تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
تفسير سورة النازعات للشيخ العثيمين 1.2
11-04-2014, 02:11 PM
بسم الله وحده والصلاةوالسلام على أشرف المرسلين
نتابع مع الشيخ العثيمين رحمه الله في تفسيره الممتع لجزء عمّ
قال الله عز وجل : (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) (( وَالنَّزِعَتِ غَرْقاً * وَالنَّشِطَتِ نَشْطاً * وَالسَّبِحَتِ سَبْحاً * فَالسَّبِقَتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَتِ أَمْراً )) البسملة آية من كتاب الله مستقلة لا تتبع السورة التي قبلها ولا التي بعدها ولهذا كان القول الراجح أن البسملة ليست من الفاتحة بل هي مستقلة، ودليل ذلك حديث أبي هريرة الثابت المخرج في الصحيحين أن الله قال:( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ، قال الله تعالى: حمدني عبدي ... ) وذكر تمام الحديث، كما أنها أيضاً ليست آية من السور الأخرى، أما الذي نشاهده في المصحف من أنها آية في الفاتحة دون غيرها إنما هو على رأي بعض العلماء، ولكن الصواب ما ذكرت لكم بأنها آية مستقلة، وهذا يعني أنه لو اقتصر الإنسان في سورة الفاتحة على قوله:(( الحمد لله رب العالمين...) الخ السورة لكانت صلاته صحيح . إلا أنها لا توجد في أول سورة براءة وسبب ذلك أنه لم ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين السورتين آية البسملة، فلذلك لم تكن موجودة، وأما تعليل بعض العلماء بأنها - أي سورة براءة- نزلت بالسيف فإنه تعليل عليل لا يصح لأن السيف إذا كان بحق أو حق فلا بد . يقول الله عز وجل: (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) (( وَالنَّزِعَتِ غَرْقاً * وَالنَّشِطَتِ نَشْطاً * وَالسَّبِحَتِ سَبْحاً * فَالسَّبِقَتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَتِ أَمْراً )) كل هذه الأوصاف للملائكة على حسب أعمالهم التي أمرهم الله عزوجل بها فــ(( والنازعات غرقا )) يعني الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار تنزعها (( غرقا )) أي نزعاً بشدة. (( والناشطات نشطا )) يعني الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين، تنشطها نشطاً: أي تسلها برفق كالأنشوطة، وأظنكم تعرفون الأنشوطة: الربط الذي يسمونه عندنا " التكة " أو ما أشبه ذلك من الكلمات، يعني يكون ربطاً بحيث إذا سللت أحد الطرفين انفكت العقدة هذا ينحل بسرعة وبسهولة، فهؤلاء الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين تنشطها نشطاً أي: تسلها برفق، وسبب ذلك أن الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار إذا دعت الروح إلى الخروج تناديها بأقبح الأوصاف تقول الملائكة لروح الكافر: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، اخرجي إلى غضب الله وما أشبه هذا من الكلام، فتنفر تنفر الروح لا تريد أن تخرج إلى هذا، وتتفرق في الجسد- والعياذ بالله -حتى يقبضوها بشدة، وينزعوها نزعاً يكاد يتمزق الجسد منها من شدة النزع. أما أرواح المؤمنين ـ جعلني الله وإياكم منهم ـ فإن الملائكة إذا نزلت لقبضها تبشرها: اخرجي أيتها النفس الطيبة ،كانت في الجسد الطيب اخرجي إلى رضوان الله، وما أشبه هذا من الكلام الذي يهون عليها أن تفارق جسدها الذي ألفته فتخرج بسهولة، ولهذا لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ). قالت عائشة: يا رسول الله: كلنَّا يكره الموت، فقال: ( ليس الأمر ذلك ولكن المؤمن- يعني إذا جاءه أجله - يبشر برحمة من الله ورضوان فيحب لقاء الله )، لأنه في تلك اللحظة يرى أنه سينتقل إلى دار أحسن من الدار التي فارقها فيفرح كما يفرح أحدنا إذا قيل له أخرج من بيت الطين إلى بيت المسلح القصر المشيد الطيب، فيفرح فيحب لقاء الله، والكافر ـ والعياذ بالله ـ بالعكس إذا بشر بالغضب والعذاب فإنه يكره أن يموت، ويكره لقاء الله فيكره الله لقاءه. إذن: (( والنازعات غرقا )) : هي الملائكة التي تنزع أرواح الكفار تنزعها بشدة ، (( والناشطات نشطا )): الملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بسهولة ويسر. (( فالسابقات سبقاً )) أيضاً هي الملائكة تسبق إلى أمر الله عز وجل، ولهذا كانت الملائكة أسبق إلى