النُّمو في مرحلة الطُّفولَة
16-08-2020, 10:52 PM
تتَّسع قدرات الأطفال الجسديَّة والفكريَّة والعاطفيَّة بشكلٍ هائل وذلك في المرحلة العمريَّة التي تتراوح بين 1-13 عامًا. يتقدم الأطفال من المشي غير المُتمكِّن إلى الركض والقفز وممارسة الرياضة بانتظام. ويستطيع معظم الأطفال عند إتمامهم عامهم الأوَّل نطقَ بضع كلمّاتٍ يمكن تمييزها. ومع إتمام الطفل سن العاشرة، يمكن لمعظمهم كتابة تقارير عن الكتب واستخدام أجهزة الكمبيوتر؛ إلَّا أنََّ معدل النماء الذهني والعاطفي والسُّلُوكي يختلف بشكلٍ كبيرٍ باختلاف الرَّضيع وباختلاف الطفل. يعتمد النمو بشكلٍ جزئيٍّ على:

  • الوراثة: يمكن أن تنتقل أنماط معينة في العائلات، مثل تأخُّر المشي أو الكلام.
  • التغذية: تُعدُّ التغذية السليمة عاملًا ضروريًّا للنمو.
  • البيئة والمحيط: مثلاً، قد يؤدي نقص التحفيز الذهني الكافي إلى إبطاء النمو، في حين يمكن للتحفيز المناسب تسريع النمو.
  • المشكلات الجسدية في الطفل: مثلاً، يمكن للصَّمم إبطاء النَّماء اللغوي.

رغم أنَّ نموَّ الطفل يكون مستمرًّا عادةً، إلَّا أنَّه قد يحدث توقُّفٌ مؤقَّت في تطوُّر وظيفة معينة مثل الكلام. يستخدم الأطباء مَعَالِمً بارزة - وهو العمر الذي يتقن فيه معظم الأطفال مهارات معينة مثل المشي - لتحديد طريقة نمو الطفل مقارنة بالأطفال الآخرين. يمكن أن تَتكوَّن مهارات مختلفة بمعدلات مختلفة؛ فمثلاً، قد يمشي الطفل متأخرًا، ولكنه يتكلَّم جملًا في وقتٍ مُبكِّر.



النماء أو التطوّر الفكري

الفِكر Intellect هو قدرة الشخص على الفهم والتفكير والاستنتاج. ولكي يتقدَّم الفكر، يجب أن يتلقى الأطفال الرعاية المناسبة في مرحلة الإرضاع والطفولة المبكرة؛ كأن يبدأ الأطفال في القراءة في سنٍّ مبكرة وتوفير تجارب محفِّزة فكريًا وتوفير علاقات دافئة وحاضنة، فكل ذلك له تأثير كبير في النمو والتَّقدُّم الفكري.

في سن الثانية، يُدرك معظم الأطفال مفهوم الوقت بعبارات عامة. يعتقد الكثير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وثلاث سنوات أنَّ أيَّ شيءٍ حدث في الماضي قد حدث "بالأمس"، وأيَّ شيء سيحدث في المستقبل سيحدث "غدًا". ويتمتع الطفل في هذا العمر بخيال خصب، ولكنَّه يجد صعوبةً في تمييز الخيال عن الواقع. وبحلول سن الرابعة، يكون عند معظم الأطفال فهمٌ أكثر تعقيدًا للوقت؛ حيث يدركون أنَّ اليوم يَنقسم إلى الصباح وبعد الظهر والليل. كما يمكنهم تمييز تغيُّر المواسم.

في المرحلة من 18 شَهرًا إلى خمس سنوات من العمر، تزداد مفردات الطفل بسرعة من حوالى 50 كلمة إلى عدة آلاف من الكلمات. يُمكن للأطفال أن يبدؤوا بالاسم، وأن يستفسروا بنشاطٍ عن الأشياء والأحداث. وعند بلوغهم سن الثانية، يبدؤون في وضع كلمتين معًا في عبارات قصيرة، تتقدَّم إلى جملٍ بسيطة عند بلوغهم سنَّ الثالثة. يتحسَّن نطق الطفل، مع كون الكلام نصف مفهوم لشخص غريب عند بلوغ الطفل سن الثانية، وقابلًا للفهم بشكلٍ كامل عندَ بلوغه سنَّ الرابعة. يمكن لطفلٍ يبلغ من العمر أربعة أعوام أن يروي قصصًا بسيطة، ويمكنه الدخول في محادثة مع البالغين أو الأطفال الآخرين.

