مقاربة بين زمنين
20-01-2021, 12:16 PM
لقد ترددت كثيرا في خوض غمار هذا الموضوع ولكن لأهميته الفكرية وأبعاده التاريخية المرتبطة بالقديم الراكد بطعم متجدد, المساير للنهضة العلمية الحديثة المحتشمة وتحديات العصر وما يحاك ضد الإسلام والمسلمين من طرف الغرب وأعداء الأمة الإسلامية والتكالب العلني الذي طفا على السطح مؤخرا على عدة أشكال من تصريحات سياسية تعبر عن كراهية مفرطة وإجراءات شرسة قمعية مست الكثير من المغتربين في حريتهم في فرنسا ومراقبة المساجد وإحصائها ووضعها في خانة بؤر التطرف تحسبا لغلق بعضها نهائيا, سوق لها الإعلام الفرنسي في حملة دعائية غير مسبوقة بجعجعة مفتعلة سرت كالنار في الهشيم وبان دخان تأثيرها في المجتمعات الأوروبية, المراد منها تشويه سمعة الإسلام والمسلمين, وقد تبنته فرنسا بالذات كمشروع درع أمني أعطيت له أهمية قصوى ذات أبعاد إستراتجية للتضييق على الجالية المسلمة في كامل أوروبا.
لقد صرح الرئيس الفرنسي قائلا ( إن الإسلام يعيش أزمة في كل مكان من العالم, وعلى فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية.), كما صرح مؤخرا قائلا "لن نتخلى عن الرسوم وإن تقهقر البعض"..
كذلك الحاضر المنسي و تشابه الإحداث وما أنجر عنه من مكائد تحاك هنا وهناك ضد الأمة الإسلامية وأمنها وزعزعة استقرارها وإدخالها في متاهات الفوضى وقلاقل بدعوى حماية الأقلية ودواعي الديمقراطية, وهذا بالتعريف بشخصيات المقاربة والإسقاطات التاريخية عليها، وهما المفكر الجزائري مالك بن نبي،رحمه الله وفكره الذي أعيد بعثه من جديد بعد 47 عاما من رحيله، والدكتور كمال العرفي الأستاذ والإمام العالم من علماء تبسة اللذان ذاع صيتهم كمنارات علمية معتدلة, اجتهدت في نشر الفكر المعتدل الهادف للحفاظ على وحدة الوطن وترابه والعيش في كنف الأمن المؤدي للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
كذلك المزج بين حقبتين زمنيتين يشتركان في مكان واحد ذو تقاليد وعادت موحدة وهو إقليم ولاية تبسة, وخاصة ونحن نشهد أحداث سياسية خطيرة مثل التطبيع مع الكيان الصهيوني لبعض الدول العربية والتحديات المستقبلية التي ستواجهها الجزائر للحفاظ على أمنها القومي ووحدتها الترابية, ونحن نعرف ونعي جميعا أنها مستهدفة وخاصة بعد سقوط ليبيا في براثن الفوضى وانضمام المغرب إلي قافلة المطبعين, كما أن لعاب العدو مازال يسيل متقاطرا وأنيابه بارزة من جراء شهية لا تنتهي طمعا في خيراتها ولما جاد الله عليها من نعم, كذلك الواجهة البحرية الملغمة بحاملات الطائرات الفرنسية والأسطول الأمريكي والقواعد الأمريكية البريطانية, زيادة على تنسيق المخزن مع الكيان الصهيوني لضرب الجزائر في أمنها وتفكيك نسيجها الاجتماعي بتواطؤ المجموعات الضاغطة بالتنسيق مع اللوبيات الرابضة في الظل.
مالك بن نبي من أعلام الفكر الإسلامي ويُعد من أحد رُوّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين ويُمكن اعتباره امتدَادًا لابن خلدون، من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبّهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة, وقد خلق لنفسه منهجا خاصا في بحث مشكلة المسلمين على أساس علم النفس والاجتماع وسنن التاريخ. كان منشغلا بهموم أمته العربية والإسلامية، مدافعا عن الحق, باعثا لأفكار منيرة مستنيرة ترمي لنشر الوعي والحس الوطني للكفاح من أجل تحرير الوطن و بعث روح العمل بسواعد صلبة لا تكل ولا تمل وشحذ الهمم والمقاربات الفكرية الرامية للإبداع.