أمر الله وأقوم بأمر الله من بني آدم، قال الله تعالى في وصف ملائكة النار: (( عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )).. وقال عز وجل: (( ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون )) فهم سباقون إلى أمر الله عز وجل بما يأمرهم لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لقوتهم وقدرتهم على فعل أوامر الله عز وجل. (( والسابحات سبحا )) هي الملائكة تسبح بأمر الله، أي تسرع فيه كما يسرع السابح في الماء، وكما قال تعالى عن الشمس والقمر والليل والنهار (( كل في فلك يسبحون )) فالمعنى أنها تسبح بأمر الله عز وجل على حسب ما أراد الله سبحانه وتعالى، وهم أي الملائكة أقوى من الجن، والجن أقوى من البشر، انظر إلى قوله تعالى عن سليمان: (( يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك )) يعني إذا مددت طرفك ثم رجعته فقبل أن يرجع إليك آتيك به (( فلما رآه مستقرّاً عنده )) في الحال رآه (( قال هذا من فضل ربي ليبلوني ءَأَشكر أم أكفر )) قال العلماء: إنه حملته الملائكة حتى يأتوا به إلى سليمان من أين؟ من اليمن، وسليمان بالشام بلحظة فدل هذا على أن قوة الملائكة أكبر بكثير من قوة الجن، وقوة الجن أكبر من بني آدم؛ لأنه لا يستطيع أحد من بني آدم أن يأتي بعرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام قبل مدة طويلة، فالحاصل أن الملائكة تسبح بأمر الله عز وجل بما يأمرها به. (( فالمدبرات أمراً )) أيضاً وصف للملائكة تدبر الأمر، وهو واحد الأمور يعني أمور الله عز وجل لها ملائكة تدبرها، ولننظر: جبرائيل موكل بالوحي يتلقاه من الله وينزل به على الرسل، إسرافيل موكل بنفخ الصور الذي يكون عند يوم القيامة ينفخ في الصور فيفزع الناس ويموتون، ثم ينفخ فيه أخرى فيبعثون، وهو أيضاً من حملة العرش، ميكائيل موكل بالقطر والنبات وبالمطر والنبات، ملك الموت موكل بالأرواح، مالك موكل بالنار، رضوان موكل بالجنة، عن اليمين وعن الشمال قعيد موكل بالأعمال ، كلٌّ يدبر ما أمره الله عز وجل به (( فالمدبرات أمراً ))، إذن هذه الأوصاف كلها لمن؟ هذه الأوصاف للملائكة على حسب أعمالهم، وأقسم الله سبحانه وتعالى بالملائكة لأنهم من خير المخلوقات، ولا يقسم الله سبحانه وتعالى بشيء إلا وله شأن عظيم إما في ذاته، وإما لكونه من آيات الله عز وجل. ثم قال تعالى: (( يوم ترجف الراجفة. تتبعها الرادفة )) هذه (( يوم ترجف )) متعلقة بمحذوف والتقدير: اذكر يا محمد وذكّر الناس بهذا اليوم العظيم: (( ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ))، وهما النفختان في الصور، النفخة الأولى: ترجف الناس ويفزعون ثم يموتون عن آخرهم إلا من شاء الله، والنفخة الثانية: يبعثون من قبورهم فيقوم الناس من قبورهم مرة واحدة، قال الله تعالى: (( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة )). إذا رجفت الراجفة وتبعتها الرادفة انقسم الناس إلى قسمين: (( قلوب يومئذ واجفة. أبصارها خاشعة )): وهذه قلوب الكفار (( واجفة )) أي: خائفة خوفاً شديداً. (( أبصارها خاشعة )) يعني ذليلة لا تكاد تحدق أو تنظر بقوة ولكنه قد غُضت أبصارهم ـ والعياذ بالله ـ لذلهم قال الله تعالى: (( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي )).- نسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم في الدنيا والآخرة وأن يجعلنا ممن نجوا ذلك اليوم من عذاب الله وأن يجعلنا من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين في الدنيا والآخرة-. قال الله تبارك وتعالى في بيان يوم الساعة : (( فإنما هي زجرة واحدة. فإذا هم بالساهرة )) زجرة من الله عز وجل يزجرون ويصاح بهم فيقومون من قبورهم قيام رجل واحد على ظهر الأرض بعد أن كانوا في بطنها قال الله تبارك وتعالى: (( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون )). كل الخلق في هذه الكلمة الواحدة يخرجون من قبورهم أحياء، ثم يحضرون إلى الله عز وجل ليجازيهم، ولهذا قال: (( فإنما هي زجرة واحدة. فإذا هم بالساهرة )) وهذا كقوله تعالى: (( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر)). وهذا يعني ما أمر الله إن أراد شيئاً إنما يقول إلا واحدة فقط : (( كن )) ولا يتأخر هذا عن قول الله لحظة (( إلا واحدة كلمح بالبصر )) والله عز وجل لا يعجزه شيء، فإذا كان الخلق كلهم يقومون من قبورهم لله عز وجل بكلمة واحدة فهذا أدلّ دليل على أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأن الله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض كما قال تعالى: (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً )) (( فإنما هي زجرة واحدة. فإذا هم بالساهرة )) . ثم قال تعالى مبيناً ما جرى للأمم قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وليعلم أن قصص الله عز وجل عليه وأخبار الأمم السابقة له فوائد كثيرة وعبر عظيمة كما قال تعالى: (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)) فهم من ذلك تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام عما أصابه من قومه من الأذى في القول والفعل،فكأن الله يقول له: إن الرسل من قبلك قد أوذوا (( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا .و لا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين )) ، وأيضاً وكذلك إن فيها تهديداً للمكذّبين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من العذاب والنكال، قال الله تبارك وتعالى: (( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ))، والعبر في القصص قصص الأنبياء كثيرة. قال الله تعالى: (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى )) والخطاب في قوله (( هل أتاك )) للنبي صلى الله عليه و آله وسلم إذن و لكل من يتأتى خطابه ويصح توجيه الخطاب إليه، ويكون على المعنى الأول (( هل أتاك )) يا محمد، وعلى المعنى الثاني: (( هل أتاك )) أيها الإنسان (( حديث موسى )) وهو ابن عمران عليه الصلاة والسلام أفضل أنبياء بني إسرائيل، وهو أحد أولي العزم الخمسة الذين هم: محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، وقد ذكروا - أعني هؤلاء الخمسة- في القرآن في موضعين، أحدهما في الأحزاب في قوله تعالى: (( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم )). والثاني في قوله تعالى: (( شرع لكم من الدين ما وصَّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى )). وحديث موسى عليه الصلاة والسلام ذكر في القرآن أكثر من غيره؛ لأن موسى هو نبي اليهود وهم كثيرون في المدينة وحولها في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت قصص موسى أكثر ما قص علينا من نبأ الأنبياء وأشملها وأوسعها وفي قوله: (( هل أتاك حديث موسى )) تشويق للسامع ليستمع إلى ما جرى في هذه القصة. (( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى )) ناداه الله عز وجل نداءً سمعه بصوت الله عز وجل، قال الله تعالى: (( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيًّا ))، (( إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ )) فرعون كان ملك مصر، وكان يقول لقومه إنه ربهم الأعلى، وأنه لا إله غيره (( قال يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري )) فادعى ما ليس له، وأنكر حق غيره وهو الله عز وجل، وقوله: (( بالواد المقدس )) هو الطور، والوادي هو مجرى الماء، وسماه الله مقدساً لأنه كان فيه الوحي إلى موسى عليه الصلاة والسلام. وقوله: (( طوى )) اسم للوادي . مخاطباً موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( اذهب إلى فرعون إنه طغى )) ، فأمر الله نبيه موسى أن يذهب إلى فرعون وهذا هو الرسالة، وبيّن سبب ذلك وهو طغيان هذا الرجل ـ أعني فرعون ـ وفي سورة طه قال: (( اذهبا إلى فرعون إنه طغى )). ولا منافاة بين الآيتين وذلك أن الله تعالى أرسل موسى أولاً ثم طلب موسى صلى الله عليه وآله وسلم من ربه أن يشد أزره بأخيه هارون فأرسل هارون مع موسى فصار موسى وهارون كلاهما مرسل إلى فرعون. وقوله تعالى: (( إنه طغى )) أي: زاد على حده؛ لأن الطغيان هو الزيادة، ومنه قوله تعالى: (( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية )). طغى أي : زاد، ومنه الطاغوت: لأن فيه مجاوزة الحد. وهنا يقول الله عزوجل : (( إنه طغى )) (( فقل هل لك إلى أن تزكى )) : الاستفهام هنا لتشويق فرعون أن يتزكى مما هو عليه من الشر والفساد، وأصل الزكاة النمو والزيادة، وتطلق بمعنى الإسلام والتوحيد، ومنه قوله تعالى: (( وويل للمشركين. الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون )) . ومنه قوله تعالى: (( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )).(( فقل هل لك إلى أن تزكى )) (( وأهديك إلى ربك )) أي أدلك إلى ربك أي إلى دين الله عز وجل الموصل إلى الله. (( فتخشى )) أي فتخاف الله عز وجل على علم منك؛ لأن الخشية هي الخوف المقرون بالعلم، فإن لم يكن علم فهو خوف مجرد، وهذا هو الفرق بين الخشية والخوف. الفرق بينهما أن الخشية عن علم قال الله تعالى: (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )). وأما الخوف فهو خوف مجرد ذعر يحصل للإنسان ولو بلا علم، ولهذا قد يخاف الإنسان من شيء يتوهمه، قد يرى في الليلة الظلماء شبحاً لا حقيقة له فيخاف منه، فهذا ذعر مبني على وهم، لكن الخشية تكون عن علم. (( وأهديك إلى ربك فتخشى )) (( فأراه الآية الكبرى )) أي: فذهب موسى عليه الصلاة والسلام وقال لفرعون ما أمره الله به (( هل لك إلى أن تزكى . وأهديك إلى ربك فتخشى )) ولما كان البشر لا يؤمنون ولا يقبلون دعوى شخص أنه رسول إلا بآية كما هو ظاهر أن الإنسان لا يقبل من أحد دعوى إلا ببينة جعل الله سبحانه وتعالى مع كل رسول آية تدل على صدقه، وهنا قال: (( فأراه الآية الكبرى )) يعني أرى موسى فرعون الآية الكبرى، فما هي هذه الآية؟ الآية أن معه عصاً من خشب من فروع الشجر كما هو معروف، فكان إذا وضعها في الأرض صارت حية تسعى ثم يحملها فتعود عصا، وهذا من آيات الله أن شيئاً جماداً إذا وضع على الأرض صار حية تسعى، وإذا حمل من الأرض عاد في الحال فوراً إلى حاله الأولى وهي أنه عصا من جملة العصيان (( فأراه الآية الكبرى )) ، وإنما بعثه عليه الصلاة والسلام بهذه الآية، وبكونه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء أي من غير عيب، أي: بيضاء بياضاً ليس بياض البرص ولكنه بياض جعله الله آية، إنما بعثه الله بذلك بالعصا واليد؛ لأنه كان في زمن موسى السحر منتشراً شائعاً فأرسله الله عز وجل بشيء يشبه السحر لكنه ليس بسحر حقيقة من أجل أن يغلب السحرة الذين تصدّوا لموسى عليه الصلاة والسلام. قال أهل العلم: وفي عهد عيسى صلى الله عليه وآله وسلم انتشر الطب انتشاراً عظيماً، فجاء عيسى بأمر يعجز الأطباء، وهو أنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ، إذا جيء إليه بشخص فيه عاهة أي عاهة تكون مسحه بيده ثم برأ بإذن الله (( يبرىء الأكمه والأبرص )) مع أن البرص لا دواء له لكن هو يبرىء الأبرص بإذن الله عز وجل، ويبرىء الأكمه الذي خلق بلا عيون يبرئه، وأشد من هذا وأعظم أنه يحيي الموتى بإذن الله، يؤتى إليه بالميت فيتكلم معه ثم تعود إليه الحياة، وأشد من ذلك وأبلغ أنه يخرج الموتى بإذن الله يخرجهم من أي مكان؟ من قبورهم، يقف على القبر وينادي صاحب القبر فيخرج من القبر حيًّا، هذا شيء لا يمكن لأي طب أن يبلغه، ولهذا كانت آية عيسى في هذا الوقت مناسبة تماماً لما كان عليه الناس. قال أهل العلم: أما رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أتى إلى العرب وهم يتفاخرون في الفصاحة، ويرون أن الفصاحة أعظم منقبة للإنسان فجاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بهذا القرآن العظيم الذي أعجز أمراء الفصاحة، وعجزوا عن أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: (( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً )) : يعني لو كان بعضهم يعاون بعضاً فإنهم لن يأتوا بمثله. حينئذ نقول إن موسى عليه الصلاة والسلام أرى فرعون الآية الكبرى ولكن هل انتفع بالآيات؟ لا، (( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون )) . (( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب )) فالذين ليس في قلوبهم استعداد للهداية لا يهتدون ولو جاءتهم كل آية ـ والعياذ بالله ـ ولهذا قال: (( فكذب وعصى )) كذب الخبر، وعصى الأمر، يعني قال لموسى إنك لست رسولاً بل قال (( إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون )) . وعصى الأمر فلم يمتثل أمر موسى ولم ينقد لشرعه.