كما يمكن للأطفال دون 18 شهرًا من العمر الاستماع إلى قصة تُقرأ لهم، وفهمها. وفي سن الخامسة، يتمكن الأطفال من قراءة الأبجدية وتمييز الكلمات البسيطة في الطباعة. تُعدُّ جميع هذه المهارات أساسيَّة لتعلُّم طريقة قراءة الكلمات والعبارات والجُمَل البسيطة. ووفقًا لنسبة مخالطتهم للكتب والقدرات الطبيعيَّة، يبدأ معظم الأطفال بالقراءة بعمر ستِّ سنوات.

ومع بلوغ الطفل عامه السابع، تصبح القدرات الفكرية عند الأطفال أشدَّ تعقيدًا؛ حيث يصبحون قادرين بشكل متزايدٍ على التركيز على أكثر من جانب واحد للحدث أو الموقف في نفس الوقت؛ فمثلًا، يمكن للأطفال في سن المدرسة أن يقدّروا أنَّه يمكن للحاوية الطويلة الرفيعة احتواء نفس كمية الماء الموجودة في حاوية قصيرة وعريضة. ويمكنهم أن يقدّروا أنَّ مذاق الدواء يمكن أن يكون سيِّئًا، لكنَّه قد يجعلهم يشعرون بتحسُّن أو قد تشعر أمَّهم بالغضب منهم ولكنَّها ما زالت تُحبُّهم. تزداد قدرة الأطفال على فهم وجهة نظر شخص آخر، ومن ثَمّ معرفة أساسيات تناوب الأدوار في الألعاب أو المحادثات. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للأطفال في سن المدرسة اتباع القواعد المتفق عليها للألعاب. كما يكون الأطفال في هذا العمر قادرين بشكل متزايد على تفهُّم سلطة المراقبة ووجهات النظر المتعددة.


النُّمو أو التطوّر العاطفي والسُّلُوكي

يختلف سلوك وعواطف الطفل باختلاف مرحلة نموُّه وحالته المزاجيَّة؛ حيث يكون لكلِّ طفلٍ حالة مزاجيَّة فرديَّة أو مزاج مُعيَّن. قد يكون بعض الأطفال مرحين وقادرين على التَّكيُّف ويُطوِّرون روتينًا منتظمًا وسهلًا للنوم والاستيقاظ وتناول الطعام والقيام بالنشاطات اليوميَّة الأخرى. ويميل هؤلاء الأطفال للاستجابة بشكلٍ إيجابي للظروف الجديدة. أمّا الأطفال الآخرون فلا يكونون قابلين للتكيف، وقد يكون لديهم اضطرابات كبيرة في حياتهم الروتينية. ويميل هؤلاء الأطفال للاستجابة بشكل سلبي للحالات الجديدة. ويبقى هناك أطفال آخرون بين طرفي الطَيف.

الرُضّع

يعدّ البكاء وسيلة التواصل الأساسية للرضيع. يبكي الرضع لأنهم يعانون من الجوع، أو عدم الارتياح، أو الضائقة، ولأسباب أخرى كثيرة قد لا تكون واضحة. كما يبكون كثيرًا - 3 ساعات في اليوم عادةً - في عمر 6 أسابيع، وينخفض ذلك إلى ساعة في اليوم بعمر 3 أشهر. يقدم الآباء والأمهات الطعام عادةً للأطفال الرضع الباكين، ويغيرون حفاضاتهم، ويبحثون عن مصدر للألم أو الانِزعَاج. وإذا لم يفلح ذلك، فإن الإمساك أو المشي بالرضيع يفيد أحيانًا. وأحيَانًا لا شيء ينفع. يجب على الأبوين عدم إجبار الرُّضَّع الذين يبكون على تناول الطعام، حيث إنَّهم سوف يأكلون بسهولة إذا كان الجوع هو سبب انزعاجهم.

وعندما يصبح الرضيع بعمر ثمانية أشهر تقريبًا، يصبح أكثر قلقًا عادةً بشأن فصله عن أبويه. وقد يكون الانفصال في وقت النوم وفي أماكن مثل مراكز رعاية الأطفال صعبًا ويمكن تمييزه من خلال المزاج الغاضب. يمكن لهذا السلوك أن يستمرَّ عدَّة أشهر. بالنسبة للكثير من الأطفال الأكبر سنًا، يمكن لبطانية خاصة أو لدمية على شكل حيوان أن يُوفِّرا خدمةً في هذا الوقت كدلالة انتقالية ترمز إلى وجود الوالد الغائب.


