لستُ متديِّنًا.
11-06-2013, 01:37 PM
سمّانا ربُّنا سبحانه وتعالى "المسلمين" وكلّفنا بعبادته وطاعته بموجب ذلك ، فنحن مأمورون بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ومنهيّون عن الفحشاء والمنكر والبغي على أساس أننا مسلمون ، وكونُنا مسلمين يكفي لنكون مُلزَمين بأوامر الشرع ونواهيه ومسؤولين عنها ومُحاسبين عليها ، لكنَّ خطأً كبيرا وقعنا فيه واعتدنا عليه بعد ذلك حتى صار عاديًّا بل حتى كاد يصير في أذهاننا من الدّين، و هو أننا اخترعنا أسماءًا سمّيناها نحن وآباؤنا ووزعناها فيما بيننا لنتقاسم بموجبها ما لا يُتقاسم من مسؤوليات الوقوف عند أوامر الله ونواهيه ، فقُلنا هذا "متديِّن" و "ملتزم" وهذا غير متديّن وغير ملتزم ، وجعلنا كثيرا من أوامر الدّين ونواهيه محصورة على فئة من سمّيناهم متدّينين وملتزمين ، وأعفينا منها فئةَ من سمَّيناهُم أو سَمَّوا أنفسهم بشكل مباشر أو غير مباشر بغير المُتديِّنين وغير المُلتزمين،وكأن الشريعة جاءت لتخصّ بنورها ورحمتها فئة من المسلمين دون سِواهم ، والحقيقة غير ذلك، فالتديُّن والإلتزام بهذا المعنى الذي اتخذناه لم يأت على ذكرهما نصٌّ شرعي ، فالقرآن والسنة ذكرت الإسلام، الإيمان، الإحسان، التقوى، الإستقامة، الصلاح وكلُّها من شأن كلّ المسلمين لكنها لم تذكر التديُّن والإلتزام الذي هو بمفهومنا له من شأن خاصّتهم فقط ، كما أنّ كثيرا من الأوامر والنواهي ( الأحكام أو التكاليف الشرعية ) في القرآن كانت تُسبق بـ " يا أيها الذين آمنوا" فالتكاليف إذن تخصّ كلّ الذين آمنوا وليس الذين تديّنوا أو الذين إلتزموا أو الذين أطلقوا لحاهم أو الذين لبسوا القميص فقط، فأن لا يكون أحدُنا "متديِّنًا" لا يعني أنه معفيٌّ من أمر أو نهي يأمر به أو ينهى عنه ربُّنا عزّ وجل، لأننا عند الله "مسلمون"، هو سمّانا المسلمين، فلا يغرنَّنا ما نسمّي به أنفسنا، فنغفل عمّا يُصلح ديننا الذي هو عصمة أمرنا، بأن يعتقد أحدنا بأنه غير معنيّ بأجر غضّ البصر مثلا لأنه ليس متديِّنًا، فليس المتديِّنون من يفعلون ذلك بل هم المسلمون والمؤمنون ، أو يحرم نفسه من نفع ما بحجّة أنه غير معنيّ به ، فجريدة العربي مثلا يقولون عنها بأنها "جريدة تع الإخوة" ، أي أنها خاصة بمن يُسَّمَون بالملتزمين، وهذا غريب جدًّا، فلو أنها كانت جريدة علمية أكاديمية تختصّ بدقائق العلوم الشرعية لفهمنا قولهم بأنها خاصة بطلاب العلم الشرعي لكن أن تكون جريدة دعوية عامة فهي لكلّ المسلمين وليست لفئة معيّنة فقط ، كما لا يجب أن نعتبر زلّة من نسميه " متديِّنًا" أخطر من زلّة من نسمّيه أو يسمّي نفسه " غير متديّن" لأن العبرة بالإسلام والإيمان فقط، فلا نقول " ياه؟ أخينا ويسبّ الدّين؟ " بل نقول " ياه؟ مسلم ويسبّ الدّين؟ "، فلا أحفظ لساني مما يُغضب ربّي لأنني متديّن أو مُلتزم بل لأنني مسلم،ولا يوجد شيئ إسمه تديُّن وإلتزام أصلا فإذا رأيت منّي أيّ معروف فانسبه للإسلام لا إلى التديُّن، لأنني لستُ متديِّنًا أنا مسلم فقط.