أعماله أحدثت نقلة نوعية في الفكر الإسلامي الحديث، فلقب بألقاب عديدة منها "فيلسوف العصر" و"فقيه الحضارة" و"منظر النهضة الإسلامية . حياته الفكرية طغت عليها الثقافة المنهجية، استطاع بواسطتها أن يضع يده على أسباب التخلف في العالم العربي والإسلامي.
لقد نهل "مالك" من كل المعارف والأفكار المختلفة، فقرأ لـلأديب والشاعر الفرنسي"جول فيرن" وتذوق العبقرية الشعرية الجاهلية وشعر العصر الأموي والعباسي، وحتى مدارس الشعر الحديثة، مما أكسبه طابعًا أدبيًا ملموسًا في مؤلفاته فيما بعد, ثم ما لبث أن جذبته الحركة الإصلاحية لـ ابن باديس بسبب ما امتاز به -منذ صغره- بالفكر الثوري ضد الاستعمار الفرنسي.
عمل في "تبسة" كمساعد كاتب في المحكمة. وأتاح له عمله هذا الاحتكاك بمختلف شرائح المجتمع أيام الاستعمار مما ساعده على تفسير ظواهر مختلفة, يقول رحمه الله ("الجهل في حقيقته وثنية؛ لأنه لا يغرس أفكارًا بل ينصّب أصنامًا".)
كما عمد "ابن نبي" إلى تبنّي قواعد تفكير جامعة تمكنه من تفسير الواقع والتاريخ، فكانت أهم أفكاره التي يرى من خلالها الظواهر الاجتماعية "هي مفهومه للعوالم الثلاثة: عالم الأفكار، وعالم الأشخاص، وعالم الأشياء، فهذه العوالم الثلاثة هي أساسًا ثلاث منظومات نظرية تتجلى في كل الظواهر الإنسانية والاجتماعية، ولكنها لا تتجلى منفردة، وإنما تكون متصاحبة بقدر معين" وقد "يغلب أحد هذه العوالم الثلاثة على الظاهرة ويشكل الأساس المركزي لها.
كما أجتهد في ضرب مقارنة فكرية في مسألة دراسة المجتمعات بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي فالحضارة حسب "ابن نبي" هي "مجموع الشروط الأخلاقية والمادية، التي تتيح لمجتمع معين أن يقدم لكل فرد من أفراده – في كل طور من أطواره -وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة المساعدة الضرورية.
الحضارة حسب "مالك" شكل راقٍ من الحياة الأخلاقية والمادية، وهي لا تقوم إلا على ثقافة المجتمع، التي هي "مجموعة من الصفات والقيم الاجتماعية التي يلقاها الفرد منذ ولادته، كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، ومن ثم فإنه يرى حتمية توجيه هذه الثقافة بشكل فعّال لتأسيس البنية الفكرية قبل البناء، وهو يقسّم الأمر هنا إلى شقّين: توجيه سلبي يتعلق بفصل رواسب الماضي المنبوذ، وتوجيه إيجابي يصلنا بمقتضيات المستقبل المرغوب، كنفي القرآن للجاهلية، ووضعه لأسس الإسلام.
"مالك بن نبي" كان شخصية كبيرة ومنارة شامخة من المنارات العلمية للجزائر، فهو يتراجع عن الخطأ إذا تبين له وينصح الجميع، فيقول: "فيما يخصني لقد بذلت شطرًا من حياتي في سبيل الحركة الإصلاحية، وشهدت في مناسبات مختلفة بالفضل لجمعية العلماء المسلمين. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته
الدكتور كمال العرفي : الأستاذ والإمام والعالم التبسي صاحب المنهجية الوسطية و الاعتدال فهمًا و فكرا وسلوكا, المتشبع بالروح الوطنية, المؤمن بفكرة الحفاظ على أمن الجزائر ووحدة ترابها, الساعي لنشر ثقافة التماسك والتعاضد والتكاتف من أجل بناء جزائر مستقبلية تحتوي الجميع دون تفرقة , وإيجاد الصيغ التوافقية لنسج لحمة قوية تزيد من استقرار الوطن في جميع الميادين.