يتبع بإذنه تعالى
التعديل الأخير تم بواسطة abchir ; 13-04-2014 الساعة 06:26 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية حليمة الجيجلية
حليمة الجيجلية
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 16-11-2012
  • الدولة : جيجل
  • العمر : 28
  • المشاركات : 3,013
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • حليمة الجيجلية will become famous soon enough
الصورة الرمزية حليمة الجيجلية
حليمة الجيجلية
شروقي
رد: تفسير سورة النازعات للشيخ العثيمين 1
11-04-2014, 04:14 PM
بارك الله فيك
جزاك الله خيرااااااااا
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير سورة النازعات للشيخ العثيمين 1
13-04-2014, 06:24 PM
السلام عليكم
شكرا لكل من مرّ من هنا وبارك الله فيكم جميعا خاصة لمن تركت تعليق،وهذه التتممة:
. (( ثم أدبر يسعى )): أدبرأي تولى مدبراً، يسعى حثيثاً. (( فحشر فنادى )) حشر الناس أي جمعهم ونادى فيهم بصوت مرتفع ليكون ذلك أبلغ في نهيهم عما يريد منهم موسى عليه الصلاة والسلام. (( فحشر فنادى )) (( فقال أنا ربكم الأعلى ))- والعياذ بالله- قال لقومه: أنا ربكم الأعلى، يعني لا أحد فوقي لأن (( الأعلى ))- هذه اسم تفضيل من العلو، فانظر كيف استكبر هذا الرجل وادعى لنفسه ما ليس له في قوله: (( أنا ربكم الأعلى ))- وكان يفتخر بالأنهار والُملك الواسع يقول لقومه في ما قال لهم ، لأنه قال لهم أقوالاً كثيرة: (( يا قومِ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون .أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )). فما الذي حصل؟ أغرقه الله عز وجل بالماء الذي كان يفتخر به، وأورث الله ملك مصر بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم. قال الله تعالى: (( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى )) أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر،(( نكال الآخرة والأولى )) يعني أنه نكّل به في الآخرة وفي الأولى، فكان عبرة في زمنه، وعبرة فيما بعد زمنه إلى يوم القيامة، كل من قرأ كتاب الله وما صنع الله بفرعون فإنه يتخذ ذلك عبرة يعتبر به، وكيف أهلكه الله مع هذا الملك العظيم وهذا الجبروت وهذا الطغيان فصار أهون على الله تعالى من كل هين. يقول الله عز وزجل (( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى )) (( إن في ذلك )) أي فيما جرى من إرسال موسى إلى فرعون ومحاورته إياه واستهتار فرعون به واستكباره عن الانقياد له عبرة،عبرة لمن؟ (( لمن يخشى )) أي يخشى الله عز وجل، فمن كان عنده خشية من الله وتدبّر ما حصل لموسى مع فرعون والنتيجة التي كانت لهذا ولهذا فإنه يعتبر ويأخذ من ذلك عبرة، والعبر في قصة موسى كثيرة ولو أن أحداً منكم انتدب ليجمع القصة من الآيات في كل سورة ثم يستنتج ما حصل في هذه القصة من العبر لكان جيداً فهل منكم أحد يقوم بذلك؟ نعم؟ نعم النتائج في خمسة عشر يوماً، في الإجازة؟ على كل حال إن وجدنا أحد قبلك فهو أحق وإلا فهو أنت، طيب الذي يأتي الأول فهو السابق إي ، يعني يأتي بالقصة كلها في كل الآيات، لأن السور في بعضها شيء ليس في البعض الآخر، فإذا جمعها وقال مثلاً يؤخذ من هذه القصة العظيمة العبر التالية ثم يسردها، يعني ليس لازما الأحكام الشرعية الفقهية هذه ما أريدها منكم لأن هذه يمكن تطول، لكن العبرة العبر كيف أرسلهم الله عز وجل إلى فرعون؟ كيف قال لهما (( فقولا له قولاً ليناً )). مع أنه مستكبر خبيث؟ وكيف كانت النتيجة؟ وكيف كان موسى عليه الصلاة والسلام خرج من مصر خائفاً على نفسه يترقب كما خرج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة يترقب، وصارت النتيجة العاقبة للرسول عليه الصلاة والسلام ولموسى، لكن العاقبة للرسول بفعل الرسول وأصحابه، عذب الله أعداءهم بأيديهم، وعاقبة موسى بفعل الله عز وجل، فلما يجيب الإنسان العبر من هذا ما أريد أحكاما فقهية لا ، أريد عبرا يعتبر بها الإنسان يصلح بها نفسه وقلبه حتى يتبين الأمر. يصلح بها قلبه، يعني كلام العلماء يستعان بها على فهم المعنى والطريقة في الشرح، ونقف على قوله تعالى (( أَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَهَا )) وأظن تكلمنا عليها لكن لا مانع على كل حال طيب ،إذا في فائدة لا بأس، وإلى هنا تنتهي هذه الكلمات التي أسأل الله عز وجل أن تكون خالصة له نافعة لنا جميعاً. وقفنا عند قوله تعالى: (( أءنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ))....