الأطفال

يبدأ الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين إلى ثلاث سنوات، في اختبار حدودهم، والقيام بما كان ممنوعًا عليهم، وذلك ببساطة لمعرفة ما سيحدث. يعكس "الرفض المتكرِّر" الذي يسمعه الأطفال من الآباء محاولات الاستقلاليَّة في هذا العمر. ورغم أنَّ المزاج الغاضب يُسبِّبُ انزعاج الآباء والأطفال إلَّا أنَّه طبيعيٌّ، لأنَّه يُساعد الأطفال على التعبير عن إحباطهم في الوقت الذي لا يمكنهم فيه التعبير عن مشاعرهم بشكلٍ جيد. يمكن للوالدين المساعدة على الحدِّ من عدد نوبات الغضب من خلال عدم السماح لأطفالهم بالإفراط في الإجهاد أو الإحباط الشديد، وعن طريق معرفة أنماط سلوك أطفالهم، وتجنُّب المواقف التي قد تُثير نوبات غضب. وفي حالاتٍ نادرة، يحتاج المزاج الغاضب إلى تقييم الطبيب. يواجه بعضُ الأطفال الصغار صعوبة خاصة في ضبط اندفاعهم ويحتاجون إلى والديهم لوضع حدود أكثر صرامة حولها، والتي قد توفِّرُ بعض السلامة والانتظام في عالمهم.

في المرحلة العمريَّة التي تتراوح بين 18 شهرًا إلى عامين، يبدأ الأطفال عادة في تحديد الهوية الجنسيَّة. كما يكتسب الأطفالُ خلال سنوات ما قبل المدرسة فكرةً عن دور الجنسين، وعمَّا يفعله الأولاد والبنات عادةً. ومن المتوقع أن تُكتَشَفَ الأعضاء التناسليَّة في هذا العمر وتظهر إشاراتٌ إلى أنَّ الأطفال قد بدؤوا في الرَّبط بين نوع الجنس وصورة الجسم.

يبدأ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين وثلاثة أعوام في اللعب بطريقة أكثر تفاعلية مع الأطفال الآخرين. ورغم أنَّهم قد يكونوا مستمرِّين في نزعتهم لتملُّك الألعاب، إلَّا أنَّهم قد يبدؤون في المشاركة بل والتناوب في اللعب. يُساعد تأكيد ملكية الألعاب بالقول: "هذا لي!" على تأسيس الشُعور بالذات. ورغم محاولات الأطفال في هذا العمر من أجل الحصول على الاستقلاليَّة، إلا أنَّهم ما زالوا بحاجة إلى آبائهم القريبين من أجل الأمن والدَّعم؛ فمثلًا، قد يبتعدون عن والدَيهم عندما يدفعهم حبُّ الاستطلاع ليعودوا ويختبئوا في وقت لاحق خلف والديهم عندما يكونون خائفين.

يصبح الكثير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3-5 سنوات، مهتمين بالألعاب الخيالية والأصدقاء الخياليين. يتيح اللعبُ الخياليُّ للأطفال القيامَ بأدوارٍ مختلفة، بطرائقٍ مقبولةٍ في محيطٍ آمنٍ مع وجود مشاعر قوية. كما يساعد اللعب الخيالي على نموِّ الأطفال اجتماعيًّا. ويتعلمون حلَّ النزاعات مع الوالدين أو الأطفال الآخرين بطرائقٍ تساعدهم على تنفيس الإحباطات والحفاظ على احترام الذات. كما تظهر في هذه الفترة مخاوف الطفولة النموذجية مثل خروج "الوحش الموجود في الخزانة". وتُعدُّ هذه المخاوف طبيعية.

في المرحلة العمريَّة التي تتراوح بين 7 - 12 عامًا، يعمل الأطفال من خلال عددٍ من القضايا: مفهوم الذات self-concept، الذي يتمُّ وضع أساسه بكفاءة في الفصل الدراسي؛ والعلاقات مع الأقران relationships with peers التي يجري تحديدها من خلال القدرة على الاندماج في المجتمع والتَّلاؤم بشكلٍ جيد؛ والعلاقات الأُسَريَّة family relationships، والتي يجري تقييدها جزئيًّا من خلال الموافقة التي يحصل عليها الأطفال من الوالدين والأشقاء. ورغم ظهور شأنٌ مُميَّز للكثير من الأطفال في مجموعة أقرانهم، إلا أنَّهم ما زالوا ينتظرون من آبائهم في المقام الأوَّل الدَّعم والتوجيه. ويمكن للأشقَّاء أن يكونوا قدوة مثاليَّة وداعمين حقيقيين ونُقَّادًا فيما يتعلق بما يمكن وما لا يمكن فعله. يكون الأطفال في هذه المرحلة العمريَّة شديدي النشاط، حيث يُشاركون في الكثير من النشاطات، ويتلهَّفون لاستكشاف أنشطةٍ جديدة. يكون الأطفال في هذه المرحلة العمريَّة مُتلهِّفين للتَّعلُّم وغالبًا ما يستجيبون بشكلٍ جيدٍ للنصائح المُتعلِّقة بالسلامة وأنماط الحياة الصحية وتجنُّب السُّلُوكيات الشديدة الخطورة.