص ليست بينهم ومن هنا كان عمل الشعر في رأيه قيل.
قيل عمل الشعر على الحاذق به اشد من شعر الصحر ويقال: الشعر كالحر اهزل ما يكون على الجاهل أهون ما يكون على العالم والغيث أصحابه من عرف حق معرفته وأهل صناعة الشعر أبصر به.
الشعر الحق هو الذي تقدر درجته و طبيعته لقول الشعر حتى ينطلق من أرضية صلبة و متينة هي زاده من الثقافة و الخبرات و المعارف و التجارب لان الشاعر القوي هو الشاعر المثقف الذي يأخذ من كل شيء يعرف و يتعمق في موضوعاته التي تعالجها قصائده ومطبوعاته .