الخ. يخاطب الله سبحانه وتعالى عباده فيقول: (( ءأنتم أشد خلقاً أم السماء )) وغرضه من هذا الاستفهام تقرير إمكان البعث ،لأن المشركين كذّبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبعث وقالوا: (( من يحيي العظام وهي رميم )) وغرضه من هذا الاستفهام تقرير إمكان البعث ،لأن المشركين كذّبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبعث وقالوا ؛ فيقول الله عز وجل: (( ءأنتم أشد خلقاً أم السماء )) الجواب معلوم منذ البداية وهو أنه السماء كما قال تعالى: (( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) . (( بناها )) هذه الجملة لا تتعلق بالتي قبلها، ولهذا ينبغي للقارئ إذا قرأ أن يقف على قوله (( أم السماء )) ثم يستأنف فيقول: (( بناها )) فالجملة استئنافية لبيان عظمة السماء، (( بناها )) أي بناها الله عز وجل وقد بين الله سبحانه وتعالى في آية أخرى في سورة الذاريات أنه بناها بقوة فقال: (( والسماء بنيناها بأيد )) أي بقوة (( وإنا لموسعون )). (( رفع سمكها فسواها )) رفعه يعني عن الأرض، ورفعه عز وجل بغير عمد كما قال الله تعالى: (( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها )). (( فسواها )) أي جعلها مستوية، وجعلها تامة كاملة كما قال تعالى في خلق الإنسان: (( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك )) أي جعلك سويًّا تام الخلقة، فالسماء كذلك سواها الله عز وجل. (( أَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَهَا )) أغطشه: أي أظلمه، فالليل مظلم، قال الله تعالى: (( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة )). (( وأخرج ضحاها )) بيّنه بالشمس التي تخرج كل يوم من مطلعها وتغيب من مغربها. (( وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَهَا * مَتَعاً لَّكُمْ وَلأنْعَمِكُمْ )). (( وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ )) أي بعد خلق السماوات والأرض، (( دحاها )) وبيّن هذا الدحو بقوله: (( أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها )) وكانت الأرض مخلوقة قبل السماء كما قال الله تعالى: (( قل أئِنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سماوات في يومين )). فالأرض مخلوقة من قبل السماء لكن دحوها وإخراج الماء منها والمرعى كان بعد خلق السماوات. (( أخرج منها ماءها ومرعاها )) (( والجبال أرساها )) أي جعلها راسية في الأرض تمسك الأرض لئلا تضطرب بالخلق. (( متاعاً لكم ولأنعامكم )) أي جعل الله تعالى ذلك متاعاً لنا نتمتع به فيما نأكل ونشرب، ولأنعامنا أي مواشينا من الإبل والبقر والغنم وغيرها. ولما ذكَّر الله عز وجل عباده بهذه النعم الدالة على كمال قدرته ذكرهم بمآلهم الحتمي الذي لابد منه، فقال عز وجل: (( فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى )): وذلك قيام الساعة، وسماها طامة لأنها داهية عظيمة تطم كل شيء سبقها. (( الكبرى )) يعني أكبر من كل طامة. (( فإذا جاءت الطامة الكبرى )) (( يوم يتذكر الإنسان ما سعى )) لهذا اليوم الذي تكون فيه الطامة الكبرى وهو اليوم الذي يتذكر فيه الإنسان ما سعى، أين يتذكره؟ يتذكره مكتوباً، مكتوباً عنده يقرأه هو بنفسه قال الله تعالى: (( ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً )). إذا قرأه تذّكر ما سعى أي ما عمل، أما اليوم فإننا قد نسينا ما عملنا، عملنا أعمالاً كثيرة منها الصالح، ومنها اللغو، ومنها السيئ، لكن كل هذا ننساه، وفي يوم القيامة يعرض علينا هذا في كتاب ويقال اقرأ كتابك أنت بنفسك (( كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً )). فحينئذ يتذكر ما سعى (( ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً )). ثم قال: (( وبُرِّزت الجحيم لمن يرى )) – أعاذنا الله وإياكم منها - (( وبُرِّزت )) أظهرت تجيء تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام فيه سبعون ألف ملك يقودونها، إذا ألقي منها الظالمون مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً تأتي ـ والعياذ بالله ـ لمن يرى ويبصر فتنخلع القلوب ويشيب المولود ولهذا قال: (( فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا. فإن الجحيم هي المأوى )) هذان وصفان هما وصفان لأهل النار، الطغيان وهو مجاوزة الحد، وإيثار الدنيا على الآخرة بتقديمها على الآخرة وكونها أكبر هم الإنسان، فإذا قال قائل ما هو الطغيان؟ قلنا: الطغيان مجاوزة الحد، كما ذكرناه آنفاً، مجاوزة الحد بماذا؟ ما هو حد الإنسان ؟ حد الإنسان مذكور في قوله تعالى: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )). فمن جاوز حده ولم يعبد الله فهذا هو الطاغي، هذا هو الطاغي لأنه تجاوز الحد، أنت مخلوق لا لتأكل وتتنعم وتتمتع كما يتمتع الأنعام، أنت مخلوق لعبادة الله فاعبد الله عز وجل، فإن لم تفعل فقد طغيت هذا هو الطغيان ألا يقوم الإنسان بعبادة الله. وقوله (( وآثر الحياة الدنيا )) هما متلازمان فإن الطاغي عن عبادة الله مؤثر للحياة الدنيا لأنه يتعلل بها عن طاعة الله، ويتلهى بها عن طاعة الله، إذا أذن الفجر آثر النوم على الصلاة، إذا قيل له اذكر الله آثر اللغو على ذكر الله، وهكذا... قوله: (( فإن الجحيم هي المأوى )) أي هي مأواه، والمأوى هو المرجع والمقر وبئس المقر مقر جهنم ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ . (( وأما من خاف مقام ربه )) يعني خاف القيام بين يديه؛ لأن الإنسان يوم القيامة سوف يقرره الله عز وجل بذنوبه ويقول عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا كما جاء في الحديث الصحيح، فإذا أقر قال الله له: ( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم )، هذا الذي خاف هذا المقام.