دائم الحركة الدعوية لا يكل ولا يمل من أجل رفع اللبس والجدل على العديد من المسائل التي تهم المواطن بالدرجة الأولى, حامل لهمها منشغل بها جاعل منها شغله الشاغل, يسابق الزمن محليا ووطنيا وحتى مغاربيا لخدمة أمته, له العديد من المشاركات في الجرائد الوطنية مثل الصوت الأخر بخصوص(حرمة السندات الربوية) والوسط الجزائرية بموضوع مهم حول ( تحديات الصيرفة الإسلامية ونوافذ البنوك التقليدية)
المؤمن بدور المرجعية الدينية في التماسك الاجتماعي المنادي إلى أهمية تحصين المجتمع من الهجمات الخارجية، معتبرا أن المجتمع غير المحصن معرض للانزلاق والذوبان في دائرة الأفكار الضالة، وكان من أفكاره إن الوظيفة الأولى والأساسية للمؤسسة المسجدية في الوقت الراهن، هي إيجاد إطار سليم من حيث الفهم والتطبيق الصحيح للدين في ظل المؤامرة الكبيرة التي تحاك والشبح الرافضي الذي أضحى يمتد بسهولة داخل المجتمع الجزائري، مضيفا أن وظيفة الأئمة هي ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية.
ويعتبر، أن انتشار أفكار الطائفة الأحمدية بهذه السهولة داخل المجمع الجزائري، يشكل خطرا كبيرا على المرجعية الدينية الوطنية، التي اعتنقها الجزائريون منذ دخول الإسلام هذه البلاد والتي تستند إلى المذهب المالكي في جانبها الفقهي، الذي يعتبره صمام الأمان للشعب الجزائري من الأفكار المتطرفة والفئات الضالة.
متحصل على دكتوراه فقه و أصوله من جامعة الأمير عبد القادر سنة 2009
له عدة مؤلفات نذكر منها كتاب جامعي في المواريث و التركات و له عدة كتب قيد الطبع
و له أيضا عدة مشاركات وطنية منها ملتقى عن المواريث في جامعة بجاية
ملتقى المذهب المالكي بجامعة سطيف
و له أيضا عدة ملتقيات تخصصية مع جمعية الإخاء العلمي
و قد تقلد عدة مناصب نذكر منها :
رئيسا تكوين فريق الدكتوراه تخصص معاملات المالية المعاصرة
رئيس تحرير مجلة الشريعة و الاقتصاد
عضو المجلس العلمي بجامعة الأمير عبد القادر
عضو المجمع الفقهي الجزائري
رئيس سابق للمجلس العلمي و مجلس الإفتاء بمديرية الشؤون الدينية لولاية تبسة
أستاذ محاضر -أ - بقسم الفقه و أصوله بكلية الشريعة و الاقتصاد بجامعة الأمير عبد القادر
إمام خطيب بمساجد كامل تراب ولاية تبسة منذ سنة 1992
يشهد له كامل المجتمع العاتري و التبسي بحسن الخلق و التواضع و حبه لمدينته وولايته و وطنه خاصة.
خدوم لكل طلابه و لكل من يتوجه اليه طالبا يد المساعدة, مسارع لفعل الخيرات. حفظه الله ورعاه.
المقاربة : الرجلان يتشابهان في كل شئ ما عدا أن الأول عايش ويلات وهمجية المستعمر وكان له نصيب منها أدخل السجن ومع ذلك ضل صامدا شامخا, مجاهدا بقلمه وهاهو فكره يبعث من جديد ليكون نورا ينير العقول ويهتدى به في زمن الجفاف الفكري والثاني عاش في كنف الاستقلال, ثابر وأجتهد ونجح وكان من الرجال الصادقين مع نفسه وبلدته ووطنه, عشق الوطنية حتى النخاع وحمل هم الوطن ومازال يناضل من أجل إحقاق الحق وطمس الباطل والحلم بوطن آمن قوى داخليا وخارجيا.
إن المجتمع البشري بحاجة الى اخلاقية
الشكر وذكر مناقب المصلحين الساعين بين الناس بالخير والإشادة بها، الذي يعبر عنه بالكلمة الطيبة التي تزرع المودة والحب وتكون علاقات وطيدة بين الأفراد والمجتمع ، وتؤسس لبعث روح التآزر والتضامن بين المواطنين فينتعش الوطن أمنيا وإقتصاديا.
بلخيري محمد الناصر