فخورة بك يا والدي...فاشهدوا يا شروقيين
15-12-2012, 10:23 AM
بعدما تزوج أكبر أعمامي واستقر بعائلته في منزل بعيد جغرافيا عن منزل العائلة الكبير أصبح والدي حفظه الله أكبر إخوته الذين يقطنون بمنزل العائلة الكبير الذي مازلنا نعيش فيه إلى يومنا هذا.
كان جدي رحمه الله يشتغل حدادا في تلحيم البواخر، أحب حرفته هذه وأتقنها أيما إتقان حتى صار يُشار إليه بالبنان وسط رفاقه، ادخر جدي مبلغا محترما من المال الذي كان يجنيه من عمله هذا واشترى قطعة الأرض التي نعيش عليها حاليا والتي تزيد مساحتها عن 1300 متر مربع غداة الاستقلال مباشرة، كانت هذه المنطقة آنذاك عبارة عن أحواش مغروسة بالكروم والأشجار وقليلون جدا من كانوا يقطنون بها (منطقة تقريبا خالية) وبعد مرور كل هذه السنوات أصبحت من أرقى المناطق في العاصمة.
أصيب جدي بحادث اضطره للتوقف عن العمل، وبدأ الوضع المادي للعائلة يسوء، قرر والدي حينها التوقف عن الدراسة وكان ليزال في سن مبكر جدا، وأخذ يبحث عن وظيفة إلى أن وجدها، وأصبح دخله المصدر الأساسي لتغطية نفقات العائلة...كان والدي يفعل ذلك عن طيب خاطر، ولم أسمعه إلى غاية يومنا هذا يتحدث عن تلك المرحلة إلا وكان يتحدث عنها بكثير من السعادة والسرور.
بدأ أعمامي يكبرون وأصبحوا يعتمدون على أنفسهم في كسب أرزاقهم وتحسن كثيرا وضع العائلة ماديا، كانت أمي وسط هذه العائلة امرأة مجاهدة بكل ما للكلمة من معنى، فقد عانت من الويلات والجور والأذى ما الله أعلم به، وصبرت وتحملت وكابدت في سبيل تربيتنا والحفاظ على لم شمل عائلتنا الصغيرة ما يصعب على الجبال تحمله، والحاصل في الأمر أن جدتي رحمها الله كانت امرأة يستحيل ارضاؤها (حتى لا أقول كلام آخر لا يجوز في حق الموتى)...لكن كي أكون صادقة فإن قلبي أنا لم يصفى تماما من ناحيتها ولم أستطع مسامحتها إلى غاية الآن...نعم هذه هي الحقيقة، فما مر على رأس أمي من محن بسببها لم يحكه لي أحد وإنما عايشته بنفسي، كنت أسمع بأذني وأرى بأم عيني ما كان يحدث، ورغم صغر سني آنذاك إلا أني كنت مدركة لما كان يدور من حولي، وعلقت في ذهني صور يستحيل محوها إلى أن ألقى خالقي...بالنسبة لطفلة صغيرة مثلي أهم ما في الأمر أن أمي كانت تعاني، وما زاد الطينة بلة هو لؤم وخبث أحد أعمامي الذي كان وليزال يخلق المشاكل خلقا ويفتعل الفتن افتعالا، هذه سنة الله في الأرض فهناك من البشر كلما زدت في احسانك إليهم زاد تمردهم عليك (إذا أكرمت الكريم ملكته * وإذا أكرمت اللئيم تمردا)
في ظل تلك الظروف نمى بداخلي احساس كبير بعدم الأمان لأن والدي لم يكن يتخذ مواقف حازمة اتجاه ما كان يصدر من جدتي، وكم لمته وأنبته وعاتبته على ذلك بداخلى، دار في عقلي الصغير آنذاك العديد من التساؤلات التي لم يجبني عليها أحد، ووردت بذهني تناقضات لم أجد تفسيرا لها حينها، فقد كنت أرى والدي يحضر كل فصول بعض المشاكل التي حدثت، إذن فقد رأى بعينه وسمع بأذنيه وأدرك بعقله أن أمي تعرضت للظلم، فلماذا إذن لم يقتص لها ويستعيد حقها بكل قوة؟ هل والدي ضعيف لدرجة أنه لا يستطيع الدفاع عنا وحمايتنا؟ صدقني يا والدي لقد كنت مستاءة منك أشد الإستياء في تلك المرحلة. ما كان يحيرني هو موقف والدتي التي كانت تذرف الدموع وتشتكي وجعها ولكنها لا تدفعه ليسترد لها حقها، عندما كانت جدتي تناديني لأحضر لها أحد أغراضها لم أكن أريد الاستجابة لها، وكانت أمي تنهرني عن فعل ذلك وتطالبني بإطاعتها...أنا لا أحبها يا أمي لا تجبرني على التعامل معها (هكذا كنت أقول لأمي)...لا يا ابنتي عيب ما تفعلينه إنها جدتك (وهكذا كانت تجيبني أمي).
كبرت الآن واتضحت الصورة في ذهني أفضل، ووجدت إيجابات عن كل التساؤلات والتناقضات التي طرحها عقلي الصغير آنذاك، وصرت أتذكر تلك الأحداث كمثل سحابة صيف عابرة مرت على حياتي، أدركت أن ردود أفعال والدي لم تكن تخاذلا وضعفا بقدر ما كانت برا بوالدته، وأدركت أن احجام أمي عن دفعه لاسترداد حقها مهما كانت الطرق هو خوف وحرص منها على الذي تعلم بأن جنته تحت أقدام أمه، أما أنت يا جدتي يا من استغليتي طيبة قلب أمي وبر والدي بك فلا يسعني إلا أن أقول لك سامحك الله.
صحيح أنني شعرت في فترة من فترات حياتي بعدم الأمان، ولكم أن تبحثوا عبر صفحات محركات البحث في الأنترنيت عن النتائج التي يمكن أن تنعكس على نفسية الطفل وسلوكياته إن لم يشعر بالأمان في مراحل عمره الأولى، لكن هذه الانعكاسات لم تحدث معي أو على الأقل هكذا أظن، فقد كنت ولازلت تلميذة متفوقة ومجتهدة في كل أطوار ومراحل دراستي، كما أني إجتماعية لأبعد الحدود ويمكنني التأقلم مع الغرباء عني في وقت قياسي...واش نحكيلكم ختكم كل صباع بصنعة، وحدي نضوي لبلاد كيما قال خويا جزايري.
ما أود أن أقوله هو أن الابتلاء بشعور عدم الأمان ذاك أهون عندي مليون مرة من الابتلاء بشعور الخزي والعار بالانتساب لأب عاق بوالديه، حتى وإن لم أقلها لك مباشرة يا والدي أنا أقولها اليوم وأشهد الله أولا على مدى صدقها فهو وحده من يمكنه الاطلاع على صدق القلوب، وأشهدكم ثانيا يا معشر الشروقيين بأنني...فخورة بك يا والدي.
من مواضيعي
0 مغلق من أجل الصلاة... كم أشعرتني بالاشمئزاز
0 الآلة الحاسبة العلمية... أداة من أدوات التخلف والجهل
0 إذا لم تكن تعرف عنوانه... فهو يعرف عنوانك (قصة واقعية)
0 حلاقة البرلمان... ليتها صمتت!!!
0 ورشة شروقية لمناقشة التعديلات الدستورية
0 "لقيط"... تنكر له أولئك الذين أنجبوه
0 الآلة الحاسبة العلمية... أداة من أدوات التخلف والجهل
0 إذا لم تكن تعرف عنوانه... فهو يعرف عنوانك (قصة واقعية)
0 حلاقة البرلمان... ليتها صمتت!!!
0 ورشة شروقية لمناقشة التعديلات الدستورية
0 "لقيط"... تنكر له أولئك الذين أنجبوه
التعديل الأخير تم بواسطة قطر.الندى ; 22-12-2012 الساعة 04:12 PM