موسى ابن سليمان الهاشمي
25-05-2011, 01:18 PM
موسى ابن سليمان الهاشمي كان من أنعم بني أبيه عيشا وأرخاه في المأكل والمشرب والملبس والطيب والجواري والغلمان ليست له فكرة ولا همة إلا فيما هو من عيشه ولذته وكان شابا جميلا فصيح اللسان حلو الكلام خافض الصوت وكانت نعمة الله عليه سابغة وقد أعجبته نفسه وشبابه ودنياه المواتيه له في جميع ما يشتهي وكان له مستشرف عال يقعد فيه يشرف على الناس -فإن تكلم سكتوا وإن قام قاموا ولا شئ فيه ذكر الغم إلا ذكر الفرح والسرور -حتى مضت له سبع وعشرون سنة فبينا هو ذات يوم في قبته وقد مضى بعض الليل إذ سمع نغمة من حلق ندي شجي خلاف ما يسمع من مطربيه فأخذت بمجامع قلبه ولها عما كان فيه فأومأ إليهم أن أمسكوا وأخرج رأسه يتسمع الذي وقع بقلبه فإذا النغمة ربما سمعها وربما خفيت فصاح بغلمانه اطلبوا صاحب هذا الصوت وكان قد عمل فيه الشراب فخرج الغلمان يطوفون فإذا هم بشاب نحيل الجسم دقيق العنق مصفر اللون ذابل الشفتين شعث الرأس قد لصق بطنه بظهره حافي القدمين قائم في بعض المساجد يناجي ربه تعالى فأخرجوه من المسجد وانطلقوا به لا يكلمونه حتى أوقفوه بين يديه فنظر إليه فقال من هذا قالوا صاحب النغمة التي سمعت قال أين أصبتموه قالوا في المسجد قائما يصلي ويقرأ فقال أيها الشاب ما كنت تقرأ قال كلام الله قال فأسمعني بتلك النغمة فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) أيها المغرور إنها خلاف مجلسك ومستشرفك به وفرشك هذا إنها أرائك مفروشة بفرش مرفوعة بطائنها من إستبرق مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ]الرحمن* [وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ]الواقعة*[فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ]*الحاقة[وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ]الغاشية*[إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ]المرسلات[ أكلها دائم وظلها تلك عقبي الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار] الرعد*[يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى]المعارج * فقام الهاشمي من مجلسه وعانق الشاب وبكى وصاح بندمائه انصرفوا عني وخرج إلى صحن داره وقعد على حصير مع الشاب ينوح ويبكي على شبابه والشاب يعظه إلى أن أصبح وقد عاهد الله أن لا يعود إلى معصية أبدا فلما أصبح أظهر توبته ولزم المسجد والعبادة وأمر بالذهب والفضة والجواهر والملابس فبيعت كلها وتصدق بها وأعتق من اختار العتق وتصدق به كله ولبس الصوف الخشن وأكل الشعير وكان يحيى الليل ويصوم النهار ثم خرج حاجا على قدميه حافيا ما عليه إلا خيشة وما معه إلا ركوة وجراب حتى قدم مكة وقضى حجه وأقام بها وكان يقول سيدي ذهبت شهواتي وبقيت تبعاتي فالويل لي يوم ألقاك والويل كل الويل من صحيفتي إذا نشرت مملوءة من فضائحي وخطاياي لم لي في إحسانك إلي ومقابلة نعمتك بالمعاصي وأنت مطلع على أفعالي سيدي إلى من أهرب إلا إليك وإلى من التجئ إلا إليك أسألك بجودك وكرمك وتفضلك أن تغفر لي وترحمني فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة .وأقبلت إلى ربي فهل تراه يقبلني فإني خائف أن يكون قد صرف وجهه عني قال فأبكاني كلامه وقلت حبيبي أبشر فقد بلغني أنه ما من شئ أحب إلى الله تبارك وتعالى من شاب تائب فلما أن سمعها أراد أن يضبط نفسه من البكاء وخاف أن يجتمعوا عليه إذا سمعوا بكاءه فقام وهو يقول أيها الطبيب اتبعني فتبعته حتى خرج من باب الحناطين وهو يمشي ويلتفت إلي وقد أمسك على بطنه حتى انتهى إلى باب ثم دخل وأدخلني معه وأصعدني غرفة وقعد وقال ما زلت متشوقا إلى لقائك لتداوي .أسعدك بلطفه فأنبهك من رقدة الغافلين فأشكره على توفيقه إياك وكن من الشاكرين وبما أنعم عليك فكن من الحامدين فإن الله تعالى معوضك ذلك برحمته أفضل مما تركت له من مخافته .واعلم أن بين يديك عقبة عليها المسلك غدا لا يقطعها إلا الورعون عن محارم الله تعالى وقناطر لا يجوزها إلا المخفون من المظالم يتردى منها في نار أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا .فكن على عدة وأعد الجواب فإنك قادم لا محالة وعلى من القدوم على أحكم الحاكمين والعدل الذي لا يجوز وديان يوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وهو منصت يسمع .فقمت من عنده وخرجت فلما أصبحت تصرفت في حوائجي فلما دخل وقت الظهر وأنا في الطواف وإذا الناس يتعادون نحو باب الصفا قلت ما الخبر قالوا جنازة غريب فخرجت وصليت عليه وضرب على قلبي فصرت من فوري إلى تلك الدار فسألت عنه فقالوا آجرك الله ألم تشهد جنازته قلت إنا لله وإنا إليه راجعون سبحان الفعال لما يريد قالوا ألست صاحبه البارحة قلت نعم قالوا إنك لما خرجت لم يزل يقول فؤادي فؤادي ذنبي ذنبي إلى أن مضى عامة الليل وهو يبكي ثم سكن فلما أصبح أنبهناه للصلاة فإذا هو قد فارق الدنيا لم يشهد خروج روحه أحد ولم يغمض قلت لهم عرفتموه قالوا لا كان غريبا من الحاج نزل عندنا ما رأينا ولا سمعنا بمثله ليله قائم يصلي وينوح على نفسه كأن ذنوب العباد هو المطالب بها لا يوقف على كسبه ومطعمه ولا يقبل بر أحد قلت كم له منذ نزل عندكم قالوا حجتين قلت معرفة الله خير من معرفتكم إياه