(( ونهى النفس عن الهوى ))
: أي عن هواها، والنفس أمَّارة بالسوء لا تأمر إلا بالشر. ولكن هناك نفس أخرى تقابلها وهي النفس المطمئنة؛ لأن للإنسان ثلاث نفوس: نفس مطمئنة، وأمارة، ولوامة، وكلها في القرآن، أما المطمئنة ففي قوله تعالى: (( يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي. وادخلي جنتي )). وأما الأمَّارة بالسوء ففي قوله تعالى: (( وما أبرىء نفسي إن النفس لأمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي )) . وأما اللوامة ففي قوله تعالى: (( لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة )). والإنسان يحس بنفسه بهذه الأنفس؛ يرى في نفسه أحياناً نزعة خير يحب الخير يفعله هذه هي النفس المطمئنة، يرى أحياناً في نفسه نزعة شر يفعله هذه نفس أمارة بالسوء، تأتي بعد ذلك النفس اللوامة التي تلومه على ما فعل فتجده يندم على ما فعل من المعصية، أو لوامة أخرى تلومه على ما فعل من الخير – والعياذ بالله -، فإن من الناس من قد يلوم نفسه على فعل الخير وعلى مصاحبة أهل الخير ويقول: كيف أصاحب هؤلاء الذين صدوني عن حياتي.. عن شهواتي.. عن لهوي، وما أشبه ذلك. فاللوامة نفس تلوم الأمارة بالسوء مرة، وتلوم المطمئنة مرة أخرى، فهي في الحقيقة نفس بين نفسين تلوم النفس الأمارة بالسوء إذا فعلت السوء، وتندم الإنسان، وقد تلوم النفس المطمئنة إذا فعلت الخير– نسأل الله العافية- يقول الله عز وجل: (( ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى )) الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل لأوليائه فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين )). هكذا جاء في القرآن، وجاء في الحديث القدسي: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر )، هذه الجنة يدركها الإنسان قبل أن يموت، يدركها قبل أن يموت، كيف ذلك؟ إذا حضر الأجل ودعت الملائكة النفس للخروج قالت: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى رضوان الله، وتبشر النفس بالجنة، قال الله تعالى: (( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم )) .متى يقولونه؟ حين التوفي (( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) فيبشر بالجنة فتخرج روحه راضية متيسرة سهلة، ولهذا لما حدث النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) قالت عائشة: يا رسول الله: كلنا يكره الموت، قال: ( ليس الأمر ذلك ـ كلنا يكره الموت بمقتضى الطبيعة ـ ولكن المؤمن إذا بشر بما يبشر به عند الموت أحب لقاء الله أحب الموت وسهل عليه )، وإن الكافر إذا بشر ـ والعياذ بالله ـ بما يسوؤه عند الموت كره لقاء الله وهربت نفسه تفرقت في جسده حتى ينتزعوها منه كما ينتزع السّفود من الشعر المبلول، والشعر المبلول إذا جر عليه السفود وهو معروف عند الغزالين يكاد يمزقه من شدة سحبه عليه هكذا روح الكافر والعياذ بالله ـ تتفرق في جسده لأنها تبشر بالعذاب فتخاف،ولهذا يوجد بعض الناس -والعياذ بالله- يسود وجهه، ولونه في الحياة أحمر.
وحدثني من أثق به ،وأقسم به أكثر من مرة وهو ممن يباشرون تغسيل الموتى يقول والله مرت مر علي حالتان لا أنساهما أبداً،يقول غسلت اثنين الوجه أسود والبدن أبيض ، يقول أسود مثل الفحم - والعياذ بالله- هذا بناءً على إيش؟ لأنه يبشر بما يسوئه -والعياذ بالله – والإنسان إذابشر بما يسوئه تغير. فالجنة - اللهم إنا نسألك أن نكون من أهلها جميعاً ونسألك من فضلكً- فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وقلت لكم إن الإنسان قد يدركها قبل أن يموت بما يبشر به، ولا يخفى علينا ما جاء في السيرة النبوية أن أنس بن النضر ,أظنه أنس بن النضر,ـ رضي الله عنه ـ: " يا رسول الله، والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد "،أجد ريح الجنة دون أحد, وهذا ليس معناه الوجدان الذوقي، وجدان حقيقي، قال ابن القيم رحمه الله: " إن بعض الناس قد يدرك الآخرة وهو في الدنيا "، ثم انطلق فقاتل وقُتل رضي الله عنه، فالحاصل أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال الله تعالى: (( فإن الجنة هي المأوى )) (( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَهَا )) (( يسألونك )) أي يسألك الناس كما قال تعالى في آية أخرى: (( يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله )). سؤال الناس عن الساعة ينقسم إلى قسمين: سؤال استبعاد وإنكار وهذا كفر كما سأل المشركون النبي صلى الله عليه وسلّم عن الساعة واستعجلوها، وقد قال الله عن هؤلاء: (( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق )). وسؤال عن الساعة يسأل متى الساعة ليستعد لها وهذا لا بأس به، وقد قال رجل للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله متى الساعة؟ قال له: " ماذا أعددت لها؟ " قال: حب الله ورسوله. قال: ( المرء مع من أحب )، فالناس يسألون النبي عليه الصلاة والسلام ولكن تختلف نياتهم في هذا السؤال، ثم مهما كانت نياتهم ومهما كانت أسئلتهم فعلم الساعة عند الله ولهذا قال: (( فيمَ أنت من ذكراها )) يعني أنه لا يمكن أن تذكر لهم الساعة، لماذا؟ لأن علمها عند الله كما قال تعالى في آية أخرى: (( قل إنما علمها عند الله )). وقد سأل جبريل وهو أعلم الملائكة، سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أعلم الخلق من البشر قال: أخبرني عن الساعة. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) ، يعني أنت إذا كانت خافية عليك فأنا خافية علي، وإذا كان أعلم الملائكة وأعلم البشر لا يعلمان متى الساعة فما بالك بمن دونهما، وبهذا نعرف أن ما يشيعه بعض الناس من أن الساعة تكون في كذا وفي كذا وفي زمن معين كله كذب، نعلم أنه كذب في ذلك ؛ لأنه لا يعلم متى الساعة لا يعلمها إلا الله عز وجل. (( إنما أنت منذر من يخشاها )) يعني ليس عندك علم منها ولكنك منذر، منذر من؟ (( من يخشاها )) أي يخافها وهم المؤمنون، أما من أنكرها واستبعدها وكذبها فإن الإنذار لا ينفع فيه (( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون )). ولهذا نقول أنت لا تسأل متى تموت ولا أين تموت لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال أمر مفروغ منه ولابد أن يكون ومهما طالت بك الدنيا فكأنما بقيت يوماً واحداً بل كما قال تعالى هنا: (( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها )) ولكن السؤال الذي يجب أن يرد على النفس ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو على أي حال تموت؟! وأريد بقولي على أي حال ؟, لست أريد على أي حال تموت هل أنت غني أو فقير؟، أو قوي أو ضعيف؟، أو ذو عيال أو عقيم؟،لا، على أي حال تموت في العمل؟ هذه النقطة, فإذا كنت تساءل نفسك هذا السؤال فلابد أن تستعد؛ لا بد أن تستعد, لأنك لا تدري متى يفجَؤُك الموت، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورجع به محمولاً على الأكتاف، وكم من إنسان خرج من أهله يقول هيئوا لي الطعام الغداء أو العشاء ولكن لم يأكله، وكم من إنسان لبس قميصه وزرّ أزرته ولم يفكها إلا الغاسل يغسله، هذا أمر مشاهد بحوادث بغتة. كل أن تنظر الآن وتفكر على أي حال تموت، - نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التوبة والإنابة- ولهذا ينبغي لك أن تكثر من الاستغفار ما استطعت، فإن الاستغفار فيه من كل هم فرج، ومن كل ضيق مخرج، حتى إن بعض العلماء يقول إذا استفتاك شخص فاستغفر الله قبل أن تفتيه، لأن الذنوب تحول بين الإنسان وبين الهدى واستنبط ذلك من قول الله تبارك وتعالى: (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً. واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً )) . وهذا استنباط جيد، أو يمكن أيضاً أن يستنبط من قوله تعالى: (( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم )). والاستغفار هو الهدى، لذلك أوصي نفسي وإياكم بالمراقبة، وكثرة الاستغفار، ومحاسبة النفس حتى نكون على أهبة الاستعداد لما نخشاه أن يفجأنا من الموت ـ نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة ـ. قال الله تعالى (( كأنهم يوم يرونها )) أي يرون القيامة، (( لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها )) العشية من الزوال إلى غروب الشمس، والضحى من طلوع الشمس إلى زوال الشمس، يعني كأنهم لم يلبثوا إلا نصف يوم، وهذا هو الواقع لو سألتكم الآن كيف ما مضى من السنوات عليكم؟ هل تشعرون الآن بأنه سنوات أو كأنه يوم واحد؟ نعم، كأنه يوم واحد ،لا شك كأنه يوم واحد. والإنسان الآن بين ثلاثة أشياء: يوم مضى فهذا قد فاته، ويوم مستقبل لا يدري أيدركه أو لا يدركه، ووقت حاضر هو المسئول عنه، الوقت الحاضر، وأما ما مضى فقد فات وما فات فقد مات، هلك عنك الذي مضى هلك عنك، والمستقبل لا تدري أتدركه أم لا، والحاضر هو الذي أنت مسئول عنه. نسأل الله تعالى أن يحسن لي ولكم العاقبة، وأن يجعل عاقبتنا حميدة، وخاتمتنا سعيدة إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 04:33 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى